رواية ذات الرداء الاحمر

بواسطة: كُتاب بيت العز - آخر تحديث: 20 أغسطس 2024
رواية ذات الرداء الاحمر



الفصل الاول


مجتمعنا….عالم الرجال ..
السيطرة لهم ، والحكم لهم ، لكن وراء كل رجل حكاية وعالم آخر لا نعلم عنه شيئًا ، خلف الابواب المغلقه يوجد الكثير من القصص والكثير من الأسرار ، وأوجاعًا تقصم الظهر ، فيحيا آدم بين هنا وهناك .


يسير في رواق شركته بخطوات متمهلة ينظر لكل موظف جالس خلف مكتبه بترقب ، يخافون من نظرته تلك ، يعلمون أنها دائما نظرة توعد لمن يخطئ ففي قانونه لا مجال للغفران ، الخطأ واحد والنتيجة واحدة .
نظرة قوة وتربص ، ولما لا فهو الذئب لقبًا وشكلاً ، عيون واسعة عسلية اللون ، قامة طويلة ، عضلات جسده البارزة التي تسفر عن قوة وتحدي .
عند سماعنا اسم الذئب يأتي في مخيلتنا القوة ، الأفتراس ، الترقب ، والهجوم المباشر .
هو كان مختلفًا ، قائدًا ، غير مروضًا ، ذكائه بلا حدود ، يعرف ماذا يريد ومتى يحصل عليه ، منظم ، مهما حاول النساء قبل الرجال فإنه يفطن لأفعالهم ، ينام وعيناه مفتوحة ربما ، لكنه لا يخطئ هدفًا قط ، لذلك لقب بالذئب .
كان يتفاخر بذلك اللقب ويبتسم كلما ناده صديقه المقرب له ، فرحًا بأنه وجد طريقًا يسير عليه ويثبت نفسه فيه بجدارة بعيدًا عن مرمى العائلة .

” رويد غياث ” أخر فرد في عائلته ، والده ” محسن غياث ” ومن قبله أجداده ، عائلة عريقة مهتمة بالتاريخ والأساطير والبحث الأثرى ، إذا إستطعنا أن نطلق عليهم صائدي كنوز ، فقد كان شغفهم هو مصدر رزقهم ومعيشتهم الذي دّر عليهم ثروة هائلة بجانب بعض المقتنيات الغالية التي لم يفرط فيها ابدًا ويحتفظ بها رويد في مكان آمن بإحكام ولا يعرف مكانه أحد حتى سكرتيرته ومأمن أسراره ” تيارا ” .

ظل رويد يسير في طرقات شركته حتى لامست هى كتفه ونظرت إليه نظرة واحدة ، نظرة جعلته يلتفت لينظر إلى طيفها ساهمًا وهو ابدًا لم يلهث وراء إمرأة قط .
لكنها ساحرة ، بفضية عينيها التي تملأهما وكأنه لا وجود للأبيض ، شيء غريب لا يعلم إذا مارآه حقيقة أم مجرد خيال ، لكنه ساحر بالتأكيد ، شعرها الأشقر بدرجاته ، ردائها الأحمر تضاد غريب بين اللونين لكنه ابدًا لم يكن متنافر ، بل جذابًا بطريقة تثير فضوله ، ورائحة زهرة الأوركيد الذكية التي تفوح منها تلك الزهرة المفضلة لديه .

ابتسم ابتسامته الساحرة وظهرت غمازتيه ، تلك الابتسامة التي أهلكت كثيرًا من النساء ، لكنه ابدًا لم يهتم ، لكنها ذات الرداء الأحمر ليست إمرأة عادية ، ليحدث نفسه ضاحكًا بصوت خافت ” ذات الرداء الاحمر والذئب ، لكن من سيكون الضحية ” .

دخل إلى مكتبه ودخلت وراءه تيارا بتلقائية ، إرتاح في جلسته وسريعًا فتح أول ملف وضعته أمامه تيارا ، يأكله الفضول ليسأل عن تلك الفاتنة التي رمت سحرها عليه منذ قليل لكنه رويد غياث كيف يعلن عن إهتمامه لإمرأة بهذا الشكل .

لاحظت تيارا توتره فبادرت بسؤاله :
– هل هناك شيئًا ، أراك قلقًا ومتوترًا ! .

رد عليها دون أن يرفع رأسه عن تلك الأوراق :
– لماذا تقولين هذا ؟! .

  • لاشيء ولكنك تقلب الأوراق كأنك لا تراها أو تفقه محتواها حتى ! .

رفع رأسه ونظر إليها يرجع ظهره على متكأ المقعد ، وسألها بابتسامة نادرة على ثغره :
– هل انا شفاف لذلك الحد ! .

ابتسمت تيارا على ابتسامته تلك أو لصدق القول نصف ابتسامة وقالت :
– خمس سنوات ليست بالقليل لكي لا أعرفك سيدي ، انا لا أفارقك سوى عند فترات النوم .

ثم أسهبت في حديثها تمازحه :
– حتى إنك تأتيني في أحلامي و تعطيني الأوامر التي لا تنتهي ابدًا .

قطب رويد جبينه قائلًا بهدوء قاتل :
– ألهذا الحد تسأمين من العمل معي ؟! .

ردت عليه تيارا سريعًا وقالت :
– عفوًا سيدي لم أقصد ذلك ، انا فقط أوضح لسيادتك معرفتي الجيده بك .

أشار بيده وقال :
– حسنًا هيا اذهبي ، واستدعي لي براء .

تنحنحت تيارا وقالت بتردد خوفاً من العاصفة التي ستهب في وجهها :
– أنه لم يأتي بعد .

وقف رويد غاضبًا وضرب على المكتب بيديه ناسيًا ماكان يشغل باله منذ قليل قائلاً بحدة :
– ماذا ؟! ، كيف هذا ، الساعة الآن الحادية عشرة ، لقد جُن براء بالتأكيد .

قاطعته تيارا قائلة :
– لابد أن هناك شيئًا قد طرأ وساهم في تأخيره ، لحظات وسأتصل به وأرى ماذا هناك .

قاطعها رويد هاتفًا بصوت مرتفع :
– تتصلين به أنتِ! ، لماذا لم يفعل هو إذا كان سيتأخر ؟ ، ألا يعلم أن هناك إجتماع هام بعد ساعة ، وهناك مراجعات بيننا ستتم أولًا .

لم ينهي رويد جملته حتى وجدوه يدلف إليهم ويلقي السلام بأريحية :
– السلام عليكم جميعًا .

نظرا الأثنان له فرد عليه رويد غاضبًا :
– السلام عليكم ببساطة هكذا وكأنك لم تفعل شيئًا .

نظر براء إلى تيارا بتساؤل فأشارت إلى الساعة في معصم يدها ، فحك براء رأسه بإحراج وقال لرويد ممازحًا :
– كل هذا الضيق لأني تأخرت ثلاث ساعات ، لقد ظننت أن الأمر جلل ، مثلًا الشركة سُرّقت أو شيئًا من هذا القبيل .

أحمر وجه رويد من الغضب وصاح في وجهه قائلًا :
– براء لا وقت لمزاحك هذا .

استغرب براء كل هذا الغضب من جانب رويد والذي من وجهة نظره لا داعي لها .
فقال بهدوء :
– اهدأ رويد ليس هناك داعي لكل تلك العصبية .

شبك رويد ذراعيه ووضعهما على صدره لاويًا فمه قائلاً :
– رويد ! ، أرى أنك رفعت التكليف بينا.. .

بلع براء ريقه وشعر بالخجل من أسلوب رويد معه وخصوصًا أمام تيارا فقال معتذرًا :
-أعتذر أستاذ رويد ، لكن أسمح لي كي أشرح لك سبب تأخري .

جلس رويد أمامه ووضع قدمًا فوق الأخرى وأشار إليه بأن يبدأ بالحديث
فتنفس براء محاولاً السيطرة على مشاعره بهدوء عكس الضيق بداخله ليجيبه بطريقة عملية:
– أنت تعلم سيدي أن الوفد الألماني سيصل اليوم إلى مطار القاهرة في السابعة صباحًا ، فذهبت إليهم وأوصلتهم إلى الفندق بنفسي وتركت معهم السائق ليأتي بهم في ميعاد الإجتماع.

شعر رويد بأنه تسرع قليلاً في معاملته مع براء لكنه قال دون أن تتغير ملامحه أو نبرة صوته :
– ولماذا ذهبت انت ؟! .

رد عليه براء بهدوء :
– أظنك تعلم مدى أهمية تلك الصفقة للشركة سيدي ، ووجودي معهم من البداية وإهتمامي بهم سيعطيهم إنطباعاً جيداً بأننا مراعون لكل تفصيلة مهما كانت صغيرة أو كبيرة .

شعرت تيارا أن وجودها لم يعد له اهمية فإستأذنت لتجهز للإجتماع.. .

وقف رويد امام براء ، هو ابدًا لن يعتذر فهو ” رويد غياث ” ذئب الأقتصاد وصاحب العمل يفعل ما يشاء دون تعقيب من أحد ، لكنه براء صديق عمره ورفيقه الوحيد .

وضع رويد يده في جيب بنطاله وقال بنبرة يغلب عليهاالإعتذار :
– أنت تعلم أنني لن أعتذر وتعلم أيضًا من أول يوم عمل بيننا أن علاقتنا في العمل ليس لها دخل بصداقتنا .

رد عليه براء برسمية قائلا :
– أعلم سيدي وليس لدي اعتراض على ذلك ، ولا انتظر منك أي إعتذر .

قال رويد ليخفف من حدة ذلك التوتر بينهم :
– خفف من تلك الرسمية نحن بمفردنا الأن .

قال براء بنفس جديته :
– لكننا مازلنا في أوقات العمل سيدي ، وأرجو أن تسمح لي بالإنصراف .

  • حسنًا ، أذهب ولكن أولاً أكمل جميل صنعك وأذهب لإحضار الوفد بنفسك .

هز براء رأسه وظهر على ملامحه الحنق وقال من بين أسنانه :
– أوامرك سيدي .

رفع رويد حاجبه وقال بسخرية :
– براء انا أمزح ولا تعش في تلك المأساة أكثر من هذا ، موقف بسيط وانتهى .

هز براء رأسه بالإيجاب وفتح باب المكتب وأغلقه خلفه بعنف قاصدًا ، ليسبه رويد ويقسم على تربيته من جديد .


بجامعة القاهرة ، كان الطلاب والطالبات يملؤون الحرم بعد خروجهم من أول اختبار ، منهم من يتشاور مع اصدقائه ، ومنهم من يمزق الورق الذي بيده ، ومنهم عابسين بسبب صعوبته .
كانت تقف بمفردها أمام المبنى وهى ممسكة بورقتها وقلمها تراجع إجابتها وهي متحمسة للغاية ، فجأة تغيرت ملامحها واختفت الحماسة عندما وجدت سؤال سقط منها سهوًا أثناء الاختبار ، شهقت بصدمة وهى تردف بنبرة مصدومة :
– يا إلهى ، كيف لم أرى ذلك السؤال ؟ .

أنهت جملتها ووضعت كفها على شعرها تشد عليه بأحباط ، كيف لم تراه كيف ؟! ، إنها تعلم إجابته كإسمها وفي النهاية تتركه فارغًا دون اجابة ، هذا غير أستاذها السمج و المثير للأعصاب ، كل هذا دار بخلدها في تلك الثوانى القليلة .
أخذت نفسًا بعمق ثم لفظته خارجًا بضيق شديد ، فآتاها صوت أجش يهتف باسمها ، ألتفتت متجهة له تقف أمامه بعبوس ، فسألها بحماس وتوجس من ملامح وجهها :
– ماذا فعلتي بنان ؟! .

تنهدت بنان وهى تضع القلم بحقيبتها السوداء قائلة بحزن :
– لم ألحظ السؤال السادس إلا الأن .

لوى تيم شفتيه آخذًا منها الورقة لكي يرى ذلك السؤال ، فرفع حاجبيه بدهشة هاتفًا بإستنكار :
– كيف ذلك بنان ، أنتِ تحفظي إجابته كإسمكِ ، فكيف لم تلَحظينه ؟! .

أخذت منه بنان الورقه بحنق تطويها نصفين قائلة بإستهجان :
– ليست تلك المشكلة تيم ، المشكلة مع أستاذنا الكريم ، أنت تعرفه جيدًا ، لا يطاق مطلقًا .

حاول تيم كتم ضحكته قائلاً :
– لا أظن أنه سيترككِ وشأنكِ ، فهو قد فعل ما بوسعه وترك الباقي علينا .

ناظرته بضيق هاتفة :
– وهل كان تركي له عن قصد يا هذا ، أقول لك لم ألحظه ، لم ألحظه ، أغنيها لك مع لحنًا ! .

رفع تيم كتفيه وقد أطلق لضحكته العنان قائلاً :
– ولمَ تبررين لي ، أذهبي لعمار وغنيها له هو .

رمقته بنان بغيظ ثم نظرت للجهة الثانية ، فكفّ تيم عن الضحك وابتسم لها مردفاً :
– حسنًا لا تغضبي واستمعي لما سأقول .

اومأت بنان له تولي كامل انتباهها له ، فقال بمرح :
– خالتي جوانة تدعوكِ أنتِ وعمار لدينا على الغداء اليوم .

لمعت عيناها فجأةً وظهر على ثغرها الوردي ابتسامة بلهاء هاتفة بلهفة ناسية إختبارها :
– حقًا تيم ! ، فكم أشتقتُ لطعام خالتك .

ضحك تيم عليها ممسكًا كفها بكفه يسحبها معه ذاهبًا لركوب سيارته ، يقول لها بعبث :
– أريد أن أفهم أين يذهب هذا الطعام الذي تلتهمينه ليلاً نهارًا ! .


وصل تيم إلى بنايه منزله – القابعة بحي بسيط – فصف سيارته على جانب الطريق ثم ترجل منها هو وبنان متجهين لداخل البناية .
صعدا درجات الدرج التالفة مع مرور الزمن ناشدين الطابق الخامس ، وما إن وصلا حتى أخرج تيم مفتاح المنزل وفتحه دالفاً هو وبنان من خلفه لتغلق بنان الباب خلفها .
بينما تيم يبحث بعينيه على خالته ، فإستمع لهتافها من داخل المطبخ وهى تقول :
– عمار بالشرفة يا تيم ، أذهب له أنت وأرسل ليّ بنان .

وما إن أنهت حديثها حتى عبست بنان هاتفة بتذمر:
– ولمَ أنا التي ستساعدها ، وكيف علمت بمجيئنا من الأساس فنحن لم نصدر صوتاً .

أتجه تيم للشرفة المسدل عليها ستائر شفافة هاتفًا لبنان :
– أصمتي وإذهبي للمطبخ الأن فأنا جائع للغاية .

فتحت بنان فاها بدهشة من تعنته وكانت ستعنفه لكنه سبقها بدخوله للشرفة ، فزفرت بضيق تخلع عنها حقيبتها وتلقيها على إحدى المقاعد ثم سارت للمطبخ بخطوات حانقه.

بداخل الشرفة ، جلس تيم علي المقعد الآخر بجانب عمار ، وقال له ممازحًا بنبرة عابثة :
– كيف حال أستاذنا الكريم .

رمقه عمار بنظرة جانبيه مستنكراً حديثه ، فغمز له الآخر قائلاً :
– ألا تريد السؤال عن صاحبة تلك العبارة ؟ .

  • ومن غيرها ! .

قالها عمار ونظره يعود للنظر خارج الشرفة فزم تيم شفتيه وقد فهم ما يدور حوله بالتأكيد صديقته المجنونة أغضبت خطيبها منها ، فسأله تيم بقلق :
– هل فعلت شيئاً يغضبك ثانيةً ؟! .

استمع تيم لتأفف صديقه ، فاعتقد أن القادم أكبر فقال بتوجس:
– هل تقدم لها أحدًا .

لم يكد ينهي جملته حتى ألتفت له عمار بعينين سوداويتين ليردف بنبرة يشوبها التحذير :
– لا أريد مزاح في ذلك الأمر تيم .

  • وأنا لا أمزح ، أنظر لوجهك وسترى أن هناك شيئا كبيرًا يغضبك .

زفر عمار مرة أخرى ليقول بضيق :
– لم يكتمل باقي المال الذي طلبه مني والدها ، والستة أشهر قاربوا على الإنتهاء .

نظر له تيم بحنق يزجره بقوله :
– لا تكن متشائم عمار ، المهلة لم تنتهي بعد ، هناك شهران آخران ، وبإذن الله سيكتمل المال .

ابتسم عمار له بوهن ثم وقف من مجلسه يهم بمغادرة الشرفة قائلاً :
– هيا قف لنذهب لهن ونساعدهن بترتيب المائدة .

وغادر من فوره ، فاختفت وقتها معالم المرح عن تيم وحل محلها الوجوم ناظرًا لخارج الشرفة وعيناه يخرج منها حديث لا تقدر شفتاه علي البوح به .


أقبل الليل سريعًا على رويد فعاد منهكًا إلى منزله ولم يكد يفتح باب منزله الكبير حتى اصطدمت بوابل من الكرات
البلاستيكية تندفع بوجهه واحدة تلو الأخرى حاول تثبيت نظراته ليجد براء يمسك بما يشبه البندقية ويصوبها نحوه فاردف ضاحكًا :
– هكذا إذن ، كف عن ذلك وإلا لا تلم سوى نفسك .

رد عليه براء وهو مستمر فيما يفعل :
-ماذا ستفعل أكثر مما فعلت في المكتب سيدي .

ثم قلد نبرته الغاضبة حين ذاك :
– ” أرى أنك رفعت التكليف “، تقول لي ذلك ، أنت لم ترى شيئًا بعد .

ظل رويد يتحرك يمينًا ويسارًا متفاديًا ضربات صديقه وفي لحظه خاطفة إنقض عليه وقام بتثبت رأسه بين يديه ليطلب
منه الاستسلام ، فقال له رويد آمرًا :
– ألقي مابيدك لنتكلم رجلاً لرجل .

رد عليه براء بتصميم :
-أنت من بدأت رويد ، قسمًا بربى سأجعلك تندم والأيام بيننا .

كرر رويد كلامه مجددًا قائلاً :
– ألقي مابيدك أولاً ثم نكمل حديثنا .

نفذ براء طلب رويد وألقى البندقية من يده وهو يقول:
– لا احتاج لها فأنا لدي يدي ولا تسعد بعضلاتك تلك وطول قامتك هذه ، فعصبي كالوتد .

قهقهه رويد عاليا وقال له :
– إذًا حرر نفسك .

حاول براء أكثر من مرة حتى شعر أنه سيختنق من إحكام قبضه رويد على رقبته ، فقال مستسلمًا:
– لك تلك الجولة ، لكن الأيام بيننا .

جلس براء منهكًا على أقرب صوفة وجاوره رويد يسأله ضاحكًا :
-من أين حصلت عليها ؟! .

  • من متجر للعب الأطفال .

زاد رويد في ضحكته حتى كاد أن يختنق وقال:
– تريد أن تنتصر علّي من متجر لعب أطفال ، عيبٌ عليك يا رجل .

حك براء جبهته واردف بيأس :
– لم أجد شيئًا أفعله معك سوى ذلك ، أو رميك بالرصاص حيًا .

قطب رويد جبينه قائلاً :
– لتلك الدرجة ! .

ارتسمت ملامح الضيق على وجه براء وقال :
– أنت فعلت ذلك أمام تيارا ، وأهنتني أمامها .

هز رويد رأسه وقال عابثًا معه :
– هكذا إذًا .. تيارا ، ألم تمل بعد ، منذ سنوات وأنت تحاول معها وهى لا تراك من الأساس ، كف عن هذا الأمر أو سأتصدى أنا لك .

رد عليه براء بتساؤل :
– هل وصلت إليك شكوى منها ! .

رد عليه رويد نافيًا :
– لا لم تفعل ، ولكنني أخاف أن تتذمر دفعة واحدة وتترك المكان وانا أصبحت لا أستغني عنها مطلقًا .

رفع براء حاجبه وقال لرويد :

_ هل أنت.. !! .

فهم رويد تلميح براء فقال له :
– لا يذهب خيالك إلى بعيد ، أنت تعرف رويد جيدًا ، لاتشغله إمرأة قط .

وعند كلمته الأخيره تحدث بصوت خافت متذكرًا جميلته ، الساحرة ، الفاتنة ، ذات الرداء الأحمر التي شغلت كل تفكيره صباحًا وأصابته بالتوتر وصب هذا التوتر على صديقه .

نظر له براء بجانب عينيه وقال :
-لا ارتاح إليك مطلقًا أشعر أن هناك شيئًا تخفيه عني تعبت من أسرارك رويد .

هبّ رويد واقفًا وأشار بيديه قائلاً له بملامح مبهمة :
– ارحل ! .

رد عليه براء بإصرار:
– قل لي كل شيء أولاً .

  • ليس هناك أي شيء .

  • إذًا أنظر في عيني وأخبرني بهذا .

قال له رويد مهددًا :
– براء ارحل وإلا سأتعامل معك بإسلوبي .

  • لماذا تريدنى أن ارحل ؟ .

  • عجبًا لك ، أريد أن ارتاح وانام قليلاً في منزلي ، هل لديك مانع !؟ ، لا أعلم حقًا لماذا أترك معك مفتاح منزلي لآتي في أي وقت وأراك قد احتللت منزلي ، لقد جلبت
    لنفسي ألم الرأس .

لوى براء فمه وقال بسخرية :
– وهل تعطيني مفتاحك لسواد عيني أو لأن ليس لي ملجأ ، كله من أجل كلبك العزيز ، أطعم الكلب يا براء ، وهذا النوع الشبيه بالذئاب لا احبه ، حقا الذئاب لا تعاشر إلا الذئاب ، ترتعد فرائصي حين يكشر عن أنيابه .

ضم رويد يديه إلى صدره وقال:
-هل انتهيت ؟ .

  • حسنًا سأرحل لقد تبعثرت كرامتي أسفل قدميك ، كرامتي تؤرقني وتلح عليّ أن أقول لك سأرحل دون رجعة ، لكن قلبي رقيق لايفعل بك ذلك فأنت من دوني لاشيء .

نظر إليه رويد بنفاذ صبر فأسرع براء خطواته تجاه باب المنزل حتى رأى رويد يتجه اللى قبو المنزل فقال له براء
معلقا :
– غرفتك في الأعلى لا في الأسفل ، هل ستنام في القبو ؟!! .

مسد رويد على وجهه ليهدأ ثم أردف بنفاذ صبر :
– استغفرالله العظيم هذا منزلي ، أنام أعلى أو أسفل فأنا حر لا تتدخل في شؤوني .

وقف براء وقال ليثير غضب رويد :
-هل تعلم لقد فكرت في طريقة لأصل لذلك القبو لأجعلك تندم فعلياً على ما فعلته بي .

تغيرت ملامح رويد من النزق إلى الغضب وقطب جبينه وضم حاجبيه لتصبح عينيه عينا ذئبًا يحذر الفريسة قبل الأنقضاض عليها فخرج صوته محذراً:
– إياك أن تحاول ، ووقتها لن تكون موجودًا لتلوم نفسك حتي .

قال براء مرتعدًا من منظر رويد الذي لايراه سوى في أقصى مراحل غضبه :
-هون على نفسك ليس لتلك الدرجة .

هتف رويد بصوت عالي ترتعد له الاقدام :
– بل أكثر ، وأحذرك لأخر مرة براء ، هل تفهم ؟ .

رد عليه براء سريعًا :
– حسنًا حسنًا لقد فهمت ، أدفع نصف عمري بل سنوات عمري جميعها لأعلم ما تخبئ في ذلك القبو .

ليفتح رويد بابًا ، ويقول بصوت خافت قبل أن يختفي خلفه :
– هناك رويد آخر وذئب آخر لا تتمنى أن تعرف عنه شيئًا .


الليل.. جماله وسحره الخاص ، حين يأتي الليل يصطحب معه الهدوء ، محملاً بالأسرار ، لنتمنى أن نكون وحدنا ، لكن بالنسبة إليه لا مكان للوحده لديه ، بالنسبة له الصخب محبب إليه ففى عالمه الليل هو حياته ليمارس فيه شغفه وحبه .
لنجده يقف على المسرح بشموخ يحمل جيتاره يعزف أجمل ألحانه ويصدح صوته كالكروان :

“اعزف لي لحناً..
واكتب لي شعراً..
أهمس لي عشقاً..
أرسل لي قبلة..
أهدني وردة..
كن صادقاً في حبي..
ولا تهمل لي قلبي..
أنت حبيبي..
وملاذي..
أنت سكني..
وسلامي..
أنت روحي..
ورجائي..
أنت حياااااتي..
أعزف لي لحن الحياة..
دعني أنسى الحاضر في لقاك..
دعني أغفو هائماً..
دعني أبرأ من جروحي..
دع عنك الهموم..
وابتسم وقل لي..
أنا دومااً هناك..
أنت دائي..
ودواااااائي..
أنت روحي..
ورجائي..
أنت حيااااتيي..
حيااااتي ”

انتهي من الغناء لتتعالى أصوات جمهوره تطالب بالمزيد ، ليبتسم ويلبي ندائهم ويغني .
يشعر أنه يطير ، يحلق عاليًا في الأفق ، هو صقر عائلته الشارد ، أمتهن هوايته المفضلة وأصبح من أشهر نجوم الغناء وعائلته الداعمة له هي حافزه ، لم يترك مجال العائلة في التجارة فهو يساعد والده أن لزم الأمرلكن
الغناء يسير فى ارودته وان تركه يوما ينتهى …

خرج من المسرح ليجدها بإنتظاره وعلى وجهها أجمل ابتسامة ، أقترب منها
وضمها إلى صدره فعانقته بقوة قائلة:
-كنت رائعاً كعادتك كناني .

فيرد عليها كنان بابتسامة :
– أعلم عزيزتي ، فأنا لست أي شخص ، أنا كنان المنصوري .

ضربته سارة على كتفيه وقالت بغيظ :
– كف عن غرورك هذا فمن تواضع لله رفعه .

رد عليها كنان بقصد مشاغبتها أكثر :
– هذا ليس غروراً حبيبتي ، إنما ثقة .

لتبستم ساره ابتسامه مِلئ ثغرها لتردد بحب :
– سأخبرك يا قاسي القلب أني … مشتاقة
سأخبرك يا هادئ الطباع أني … ملتاعة .
سأخبرك يا حبيب الروح …أني لا أرى سواك
تُزين كلماتي أحرفك …وفارس أحلامي انت
تفاصيلك مبهمة … وإبتسامتك ملهمة
وأنا عاشقة لإياكَ …

ابتسم كنان على كلماتها ، فالشعر ينساب من بين شفتيها بسلاسة وحب صادق ومشاعر حقيقية فأحيانًا كثيرة كان يغني من كلماتها ، ضمها إليه كنان أكثر وقبل مقدمة رأسها قائلاً بحب :
– مُلهمة كعادتكِ صغيرتي .

لترد له جملته قائلة بمشاكسة :
– أعلم يا عزيزي فأنا لست أي شخص فأنا سارة المنصوري .

ليتشاركا بعدها نوبة ضحك جنونية فهما يتشاركان كل شيء لولا أن الفرق بينهم بضع سنوات لكانا يعتبران توأم لكن هناك شيئًا يسمى توأم الروح فكل منهما وجد في
الآخر ملجأه .


ذهبا إلى المطعم ليجدا والديهما بإنتظارهما ليقترب كنان من والدته ويقبل يدها لتبتسم له ثم يتجه لوالده يفعل المثل فبادر الوالد سائلاً ولده:
– كيف كان الحفل ؟ .

كاد كنان أن يتحدث لتقاطعه ساره قائلة :
– رائع كالعادة وأغنية كنان الجديدة كانت أكثر روعة من الحفل ذاته .

ابتسم لها كنان بحنان قائلا :
-أنتِ الرائعة عزيزتي وأفضل فتاة في الكون .

لتبتسم والدتهما تقول بمحبة :
– أدامكما الله سنداً لبعضكما البعض .

وقف كنان من مجلسه وأقترب من والدته يقبل رأسها هامسًا :
– حفظكي الله لنا جميلتي .

جلسة عائلية رائعة مليئة بالحب ، الحنان والدفء بمشاعر خالدة لاتنتهي بإنتهاء وقتها ، فتبقى الذكرى ذات تأثير ولكن هل تستمر السعادة أم أن السفينة سارت عكس التيار ؟! .
كل ما يتذكره هو صراخ والدته وشقيقته وصوت والده يطلب منه تفادي السيارة أمامه وبعدها لا شيء !! .

ظلام تام وشعور بالفراغ ليسقط القلم وتنتهي الرواية ويُسدل الستار ليصفق الجمهور على نهاية الأداء ولكن عفوًا
هي لم تكن النهاية بل فقط البداية!!




34400 مشاهدة