رواية نابش القبور

بواسطة: كُتاب بيت العز - آخر تحديث: 20 أغسطس 2024
رواية نابش القبور



نابش القبور ( الجزء الثالث و الاّخير )
————————————–

و حين فتحت عيني وجدت نفسي ملقاة علي كرسي السفرة و ابي يحاول أن يعيدني للوعي ، بمجرد ما فتحت عيني قمت أركض كالمجنونة و أبي ورائي و أنا اصرخ بأني مريضة نفسية أنا اّري أشياء غريبة و ركضت نحو غرفتي و حملت الصندوق فوجدت به شرخ في القفل ، لم يكن ذلك عقلي الباطن لإني لأول مرة ألحظ ذلك الشرخ بالقفل .. كان أبي ورائي أمسك مني ذلك الصندوق و قال لي .. كله من الصندوق الملعون ده أهو رجعلك تاني ، كنت مصدقت خلصت منه أصل الصندوق ده فعلا كان بتاعك و انتي صغيرة بس إللي مقولتهوش ليكي ،إن الصندوق ده لقيته في اّخر مقبرة فتحتها ، إللي توبت بعدها !

رددت عليه و انا مازلت خائفة ” تلك المقبرة التي تصر أن تخفي عني قصتها ؟! و ما قصة ذلك الصندوق ؟! و من هو الذي عاد لي .. انا لا أفهم شيئاً ”
قال لي والدي و هو ينظر لذلك الصندوق .. ” دعي عنك قصة تلك المقبرة الاّن ، نحن الاّن في موضوع ذلك الصندوق ، فذلك الصندوق هو لعبتك المفضلة منذ كنتي صغيرة ، لا شيء كان يبرع في ايقافك عن البكاء مثل ذلك الصندوق ..
تذكرت و أبي يقص لي ما اشاهده عن ذلك الصندوق في احلامي ، فتلك الرضيعة بنت أميرة و يس التي تُدعي مُني كانت لا تكف عن البكاء غير بهذا الصندوق .. فقاطعت أبي و سألته ” هل كنا نعيش في قصر سابقاً عندما كنت طفلة ” ، ضحك أبي ضحكة عالية و قال ” ده كويس اني قدرت اشتري البيت و الدكانة في الحارة الفقايري ديه ، قصر إيه بس ؟! ”

فطلبت منه أن يكمل حديثه .. فقال لي ” كان ذلك الصندوق مثل هدية من الله لي لأنك كنتي طفلة متقلبة المزاج تبكين و تصرخين كثيرا و لكني بمجرد أن أفتح لكي ذلك الصندوق تهدئين تماماً ، فكنت لا استطيع أن اكمل عملي بينما أنتي بجانبي دون أن يكون امامك الصندوق تستمعي له ” .. لا اّنسي تلك المرة التي نفذت بطارية الصندوق ، و أنا كنت مشغول مع بعض الزبائن حين بدأتي بالصراخ .. فحملتك الست هنية و بدأت بالغناء لكي نفس الأغنية فكان معظم الشارع و الزبائن يحفظون تلك الأغنية عن ظهر قلب بسبب اني دائما اقوم بتشغيلها لكي في المحل ، و كنتي طفلة عمرها سنتين وقتها ، و لكن بمجرد أن قامت هنية بالغناء صفعتيها علي وجهها صفعة قوية بالنسبة لطفلة .. و بحثت خارج الحارة عن بطارية تناسب ذلك الصندوق حتي وجدتها في محل ساعات كبير و عرض عليّ أن يشتريه بمبلغ كبير و قال لي أن ذلك الصندوق لا يصنع إلا في المحلات الكبري تحت الطلب و لكني برغم حاجتي للمال لم استطع أن أفرط في شيء يجعلك سعيدة ، و اشتريت له البطارية و عدت لكي وجدتك تبكين بشدة و الست هنية لا تعرف كيف تُسكتك و لكن بمجرد ما فتحت لكي الصندوق ، اصبحتي تصفقين له و تضحكين .. فتنهدت وقتها الست هنية و قالت اّخيراً ..

ظل الوضع هكذا حتي اصبحتي في الخامسة من عمرك ، كنتي تضعيه معك في سريرك بعد العودة من المدرسة و تحتضنيه بشدة ، حاولت مراراً أن ابعده عنكي حتي لا تحطميه و انتي تتحركين في السرير لكنك كنتي تصرخين و تبكين ..
اشتريت لكي الكثير من الألعاب و العرائس و لكن لا فائدة .. و لكن الأمر تطور فقد كنتي دائماً تأتين لي من المدرسة باكية ، لأن كل اصدقائك لديهم أم و انتي لا ..
في مرة و أنا ذاهب معك للمدرسة في الصباح ، وقفتي أمام الجمعية و كانت النساء متجمهرة أمامها ، فأخذت تجذبيني و تبكين و تطلبي مني أن اشتري لكي أماً من ذلك المحل ، فاعتقدتي انه محل لبيع الأمهات كدت أبكي و أنا اجذبكي بعيداً عن النساء ، فتعاطفت معكي واحدة منهن و لكنكِ خفتي منها و اختبأتي ورائي ، و قلتي لي تلك الست ليست جميلة كأمي التي تخرج من الصندوق ، اعتقدت انه خيال طفلة خاصة و انتي تفتقدين والدتك .. وكان المدرسون أيضاً يشتكون من علاماتك ، فكان وضعك بالنسبة لطفلة سيئاً !

في الأيام التي تلت تلك ازداد الوضع سوءا فكنتي توقفتي عن البكاء ، و لكن كنت اسمعك كل ليلة تتحدثين مع شخص في غرفتك و تضحكين معه !
و لكن عندما سألت بعض سكان الحارة قالوا لي ” ديه عشان اول خلفة مش متعود علي شغل العيال كلهم كدا يتخيلوا صحاب و يكلموهم ”
و لكن تجمد الدم في عروقي عندما كنت أعبر من أمام غرفتك و سمعتك تنعتين شخصاً خفياً لا اّراه ” ماما” مش عارفة اذاكر !

اقتحمت غرفتك و لكن لم أجد أي شخص ، وجدتك تنظرين إلي الفراغ و بجانبك الصندوق ..!

قلتي لي تعال يا أبي سلم علي أمي ، فقلت بالتأكيد انك تلعبين .. !
فرددت عليك و قلت ” ازيك يا ماما عاملة ايه .. ؟! ”

فأخبرتيني انها انصرفت و اني اكلم الهواء و ضحكتي ، فضحكت معك علي لعبتك تلك ..!

و لكن في اليوم التالي تفاجأت بالمُدرسة التي تدرس لكي تتصل بي و تطلب مني أن احضر للمدرسة ..

و ما قالته لي جعلني في ذهول ” قالتلي انت اتجوزت حد بعد ما مامت ياسمين ماتت ؟! ”
أخبرتها ” اني عايش لبنتي بس ليه السؤال ؟! ”
قالت لي بشيء من الاستغراب ” مستوي ياسمين كان سيء جداً ، و لكنه فجأة اتحسن و لما سألتها مين ساعدك في الواجب لأنه باين من الخط في الكراسة انه خط لشخص كبير أفتكرت ان حضرتك بتساعدها .. لكنها قالتلي ماما أميرة ، لكن أنا عارفة أن والدتها اسمها ايمان ، فافتكرت حضرتك اتجوزت ؟! ”
اخبرتها ” اني يا دوب بعرف افك الخط ، و متجوزتش فاستغربت جدا من الخط في كراسة ياسمين ، لأني اعرف خطها جيدا ”

قاطعت أبي و انا أصرخ .. ” انا كمان الست إللي بشوفها اسمها أميرة ، و كنت ممكن اقول اني بحلم بأمي .. و لكن أنا عارفة أن امي اسمها ايمان و كمان الست إللي بشوفها بنتها اسمها مُني ..!

ظهر علي أبي الارتباك و قال لي الصندوق ده ملعون ، مسكون كل حاجة بجيبها من المقابر كنت ببيعها و لكن الصندوق ده الوحيد إللي احتفظت بيه هو و …
قلت له .. ” هو و إيه ؟! احتفظت بإيه تاني من المقابر ؟! ”

قال لي لا و لا حاجة .. و اكمل حديثه ” لم تتوقف الأمور عند هذا الحد.. بل أصبحتي تتخيلين الكثير من الأمور مثل كلامك عن قصر غريب تأخذك أمك المزعومة إليه .. ففي مرة اّخذتي تبكين و تطلبين مني أن اّخذك إلي غرفتك في القصر لأنك تحبين اللعب هناك ..!

أصبحت الأمور خارجة عن السيطرة ففي مرة كنت أمر أمام غرفتك فسمعتك تبكين و حين دلفت إلي الغرفة ، فتخيلت بسيدة تشبهك الاّن تجلس علي كرسي هزاز ، و لم يكن بغرفتك واحد من تلك الكراسي ، كانت تغني لكي
” مع أمي أصحو و أنام ، مع أمي تصحبني الأحلام ”

بنفس صوت الصندوق الموسيقي .. تجمد الدم بعروقي ووقف شعر رأسي ..
و ظننت أني أتخيل بسبب القصص التي تحكيها لي ..
و في اليوم التالي طلبت مني مديرة المدرسة أن أذهب لها للتحدث معي في موضوع هام ..

و عندما ذهبت طلبت مني بحزم أن أخبرك أن تتوقفي عن قصصك تلك التي تقصيها لباقي زملائك عن أمك أميرة التي تظهر لكي من صندوق الموسيقي ، و تأخذك لقصر كبير .. فالكثير من أولياء الأمور يشتكون من أن ابنائهم يخافون كثيراً من قصص أبنتك .. لم ينتهي الأمر إلي هذا الحد .. بل قامت بفصلك أسبوعين لأنك لم تتوقفي عن تلك الحكايات ..
كان قراري حاسم أنا أيضاً فتلك المديرة ، لم تراعي سنك و أنك تفتقدين أمك و أنك تحاولين ايجاد أم بديلة و لو بخيالك .. فقدمت شكوي ضد تلك المديرة و نقلتك إلي مدرسة اّخري ..!

اصبحت أنا أيضا تزورني أميرة ففي مرة من المرات ، كنت أعمل في الدكان حتي ساعة متأخرة من الليل فكنت أرص بعض البضاعة الجديدة بعيداً عن ضوضاء الزبائن في النهار و كانت الحارة صامتة خاوية علي عروشها .. لم يكن هناك سوي المعلم شندويلي جزار الحتة و هو رجل ضخم بدين جدا له شارب ضخم و شعر كالشعر الأفريقي و لديه ندبة في وجهه يبدو أنه جرح كبير .. و كلنا نعلم في الحارة ان المعلم شندويلي كان قتال قتلة سابقاً .. و حتي الاّن لا يجرؤ أحداً علي الوقف أمامه ، بينما يمر المعلم شندويلي أمام المحل .. سمعت ذلك الصوت مجددا بنفس الأغنية .. و لكن كيف يحدث ذلك فالصندوق معك في المنزل ..
اعتقدت انك خفتي وحدك في الشقة و نزلتي ، و لكن في الظلام رأيت شيء كاد يفقدني الوعي وجدت تلك المرأة من جديد اغمضت عيني ، و قلت ” أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ” ، و عندما فتحت عيني كانت مازالت هنا ..
لأول مرة اسمعها تقول شيء مختلف ” قالت تعالي معي سوف أريك شيء هام أرجوك ”

خفت كثيراً و لا أعلم كيف حملتني قدمي و ركضت حتي المنزل ..
في الصباح كنت هدأت قليلا و عاهدت نفسي ألا أعمل ليلاً مرة اّخري
و لكن في اليوم التالي سمعت صوت نفس المرأة تتحدت معك و تقول “تعالي معي سوف أريك شيء هام أرجوك ”
و عندما اقتحمت الغرفة وجدت جسدك يطفو فوق الأرض ، كأنك تطيري وراء تلك المرأة .. لا اّدري كيف جذبتك خفت كثيراً أن تذهبي من هنا .. خفت عليك كما لم أخف يوماً علي أحد .. !

ثم اخبرني انه احتفظ بالصندوق بعيدا عني بعد ذلك و رماه في المخزن ، لم يكترث لبكائي و توسلاتي فهو كان يفعل ذلك لمصحلتي اّنذاك ..
و لكني طلبت منه ان احتفظ بالصندوق ، شيء ما بداخلي يطلب مني الاحتفاظ به ، و قلت له أنا طبيبة الاّن و لن امشي وراء تلك الخرافات .. ووافق أبي علي مضض ..!

مر أسبوع كانت الأوضاع هادئة حتي ذلك اليوم الذي دلفت إلي الشرفة لأتحدث مع أبي ، فوجدت نفسي في شرفة القصر ، انظر إلي الحديقة ثم رأيت الست أميرة تجري و ابنتها مُني تحاول الحبو ورائها علي العشب ، فحملتها و قبلتها و اخذت تضع قدمي مٌني في ماء النافورة .. و مني تضحك ، حتي لو كان ذلك حلم أو تلك المرأة شبحاً فما أشاهده كان جميلاً ..!

وجدت نفسي أتجول في القصر ، مستحيل أن يكون ذلك حلماً فتلك التفاصيل واضحة جدا علي أن تكون حلماً ، فها هو الحمام المتصل بغرفة أميرة كان من الرخام المرمر أيضا و به مفروشات قطنية رائعة ويبدو أن كل شيء به باهظ الثمن .. نزلت إلي البهو الذي كنت به المرة السابقة ثم دلفت إلي المطبخ كان به طاولة كبيرة في المنتصف و كل الاثاث باللون الابيض وبه أيضاً نفس المفروشات الأنيقة و به باب زجاجي يطل علي الحديقة .. لا اّدري لما أنا في المطبخ لا اّري سوي خادمة شابة يبدو عليها الدلال و الجمال .. وجدت شخص يفتح باب المطبخ يبدو أنه حارس القصر ، قام بإلتقاط تفاحة و بدأ بأكلها و هو يغازل الخادمة .. وجدت نفسي أخرج من باب المطبخ الخلفي و أقف عند باب القصر ..

تلك المنطقة أنا أعرفها جيداً أنا في المعادي و لكنها كختلفة قليلاً عما أعرفه فهي أكثر هدوءاً و رونقاُ، و لكن قطع تفكيري شخصان يقفان علي باب القصر .. ينظران لأميرة و مني بشر .. أنا أعرف ذلك الرجل انه “شاندويلي الجزار ” و لكنه هنا يبدو أصغر بكثير كأنه مازال شاباً .. أنا أيضاُ اسمعه بوضوح .. يقول لصديقه ” الست ديه بتيجي تزور اختها في الحارة اختها متجوزة المدرس إللي ساكن علي أول الحارة ، ست متريشة و ديه فرصتنا مفيش غيرها و البت المفعوصة هنا و الحارس مش موجود “و لكن زوج أميرة عاد إلي القصر و الحارس عاد إلي مكانه .. حاولت الركض مرة اّخري لتحذير أميرة و لكن بدأ الظلام يخيم عليّ من جديد و استيقظت من جديد فوجدت نفسي فاقدة للوعي في الشرفة و أبي يصرخ و يقول ” لا مبدهاش بقي أنا هرمي الزفت تاني في مكانه في المخزن ” و قبل أن استعيد وعيي بشكل كامل وجدته حمل الصندوق و فتح باب الشقة ..
بصراحة لم يكن عقلي معه ، بل كان مع أميرة و أبنتها ..

كنت خائفة جدا عليهما من شاندويلي كأني اعرفهما جيدا ، حتي و إن كان هذا حلم.. فأنا أود تحذيرهما ..
قطع تفكيري صوت هاتفي انه الصوت الذي يحدثه حين يقوم شخص بذكري في تعليق .. حين فتحت لأري ما كل تلك التعليقات ..
وجدت معظم زملائي بالدفعة يقومون بذكري في تعليقات علي صورة تشبهني تماماً ، إنها زوجة د/ يس رئيس مستشفي الرحمة .. كان يكتب فوقها الذكري الثانية و العشرين لوفاة زوجتي أميرة و ابنتي مُني !!

اعتقدت أني أحلم من جديد و لكن أبي دخل عليّ و راّي ذلك المنشور .. لم نعد نفهم شيئاً و لكنه قال بصرامة ” اياً كان ما يحدث تخلصنا من الصندوق الملعون و انتهي الأمر ! ” .. كان عقلي لا يتوقف عن التفكير في الأمر ماذا حدث لأميرة و مني هل قتلهما شاندويلي ؟! و لكن ما علاقتي بهما لاّري كل هذا .. يبدو أن الصندوق الموسيقي ذلك كان يخص مني الرضيعة و أبي سرق قبرهما لذلك أنا اّري من قتلهم.. فتلك الروح تستغيث بي ..! يا تري ماذا استطيع أن افعل .. !
مر شهر لم تزرني أميرة و مني فيهم مطلقاً …وذهبت بعد ذلك مع اصدقائي لأتدرب في مستشفي د / يس ، كان ينظر لي نظرات حنونة غريبة .. حتي لاحظ كل الطلاب ذلك .. و ابتدأ البعض يقول لي انه معجب بي و كنت أضحك و اخبرهم انه بسن والدي ..!

حتي اخبرني اني اشبه زوجته كثيراً ، كنت أعرف من زوجته و من ابنته بدون أن يقص لي أي شيء .. لكنه قال لي خرجوا مرة يزوروا أخت مراتي في حارة و مرجعوش .. البوليس لقي جثة أميرة و مني اختفت بس اكيد ماتت !
بالكاد اخفيت دموعي و ارتباكي و عقلي الذي كاد يقتلني ، لكنه قطع تفكيري و قال لو كانت بنتي عايشة كان زمانها قدك بالضبط و شبهك كمان .. تفتكري لو عاشت كنت هشوفها دكتورة زيك ؟! لم استطع أن امسك دموعي ..
و في الليل و انا غارقة في تفكيري سمعت صوت طرقات علي باب الشقة تكاد تخلعه الغريب أن أبي نائم و لما يستيقظ و لم يسمعها نظرت من العين السحرية فرأيت نفس المرأة أميرة تكاد تخلع الباب كنت خائفة ارتجف ، حاولت أن اجعل أبي يستيقظ لكن يداي كانت تخترقانه كأني شبح ..!

أنا احلم مرة اّخري .. لكني لأول مرة احلم بتلك المرأة في منزلنا .. مازال الطرق مستمر كانت تترجاني لأفتح .. فتحت لها و قالت لي ” تعالي معايا اريدك أن تري أمر هام ” كنت خائفة و طلبت منها أن تذهب و تتدعني لشأني .. قالت لي ” متخافيش يا مني أنا ماما ” تعالي معايا صرخت بها و قلت لها ” أنا ياسمين ” أنتي مش أمي و لكن جسدي كان يطفو بدون أرادة مني و كنت أذهب ورائها وجدت نفسي في نفس القصر ووجدت أميرة ترتدي بالطو باللون الوردي عليه فرو أبيض و مني ترتدي فستان بنفس اللون أنا أعرف ذلك الفستان .. لدي صورة و أنا صغيرة اشبه فيها مني و ارتدي نفس الفستان ..و نفس القلادة !!

ركبت أميرة و هي تحمل مني في سيارة د / يس و طلبت من السائق أن يتجه عند اختها في حارة كهرمانة وجدت نفسي أطفو بداخل السيارة ، حتي وصلنا للحارة كانت أقبح بكثير مما هي عليه الاّن و كانت ليلة ممطرة .. طلبت من السائق أن يأتي لها عند أول الحارة بعد ساعة .. لأنه يرفض أن يدخل إلي الحارة لأن ذلك يضر العربة بسبب تهدم الأرض .. مرت ثواني فوجدت نفسي في شقة قديمة و أميرة تقول لأختها عدت ساعتين مش ساعة زي ما قلت للسواق يارب يكون مستنيني !

فردت أختها عليها ” لو كان الأفندي بتاعي هنا ، كنت خليته يوصلك ” ، فردت أميرة متقلقيش هتلاقي السواق تحت ..
كان كل شيء مختلف بذلك الحلم فالساعات تمر ثواني .. و الأماكن تتبدل سريعاً !
رأيت أميرة تحمل مني و تخبأها بالبالطو من المطر ، يبدو أنها تائهة فأخذت تلف و تدور في الأزقة المتشابهة ، فتلك الحارة في ذلك الوقت حقاً كانت مخيفة ..
شعرت بأميرة و هي خائفة لأن احدا يتتبعها ، فوجدت شاندويلي يمشي ورائها حاولت أن أصرخ و أن ابعد شاندويلي عنها و لكن لا فائدة أنا شبح فقط في ذلك الحلم العجيب .. وجدت أميرة تجري و هي تحمل مُني و هو يركض ورائها .. حتي وصلت للمقابر البعيدة اقترب منها شاندويلي و كانت تحمل مني و مني تحمل الصندوق الموسيقي ضرب شاندويلي أميرة ضربة أطاحت بها أرضاً و سرق منها كل ما ترتديه من مجوهرات و حقيبة يدها وسقطت مني من يدها و بدأت بالبكاء ، شاهدت شاندويلي يخرج حبلاً و يحاول شنق أميرة .. حاولت أن امنعه لا جدوي ، حاولت أن اصرخ أبكي لا فائدة .. و هو يحاول شنقها غرست اظافرها في وجهه ، و يبدو أن ذلك سبب تلك الندبة في وجهه !!

ماتت أميرة أمام عيني و أمام عين مني ، حمل شاندويلي أميرة و حفر قبر من القبور ، فكان معظمها من التراب اّنذاك ألقي في تلك الحفرة أميرة و عندما بدأت مني بالبكاء، خشي ذلك المجرم أن يسمعها أحد فيفتضح أمره حملها و ألقاها في الحفرة و لكن مني كانت بكاءة و كثيرت الصراخ ففتح لها الصندوق الموسيقي .. فهدأت فألقي لها الصندوق و ردم عليها … في تلك الأثناء كان جسدي يطفو في باقي المقابر رأيت أبي !! إنه أبي الحالي كان ينام بجوار أحد القبور ، يبدو أنه كان يخطط لسرقة شيئاً هنا و لكنه غفي بدون قصد ، ولكنه استيقظ علي صوت صراخ أميرة وبكاء مني لكنه لم يري شيئاً ، وعندما اقترب من صوت غناء الصندوق ، اخذه الفضول ليعرف مصدر الصوت فحفر الأرض ليجد أميرة و قد فارقت الحياة و وجد مُني و قد كانت تمسك الصندوق و تبكي بشدة يبدو أنها خائفة .. خاف أبي بشدة و قال لنفسه ” ده قتيل أنا كده لو حد شافني هلبس الجريمة ديه أنا مليش دعوة حمل مُني ووضعها بجانب القبر ، و قال لنفسه حتي البت ديه دلوقتي حد يجي يوديها ملجأ و لا حاجة !

ترك أبي البنت و مشي بعيدا عن القبر و لكن مني الصغيرة يبدو أنها كانت خائفة فاخذت تحبو وراءه و تحاول أن تجذبه من قدمه ، نظر لها أبي فرفعت له يدها و كأنها تخبره أن يحملها .. لان لها قلبه و كأنه وجد أثمن جوهرة يعز عليه أن يفقدها .. حملها و كانت لحيته اتسخت من التراب فكانت مني تضحك و هي تحاول تنظيف لحيته .. قبلها و احتضنها بشدة فحاولت النطق بحروف لم تكن مفهومة و قالت بب .. بب فقال لها بابا ؟؟ فضحكت بشدة .. فقال أيوه أنا بابا أنا ابوكي انا عمري ما هسيبك .. قال لها تعالي يست البنات عشان ناخد لعبتك و نهرب بقي من هنا .. و حين ذهب ليلتقط الصندوق من القبر فقد تركه مفتوح وجد ازهار الياسمين تنبت بجوار رأس اميرة و رائحة المسك تفوح بشدة ، حتي أنا استطيع شم تلك الرائحة الطيبة !

حين راّي أبي ذلك نظر للسماء و قال اعاهدك يا الله اني لن اعود للسرقة ، لن أجعل تلك الطفلة تنمو في حرام .. ثم نظر للطفلة و قال و انتي يا ست الحسن اسمك أيه بقي ؟ أنا هسميكي ياسمين .. و اّخذني و رحل …!!

الاّن عرفت أنا مُني .. و عرفت لماذا أبي لا يريد اخباري بقصة توبته !! بدأ الظلام يحل من جديد وجدت نفسي أمام باب الشقة في منزلنا ، جريت علي أبي و أنا أبكي بشدة .. استيقظ من النوم فزع اول كلمة قلتها له ” انا مش بنتك أنا أغلي حاجة لقيتها في المقابر صح ؟! متحاولش تنكر أنا عرفت كل حاجة ” .. بكي أبي و احتضني و قال لي ” لو كنت خلفت بنت مكنتش حبيتها قدك ، مكنتش خوفت عليها زيك و بكي ”

قبلت يداه و رأسه هو أبي حقاً لا أريد أحداً غيره .. قال لي ” كنت راجع من الصعيد كنت بسرق مقابر هناك و قعدت انط من بلد لبلد لحد ما رجعت علي مقابر هنا .. حلمت ان فيه ميت مخنوق و الكفن مضايقه ” صحيت لقيت نفسي نايم في المقابر مشيت لحد القبر إللي حلمت بيه ، سمعت صوتك و لحقتك قبل ما تموتي و كنتي اّحلي حاجة فدنيتي ، مرضتش اتجوز عشانك و توبت من يومها عن الحرام ”
عندما قصصت لأبي قصة شاندويلي و قتله لأمي ..قام في اليوم التالي بالإبلاغ عن شاندويلي من تليفون عمومي ليتجنب المشاكل و بالرغم من أنه ليس هناك دليل علي حادثة القتل لكن أبي اخبر الشرطة أن مني بنت د/يس راجل لقاها ووصف لهم عنوان بيتنا .. و عندما ذهبت الشرطة لشاندويلي لم تجد دليل علي حادثة القتل ، و لكن وجدت بالمخزن عنده كمية كبيرة من المخدرات و حُكم عليه بالإعدام في قضية جلب مخدرات و اّخذ عقابه ، أما الدكتور يس لم يصدق أن مني مازالت حية و اعتقد انها عملية نصب .. لكنه زارني بعد أسبوع في شقتنا ..
و عندما فتحت احتضنني بشدة و بكي ” و قال لي لن تصدقي ما سأقصه عليكي و لكني حلمت بوالدتك تصحبني للمقابر فوجدت رجل يحملك و انتي طفلة و ينقذك من الموت ”

وقتها فقط صدقت انكِ حية ..!
قلت له أنا اصدقك لأني معتادة أن أذهب مع تلك الروح -أمي – في العديد من الرحلات^^ … و تعرف د/ يس علي أبي و قبل رأسه و طلب أن نذهب لنعيش معه في القصر … و عندما انتقلنا وجدت نفسي في القصر ذاته الذي كنت أحلم به ذلك القصر أنا احفظه كأني عشت عمراً هنا ..

و عندما تخرجت قام أبي د/ يس ببناء مستشفي لي و سماها مستشفي “روح” التخصصي و لكن وحدنا نحن الثلاثة نعرف من هي تلك الروح النقية !
و مَر العمر و تزوجت طبيباً زميلاً لي و أنجبت طفلة أسميتها ” أميرة ” و في عيد مولدها الأول اهدتها الصندوق الموسيقي خاصتي ..

و لكن أميرة الكبيرة لم تعد تزورني أنا ،و لكنها تزور أميرة الصغيرة ففي بعض الأحيان اّراها تجلس علي الكرسي الهزاز و تغني لها ..
” مع أمي اصحو و انام ، مع أمي تصحبني الاّحلام ..! ”
تمت بفضل الله تعالي ..

الحمد لله اللهم صل و سلم و بارك علي سيدنا و نبينا محمد




7027 مشاهدة