الفصل الثالث عشر
الغضب لحظة..
والحب أيضًا يأتي في لحظة..
القلب يعشق..
والعين تُغرم..
والشوق يقتل صاحبه..
فما بال قلبي يبكيكَ رغم خداعك..
مالي أصبحت ضعيفًا..
فالخيانة ليست سوى لحظة..
لا تعطي سر حياتك لأحد وإن كان يبتسم
أمامك..
فخلف ظهره يوجد سكين..
ينتظر لحظة إلتفاتك ليكن مصيره في ظهرك..
هكذا هي الحياة..
مجرد لحظة.. .
مجرد لحظه تتجمع فيها الحقائق ، لحظه يقف فيها الجميع مندهشًا ، مصدومًا ، الشعور بالذهول هو سيد الموقف .
يقف الجميع في قصر غياث ليروا الأسطورة تتحقق ، ذلك الذئب كبير الحجم ، الذى لاتراه إلا في التلفاز وتسمع عنه في الأساطير والحكايات لم يكن سوى تيم .
كانت تيارا أكثرهم ذهولاً ليس صدمتها أن هناك مستذئب ، هى تعرف عن ذلك العالم من والدتها عندما قررت الرحيل خوفًا على حياتها من قهر الذئاب لهم لتستقر هنا وتتزوج وتنجب ابنة ورثت عنها كل شيء ومن ضمن ذلك الإرث هو … حماية عائلة غياث ، لكن صدمتها كانت أن تيم حبيبها هو ذلك المسذئب لتتذكر القانون وحرمانية زواجهم ، فأرتعدت أوصالها حتى وإن كانت في عالم بعيد نهائيًا ؟!! .
وقف كنان في محاولة منه للسيطرة على وقفته ناظرًا إلى تيم بذهول ، في البداية ساحرة والآن مستذئب !! ، وكل هؤلاء محاطين به ، نقل بصره إلى رويد وقال بغضب :
– من أنت لتُحاط بكل تلك الشرور ، أيها القاتل المدمر ، سأقتلك رويد .
وأخذ يتمم بكلمات غاضبة ، لتغتاظ منه تيارا ، فحركت كفيها بشكل دائري فتجمد بمكانه !! .
لم يهتم رويد بما قاله كنان ، فهذا آخر همه بعد ما تعرض إليه اليوم ، فكم الحقائق التي رآها أمامه إصابته بالجمود .
بعد فترة صمت ليست بقليله تنهدت تيارا وأعتدلت بجلستها ونظرت لتيم لتسائلة قائلة :
– كيف وصلت إلى هنا ؟! ، أعني كيف عبرت بين العالمين وذلك المعبر لم يُفتح سوى مرتين ، ففي أي مرة أتيت ؟! .
جلس تيم أرضًا مقابل تيارا قائلاً :
– في المرة الثانية .
لتقول تيارا :
– في نفس الوقت الذي عبرت فيه أمي و… .
قطع رويد حديثها قائلاً بسخرية :
– في نفس الوقت الذي عبرت فيه عائلتي إلى ذلك العالم ، لتبدأ اللعنة عليهم جميعًا .
نظر تيم لرويد بتوجس وقال :
– لماذا عبرت عائلتك إلى هناك ، ولماذا يوجد تمثال محنط لبني جنسي هنا ؟!! .
جلس رويد هو الأخرى بجانبهما من فرط الارهاق النفسى ليعيد على مسامعهم ماحدثه عنه جده…
وحين أنتهى وقفت تيارا من مجلسها ووقفت أمام الكتاب قائلة :
– هذا هو ما كنا نحميكم من أجله .
وقف رويد هو الآخر يتبعه تيم ثم قال :
– بل هو اللعنة التي حلت على عائلتي .
ليوجه حديثه لتيارا :
– لماذا أتيتي إليّ الآن ؟ .
ألتفت إليه تيارا وقالت :
– أنا أكون حارستك ، أشعر بك إن كان هناك خطر يحدق بك ، وكان لابد أن أشعر به منذ مدة لكن هذا القبو محمي بطريقة كبيرة ، لذلك لم أشعر سوى بقوة الكتاب لذا حضرت سريعًا إلى هنا ، لأجد أوركيديا تريد أن تحصل على الكتاب وقد كادت أن تفعلها لولا دخول تيم في الوقت المناسب والذي أود أن أسأله أيضًا لماذا حضر إلى هنا .
أنهت سؤالها ونظراتها تتعلق بتيم ، فسأله رويد هو الآخر :
– هل شعرت أنت أيضًا بشيء ؟! .
نظر تيم أرضًا متنهدًا بعمق قبل أن يقول :
– لا لم أشعر بشيء ، لكن تذكرت اهتمامك بقلادتي تلك ، واهتمامك بها هو ما أحضرني إليك .
انعقد حاجبين رويد متسائلاً :
– لماذا ، مابها تلك القلادة ؟! .
- أنا اليوم فقط علمت حقيقتي ، اليوم علمت أن هذا الكائن جزء لا يتجزأ مني ، لأن تلك القلادة كانت تمنع تحولي ، لذا عندما أزلتُها عن رقبتي لم تمضِ ثوانٍ حتى حدث ذلك الأمر ، لتجلس معي خالتى جوانة وتقص عليّ تاريخي وسبب هروبي من عالمنا .
وبدأ تيم بسرد ما قصته عليه خالته جوانة ، وبعد إنتهائه اقترب منه رويد وأمسك القلادة التي توضع حول رقبة تيم وقال :
– إذن تلك القلادة تمنعك من التحول ، لكن ماذا تفعل القلادة التي أملكها ؟! .
وما إن استمعت تيارا لذلك حتى هتفت :
– هل تملك واحدة سيدى رويد !! .
أومأ رويد بنعم ثم أتجه لأحد الأركان وفتح أحد الأدراج يخرج منها القلادة وألتفت لهما وقال :
– ها هي قلادة روندا زوجة عمي أصيل .
اتجهت له تيارا وأخذت منه القلادة تناظرها بلهفة وقالت بخفوت :
– روندا .. تاليا … أوركيديا … ثلاث ساحرات أقوياء يستطعن فقط العبور بين العالمين يتميزين بالجمال الأبدي !! .
صمتت قليلاً تعيد همس ما قالته وما لبثت أن شهقت فسألها رويد بينما يطالعهما تيم بترقب :
– ما الأمر ؟!! .
نظرت لهما وبدأت بالحديث والبسمة تشق ثغرها :
– أوركيديا تلك الساحرة هي من ألقت لعنة المستذئبين على الملك وأبنائه وعشيرته لزواجها من أحد أبنائه فقتل الملك ابنها وزوجها تنفيذًا للقانون… .
قطع تيم حديثها مقبلاً عليهما يكمل حديثها :
– ليستمر القانون أيضًا وأدفع أنا وعائلتي الثمن أيضًا .
عم الصمت قليلاً بينهم حتى قالت تيارا بتردد لتيم :
– هل … هل والداك نُفذ عليهم القانون ؟!! .
أغلق تيم جفنيه متنهدًا بتخبط ، فقلبه وعقله مضادان في شعورهما ، فتح جفنيه ينظر لها وقال :
– أتمنى أن لا يكون حدث ذلك ، فخالتى لم تؤكد هذا الأمر ولم تنفيه أيضًا ، كل ما قالته أنهم هربوا بناءًا على الخطة المرسومة .
نظرت تيارا لعمق عيناه بدعم وقالت ببسمة رقيقة :
– لا تقلق سيكونا بخير .
أومأ تيم رأسه ولم يعلق بينما وجهت تيارا حديثها لرويد :
– سيد رويد إن كانت تلك قلادة روندا فأين ذهبت هي ؟! .
- ماتت هي وعمي منذ سنوات .
أتسعت مقلتيها بصدمة هاتفة :
– ماتت !! كيف ذلك ، رواندا لم تكن ساحرة ضعيفة .
أشار رويد بكفه للصندوق الذي يحتوي على الكتاب وقال :
– ماتت بسبب هذا .
نظرا تيارا وتيم للصندوق بعدم فهم ، فهي لا تعلم كيف ماتت رواندا وهي واحدة من أقوى الساحرات بينما تيم لايزال يشعر بتخبط ، فهتفت تيارا بتساؤل :
– كيف ؟! .
بدأ رويد يقص ماضي عائلته كما قصه عليه جده :
– عندما حضرت روندا مع عمي وأبي وبعد رحيل والدتي ، وجدت روندا أن أبي قد أحضر ذلك الكتاب معه .. فقررت روندا حمايته عن طريق حقل طاقة وحماية القبو ككل حتى لا يراه أحد يحمل في نفسه شراً ….
تقف روندا وأصيل في منتصف القبو وقهرًا ضد رغبه محسن ، تحمي الكتاب بحقل طاقة لن يستطيع فتحه أيًا كان ، فقال محسن معترضًا :
– لم أحضره معي روندا لكي تقومي بحمايته بتلك الطريقة .
نظرت له رواندا بإستياء وقالت :
– إحضارك له هنا كان خطأ من الأساس .
لتنظر أمامها مرة أخرى وأكملت ما تفعله ، ثم أعطت أصيل ورقة مكتوب بها بعض الكلمات التي لم يفهمها فنظر لها وسألها :
– ما هذه ؟! .
أجابته دون أن تنظر له :
– هذه تعويذة لتفقدني الذاكرة .
إنصدما الأخوان وهتفا سويًا :
– ماذا ؟ .
- صدقوني هذا لحمايتكم أكثر ، هيا يا أصيل إن كنت تحبني فإفعلها ….
-
وهل فعل عمك ؟! .
صدر السؤال من تيارا فأجابها :
– نعم .
وسأله تيم :
– إذن كيف ماتا .
تنهد رويد بألم قبل أن يقول :
– لم يستسلم أبي للأمر وأقنع عمي بالمحاولة ، وبما أن روندا لم تعد تتذكر أي شيء فكان أبي يصر على حضورها لعلها تتذكر مايساعدهم وفي إحدى المرات خرجت طاقة كادت أن تودي بحياة أبي لكنها أودت بحياة عمي أصيل وروندا .
حزنت تيارا لذلك كثير ، هى لم ترى روندا لكنها سمعت عنها الكثير جعلها تتمنى أن تقابلها يومًا فأكمل رويد :
– لكن في نفس اليوم شعرت إحدى الساحرات بتلك القوة فحضرت إلى هنا ، لكن جدي اختبأ في القبو وتصدى لها أبي لكنها قتلته بدم بارد .
فسألته تيارا :
-ألم يقل من هي !؟ .
- جدي رآها في الكاميرا من القبو يقول أنها شقراء… .
ليكمل بصوت متباطئ :
– ذات … رداء … أحمر .
وحينما صمت حتى قالت تيارا بذهول يشوبه الحزن :
– أوركيديا !! .
وكأن رويد يتحمل تلك الحقيقة فصرخ بأعلى صوته وقد تأكد من ما توصل إليه :
– قسمأ بالله سأقتلكِ … عن كل مافعلته لي سأجعلك تتمنين الموت ، حتى الموت سيكون راحة لكي ولن تناليه بسهولة ، لقد جربتني سابقًا أوركيديا … زهرتي البرية وعلمتي أن رويد لا يحنث قسمًا قط .
اقتربت تيارا منه تربت على كتفه :
– إهدأ سيدي .
نظر إليها رويد بعينان دامية تحمل من الغضب الكثير وقال بشراسة :
- سأقتلها تيار أتسمعين .
تدخل تيم بإصرار :
– بل أنا من سيقتلها .
وقف رويد في مواجهته قائلاً بشراسة :
– بلى إنها لي .
رمقه تيم بتحدي وقد تملكه الإنتقام وقال :
– بل إنها لي ، لقد دمرت عائلتي بأكملها .
وقفت تيارا بينهم قائلة بضيق :
– إهدآ أنتما الإثنين ، الأمر ليس بهذه السهولة لتتشاجرا عليه .
ليستمع ثلاثتهم لغمغمة قوية من الخلف فالتفتوا ورأوا كنان على حاله فسأل تيم :
– من هذا ؟! .
رفعت تيارا كفها للأعلى قليلاً لتنهي جمود كنان الذي بدأ يتحرك تجاه رويد لتقف تيارا أمامه وهي تهتف به :
– انتظر .
وقف كنان مكانه ولم يتحرك بينما تقدم رويد قليلاً وبدأ بالحديث :
– من أنت ولمَ كنت تريد قتلي ؟! .
رمقه كنان بغضب وهتف بسخرية :
– حقاً لا تعرف … جئت أقتلك لأخذ بثأر عائلتي .
بدأ رويد يغضب فقال بعنف :
– أخشى أني لا أعرفك حتى ، فكيف لك عندي ثأر يا هذا !! .
أقتربت تيارا من كنان بحذر لتردف:
– هل تسمح لي بأن أضع يدي على رأسك قليلاً ، أظن أن هناك سوء فهم .
لم يرد كنان عليها فقد كان نظره معلق في اتجاه واحد … تجاه رويد ، لذا لم يشعر بها وهي تضع يدها على رأسه وتتمتم ببعض الكلمات لتتدفق ذكرياته إليها ، فتراها أمامها كشريط مصور أو عرض لفيلم سينمائي .
إندهشت تيارا مما رأته ، فهي تعلم أن رويد لا يفعل شيئًا هكذا ، لتدرك أن تلك الذكريات المشوهة من فعل أوركيديا ، لذا قامت بتلاوة تعويذة أخرى أخرجت بها تلك الذكريات البشعة من رأسه ليسقط أرضًا فاقدًا الوعي .
بينما تيم ورويد يقفان مكانهما لا يفقهان شيء ، كادت أن تسقط هي الأخري من فرط التعب وإستهلاك طاقتها ، لكن قبل أن تسقط كان صدر تيم الأسرع لإحتواءها ، حملها بين ذراعيه وتوجه لأقرب مقعد أمامه وأجلسها عليه ، بينما حمل رويد كنان وسطحه على الأريكة .
بعد أن هدأت تيارا قليلاً بدأت تقص عليهما ما رأته داخل عقله ليشفق عليه رويد ويكرر بداخله ” أنت أيضًا كنت لعبة بين يديها … اللعنة عليها ” .
ظلوا مكانهم فترة حتى أفاق كنان متعبًا وممسكًا برأسه ، فأقتربت منه تيارا سريعًا
لتتفاجأ بسؤاله :
– أين أنا ومن أنتِ ؟! .
ابتسمت تيارا بهدوء وقالت :
– اهدأ قليلاً ، سأخبرك بكل شيء
وقفا تيم ورريد من مجلسهما ونظرا له بإشفاق فسألهم كنان بتوجس :
– لماذا تنظران إليّ هكذا ، من أنتم ؟!! .
ثم أشار إلى رويد قائلاً :
– لماذا تبدو مألوفًا لي ؟؟ .
وضعت تيارا كفها على كتفه – تحت أنظار تيم المشتعلة – تربت عليه وقالت :
– سأخبرك بكل شيء .
- تفضلى .
بدأت تيارا تقص له عن أوركيديا وسيطرتها على عقله ، حتى تلك الذكريات المشوهة التي رأتها داخل رأسه ثم انتقلت بحديثها إلي رويد وقصة عائلته والعداوة منذ عصور بينهم وبينها ثم حقيقة تيم وتكمل في الأخير :
– أنت الآن مشوش ، ستتذكر بعض الأحداث ، لكن الأهم من ذلك أنها تسيطر عليك لتفعل كل تلك الأمور وأنا الآن قطعت هذا الإتصال بينكما …
لتنتهي من حديثها وتتركه يحاول إستيعاب كل ما مر به ، كان كنان ينظر لهم بعدم فهم ، فقد تزاحمت الأفكار في رأسه حد الجنون لدرجة شعوره بأنها
ستنفجر ، بالفعل تذكر فاتنة برداء أحمر ، تذكر ما كان يفعل ، الأشخاص الذين قتلهم فوقف من مجلسه وصرخ بغضب :
– لقد كنت بين يديها كبيدق تحركه كيفما تشاء ، لقد جعلتني أقتل… .
نظر لكفيه المفرودان أمامه يكمل :
– يداي الملطخة بالدماء ، هي السبب بـ… .
قطعت تيارا صراخه قائلة بهدوء :
– هون عليك ، فأنت لم تكن تعلم .
نظر لها كنان وصرخ بغضب عارم :
– إنها أسوأ من يسير على الأرض … فهي كالشياطين
ليعلق رويد بخفوت أستمع له ثلاثتهم :
– وكم أحب أن أحاربهم !!