الفصـل الســابــع
، أما بعد ذلك فقد حدث مـا لا يُحمد عقباه مما أشعل الوسط ناراً بين ندي و ياسر .. فقد ارتبط يوسف صديق ياسر بسـارة .. و بالطبع لم يكن ذلك ارتباطاً رسمياً .. ومع إصرار ياسر علي استمرار صداقته بيوسف .. ستظل “سارة” عالقة بينهم إلي الأبد ..
، و لم تكن “ندي” ستجد في ذلك مشكلة، إن كانت “سارة” تحب يوسف حقاُ ..و لكن ما حدث بعد ذلك كان يوضح أن “سارة” لديها أغراض اّخري ..
ففي بداية الأمر أصبحت سـارة تتقرب من ندي و تطلب منها أن تفتح صفحة جديدة معها ، بإعتبارها الاّن صديقة يوسف و سيحدث بينهم لقاءات تجمعهم هم الأربعة معاً ..
،و بصفاء نية وافقت “ندي” علي مبادرة الصلح تلك .. و بضمير يخلو من أي شر تغاضت عما كان يحدث منها سابقاً .. فهي لم تعتقد أبداً أن سارة ستخون يوسف ، فلم يجبرها أحد علي ارتباطها به .. و إن خانت هي ، فلن يخون ياسر رفيق دربه ..!
فمرت أيام هادئة بعد ذلك .. و علي الرغم من عدم إرتياح “ندي” من قربهم الزائد من يوسف .. إلا أنها وافقت حتي لا تقيد من حرية “ياسر” أو بمعني أصدق حتي لا يتسرب ياسر منها ، كمن قابض علي الماء بين يديه ..أما “سارة ” فأصبحت تتعامل معها كأي زميلة ..و تدور بينهم بعض الأحاديث المقتضبة كُل فترة ..
،حتي ذلك اليوم الذي تشاجرت فيه ندي مع ياسر كعادتهما الفترة الاّخيرة و تركته و انصرفت غاضبة ..و عندما عادت إليه وجدته يجلس حزيناً علي درج الكلية و بجانبه سارة تحاول أن تواسيه .. فلم تروقها تلك الجلسة لكنها لم تعيرها أهتماماً كبيراً فلم تعتقد أن يكون بخاطر سارة شيء تجاه ياسر بعد كل هذا الوقت .. كما أن شجارها مع ياسر كان يحتل كل عقلها اّنذاك ..
و في المساء هاتف ياسر ندي ليطيب خاطرها ، ثم قال لها نسيت أن أخبرك أمراً هاماً حدث معي اليوم ..
ياسر: فلقد نسيت أن أخبرك بأن “سارة” اتصلت بي اليوم ..
ندي: ماذا تقول ؟! ..و كيف عرفت رقمك الجديد .. و لما اتصلت ؟!
ياسر: لقد سألتني اليوم عن الرقم ، فهي كانت تريد أن تطمئن عليكي بعد شجارنا اليوم.. !
ندي: و هل هذا كلام يعقل ، أو يدخل عقل طفل صغير ؟! ..تتصل بك أنت لتطمئن عليّ .. و هي معها رقمي ؟! .. فلما لم تتصل بي بنفسها لتطمئن عليّ ..
ثم بثت “ندي” شكوكها تجاه “سارة” لياسر ،و بأن ما فعلته اليوم لم يكن طبيعياً بالمرة و لم تكن نوياها طيبة .. و كانت “ندي” سعيدة بأن ياسر لم يخفي عنها أن سارة هاتفته .. و لكنها طلبت منه بأن تكون تلك المكالمة الأولي و الاّخيرة بينهم ..حتي لا يتسبب ذلك في أي شجار بينهم أو أي سوء تفاهم بينه و بين صديقه ..!
فوافق ياسر علي كلام ندي ، و استمر الوضع كما هو فترة ..!
—————————————————————–
، حتـي ذلك اليوم الذي دلفت “ندي” إلي الكلية .. فوجدت “سارة” تقف مع ياسر .. و كانت تعبث بيدها في خصل شعرها .. فكانت تلف بعض الخصل من شعرها علي أصبعها .. كالحية السوداء التي تلتف حول إلانسان لتفترسه ..
فكان ياسر ينظر لشعهرها الاسود الطويل نظرة إعجاب .. فكانت ندي تعرف تلك النظرة جيداً .. ثم قال لسارة مازحاً .. شعرك ليس جميلاً كما تعتقدي ..
، فمرت صديقة لسارة اّنذاك ، و قالت مجاملة لها ” كم أنتي جميلة اليوم يا سارة ” .. فردت سارة في دلال مقصود .. أخبري ياسر فهو يري عكس ذلك ..!
، و كانت ندي تتابع الموقف من بعيد ، و عندما اقتربت منهم .. ألقت عليها سارة سلاماُ بارداُ و انصرفت ..
.. فلم يرق لندي ما راّت و عاتبت ياسر كثيراً ، فلا يحق له أن يعلق علي مظهر ” سارة ” بتلك الطريقة ، و لا يحق لها هي الاّخري أن تتصرف معه بذلك الأسلوب .. و لكن ياسر هاجمها بشكـل مؤلم .. فقال لها بنبرة صوت عالية إلتفـت علي إثرها كل زملائنا ..
” كفاكي لعب دور -سيـدة القصر- التي تريد أن تصلح لي حياتي .. و تجعلني أمشي علي جدولها الخاص .. فلتستيقظي من غفلتك تلك .. فلا نحن بقصر و لا أنتي سيدته .. و لم يُخلق بعد من يأمرني أن أفعل هذا و لا أفعل ذاك .. ”
، فكانت ندي تقف مصدومة ، لا تكاد تحملها قدماهـا ..و تترقرق بأعينها الدموع التي تحاول أن تخفيها عن كل من بالجامعة الذين وقفوا يشاهدون الموقف .. و منهم الشامت و منهم المتعاطف معها ..
، فاقتربت منها وجذبتها من ذراعيها بعيداً عنه ، أما هو فقد غادر الجامعة ثائراً ..
وجلست ” ندي ” علي الدرج الخلفي للكلية ..و كانت تشهق بالبكاء فلطالما خشيت أن تهرب روحها منها و هي تشهق بشدة هكذا .. فكانت ضعيفة للغاية ، فلم تكن تقوي علي فعل أي شيء .. حتي الذهاب إلي منزلها !
و كأن خرائط العالم أجمع .. لا تقودها سوي إلي “ياسر” !
فكانت تتمتم و هي تبكي و تقول ..
” لكم كان غضبك قاسيـاً للغاية .. فلطالما اعتقدت بأنني يهودية الغضب .. و لكنني أتأكد أحياناً من أنك يهودي الجنسية و ليس الغضب فقط .. ”
، فلطالما شعرت بأني أسير إليك في طريق طويل .. و مع كُل خطوة يتساقط شيء من قلبي .. فاًصبحت اسير بقلب مُتهالك لا يقوي علي شيء.. و كل ما اّخشاه أن ينتهي بأكمله قبل أن أصل إليك .. ”
و لطالما قيل لي ” بأنني البيـاض ذاته ، و أنت السواد الحالك ” و لا نتمزج إلا إذا كونا رمادياً كئيبــاً .. فلطالما كرهت ذلك اللون يا ياسر .. كرهته و بشدة !
، و في نفس اليوم .. عاد “ياسر” بوجه اّخر .. فكان اهدأ من الصباح ، فجلس بجانب ندي .. و قال .. ” لطالما أخبرتك يا ندي كم أنا سيء .. فأنا لست الملاك الذي تعتقدي فيه ، و لكني أحبك اقسم لكي أنك ِ مع دمي بداخل شرياني .. لكني يا “ندي” لن أتغير بين ليلة و ضحاهـا .. لكني مخلص لكي إلي الاّن .. و لكن شكك المُستمر بي يقتلني .. ”
كانت ندي ضعيفة للغاية .. ممزقة بين ما تفرضه عليها كرامتها و عقلها و بين ما يريده قلبها وبشدة .. فقالت له ندي أمامي ذلك اليوم ..
” لم يفعل شخص من قبل فعلتك بي .. فأنت تعرف كيف تـُبكيني كُل ليلة ..
و في الصباح كنت تعرف أيضـا كيف تقتص مني الغفران ..
كيف تصفعني كلماتك حد الإهانة ..
و تحتضني حُـروفك حـد الرحمة ..؟!
، فكنت أغفو في يوم مُطمئنة إليك .. و استيقظ بالشك يقتلعني منك
و أغفو في يوم اّخر و الشك يقتلني .. فتزرعني دموعك في الصباح بأرض غادرتها !
بنكهة الشك و اليقين كُنت ..
لم تعرف كيف تكون وطنـاً أبداً .. الأوطان لا تبيع ابنائها
فلم اسمع عن وطن اقصي أولاده عامداً مُتعمداُ ..
فاعتقدت انك بطهارة القدس .. و لكنني استيقظت علي دناسة إسرائيل .. ! ”
و لكنك كعادتك عرفت كيف تقتص مني رغماً عني الغفران ، و ربما حاجتي الشديدة لك هي من فعلت .. و لم تكتف ِ بذلك بل قلبت الحقيقة رأساُ علي عقب فأصبحت أنا المدانة .. فاتهمتني أني غيورة .. و إن كانت الغيرة امرأة ستكون أنا .. و أني اضطرك دائما لمراجعة كُل نظرة و كل حركة حتي تتجنب شجاري المستمر معك ..و لولا حبك الكبير لي لما كنت عدت لي الاّن حتي لا يشمت بي أحد وحتي لا أعود للمنزل حزينة .. فأصبحت أنا التي أعتذر منك .. و أطلب منك أن تتحملني و أبرر لك أن حبي الكبير لك هو ما يجبرني علي أفعالي تلك ..!
، فكانت ندي تثق من أعماق قلبها بأن ياسر يكذب عليها ..و لكنها تثق أكثر بأنها لن تتحمل فقدانه .. و يكفيها أنها الوحيدة الشرعية في حياته ..
فبإعترافه هي لم تكن المرأة الوحيدة التي عرفها ، و لكنها الوحيدة الشرعية ..
فلم يتصدق عليها بنفسه .. و هو حق عين عليه ؟!
و عندما أنهي أحمد زيارته لنادين ،عاد إلي منزله …
، وفي أثناء تبديله لملابسه في غرفته ، سمع ياسر يتحدث في الغرفة الاّخري ..و كأنه يتكلم عبر الهاتف ..حيث قال جملة بثت الرعب في قلب أحمد .. فقال !
” أريد أن أتطهر في محرابك ، و لكن مُحرمة تلك الصلاة عليّ .. ”
فكان قلب أحمد يخفق بشدة بسبب ما سمعه ، فما عساها أن تكون تلك الصلاة المحرمة ..
، ثم قطع تفكير أحمد صوت ياسر و هو يفتح باب الشقة ليخرج ، فأصبح أحمد يحدث نفسه كالمجنون و يقول إلي أين اتجه ذلك الأحمق الاّن .. لكنه قرر أن يتبعه مهما كلفه الاّمر و بالفعل راّه يدخل نفس الشارع المظلم المعتاد .. و لكن أحمد تلك المرة كان مصمم أن يعرف إلي أين يؤدي ذلك المكان .. فأصبح يدور ورائه بدون أن يشعرياسر من شارع إلي شارع و من ممر ضيق طويل إلي ممر ضيق اّخر .. فأصبح كمن يحاول أن يجتاز متاهة أو يحل أحجية
و لأول مرة كاد احمد أن يجتاز ذاك الشارع الذي يمتاز بطوله ، غير أنه مظلم في الصباح كما المساء كما لو أن الشمس لا تشرق علي ذلك الشارع المهجور .. و لكنه توقف عن تتبع ياسر فجأة لأنه شعر بأن شيء يدور حوله بسرعة و قبل ان يصل إلي نهاية الشارع شعر بأنفاس شخص يتبعه ثم شعر بيد باردة علي كتفه
فالتفت أحمد و علي ضوء الهاتف الخافت استطاع ان يري ..