رواية ذات الرداء الاحمر

بواسطة: كُتاب بيت العز - آخر تحديث: 20 أغسطس 2024
رواية ذات الرداء الاحمر



الفصل الخامس عشر


النهاية تطرق الأبواب..
حانت اللحظات الأخيرة لنغلق كتابنا..
لكن قبلها لنجمع شتات الماضي..
ولنملأ قلوبنا بالخير ونفتح الباب..
لننفض ثري الماضي عن أعيننا .
ونعانق الحاضر..
ونبتسم لمستقبل نتمناه بقلوبنا..
فاللعنات وُضعت لتنتهي !!.. .


مر يومين قام رويد فيهم بتجهيز كل ما سيحتاجونه للرحلة من طائرته الخاصة لسلاح عمه القديم ، و تيارا معه لا تفارقه ، وأهم ما على تلك االطائرة هو الصندوق الذى يحمل الكتاب الذي به سوف ينتهي كل شيء .
في الطائرة ، أجتمع رويد وتيم و تيارا وجوانة وكنان الذي ما إن وصل إليهم حتى شعرت تيارا بطاقة منبعثة منه لتسرع بإخبار رويد وهي تهمس له بعيدًا عن مسامع الجميع ولكن لاحظهما تيم ليصك على أسنانه بغيظ ، لتبتسم جوانة على هيئته فالغيرة واضحة على ملامحه للأعمى ، فهمست بداخلها بحنان “وأخيراً دق قلبك للحب طفلي ” .
أخبرها رويد بما يجب عليها فعله ، لتذهب تيارا وتجلس مكانها حتى وصلوا .

مرت الرحلة بهدوء ، وأخيراً وصلوا إلى سيبيريا ، وبعد أن هبطت الطائرة واصلوا السير حتى وصلوا إلى أطراف الغابة لتتخذ تيارا مكانها وهي ترفع يديها وتبدأ بترتيل بعض الكلمات الغريبة ، لتشع عيناها بوميض أزرق ثم ترتفع بضع سنتيمترات عن الأرض ليزداد حدة صوتها ويعلو .

دقائق حتى فُتحت لهم البوابة ، بوابة موازية تربط بين العالمين جعلت من عينين كنان وتيم تتجحظان بإنبهار ، وفاهما يردد كلمات دهشة ، عبروا جميعهم وتيارا هي التي تحمل الصندوق في حقيبة ظهرها .

أنتظرت لبعض الوقت ثم أغلقت البوابة بنفس الطريقة كما خططت مع رويد لتعطي تيم القلادة ليرتديها سريعًا بعد أن بدأت علامات التحول في الظهور عليه ، فهو لم يستطع بعد التحكم في ذلك الأمر .

ليدخلوا بخطوات قلقة على جميعهم ، إلا جوانة التي أغلقت جفنيها تستنشق رائحة عبق أرضها بعد غياب دام طويلاً … وهناك كانت البداية !! .

عالم آخر..
بشر مستذئبون..
أو ربما ذئاب بشرية ، من يدري !! .

وقفت تيارا أمام كنان ورتلت بعض الكلمات كي تعطل تعويذة أوركيديا المسيطرة عليه لبعض الوقت ، وحينما انتهت شعر الأخير بالتيه والضياع واضعًا كفيه على رأسه مجبرًا نفسه على الثبات ، ليقترب منه تيم بهدوء ويهدأه حتى لا يضعف ويفزع .

اختارت تيارا بقعة بعيدة قليلاً ، جلست على الأرض وأخرجت قلادة رواندا التي أعطاها لها رويد ، وطلبت من تيم قلادته فخلعها عن رقبته وأعطاها لها لتسرع بوضع كلتاهما معًا ثم بدأت بترتيل تعويذة خاصة وجفنيها مغلقين كي تعلم مكان تاليا وزوجها ، وبعد عدة ثوانٍ فتحت عينيها ثم وقفت واتجهت لجوانة تضع كفها على رأسها كي تريها المكان ؛ فهي من تلك المدينة وبالتأكيد تعرف ضواحيها ، حتى وإن لم تزر إياها منذ سنوات لكن تزال مسقط رأسها ، لتبتعد عنها سريعًا مهرولة على تيم تضع القلادة حول رقبته ، فيعود إلى طبيعته ، لتبتسم له بحب فيبادلها بنظرة باردة فجائهما صوت جوانة من خلفهما :
– لقد علمت مكانهم ، ومن حسن الحظ أنهم بمكان قريب من هنا .

تقدم رويد لهما وقال :
– لنتحرك إذًا ، لا وقت لدينا .

سارت جوانة ليتبعها الآخرين وهم يتلفتون حولهم خوفًا من أن يظهر أمامهم شيئًا لا يتوقعونه .

بعد قرابة العشرون دقيقة من السير ، توقفت جوانة في المكان التي أرته لها تيارا لكنهم تفاجئوا أنه لا يوجد شيء ، ليشعروا بخيبة أمل ، فتقول تيارا :

  • أنا أثق أن هذا هو المكان ، أليس كذلك جوانة .

أنهت حديثها بسؤال فتجيبها جوانة بتأكيد :
– نعم تيارا .

فابتسمت تيارا قائلة بحماس :
– بالطبع إنها خالتي تاليا .

لينظروا إليها بعدم فهم لتكمل :
– لن تترك المكان مرئي للجميع .

وبحركه واحدة من كفيها كان يظهر أمامهم كوخ غريب الشكل ، لتشعر من تسكنه بشيء لتفتح بابه وتنظر أمامها ، لتجد إمرأتين وثلاث رجال لتقف أمامهم المرأة ذات الملامح الهادئة ، تحمل عينان خضروتان وشعر برتقالي يختفي خلف وشاح شفاف ، إمرأة لاتكفي الكلمات لوصف جمالها ، لا يبدو عليها تقدم العمر ، وما إن وقعت عينيها على جوانة حتى توقف الكلام بفمها وجحظت عينيها من الصدمة ، لتهتف جوانة بابتسامة :

  • وها نحن إلتقينا مجددًا تاليا .

تقدمت تاليا بضع خطوات هاتفة بحذر :
– جوانة! ، نعم أنتِ جوانة ، ولكن كيف ذلك ، كيف دخلتي إلى هنا مرة أخرى ؟! .

  • ستعرفين كل شيء ، لكن أولاً أريدك أن تقابلي شخصٍ ما .

ثم نظرت خلفها تحث تيم على التقدم ، بينما نظرت تاليا خلف جوانة ، لترى شاب ضخم البنية ، يحمل من ملامحها الكثير ، يتقدم لها بنظرات متضاربة ومشاعر متهافتة لا يعلم لأيٍ منهم سيقع أسير ، فكم تمنى أن يكون له أسرة ، والدة حنونة تغمره بحنانها وعطفها ، ووالد محب يُشعره بالأمان والألفة ، صحيح أن جوانة لم تدخر من حنانها شيء وغمرته بحنان الأم وأمان الأب ، ألا أن مكانة والديه لهما مذاقٍ خاص .

وقف أمام تاليا بنظرات لامعة ينظر لوجهها بتفحص ، بينما تنظر له تاليا بعينان يغشاها الدموع ، لتفك أسرهما وتسقط أول دمعاتها على وجنتيها ، رفعت كفها لجانب وجهه تتلمسه بحنان فمال بوجهه تلقائيًا على كفها يستشعر لمستها التي حُرم منها لسنوات تماثل سنوات عمره .
ولم تمر ثوانٍ حتى كان بين ذراعيها يعانقها بقوة يستشعر وجودها ، فلفت هي ذراعيها حوله بشغف ، شوق ، عاطفة ، وإحتياج للشعور به بجانبها و بين ذراعيها بعد عمر كامل قضته أسيرة الهروب من قانون يقتل أرواحًا بريئة ، أرواحًا لا تتح لهم الفرصة برؤية أمهاتهم ، قانون يغرس الأسهم في قلوب أمهاتهم وأبائهم ، قانون جعل الخوف الشعور الرئيسي لكل فرد من أفراد الشعب ، قانون خلق الكراهية بين الحاكم والمحكوم ، وبخضم هذا كله فقدت ابنها الوحيد ، ولم يكونا وحدهما المتأثران بلقائهما بعد فراق دام لعشر عقود ، بل من حولهما وخصوصًا تيارا وجوانة .

ابتعدت تاليا عن صدره الدافئ وضمت وجهه بين راحتيها تسمح لعينيها أن تشبع شوق بعده عنها ، ليأتي زوجها – والذي تماثل بنيته بنية تيم لكن أكبر بقليل – بهذه اللحظة ويرى غرباء لا يعلمهم بعيدًا عن واحدة لم يلحظها فقد كانت تختفي خلف بنية تيم ، وقف بجانب زوجته وسألها بتوجس :
– من هؤلاء تاليا ؟! .

ابتعدت جوانة من خلف تيم كي تظهر له هاتفة بسعادة :
– إنها أنا بيجاد ، الحاملة لأمانتك .

وما إن رآها حتى توسعت عيناه بصدمة قائلاً :
– جوانة ؟ … ولكن كيف !؟ .

وقبل أن تجيبه جوانة سبقتها تاليا وهي تقول بنبرة باكية يغلبها البهجة :

  • أنظر هنا بيجاد ، إنه تيم عزيزنا ، لقد أخبرتك أنه سيأتي اليوم الذي أضمه لصدري ولم تصدقني ، أرأيت لقد عاد ولدي إلى أحضاني .

تحول نظر بيجاد لمن تحتويه زوجته ليرى نسخة رجولية من زوجته بخلاف بنيته التي تشبهه لحد كبير وخصلات شعره ، وبتلك اللحظة همس تيم بشوق :
– أبي .

وكأن تلك الأحرف الثلاثة من قصمت ظهر البعير ، فأنتشله من بين ذراعي زوجته يعانقه بقوة كادت تحطم ضلوعه ، لتنضم لهم تاليا في عناق عائلي ، ظلوا على وضعهم لبضع دقائق ثم ابتعدوا عن بعضهما ، فبدأت جوانة تعرف من معها على تاليا وبيجاد .

قادهم بيجاد إلى داخل الكوخ ثم أقفل الباب ، ليجلسوا جميعًا بردهة الكوخ ، وهنا كان لرويد البداية في الحديث حيث أخبرهم عن أسرته وقتل أوركيديا لهم ، ثم لعبتها لتحصل على الكتاب ، وعند ذكر الكتاب أخرجته تيارا من حقيبتها وأعطته لتاليا ثم تحدثت عن ما حدث في قبو عائلة غياث تلك الليلة عندما هاجمتهم أوركيديا ومحاولتها لأخذ الكتاب ألا أنها لم تستطع ، ثم قصت عليهم ما فعلته بكنان ، فنظرت لها تاليا بتمعن قائلة :
– أحسنتي تيارا ، يبدو أنه تم تدريبك جيدًا ، فقد أوقفتِ سيطرتها عليه .

ابتسمت تيارا برقة قائلة :
– شكرا لكي خالتي ، ولكننا لا نعرف الآن ما علينا فعله فنحن لم نستطع فتح الصندوق لنقرأ ما يحتويه هذا الكتاب .

ابتسمت تاليا تقول :
– أستطيع فعلها لا تقلقي .

تحدث تيم بدوره :
– حسنًا أمي ، لقد اخبرتنا تيارا بأننا نستطيع كسر تلك اللعنة للأبد .

لينظر لها بيجاد ويسألها :
– هل هناك طريقة نستطيع بها كسر اللعنة .

صمتت تاليا عمدًا فنهرها بيجاد :
– تحدثي تاليا .

تنهدت بألم قبل أن تقول :
– ما من لعنة لا يمكن إبطالها… .

قطع بيجاد حديثها واقفًا من مجلسه وهتف بها بغضب :
– ولماذا لم تفعليها سابقًا ؟! .

أقترب منه تيم وأمسك ذراعه يقول :
– اهدأ من فضلك أبي .

لتتحدث تاليا بهدوء :
– لم أستطع حينها فتح الكتاب ليصدق حدسي وقتها .

ليسألها بيجاد :
– وماهو ؟ .

لترد تيارا بدلاً عنها :
– يحتاج الأمر لدماء أوركيديا .

  • وإن يكن .

هتف بها بيجاد فنظرت له تاليا بحزن وقالت :
– هل كنت تريد ان أقتل أختي بعد أن قتل ابنها وزوجها أمام عينيها ، بالطبع لم أستطع ، لكننا تخلينا عنها وكان هذا يكفي .

ليهتف بغضب :
– يكفي أن نتعذب جميعًا طوال قرن كامل ..

ليتدخل رويد :
– اهدأ سيد بيجاد الكلام فيما مضى لن يفيدنا الآن .

سحبه تيم من يده وأجلسه قائلاً :
– أبي من فضلك لا أريد لشيء أن يعكر صفو علاقتكم فلقد مررتما بالكثير ، وما حدث كان مكتوبًا ، وأمي لم تكن تعلم أنها ستحبك وتنجبني ،إذن دعنا ننسى الماضي ونركز فيما نفعل .

نظر لها بيجاد بأسف فأومأت تاليا برأسها بأنها تتفهم مشاعره تلك ..

تحدث كنان بعدم صبر :
– هلا نرى ماذا نفعل ، فالوقت يمر .

تنهدت تاليا بقلة حيلة ثم سحبت كفيها وأمسكت بالكتاب الذي على فخذها واقفة وبدأت بترتيل كلمات تحفظها عن ظهر قلب لا يعلمها سوى هي ورواندا وأوركيديا ، وبعد عدة دقائق أرتفع الكتاب للأعلى ثم فُتح وظهرت أولى صفحاته والتي كانت فارغة ، ثم مالبث أن ظهرت الأحرف لتتكون كلمة والكلمة صارت كلمات لتصبح جملة
” لعنة القمر لن تنتهي سوى بدمائها ”
ليصدق حدسها ، وتختفي الكلمات مرة أخرى وسط ذهول الجميع ثم يسقط الكتاب أرضًا وتغلق صفحاته أمامهم ، وكانت ستتبعه تاليا بالسقوط من التعب بعد أن فتحته ، لتشعر بيدين تمسكان بها من الجانبين ، وقد كانا زوجها من جهة وولدها من الجهة الأخرى ، لتبتسم براحة يشوبها القلق من القادم .

لينظر لها بيجاد ويسألها :
– ماذا ستفعلين الآن .

لتنظر إلى تيم وتقول :
– من أجل ولدي سأفعل أي شيء ، وخاصةً أن أوركيديا غلفتها روح الإنتقام ولن تهدأ .

بعد أن شعرت تاليا بالراحة هتف تيم :
– والآن يجدر بنا الذهاب للقصر ، فنحن نحتاج العون من الملك ليساعدنا في حربنا معها .

ظهرت علامات الذعر على وجه تاليا لتقول بخوف :
– قصر ماذا !! ، انسى هذا ، نحن لم نقم بحمايتك كل هذه السنوات لتذهب إليهم بنفسك الآن ليقتلوك .

أمسك تيم كفها بدعم قائلاً :
– اهدئي أمي ، صدقيني لن يمسوني بسوء أبدًا ، إنهم عائلتنا رغم كل شيء ، ونحن بحاجة لهم كما هم بحاجتنا لنكسر تلك اللعنة ونحيا بحرية أمي .

وحينما صمت تيم تحدث بيجاد وكفه يمسك بكفها الآخر :
– تيم معه حق حبيبتي ، حان وقت المواجهة ، يكفينا هروبًا تاليا .

ورغمًا عنها ، همست بقلق :
– لكنني خائفة .

ضم بيجاد وجهها بين راحتيه هامسًا لها :
– لا تخافي عزيزتي ، سنكون بخير ، فقط لا تخافي وساندينا .

كانت خطة رويد تقتضي بأن يذهب هو و تيم ووالديه ومعهم جوانة إلي الملك لإقناعه بمساعدتهم ومسامحة ولده ، ليعود في كنف والده ، بينما تبقي تيارا وكنان لحماية الكتاب ، وافقه الجميع وبالفعل رحلوا تاركين خلفهم تيارا وكنان .


في مكان آخر .
كانت أوركيديا تصرخ بجنون فهي بعد أن عبرت معهم من البوابة فقدت أثرهم بعد أن فقدت سيطرتها على كنان لتلمع في ذهنها فكرة وتقسم بتنفيذها .

سرعان ما أختفت من مكانها لتكون في لحظات بجناح ابن الملك نعمان” طراد ” الأمير الحالم بعرش والده ، لا تهمه أسرة ولا تهمه قواعد بقدر ما يهمه التاج والسلطة لذا فهو يبدو لها الشخص المناسب .

جلست تنتظر دخوله في أي لحظة وعيناها تتركزان على باب الجناح ، فهي شعرت بقدومه ، لذا ما إن أنفتح الباب وأطل هو حتى صُعق من رؤيتها مرة أخرى ليسرع بإغلاق الباب وهو يردف ببعض الخوف من وجودها هنا بالمملكة :
– أوركيديا !؟ ، كيف دخلتي إلى هنا ؟!! .

ابتسمت أوركيديا بدهاء تحدثه وهي تقترب منه :
– اهدأ عزيزي ، انا هنا من أجلك ، أتيت لمساعدتك .

ارتفع حاجبيه بتعجب قائلاً :

  • مساعدتي انا !! ، لكن كيف ذلك وأنتِ السبب في ما نحن فيه الآن .

وقفت أمامه وحاجبيها يرتفعان بتعجب مصطنع قائلة :
– ماذا ؟! ، هل تخبرني أن القوة لا تعجبك .

تحولت نظرة طراد للحدة يهتف بها :
– مالذي أتى بكِ هنا أوركيديا .

  • أردت تحذيرك من القادم .

تأفف بنزق هاتفًا :
– وما هو القادم يا ترى .

طالعته أوركيديا بخبث تهمس بفحيح ثعبان:
– بيجاد وتاليا وابنهما .

تجحطت أعين الآخر يصرخ بصدمة:
– ماذا ؟! ، هل ابنهما مازال حيًا ؟! .

أكملت أوركيديا فحيحها هامسة :

  • أجل عزيزي ، كان موته مزيفًا ، وهم قادمون ، هذا إن لم يكونوا هنا الآن ، لقد عادوا ليستدرجوا عاطفة والدك نحو ابنه الغائب وحفيده الشاب ليأخذوا منك العرش .

تحولت نظرات طراد لغاضبة وقبض على كفيه يهتف بشراسة :
– على جثتي أن يحدث هذا .

  • أنا أخبرتك بما سيحدث وأنت لك الحق في الإختيار إما أن تكون معي أو تقف منتظرًا مع الحاضرين لحظة تتويج شقيقك وامتلاكه السلطة .

صك على أسنانه وعيناه مثبتة على صورة والده المعلقة بالجدار خلفها ليهتف :
– أنا معكي أوركيديا ، ومهما كلفني الأمر هذا العرش والتاج انا الأحق بهما لا هو .

تنهدت الأخرى بإريحية وعيناها لمعت بخبث تقول :
– أحسنت صنعًا عزيزي ، والآن إليك ما سنفعله .


في ردهة القصر .
يجلس الملك النعمان – الذي غزاه الشيب لكن بنيته مازالت قوية – على عرشه وبجانبه جود يتحدثان وعلى جانبيه يقف حارسان .

دخل بيجاد وتاليا وجوانة وخلفهما تيم ورويد الردهة ، فلمحهما النعمان ليعتلي وجهه شوق كبير يحمله بين طيات قلبه ، ولكن سرعان ما تغير للغضب هاتفًا :
– ماذا جاء بك لهنا أنت وهي .

ثم لاحظ جوانة – زوجة ولده الأصغر – بذات الوقت الذي ألتفت به جود ليقع نظره على من أشتاق لها بحد كبر العالم أجمعه ، لمعت عيناها بشوق هامسة بخفوت :
– حبيبي. .

ثم ما لبثت أن ركضت إليه وهو يهبط درچ العرش مهرولاً عليها هاتفًا بإسمها ، إلتقفها بين ذراعيه يعانقها بتملك وشوق ، رفعها عن الأرض وذراعيه يضم جسدها لصدره بقوة هامسًا :
– اشتقت لكِ متمردتي ، اشتقت لكِ حبيبتي .

تعلقت جوانة برقبته هامسة :
– ليس بقدر إشتياقي لك يا محب لعائلتك .

ابتسم بحنو وقد تذكر تلك الجملة التي رمتها به قبل عشرون عاماً يعاود الهمس :
– أحبكِ .

أنزلها كي تقف على قدميها وابتعد عنها قليلاً لكنها مازالت داخل أحضانه ، أتجهت نظرتها لتيم فرأته يبتسم لها مرسلاً لها قبلة ، فابتسمت بسعادة وعادت برأسها تتوسد صدر حبيبها .

نظر بيجاد لوالده بإحترام بعدما انحنى له ثم قال :
– ألم يحن الوقت بعد كي يلين قلبك وتسامحنا .

وقف النعمان من مجلسه وصرخ بنبرة رعدية جعلت من تيم غاضبًا :
– أي وقت هذا ، وعن ماذا سأسامحك ، على زواجك من ساحرة ومخالفة القوانين أم هروبك بعد موت ولدك .

كاد بيجاد يتحدث لكن أوقفه صوت تيم الحاد :
– ولده لم يمت ، بل هو أمامك … جدي .

تسمر النعمان مكانه بصدمة وهو يرى تيم يتقدم بضع خطوات ليقف بجانب والديه ، ليهتف النعمان بإستنكار :
– كيف ذلك ، أخدعوني بموتك أيضًا.

وهنا جاء صوت زوجته ” بيسان ” بحدة :
– لا تسميها خداع نعمان بل حماية حفيدك الثاني الذي كنت ستقتله بيديك من أجل قانون لعين ينهك قلب الأمهات ويهتك بأرواح صغار لا ذنب لهم بشيء .

  • أكنتي مشتركة معهما بذلك بيسان ؟! .

لم تجيبه بيسان بل تقدمت من تيم وأخذته بين ذراعيها من فورها تقول بشوق :
– يا الله لقد كبير حفيدي وأصبح فارسًا قويًا .

بادلها تيم العناق بحنو هاتفًا :
– آااااه جدتي .

ربتت بيسان على ظهره ثم ابتعدت عنه تمسح على وجهه بحنان هامسة بدعم :
– لا تيأس أمام جدك ، فهو رغم غضبه ألا أنه يشعر بالضيق والحزن لما فعله معكما .

ابتسم تيم قائلاً :
– لا تقلقي جدتي ، فانا لم آتِ لهنا كي أيأس بل كي نسترد جميعنا حياتنا الطبيعية دون أي لعنات .

ثم نظر لجده الواقف بصدمة شلت حواسه وقال بجدية :
– أنظر جدي ، نحن جئنا كي نطلب الغفران عن ما حدث ، وكنا نأمل غفرانك ، لكن إن كنت لا تريد ذلك فدع خلافنا على جانب ، وأتحد معنا كي نتخلص من أوركيديا ولعنتها الملحقة بنا .

دقائق مرت عليهم والصمت سيدهم ، نعمان ينظر بينهم بحيرة ، والجميع ينظر له بترقب منتظرين موافقته ، فتحدث بيجاد أخيرًا :
– لا وقت للتفكير أبي ، فحياة شعبنا التي تهمك للغاية متوقفة على مساعدتك لنا .

دقائق أخرى مرت وهو صامت ، لكنه تحدث أخيرًا بملامح صارمة ونظره معلق على رويد :
– من يكون هذا الشاب .

ابتسم الجميع على سؤاله فهو ردًا على موافقته ، فأجابه بيجاد :
– إنه صديق ، يود مساعدتنا لنعود إلى حياتنا .

نظر له الملك بعدم فهم ليكمل بيجاد :
– أقصد أن بإمكاننا إنهاء تلك اللعنة والعودة إلى حياتنا .

  • وكيف ننهيها وتلك اللعينة اختفت .

هنا جاء دور رويد كي يتحدث ، فتقدم أتجاه الملك ثم قال :
– لكنها هنا الآن ونستطيع تدميرها هذه المرة
، ولهذا نحن بحاجة مساعدتك سيدي .

ناظره النعمان بتسائل قائلاً :
– وكيف ستكون مساعدتي لكم .

بدأ رويد يقص عليه الخطة ، ليوافق الملك على مساعدتهم وبالفعل أعدّ معهم جنوده ووضعهم تحت قيادة بيجاد وجود ليذهبوا جميعًا .

وعلى الجانب الآخر تجهز طراد أيضًا ومعه بعض الجنود ممن يرفضون كسر اللعنة وأعجبتهم القوة والسيطرة ، ليسقطوا تحت وطئة رغباتهم .
لكن لمن سيكون النصر ؟! .




34742 مشاهدة