—————-
(يابنت الأيه يامرمر، فكرة ممتازة! )هتف فارس جملته بحماس لشقيقته مريم التي تمتمت بفخر:مش قلتلك سيبني اظبطلك الدنيا، عيد ميلاد إياد هنعمله الجمعة الجاية في النادي، وانا هعزم سمر تقعد وتحتفل معانا، وكده هنخلق فرصة إنك تتكلم معاها بشكل طبيعي، أيه رأيك في أختك يا ابو الفوارس؟فارس وهو يحملها ويدور بها:
رأي إنك احسن اخت في الدنيا كلها..!
ضحكت وهو يلف بها: طب نزلني انا دوخت، وروح شغلك بقى ياعم الكسول..!
انزلها هاتفًا: اه والله فعلا كسول، ده في أوراق ومصالح كتير محتاجة تخلص، هفطر معاكوا واطير على شغلي!
__________________________
حضري نفسك يا لوكا، أخر الاسبوع هنزور انا وانتي أرملة عمي! وصمت بعد أن أدرك حقيقة العم الزائفة، وقال بضيق:
قصدي اللي كنت فاكره عمي.. يلا مايجوزش عليه إلا الرحمة!
هتفت ملك: الله يرحمه بقى بين ايد ربه، سامحه يامروان وادعيله، أنت ربنا نصفك في الأخر وجبت حق أبوك وجدك، سامح حتى عشان ترتاح، بدال ما كل اما تفتكره تضايق كده!
_ مستحيل ياملك اسامح! تعرفي لو كان فضل منتحل شخصية عمي بس بدون ما يأذينا، كنت اتغاضيت عن خداعه، كنت هعمل حساب انه عاش وسطينا حتى لو بصفة مزيفة، بس ده أذى أغلى الناس عندي، وعمري ماهسامح ابدا..!
وواصل: عموما سيبك من سيرته، وعايز اوصيكي على أرملته، دي مالهاش حد غيري!
_ من عنية، انا دايما هسأل عليها و…………
صمتت ثم واصلت بحماس: أيه رأيك يامروان نخليها تيجي تعيش معانا؟؟ البيت واسع وكبير وهنتسلى سوا..!
لمعت عيناه مستسيغًا الفكرة: اه والله ياملك فكرة ممتازة، ازاي ماخطرش على بالي اعرض عليها تعيش معانا..!
_ بالطريقة دي هتكون تحت عنينا ومش لوحدها، وانا هفرح انها هتونسني وانت في شغلك، وكمان هتفرح بوجود يامن وهتعيش معاه احاسيس هتحببها في الحياة، خصوصا انك قولتلي إن نفسيتها تعبانة ومنعزلة من وقت موت شاهين، وإنها للأسف كانت بتحبه رغم عيوبه!
_ ياريت ياملك، خلاص أنا نزورها زي ماقلتلك، هعرض الاقتراح عليها بس يارب توافق!
_ لا سيب موافقتها دي على لوكا حبيبتك، انا هخليها توافق وتيجي ماتقلقش!
دارت عيناه على وجهها بحب ووله متمتما:
أنتي نعمة كبيرة في حياتي ياملك، كل اما بيعدي بينا الوقت بحبك اكتر واكتشف نقائك وطيبتك اللي ماشوفتهاش في حد!..وضمها إليه وبثها بعضًا من مشاعره نحوها.. وداخله يتضرع شكرًا لله على رزقه إياها..!
__________________________
عبرت داخل شقتها واغلقت بابها وهتفت منادية:
حاتم، ياتومي انت فين أنا حيت!
أقبل عليها يهرول. ومنحها قبلة مرددا:
حمد لله على السلامة يا أبلة!
ابتسمت وأظهرت حقيبة ملونة وجذابة هاتفة:
اتفصل ياسيدي، جبتلك هدية لصاحبك إياد عشان تقدمها في عيد ميلاده يوم الجمعة!
تعلق بعنقها مهللًا برضا وسعادة: شكرا يا أحلي أخت في الدنيا، أنا بحبك أوي اوي، ولما أكبر هشتريلك هدايا كتير!
داعبت شعره بحنان وقبلت جبينه: هديتي انك تكون بخير وإني اشوفك في يوم شاب ناجح ومحترم، وافتخر بيك قصاد الكل!
_ أوعدك يا أبلة سمر إنك تفتخري بيا لما اكبر!
وواصل: هو عمو مروان وطنت ملك هيروحوا معانا يوم الجمعة النادي؟
اجابت: لا ياحبيبي، هما عندهم مشوار تاني، مرة تانية هنتقابل! ويلا بقى روح ذاكر على ما اجهزلك الغدا..!
__________________________
_الغدا جاهز يا ست ليلى!
أجابت بدون شهية:
مش عايزة اكل يا أم محمد!
أم محمد (السيدة التي تقوم بشئون المنزل):
اسمحيلي يابنتي، كده غلط على صحتك، المرحوم شاهين فات على وفاته أكتر من سنة، لحد امتى هتفضلي عايشة بالحزن ده عليه؟!
صمتت وعيناها شاردة، فظنتها لن تتحدث..! ثم هتفت بعد برهة: مش حزينة عليه، حزينة على عمري اللي راح هدر وانا فاكراه بيحبني زي ماحبيته، حزينة اني عيشت في كدبة، حبه وإخلاصه كدبة.. هو نفسه طلع كدبة !
_ماتندميش على اللي راح وانسيه، واكيد ربنا هيعوضك خير، وأكيد في سعادة منتظراكي، انتي لسه صغيرة والعمر قدامك!
ضحكت بتهكم: صغيرة؟ أنا 45 سنة يا ست يا طيبة!
_ أديكي قلتيها، 45.. مش 80 ولا 90 سنة.. يعني شباب والدنيا لسه فيها كتير عشانك، اطلعي من حزنك وافتحي قلبك للدنيا، استغلي وقتك روحي زوري اختك وولادها، واخرجي وعيشي حياتك!
_ أنتي عارفة مش بتبسط عند اختي بسبب جوزها مش برتاحله.. وبعدين هخرج فين ومع مين!
_ اخرجي لوحدك روحي النادي، سافري أي مكان، وممكن كمان تزوري أستاذ مروان، ده شكله محترم ويفهم في الأصول ملاحظة انه دايم السؤال عنك!
_ مروان ده مافيش في طيبة قلبه، طالع لأبوه “أمين” ابن عمي الله يرحمه.. نسخة منه حتى الشكل!
_ الله يحميه ويجبر خاطره، زي ما جابر خاطرك بالسؤال.. وواصلت: هو جاي هو ومراته بكرة؟
_ أيوة.. يعني تيجي بكرة بدري عشان تعملي وليمة محترمة.. انا اول مرة هشوف مراته وابنه يامن!
_ من النجمة هكون عندك ياست الكل! يلا بقى تعالي اتغدي انتي وشك بقي قد الليمونة من قلة الأكل!
تنهدت وقالت: صدقيني ماليش نفس.. يمكن بكرة أكل بنفس مع مروان ومراته..سيبيني بقي هررح انام شوية لأن عندي صداع شديد!
غادرتها وعين السيدة تراقبها بحسرة، فمثلها لا يستحق أن تحيا تعيسة، هي مثال للطيبة، وتدعوا الله بإخلاص أن يرزقها بخير جزاء تستحقه!
__________________________
مريم: يعني ينفع نحتفل بعيد ميلاد إياد وبينا خطوتين بس وماترضيش تيجي تحتفلي معانا؟!
سمر بحرج: معلش يامريم بس انا معرفش حد هناك ومش لازم اجي، حاتم اهو معاكم مافيش مشكلة! وبعدين أنا ماجبتش هدية لأياد، وشكلي مش هيكون لطيف!
مريم بتصميم: يابنتي هدية أيه إذا كنت أنا مامته ماجبتش هدية? و اصلا مافيش هناك غير ماما وأخويا وبس، يعني محدش غريب.. تعالي شوية صغيرة وبعدين امشي براحتك! يلا قومي لأن مش هتخلصي مني!
رمقتها سمر بتعجب، لم تحدثها كثيرا ..فقط احاديث قصيرة حين تأتي للنادي مع أخيها، تتعامل بتواضع شديد معها وكأنهما اصدقاء منذ زمن..ولا تنكر أن مريم هي من تحاول التودد لها أكثر، وهي على العكس متحفظة.. ربما لأنها لا تعتبر نفسها من نفس الطبقة الاجتماعية، فلولا تكفل مروان بتكاليف عضويتها هي واخيها، لما خطت قدميها هذا المكان..!
جذبتها مريم من رسغها لتنتشلها من شرودها الخاطف:
يلا حبيبتي ماتضيعيش الوقت، عشان اعرفك على مامتي!
……………………
حدجتها السيدة ” صفاء” والدة مريم بنظرة تقيمية، وهي تمد كفها لتصافحها : أهلا ياسمر.. اتفضلي!
أجابتها بتهذيب ويعتربها بعض التوتر لنظراتها المتفحصة:
أهلا بحضرتك!
وجلست بين رفيقتها مريم وولدتها التي يبدو عليها الرقي الشديد.، ملابسها نظراتها اسلوب حديثها. كل شيء بها يوشي بالثراء ورقي الأصل!
( السلام عليكم)..!
التفتت لصاحب الصوت الذي عبر لسمعها، فوجدته هو نفسه، من أتى المعرض الذي تعمل به من فترة ليست بعيدة ليبتاع سيارة، فقاطع تأملها هاتفًا:
طبعا مش محتاج اعرفك بنفسي انسة سمر.. أكيد فاكراني!
هزت رأسها وشفتيها مطبقتين، فقالت مريم بجهل مصطنع:
أيه ده يافارس أنت قابلت سمر قبل كده؟!
اجابها وهو يجلس بالمقعد المجاور، متعمدا اختيار ذاك الموقع من الطاولة: أيوة ماهي أنسة سمر شغالة في المعرض اللي جبت منه عربيتي، وكمان كنت بشوفها هنا في النادي!
_ معقولة.. تخيلي ياسمر. مافكرتش أسألك خالص بتشتغلي أيه، وانا اللي طول الوقت بتكلم عن نفسي!
تعلم سمر أنها شحيحة الكلمات معها.. فهي لا تريد الانغماس بوسط لا تعتبر ذاتها واحده منه، هي أقل من جميع من حولها، فلا تمتلك مثلهم سيارة فارهة ولا ملابس باهظة الثمن ولا تحيا نفس رغدهم في الحياة! كيف تندمج بوسط غريب عنها..!
أجابتها بعد بدهة شرودها: عادي يامريم ماجاتش مناسبة اقولك عن شغلي، بس زي ما قال استاذ فارس، انا بشتغل في قسم المحاسبات لمعرض سيارت بيملكه زوج صاحبتي، أستاذ مروان أمين!
_( هو ده اللي كان معاكي المرة اللي فاتت؟)
تنحنح فارس بحرج بعد أن تسرع بإلقاء سؤاله الكاشف لفضوله تجاهها ومراقبته.. فأنقذته مريم:
أيوة أنا فاكرة اليوم ده كنت موجودة مع فارس ولمحنا ناس قاعدين معاكي!
استطاعت مريم صرف ذهن سمر عن دهشتها لجملة فارس واجابتها هاتفة:
أيوة ماهو ده استاذ مروان ..اجمل شخصية ممكن تعرفيها في حياتك وعمري ماشوفت في أخلاقه وتواضعه، وصاحبتي ملك محظوطة. جدا بشخص نادر زيه!
فرك فارس جبينه وانعقد حاجباه وزفر بضيق دون أن ينتبه.. من شعور الغيرة الذي داهمه من حديث سمر عن مروان!
فمنحته الأم نظرة مُرتابةفي أمره، بعد أن قرأت في صفحة وجهه تعبير لم تخطئه.. ولدها فارس شعر بغيرة وضيق.. ولكن السؤال الذي فرض نفسه داخلها.. لماذا؟؟؟ ومن تكون الفتاة بالنسبة له ليغار عليها؟
ثم دارت عيناها بينه وبين شقيقته وترجمت بعض النظرات بينهم.. فتأكدت أن هناك أمرا يدبر بينهما يخص تلك الفتاة ” سمر” الجالسة أمامها..!
————————–
ليلى: فيك الخير يامروان..انت الوحيد اللي بتسأل عني يوميًا
وواصلت الترحيب وهي تصافح ملك بود: ومراتك شكلها شبهك بالظبط!
فمزح مروان: وأنا زي القمر كده ياطنت ليلى !
أحمر وجه ملك، فضحكت ماجدة: أديك كسفتها، طبعا انت مش قمر زيها ، انا اقصد شبها في الطيبة وبشاشة الملامح!
ملك بابتسامة رقيقة: ده من ذوق حضرتك والله!
ليلى وهي تطالع الصغير يامن:
ماشاء الله ابنكم زي السكر.. ومدت يدها لتلتقطه متمتمة بذكر الله عليه: بسم الله ماشاء الله ربنا يحميه، واخد كتير من ملك على فكرة!
ضحكت ملك: بس شكله هياخد طباع والده، ده بينام بنفس طريقته ياطنت وشكلهم بيكون مضحك اوي جمب بعض!
رفع حاجبه بعتاب مازح: هي الهانم مش عاجبها وبتتريق ولا أيه!
فهتفت: وأنا اقدر ياباشا ..ده انتوا الأتنين على راسي!
تألف كبير شعرت به ليلى تجاه زوجة مروان، ومضى الوقت بينهم سريعا ما بين مزاح ومداعبة للصغير، ثم عرض عليها مروان ملك فكرة أقامتها لديهم حتى لا تظل وحيدة!
فاعترضت قائلة: شكرا يامروان انت وملك على تفكيركم فيا.. بس انا خلاص اتعودت اعيش لوحدي!
ملك بعناد: متحاوليش ياطنت ، انا حبيتك وخلاص مش هسيبك تعيشي لوحدك ابدا، وبعدين بذمتك في حد يرفض انه يصحى الصبح على وش يامن العسل ده.. ويلعب معاه.. وبعدين فرصة انا وانتي ننم في سيرة مروان ونقطع في فروته على مايجي من شغله..!
همت بمواصلة الرفض، فقاطعها مروان: عايز اوضحلك حاجة مهمة.. انا مش بعرض عليكي تعيشي معانا لا سمح الله عشان نساعدك ماديا، بالعكس انتي حالك ميسور جدا، وعندك عمارة في مكان ممتاز وبتأجري شققها وعيشتك كريمة.. يعني الفكرة أني فعلا خايف عليكي من الوحدة وانا بعتبرك في مقام عمة ليا
ملك باعتراض: بس ماتقولش عمة، دي صغنونة خالص! ابتسمت ليلى برضا لإطراء ملك وراقها كثيرا.. أما مروان فأكمل:
صغنونة ومزة وعشان كده خايف عليها.. وواصل بجدية واهتمام صادق:
وربنا يعلم ازاي بقدرك ومش هكون مرتاح ابدا وانتي لوحدك.. ارجوكي اقبلي تعيشي معانا واوعدك مافيش حاجة هتضايقك ابدا..!
ملك بنفس الإصرار: عشان خاطري انا ويامن ياطنت توفقي، وإلا هعتصم. هنا انا وابني وهخليه يفضل يزن احد ماتسلمي وتقولي وافقت!
لا تنكر أن وحدتها تكاد تخنقها منذ رحيل شاهين، وشقيقتها الوحيدة ملتهية بأعباء بيتها وابنائها وقل السؤال والأهتمام وأصبحت الأتصالات بينهما مرات معدودة على فترات..لما لا تفكر في عرص مروان، هي لا تحتاج سوي ونيس لها، خاصتًا مع وحود ملاك صغير مثل يامن الذي عشقته بتلك الساعات القليلة وهي تداعبه وتضحك معه..لما لا تجرب، وإن لم ترتاح فالترحل وتعود لبيتها مرة أخرى!
مروان بمقاطعة: انا هسيبك يومين تلمي حاجتك وتظبطي نفسك وهعدي اخدك.. وده اخر كلام ومافيش فيه نقاش!
__________________________
_ ممكن افهم في أيه بينك انتي واخوكي وانا معرفوش ياست مرمر؟
_ ولا حاجة ياماما، هيكون في ايه يعني؟
أمسكت اذنها بقوة گ عقاب: بلاش كذب، في ايه بالظبط، نظرات اخوكي فارس للبنت دي كانت واضحة جدا، فهميني بيحصل أيه احسلك!
تخلصت مريم من حصار والدتها وهي تهب واقفة على قدميها: معرفش ولو عايزة تعرفي. اسألي فارس ان ماليش دعوة.. وباي بقي عشان هروح لدكتور الأسنان عشان ايدو!
وهرولت سريعا، تاركة والدتها تظفر بضيق من عجزها من ارتواء فضولها ناحية ما يجري وتجهله!
________________________
مستلقية على جانبها الأيمن بجواره على الفراش، وأصابعها تتخلل خصلات شعره بحنان، متأملة بتقاسيم وجه بحب ووله! غسان حبيبها وزوجها، رجل تشكر الله على ارتباطها به، كم اصبحت تعشقه، وكم تلوم ذاتها لتقصيرها بحقه، واقترافها ذنب شديد لن يغفره أن علمه، ولكن ماذا تفعل والأفكار السوداء تحاصرها منذ الزواج! وموروثات قديمة وتجربة أليمة تتحكم بتصرفاتها دون إرادة..!
يجب عليها إدراك ماتفعل والحد منه.. فغسان لا يستحق ماتفعل معه.. هو جاد عليها بكل شيء جميل.. ويستحق بالمقابل الكثير والكثير من عطاياها
فلتتجرد من رداء الخوف والهواجس السوادا، وتكتسي بأمانه وحبه وحنانه.. غسان حتمًا لا يشبه “شريف”!
————————–
في الصباح! بدأ غسان بأفاقته وهو يتمطع باحثًا بيديه عن زوجته بجواره، فتمتم بصوت ناعس:
حسناء! لم يجد ردًا، فرمشت عيناه عدة. مرات، ليستقبل ضوء الشمس الخاف بالغرفة، وهم بمغادرة الفراش، فتحسس كفه شيئًا أسفل وسادتها، فالتقطه، وما أن ابصره حتى تجعدت تعبيرات وجهه بحيرة وخاطر داهم عقله، ويدعوا الله ألا يكون صحيحًا وأن يخيب ظنه..!