قصة الإنسية التي تزوجت جني
خارت جميع قوى عشتار من المشي تحت شمس الصحراء المحرقة وكان الظمأ قد أحرق جوفها لكن وسط هذا الحر الشديد لاحظت أن جرح النسر قد بدأ يلتأم شيئاً فشيئاً وهذا ما اعطاها املاً في الاستمرار الا انها غدت تمشي بمعدل خطوة في الثانية من شدة التعب
توقفت فجأة تنظر يمنةً ويسرة ماتدري عما تبحث فقط لتلتقط انفاسها وحين اعادت نظرها للأمام لاحظت شيئاً من بعيد بدا وكأنه شجرة
“إن كانت توجد شجرة حقاً فلابد من وجود الماء”
وجود خيال شجرةٍ من بعيد اعطاها قليلاً من الأمل فغدت تشد الخطى
” ما أظنها إلا سراباً ولكن ليس لدي أمل غير هذا السراب سأتبعه أما أن أصل للماء أو أن أكون تقدمت لمبتغاي”
كلما كانت تمشي كانت الشجرة تكبر والمسافة بين خطوات رجلاها تكبر وسرعتها تزيد
أخيراً وصلت للشجرة وأخذت تبكي من الفرح من غير دموع حين وجدت بئراً بجانب تلك الشجرة
” الشكر لك يارب أرجو أن يكون به ماء”
اقتربت من البئر وسحبت الحبل المعلق به إلى ان اخرجت دلواً مليئاً بماء عذب
” يالله الشكر لك”
كادت ان تشرب ولكنها تذكرت حبيبها
” لابد انه عطشان مثلي ترى هل يستطيع ان يشرب؟”
بعد ان استعادت نشاطها وحيويتها همت بالنهوض لملأ الدلو مرةً اخرى لتحمله معها في مسيرتها وحين كانت تسحبه سمعت صرخةً مفزعة من شدة الفزع سقط الدلو من يدها في البئر
سمعت صوتاً من ورائها وهي تركض
“كيف تجرأين”
“كيف تجرأين”
أخذت تركض وهي ترتعد خوفاً ولكن دون جدوى فقد أحاط بها شعر ابيض يابس كأنه كان يركض معها التف حول رجليها وأسقطها أرضا حتى انفلت النسر من يديها وسحبها ذاك الشعر الى ان اعادها لتلك العجوز
كانت تلك هي “السعلاة” فصيلةٌ من الجن تسكن القفار والصحاري على هيئة امرأة عجوز ذات شعر ابيض طويل يابس وفمٍ دون أسنان فقط نابان طويلان وعينان مخيفتان كعينا أفعى تقتل الانسان خنقا وتأكله
طوقت يداها ورجلاها وبطنها ورقبتها وعشتار ترتجف خوفاً وقد أيقنت أنه لاسبيل للفرار أو القتال هذه المرة
صرخت السعلاة: كيف تجرأين
عشتار وهي ترتعد: أرجوك سامحيني قد كنت عطشى وكدت أموت ولم أعلم أن هذا البئر يخص أحداً
السعلاة: ستموتين الآن ولكن علي أن اتأكد ان موتك سيكون مصحوباً بألمٍ شديد هذا جزاء من يتجرأ على مائي
عشتار: الرحمة أرجوك لم أكن أعلم أن هذا ماؤك سامحيني أرجوك أنا آسفة
وأخذت تخنقها
السعلاة: إن كان مائي قد روى عطشك فجسمك النحيل سيسكن جوعي
واخذتها تخنقها بشدة حتى كادت عشتار ان تموت
عشتار: أرجوك اتركيني أعيش أنا أمٌ لطفلتان ولدي زوجٌ مريض
ضحكت السعلاة ضحكاً شديداً وقالت: هل تظنين أني سأرثي لحالك .. يالك من غبية
عشتار: أرجوك ان كان هناك ما استطيع عمله للتكفير عن خطأي فأنا مستعدة ولكن لاتقتليني أرجوك
السعلاة: ليس لديك شيء يمكن أن استفيد منه سوى ان تكوني وجبة غدائي هه
عشتار: سأطعمك إن تركتيني أعيش متى ماحضرتي لعالم الإنس سأعطيك كل مالذ وطاب كل يوم سأكون لك خادمة
السعلاة: لا أريد طعامك أو خدمتك لكن إن كنت تريدين الحياة سأتركك تعيشين بشرط واحد
عشتار: أشكرك أيتها المرأة الطيبة سمي شرطك وسأنفذه مهما كلفني الأمر
السعلاة: هل انت متأكدة؟؟
عشتار: نعم بالطبع سمي ماشئت فقط اتركيني اعيش
السعلاة: لا أظن أنك ستوافقين على شرطي من الافضل ان آكلك
عشتار: لا لا أرجوك لقد وافقت على شرطك قبل ان اسمعه فقط سمي ماشئت
السعلاة: هل هذا وعد؟؟
عشتار: نعم أعدك أن أنفذ ماتطلبيني أرجوك أخبريني بشرطك
السعلاة: حسناً مادمتي قد قطعتي وعداً سأعلمك بطلبي ومبتغاي لكن أحذرك إن اخلفتي بهذا الوعد لن يستطيع أحدٌ من الإنس أوالجن مساعدتك سنلتزم بالاتفاق نحن الاثنتان ولن تتجرأ إحدانا على النكث به
احتارت عشتار ولكن بحسب الظاهر لايوجد لديها خيارٌ آخر عدا الموافقة فأي شيء سوى الموت
عشتار: حسناً أعدك
السعلاة: جميل جداً
طلبي وشرطي ومبتغاي أن أشاركك في زوجك
انصعقت عشتار من طلب هذه الجنية
ونزلت دمعةُ حرقةٍ من عينيها ما إنه لابتزازٌ صعب
السعلاة: تبا لك أيتها الإنسية هل توافقي أو تموتي هيا بسرعة
حين سمعت عشتار هذه الكلمات لمعت فكرةٌ في عقلها إن نجحت ستكون قد نجت بحياتها وتخلصت من هذه العجوز للأبد
السعلاة بفرح شديد: كرري ماقلتي ثلاث مرات
كررت عشتار ماقالت ثلاث مرات ونظرت للسعلاة التي كانت فرحةً جداً بانتصارها
السعلاة: حسناً لقد تم الأمر، لقد شاركتك في زوجك الإنسي للأبد اذهبي الآن وحين اكتمال القمر من كل شهر سأجدك أينما كنت
عشتار: حسناً ياشريكتي الوداع الآن لكن هل يمكنني استعارة قليلاً من الماء لأروي عطشي
السعلاة: خذي هذه القارورة ستعينك في سفرك
عشتار: أشكرك
السعلاة: اغربي عن وجهي الآن وتذكري موعدنا عند اكتمال القمر اتلبسك واشاركك في زوجك
مشت عشتار وهي تهم الخطا بسرور ونصف ابتسامة ونشوة انتصار، لم يخطر ببالها أن تخدع جني من قبل وصلت للنسر وحملته على عنقها واكملت مسيرها حتى ابتعدت واختفت عن السعلاة
في هذه الأثناء دخل كبير الوزراء سامد على الملك عيقم الذي كان جالساً وحده بعد الاجتماع
عيقم: مايشغل بالك؟
سامد: مايشغل بالك
عيقم: هل تعتقد أنه يستطيع مجابهة تلك العينين مرةً أخرى؟
سامد: عندي اقتراح إن سمح لي مولاي
عيقم: تفضل ياصديقي
سامد: إنه ابنك وولي عهدك وقائد جيشك اعتقد أنه من المخاطرة وضعه في اختبار كهذا
عيقم: أنت تعرف طنطل عنيد جداً ولن يتنازل عن مطلبه سيقحم نفسه في اختبارٍ هو مهلكه
سامد: لهذا جئتك يامولاي. ماذا لو جعلنا إحدى الجنيات تتشكل على صورة عشتار ونجعله يقتلها بهذا نكون قد عززنا ثقته بنفسه وأنه أثبت كفاءته والأهم من ذلك نوهمه أنه تغلب على عشقها ونحن بدورنا نقوم بقتل عشتار
عيقم: كيف ستقتلها والخاتم
سامد: في الوقت الذي سنشن في هجمتنا سأضع جائزةً لمن يأتيني برأسها له نصف ما أملك وسأرسل لها أكثر من جني لتحتد المنافسة فحين تخور قوى جلجامش في المعركة عندها نعطيهم الإشارة بالهجوم على عشتار وقتلها وبهذا نقوم بتشيت قوة جلجامش واضعافه أكثر ليتسنى لنا التغلب عليه بسهولة، يقتلوها دون أن ينظروا في عينيها و علينا أن نعد العدة لهذه المعركة يجب أن تكون قاضية
عيقم: يالك من صديق وفي أتهب نصف ثروتك فداء لي
سامد: أهب حياتي فداء لك مولاي
عيقم: لكن ماذا لو فشلت الخطة سيكون تأثيرها سلبي على طنطل لاشك، أعني فيما لو قام طنطل بقتل عشتار المزيفة وفشلت خطتك في قتل عشتار الحقيقية واكتشف طنطل أنها ماتزال على قيد الحياة
سامد: لاضير في ذلك، إذ أنه يعتقدها ساحرة
عيقم: الحق ماتقول
بعد عناءٍ طويل في حر الصحراء وصلت عشتار أخيراً لوادٍ به عدة شجيرات لكن لايوجد ماء هنا إذ كانت الأشجار يابسة وسكونٌ غريب يحف بالوادي
أخذت تمشي بحذرٍ وخوفٍ وترقب المجهول إذ أنها أيقنت أنه لابد من وجود تحدٍ جديد هذه المرة
فجأة سمعت صوت رفرفةٍ تبعه صوتٌ يستنجد
“ساعدوني النجدة أنقذوني من هذا الشرير”
ظنت انها تهيآت أو قد تكون خدعةً ما فأخذت تشد الخطى إلى أصبح الصوت أقوى من ذي قبل
“اتركني ايها المتوحش”
نظرت تحت شجرةٍ قريبة وكانت المفاجأة
” إن هذه الفراشة تمر بنفس مامررت به مذ دخلت هذه الأرض المرعبة لابد أن أنقذها من براثن هذا الوطواط الشرير”
فحملت حجراً صغيراً وألقته بجانب الوطواط محاولةً إخافته
“اتركها ايها الشرير”
بسرعة ترك الوطواط الفراشة التي ولت هاربةً بسرعة أما الوطواط كان فقد اعتلى الشجرة بسرعة واختبأ وراء غصن صغير مخبأً رأسه فقط أما جسمه فكان واضحاً جلياً
ما إن مشت قليلاً حتى سمعت الوطواط يناديها
“هاي أنت”
التفتت له مرةً أخرى فخبأ رأسه بسرعة
قالت عشتار بحذر: ماذا تريد؟
نظر إليها الوطواط باستغراب هذه المرة وقال: هل تستطين رؤيتي
عشتار بقلق: نعم
الوطواط باستغراب: وتسطيعين سماعي أيضاً إن هذا لعجب عجاب
أحست عشتار بالطمأنينة لسبب ما بدا أن هذا الوطواط به ظرافة استشعرتها من صوته المضحك
اقتربت عشتار قليلاً وقالت: وفيم العجب ايها الجني الصغير
الوطواط: إن كان بإمكانك رؤيتي وسماع صوتي فأنت لست بجنية
عشتار: أنا من بني البشر
عشتار: إنها قصة طويلة أيها الجني الصغير
ضحكت عشتار
الوطواط: ألا تصدقينني أنتم بنو البشر تستخفون بكل ماهو أصغر منكم وتخافون من كل ماهو أكبر منكم
عشتار: آسفة أيها الوطواط الجميل ولكني لم اضحك منذ زمن
الوطواط: أنا لست جميلاً أنا أكره الجمال
عشتار: ما أنت إذاً لقد أثرت فضولي
الوطواط: أنا كابوس جني مخولٌ بإيحاء الأحلام المزعجة والمخيفة في نفوس الجن وهم نيام وتلك الفراشة هي الحلم الجميل لقد كنا نتنافس حتى نصل لجنيٍ نائم لكنك أفزعتني وجعلتي الفراشة تهرب وتظفر بذلك الجني سحقاً
عشتار: وهل تحلم الجن؟
الوطواط: بوجودنا نعم نحن نبث الأحلام في عقولهم النائمة نتغذى على حزنهم وفزعهم ودموعهم والفراش يتغذى على فرحهم وسعادتهم وضحكهم
عشتار: ياللعجب
قالت عشتار بمكر: ولكني حين أنام أشاهد أحلامي
الوطواط: كيف تشاهدينها وعيناك مغلقةٌ أيتها الماكرة
ضحكت عشتار وقالت: أنت ظريف جداً ما رأيك أن تصحبني
الوطواط: لا استطيع فأنا جائع سأبحث لي عن جني أفزعه بكابوسٍ حتى أشبع
عشتار: ماذا لو بكيت أمامك أو أُصبت بحزن هل تشبع؟
الوطواط: امممم لم اتغذى على حزنٍ إنسي من قبل لكن لاضير من التجربة فأنت جميلةٌ جداً وكلما زاد الجمال كان حزنه ألذ وأفضل
عشتار: هههههه أنت ظريف جداً أرجوك اصحبني وسأشبعك حزناً فقصتي قادرةٌ لاشك على إشباع كابوس جني
الوطواط: حسناً ولكن بشرط
عشتار: ماهو؟
الوطواط: أن تسميني الكابوس المرعب العظيم
عشتار: هههههه لا سأدعوك كابوس فقط مارأيك
الوطواط: حسناً
يتبع I
“حسن المصوف”