الخاتمة
الحياة حلقة..
دائرة مغلقة..
ندور فيها هنا وهناك..
نصنع علاقات جديدة ونهدم أخرى قديمة..
والنسيان أفضل من الحقيقة..
عدو الأمس صديق اليوم..
وصداقة المصادفة قد تكون الأفضل..
فمن يدري إلى أين تأخذه الحياة..
أتت لحظة النهاية..
لنقول وداعًا للحكاية..
وينتهي السرد..
ونغلق الحوار..
ويبقى الأمل معلقًا في لقاء..
لقاءًا آخر من يدري.. .
العودة للحياة ، العوده لاصلنا ، العودة لنبدأ من جديد …
عاد الجميع للمملكة بايكالي ، فقد حان الوقت لإنهاء لعنة تبخرت صاحبتها .
تجمعوا في قصر الملك نعمان لتبدأ تيارا بمشاركة تاليا بتكوين حلقة وفتح الكتاب وقراءة تعويذة معينة بدورها ، لتتكون هالة مضيئة حولهما تفصلهما عن الواقع وهما مستمرتان في القراءة .
لحظات وارتفع صوتهما معًا لترفع كلتاهما رأسيهما للأعلى ليكتمل المشهد ببريق عينيهما وشعرهما المتطاير خلفهما ، وأنتهى الأمر بغرز تاليا الخنجر الذي يحمل دماء أوركيديا في إحدى صفحات الكتاب لتتحول الصفحة للون الأسود الفحمي وسرعان ما أصبحت رماد يطير في الهواء ، وكأن الكتاب يرفض دمائها لتنتهي اللعنة وتعود الذئاب لطبيعتها
البشرية مرة أخرى ، وينقشع الغمام لتظهر الشمس بضوئها وينتشر بأرجاء المملكة ، لتتعالى الأصوات المسرورة في المملكة لعودتهم للحياة مرة .
انتهت تاليا وتيارا من القراءة واختفت الهالة المحيطة بهما ليسقطا أرضًا من التعب والإجهاد ، فتقف تاليا مقتربة من تيم وعيناها تتهاتف لقربه ، فيقترب هو منها الآخر ويعانقها بشدة فيقترب منهم بيجاد مبتسمًا يحاوطهما بذراعيه بعناق عائلي .
اقترب رويد من تيارا ومال بجذعه العلوي يلتقط كفها ، ويعاونها على الوقوف فتبتسم له فيبادلها البسمة ، وحينما لمحهما تيم ابتعد عن أحضان والديه واقترب منهما بجمود ممسكًا بكف تيارا ينتشلها من جانب رويد إلى أحضانه دليل على ملكيته لها ، ليبتسم رويد لهما فتنتقل عدوى الإبتسام للجميع .
قرر الملك إقامة إحتفال لعودة الوريث وإنتهاء اللعنة بجانب حفل زفاف تيم وتيارا كتوثيقًا على كسر القانون ودفنه كما دُفنت اللعنة .
زُينت المملكة بأكملها وأقيمت الإحتفالات
وامتلأت الشوارع بالرعية يقدمون الهدايا للحفيد العائد والمنتصر .
وأخيراً اهتمت تاليا بتزيين العروس التي ارتدت فستان زفاف أبيض اللون من الستان اللامع له ذيل طويل ووضعت طرحة توازي طول ذيل الفستان وقمته مشكلة بهيئة قوس مغطاه بقماش الدانتيل .
اتجه لها رويد وتأبطت هي بذراعه فهذا كان طلبها ، فهو جزء لايتجزأ من عائلتها ليهبطان الدرج إلى تيم الواقف بنهايته ، قدمها رويد لتيم فتأبطت بذراعه وعيناها يشع منها البهجة وفاها يقترب يهمس له بحب ” أحبك ” إستمعها تيم بقلبه ، فاقترب منها بوجهه ولثم فمها القاني يهمس بصوت أجش ” أحبك أضعاف حبك لي ” فاستمعت له تيارا بقلبها كما أذنها .
أتجها للساحة المخصصة لهما ووقفا بها ، ليقترب منهما الملك نعمان يهنأهما ثم أهدى تيارا عقد من العقيق ووضعه حول عنقها بنفسه ، وحينما ابتعد عنها انحني الأثنان له بإحترام ثم قبلا كفه ، أقترب جود وجوانة منهما وإبتسامتهم المشعة بالأمل ، لتحضن جوانة تيم بفرحة أم تزوج ابنها للتو لتردف قائلة :
– كما أخبرتك مسبقًا إن القدر يحمل لك الأفضل دائمًا .
صمتت قليلاً ونظرت لتيارا المبتسمة لهما ثم أكملت :
– وها هي جائت وستختم صك ملكيتك عليها لتكون لك أنت فقط … طفلي .
ابتسم تيم لها ممسكًا بكفها يلثمه قائلاً بحنو :
– مهما حدث وسيحدث ستظلي والدتي التي أحبها .
لمعت عينا جوانة بتأثر وبسمة فرحة ، فرفعت كفه ولثمته بدورها عدة مرات ، فقالا جود وتيارا بتذمر بصوتٍ واحد :
- نحن سنغار بهذه الطريقة .
ليضحكوا أربعتهم فأقبل عليهم رويد وكنان لتهنئتهم ….
انتهي حفل الزفاف الملكي وانتهي معه عصر الذئاب ، وأعلن الملك أحقية حفيده في العرش من بعد والده وعمه جود ، وأنه لا مزيد من الفراق والقوانين ، فالعائلة أهم والبقية تأتي ، ليرحل من يرحل ويستقر في ذلك العالم من يريد ! .
هو لحن كمان..
صوت الناي..
معزوفة لبيتهوفن..
انتهى المايسترو من عزفها..
كرقصة بالية أدتها الراقصة ببراعة.. .
ذهب لمنزلها متعب يشعر بالكثير ، إرهاق وجرح كبير في قلبه ، فهو لن ينسى تلك الساحرة ومافعلته به ، لن ينسى موت صديقه أمام ناظريه .. .
طرق بابها والساعة كانت تشير للعاشرة مساءًا لتفتح الباب بقلق من هوية الطارق لتتفاجئ بوجوده في هذه الساعة ، فهو مختفي منذ أيام حتى كادت تجن ، لم تصدق عيناها ما إن رأته أمامها ، تطلعت إليه بقلق ، تنظر لوجهه بتمعن وجسده لتطمئن أنه بخير .
فهي أضناها القلق … اضناها الشوق إليه ، حتى انها بحثت عن أيهم كثيرًا لكنها لم تجده ليستبد بها القلق على كلاهما .
فتجده يقف أمامها لترتمى في أحضانه كي تطمئن قلبها الصغير بقربه .. ليشدد هو في إحتضانها ، فكم كان يحتاج إليها .
بعد فترة كانت تجلس على أريكتها في الردهة ، بينما هو نائم يضع رأسه على ساقها وهي تمرر أصابعها في شعره ، بدأ الحديث عن كل شيئ ، كل ما مر به من حادث أليم أدى لفقد أسرته ليظل خاويًا وحيدًا ليقع أسيرًا وضحية لساحرة استغلت ضعفه واستخدمته كوسيلة لتحقيق غايتها ، لقتلها صديقه أمامه ولم يستطع على فعل شيء .
وعند هذه النقطه ، لم يقاوم رغبته في البكاء ، لينفجر باكيًا في أحضانها فشاركته هي الأخري نوبة بكاء استمرت لقليل من الوقت ، إستنشقت الهواء بهدوء ثم تولت مهمة تهدأته وهي تخبره أنه ليس مذنب ، فهو ضحية لشيء خارج عن إرادته .
وجدته قد هدأ وأنفاسه منتظمة ، لتدرك أنه نائم من فرط التعب ، لذا لم تود الحركة كي لا ينزعج ويستيقظ ، فأستلقت هي بجاوره وإندثت بين ذراعيه كأنهما جسد واحد ، تريده حينما يستيقظ ، يعلم أنها بجواره ، ظلت تتأمله وهو نائم ، ترى ملامحه وهي تتحول تدريجيًا من التعب والضيق للراحة ، فغمرتها الراحة تغلق جفونها مستسلمة للنوم .
الانتقام يؤثر..
والحب يؤثر..
وما أكبر التضاد بينهم..
إذا وجد الانتقام تلاشى الحب..
وتأتي الفرصة..
ونحقق الانتقام..
لكن هل في وقتها سينتهي شعور القلب..
أم أنه سيود لو يموت حيًا.. .
عاد أخيرًا لمنزله وهو يشعر بشعور زائف من الراحة ، هو يعلم أن ما فعله صحيحًا وأن تلك هي النهاية الطبيعية لتلك التي سرقت قلبه ، وود لو يستعيده حتى بعد إنتقامه منها !! .
دلف مباشرة إلى القبو ونظره يدور حول المكان محدثًا نفسه ” وأخيرًا إنتهينا … إنتهت مهمتي جدي ، عسى أن ترقد أرواحكم بسلام ، وأن أشعر أنا بالسلام … فصدقًا اكتفيت ” .
زفر أنفاسه ببطئ ملقيًا جسده على أقرب أريكة قابلها مرجعًا رأسه للخلف و عيناه مغلقة بتعب ، عله يستريح .
مرت أيام يشعر بها بالوحدة ، يذهب إلى عمله دون شعور ، هل هو حي أم ميت !؟ ، دائمًا يتسائل .
لاحظ براء ذلك الأمر ليسأله عن إختفائه الذي تزامن مع إختفاء تيارا لكنه لم يخبره بشيء .
قلبه مازال ينزف ، شهر كامل مر على تلك الأحداث تأتيه ليلاً بأحلامه ، بردائها الساحر ، يتذكر آخر كلماتها بأنها أحبته من قلبها فيبتلع كلماتها بين شفتيه ومرة أخرى يتذكر مافعلت حتى يطعنها بخنجر مرات متعددة .
أحلام متكررة تبدأ بحبه لها ، وتنتهي بقتله لها ، كيف سيعيش هكذا طوال عمره ، وأين الخلاص ؟! .
وفي أحد الليالى والأحلام تؤرقه أستيقظ صارخًا ، مفزوعًا ، وهو يهتف عاليًا باسم تيارا التي فورًا شعرت به ، أخذت السماح من تاليا بالعبور فرفض تيم رحيلها بدونه ، وذهب معها.
وما إن عبرا البوابة حتى ألقت تيارا بعض الكلمات لتظهر مباشرة أمام رويد ، وحينما وقع نظرها عليه صدمت من هيئته المزرية ، ذقنًا كثيفة ، ملامح باهته كأن روحه فارقته ، فأقتربت منه هاتفة بحزن :
– سيد رويد أنا هنا .
رفع رويد رأسه إتجاهها ببطئ ونظر إلى تيم الذي ما إن رآه حتى جاهد أن يتمالك ويظهر أمامه قويًا كالدائم ، فأرحته تيارا وهي تنظر لتيم مشيرة له برأسها أن يخرج ، وحينما أعترض توسلته بنظراتها فاستجيب على مضض ومر من جانبها كي يخرج فأستمع لها تهمس له :
– ولا تدخل مهما سمعت حتى أناديك .
زفر بضيق وخرج دون الرد عليها ، فجلست تيارا بجانبه تسأله بحنو :
– مابك سيدي .
زفر رويد بألم يفتك بكل ذرة في قلبه يقول بخفوت وضعف لأول مرة تراه تيارا :
– لقد تعبت ، ولم أعد أستطيع التحمل ، كل شيء حولي يذكرني بها ، أنفاسي تذكرها حينما كانت تختلط بأنفاسها ، يداي حفظت ملمسها ، هي حولي وفي روحي وكياني.. .
وضعت تيارا كفها على كتفه تمسح عليه برفق وقالت :
– كيف تعشقها هكذا وهي لم تحبك قط ، هي كانت مخادعة أرادت منك الكتاب فحسب … لو كانت أحبتك يومًا ما حاولت إيذائك .
رفع كفيه يغطي وجهه هاتفًا بألم :
– وهذا ما أحاول إقناع نفسي به تيارا ، لكن نظراتها لي كانت تخبرني أنها صادقة ، آخر كلامها معي … آخر حديث لها بأنها تشتاق إليّ ، فيبدأ حلمي بذلك الإعتراف وينتهي بقتلي لها ، في كل ليلة كأني أحيا ألم فقدانها ، ألم خداعها لي ، في كل ليلة أشعر بأن قلبي يتحطم ليعود ويتجمع في الصباح ثم يعاد تكسيره في المساء .
أنزل كفيهه عن وجهه ونظر له يباغتها بسؤاله :
– أخبريني تيارا ، هل كانت تسيطر علي …
ألن ينتهي ذلك الأمر بموتها ؟! .
أخفضت تيارا رأسها في حزن ليتوسلها قائلاً :
– أجيبيني تيارا .
- لكنها لم تستطع سيدي .
وما إن أنهت حديثها حتى وقف صارخًا يطيح بكل ما يقابله ، يشفي غليله لتقف تيارا وتشدد ملامحها ثم أقتربت منه ووضعت كفها على رأسه ليسقط مغشيًا عليه فأسرعت تنادي تيم :
– حبيبى… تيم تعالى سريعًا .
دخل تيم مهرولاً ليرى رويد ملقى على الأرض فنظر لها وسألها :
– مابه !؟ .
- ساعدني بوضعه على الفراش أولاً .
أقترب منها ثم مال بجذعه العلوي وأمسكه من أسفل كتفيه وكادت تيارا تساعده لكنه أمرها بالأبتعاد وحمل رويد على كتفه ثم وضعه على الفراش .
خرج الإثنان من الغرفة وتيارا تتنهد بحزن ، فسألها تيم بفضول :
– لقد سمعت صراخه ولم أشأ التدخل ، فماذا ماذا حدث !؟
إندثت بين ذراعيه تقول بحزن :
– لقد مسحت ذكرياته الخاصة بحبه لأوركيديا .
ضمها تيم إليه أكثو وقال بحزن :
– ما أسوأ أن تكون عاشقًا .
رفعت تيارا وجهها ونظرت له بحاجب مرفوع وقالت بإستنكار :
– وهل أنت تشعر بالسوء .
ضحك تيم بعبث رافعًا كفه لرأسها يدفعها كي تتوسد صدره مرة أخرى وقال بهمس :
– إذا ابتعدتي عني سأكون أكثر من ذلك حبيبتي.
تنهدت براحة وأغلقت جفنيها تستشعر دِفء صدره هامسة بعشق :
– وهذا لن يحدث أبدًا .
في الصباح الباكر ، استيقظ رويد على رنين جرس منزله ، فوقف عن فراشه وخرج من الغرفة متجهًا للدرچ وهو متأففًا.
وقف أمام الباب وفتحه ليرى تيارا بصحبة زوجها فهتف بضيق :
– هل هذا ميعاد زيارة تيارا .
ومالبث أن تغيرت نظراته متذكرًا زواجها وأنه ببيته وهي من المفترض أن تكون بعالمها ، فصاح ببهجة :
– تيارا !! ، متى أتيتي يا فتاة .
نظر تيم لتيار التي جاوبته سريعًا :
– اليوم صباحًا ، وقررت أن آتي لزيارتك ، فقد مضى شهر دون أي حديث بيننا .
- حسنًا وأنا اشتقت إليكي أيضًا .
ابتسمت تيارا بمرح بينما شعر تيم بالغيظ وعيناه تنظران بضيق رويد عند ذكره لكلمة ” إشتياق ” ، فابتسم رويد على ذلك وقال :
– اشتقت لها كأختي ، اقسم لك .
لم يزول الغيظ من على تيم فعانقت تيارا ذراعه ضاحكة عليهما.
بعد مرور ساعتين ، في حديقة القصر .
أجتمع الثلاث رجال مرة أخرى وكنان يتحدث معهما :
– لقد اشتقت لكم حقًا .
فأردف تيم باسمًا :
– رغم أننا نعرف بعضنا منذ وقت قليل ، لكن أشعر أننا إخوة .
ابتسم رويد وكنان على إثر جملته ، فسأل كنان عن أخر أخبارهما فأجابه تيم أولاً :
– لاشيء جديد ، أقضي وقتي في التعرف على تاريخ عائلتي وحدود مملكتي التي سأرثها يومًا ما .
نظر له رويد وقال :
– ما رأيك أن تعودا إلى هنا وتعملا معي مجددًا ، أنت وتيارا ، فكم أفتقدها في العمل .
ورغم أن رويد لم يقصد شيء لكنه شعر بالغيظ من تعلق رويد بزوجته لهذا الحد فأجابه ببرود لم يستطع التحكم بها :
– سنرى بهذا الشأن لكن أخبرني ما آخر أخبارك .
تغاضى رويد عن نبرته وأجابه :
– لقد عرضت على جامعتك أن أدرس هناك وسأبدأ من بداية الأسبوع القادم .
هنئه كنان وتيم فسأل رويد عن حال كنان وقبل أن يجيب إستمعوا إلى صراخ الفتيات المرح من الداخل ، فنظر لهما كنان وقال :
– هذه هي أخر أخباري ، فزفافي بعد يومين .
مر اليومان وأتى الزفاف المنتظر ، ما أجمل أن تكلل قصص الحب بالزواج ليجتمعا تحت رباط مقدس .. فيشهد على توثيقها الأقارب والأصدقاء .
مع حضور مجموعة من الصحفيين لتغطية حدث العام ، فشخصية مشهورة ككنان وخاصةً بعد قرار عودته للغناء مرة أخرى بجوار إثباته لنفسه كرجل أعمال والتقدم في المجالين جنبًا إلى جنب ، كان محط الأنظار لتتسابق عدسات الكاميرا في إلتقاط الصور وتغطية الأخبار .
زفاف نهاري في ضوء الشمس ، فـتيا رفضت أن يكون الزفاف مساءًا ، فهي أرادت أن تشعر بالهواء والشمس وهو لم يرفض لها طلبًا وأقام لها الحفل كما شائت .
أطلت هي بفستانها الأبيض كفستان ” سيندريلا ” مع إختلاف اللون وشعرها القصير منسدلاً حتى بداية كتفيها .
أعلن منسق الموسيقى الرقصة الأولى للعروسين ، فأمسك كفيها وسحبها لساحة الرقص ثم وضع كفيه على خصرها ، بينما هي تضع كفيها على كتفيه ورأسها على كتفه لتهدأ الموسيقى ويقترب منه أحدهم ويعطيه ميكروفون ، فأمسكه بيد واليد الأخرى يضمها إليه من خصرها ونظرت يتنعن بوجهها :
– أحبكِ كثيرًا تيا وأشكركِ على وجودكِ في حياتي هذه ، الأغنية لكِ حبيبتي .
” اختاركِ قلبي فلم أملك التعبير..
نادتكِ نبضاتي لتلبي النداء بقلب كبير..
همست لكِ أنفاسي بكلمات الحب و أحرف الغزل..
لتبتسمي خجلاً وتشتعلي جمراً..
أصبحت لياليّ متشابهة..
النوم يجافيني ويخاصم جفوني..
ويقسم ألا يزور ليلي..
عساه يخبركِ بقلب أضناه العشق سيدتي..
أنا الراهب في محرابك فلا تخذليني..
أنا السابح في أعماقك فلا تجرفيني..
أنا العاشق لعيناك فلا تكسريني..
ألم أخبركِ قبلاً أنه..
اختارك قلبي فلم أملك التعبير..
أصبتُ بداء الحب سيدتي..
وأنتِ الدواء..
فلا تبخلي عليّ..
رمتني الأمواج مبتعدًا..
فلم أجد غيركِ شراعًا..
تجرعت مرارة الدنيا سابقًا..
وكنتي أنتِ البلسم والشفاءِ..
أهديكِ اليوم وردة وغدًا وبعده..
سأفعلها من اليوم لمماتي..
عسى أن تصفح عني عيناكي..
وتسامح قلبي إن أبكاكي..
واليوم أقسم أني لن أحبك أبدًا..
فالحب قليل والشوق قليل..
وأنتِ لم تُخلقي سوى للعشق..
وأنا أخشى أن يكون قليل.. . ”
انتهى من الغناء ليحملها بين يديه ويدور بها
وهي تتعلق به وعيناها تفيض بالعبرات الفرحة ، فعلى صوت التصفيق ، وصرخ كنان بأعلى صوته أنه يحبها .
بعد فترة جلسا في مكانهما المخصص ليتلقيا
التهاني من الحضور حتى اقترب منهما تيم و تيارا كي يهنئا العروسين ، ابتسمت تيارا وقالت بمرح :
– من فضلكِ تيا اطلبي من زوجكِ أن يعلم زوجي بعض الكلمات علّني أسمعها .
نظر لها تيم بإستنكار بينما ضحك كنان يزمقها بنصف عين وقال :
– الرجل كان يعانقكِ طوال الأغنية .
كادت تتحدث تيارا بعدما اختفت بسمتها لكن أوقفتها تيا وهي تقول لكنان بغضب مصطنع :
– وهل كنت معي أم مع أصدقائك .
نظر لها كنان ورفع كفها لفمه يلثمه قائلاً :
– بالطبع معكي حبيبتي ، لكن ألا ترين حجمه ، لذا كان واضحًا.
زفر تيم من ثلاثتهم فهو يشعر كأنه مهرج بينهم ، بينما لوت تيارا شفتاها بتذمر وهي تقول :
– ها أنت قلتها بنفسك ، ضخامة جسده ، وأنبهك ، أن هذا لم يكن عناقًا ، بل كان تكسيرًا لعظامي .
رمقها لها تيم بغيظ وتنحنح بتهديد ، فابتسمت تيارا له بعبث ترفع له حاجبيها ، فضحك كنان قائلاً :
– إهدأ يا رجل ، الليلة زفافي ولا أريد أي دماء .
أقترب رويد في تلك اللحظة وهتف :
– دماء من !؟ .
أجابه كنان بضحك :
– دماء تيارا ، فهي لا تترك زوجها في حاله .
ضربها رويد خلف رقبتها وقال بمرح :
– تأدبي مع زوجك يا فتاة.
غضب تيم لمرأى ذلك فدفع كف رويد عن رقبة تيارا هاتفًا به بخشونة :
– لاتضربها مرة أخرى .
رمقه رويد بإستنكار فنقل نظره لتيارا وقال :
– عليكي به تيارا ،فهو يستحق .
ضحك الجميع عليهما فأقتربت تيارا من رويد وسألته عن حاله :
– كيف حالك سيد رويد .
نظر لها رويد بإمتنان ، فهي لاتزال معه ودائمًا ما تهتم به ، فأجابها ببسمة هادئة :
– لا أعلم تيارا ، فأنا أشعر بالخواء ، أشعر أن هناك جزءًا من حياتي ينقصني … وما كلمة سيدي تلك اسمها أخي .
ضحكت تيارا بمرح وهي تقول :
– هذا شرف لي أخي.
- بل شرف لي أنا حارستي الشقية .
تعالت ضحكات تيارا أكثر فجز تيم على أسنانه بغيظ ، ألا يكفيها أنها تركته وأقتربت من هذا الغليظ وبدأت بالحديث معه ، أتضحك معه وبصوتٍ مرتفع أيضًا !!
ضحك رويد هو الآخر حينما لمح نظرات تيم لها وقال :
– هل ترين نظرات زوجكِ … حمدًا لله أن اللعنة انتهت وإلا هذا الزفاف كان سينتهي قبل أن يبدأ .
ألتقطت أذن كنان تلك الجملة فوقف من مجلسه وقال بتذمر :
– زفاف من الذي سينتهي !! ، ارحموني أرجوكم ، أنا لن أتزوج سوى مرة واحدة ، قفوا معي أو ارحلوا جميعًا من هنا .
ضحك الجميع عليه ثم أنضموا إلى جواره يقفون سويًا مبتسمين ، ليلتقطوا صورة تذكارية ، صورة تخلد أن صداقتهم أبدية .. .
في صباح اليوم التالي .
كان أول يوم لبدأ الدراسة ، وذهاب رويد إلى الجامعة .
يسير في الحرم الجامعي ليسمع صوت هاتفه
فيخرجه من جيبه ويرد على المتصل ولم يكن سوى براء لذا لم ينتبه لتلك التي تمر بجانبه مسرعة في خطواتها لتلحق محاضراتها المتأخرة ، فإصطدمت به ويسقط ما تحمله من كتبها وحقيبتها حتي عويناتها التي ترتديها ، وقبل أن تلامس الأرض هي الأخرى كان هو أسرع في إلتقاطها بين يديه .
نظر إليها بإفتتان ، ليتوه بعمق عيناها الدافئة
كقرص الشمس ، لاحظت الفتاة تحديقه بها ، فأبتعدت عنه بخجل ، وجست على قدميها تلملم أشيائها بعجالة ثم هرولت مبتعدة من أمامه .
نظر رويد لمكان رحيلها بمشاعرة متضاربة ، شعرها الأشقر بدرجاته وردائها الاحمر ، تضاد غريب بين اللونين لكنه أبدًا لم يكن متنافرًا ، بل جذاباً بطريقة تثير فضوله !! .
نظر لساعة يده فأدرك أنه تأخر عن المحاضرة ، أسرع بخطواته للمدرج ، وبدأ يعرف نفسه عليهم فهتف أحد الطلاب بلقب ” الذئب ”
فضحك رويد بمرح ، وازدادت إبتسامته حين وجدها أمامه بين الطلاب ، فحدث نفسه بتنهيدة حارة ” ذات الرداء الأحمر والذئب ، لكن من سيكون الضحية ” !!! .
تمت بحمد الله