كبير العيلة
الحلقة العشرون2سافر غيث وسلافة الى القاهرة يرافقهما كلا من شهاب وسلمى بعد إصرار شديد من سلمى لمرافقة أختها ومن شهاب أن يصاحب توأمه, وقال رؤوف وهو يودعهم:
– أنا واثق فيكم برقبتي, وعارف انكم هتحافظوا عليهم..
كانوا قد تعللوا لجدهم وعثمان برغبة سلمى وسلافة بالذهاب الى القاهرة لأنجاز بعض الأمور العالقة الخاصة بعمل كل منهما, وكانا من المفترض أن يعودوا في نفس اليوم إلا أن اقتضت الظروف فسيبيتون في منزل رؤوف هناك…
كانت سلافة قد واعدت المحامي فاتجهوا رأسا الى مكتبه, وبعد أن دخلوا وقامت سلافة بعملية التعارف بينه وبين الباقيين, جلسوا يتشاورون في الخطوة اللازم اتخاذها, قالت سلافة:
– أنا عاوزة حضرتك تطعن في الحكم انه القضية قيدت ضد مجهول…
المحامي بتعبير أسف:
– للأسف يا آنسة سلافة..في القضايا اللي زي دي لازم يكون فيه أدلة قوية عشان الطعن يتقبل..
سلافة بجدية:
– طيب لو الأدلة اللي اتحرقت دي كانت موجودة ممكن وقتها الطعن يتقبل؟.
المحامي بهزة بسيطة من كتفيه:
– للأسف يا آنسة ممكن يبقى دليل ضعيف والمحكمة ما تاخدش بيه, لأن الدليل دا بيدين المستشفى إياها لكن مالهاش دعوة بقضية قتل واغتصاب المرحومة مريم..
دمعت عينا سلمى وسلافة ما إن سمعا كلمة المرحومة تسبق اسم صديقتهما, دفعت سلمى بدموعها بعيدا وتحدثت بهدوء قائلة:
– بس مريم تبقى خطيبة سامح اللي اتلفقت له قضية من الناس دول؟!..
المحامي:
– لكن عشان قضية زي دي تتفتح تاني لازم يكون فيه دليل عن مجرم موجود فعلا.. يعني مثلا شاهد للجريمة.. كدا يعني, لكن….
وسكت قليلا وقد غامت عيناه بتفكير عميق فهتفت سلافة:
– لكن ايه يا متر؟.
غيث بتؤدة:
– حضرتك عندك حاجة ممكن تفيدنا في فتح الجضية من جديد؟.
المحامي بتفكير عميق:
– الادلة دي ممكن تساعدنا في الطعن في قضية الدكتور سامح, لو الطعن اتقبل وقتها ممكن يكون فيه فرصة لفتح قضية المرحومة مريم من تاني, بس المشكلة دلوقتي انه الادلة دي اتحرقت.. هنجيب منين أدلة إدانة تاني قوية زي دي؟!..
لتبرق عينا سلافة بعزم وهي تجيب:
– بس الأدلة موجودة يا متر…
لينظر اليها المحامي بدهشة بينما تبادل غيث وشهاب وسلمى نظرات التساؤل, لتجيب على أسئلتهم الصامتة بقولها:
– ثواني حضرتك..
لتبتعد سلافة حاملة هاتفها المحمول لإجراء مكالمة هاتفية وما هي إلا أقل من خمسة عشر دقيقة حتى تعالت طرقات على باب المكتب ليسمح المحامي للطارق بالدخول والذي كان وكيل مكتبه يخبره بقدوم أحدهم من طرف الآنسة سلافة, فنظر المحامي بدهشة اليها ثم أمره بإدخاله على وجه السرعة فيدخل ذلك القادم الغريب لتشهق سلمى متفاجئة بينما يتبادل غيث وشهاب نظرات التساؤل فيما يحدج غيث سلافة بريبة وغيظ, وتنهض سلافة متجهة الى الوافد الجديد وهي تقوم بعملية التعارف بينه وبين المحامي قائلة بجدية:
– الدكتور كريم… أهم طرف معانا في القضية..
وقبل أن يتساءل أي من الموجودين يفتح كريم حقيبة صغيرة كانت بحوزته ليخرج ظرفا ورقيا كبيرا فتناولته سلمى منه واتجهت الى المحامي لتقوم بفض الظرف مسقطة محتوياته فوق سطح المكتب ليطالع المحامي ما يراه أمامه بدهشة وينظر الى سلافة الواقفة أمامه بابتسامة صغيرة لتقول مجيبة على سؤاله الصامت:
– التكنولوجيا يا متر لازم نستفيد بيها كويس اوي, وان ما كانتش تخدمنا في حاجة زي دي.. يبقى لازمتها ايه؟, دي نسخة من ال سي دي والفلاشة اللي اتحرقوا, اتفضل حضرتك قدم الطعن في قضية الدكتور سامح!!..
في وقت لاحق وبعد انصرافهم من مكتب المحامي وقد اعتذر كريم على مرافقتهم ولكنه انفرد بسلافة متمتما لها بأنه سيكون موجودا في أي وقت, وكان قد بارك لشهاب وغيث على عقد القرآن فهو لم يحضر نظرا لظروف الحزن التي تمر بعائلتهم بسبب وفاة راضي, فتداركت سلمى قائلة بابتسامة:
– لكن أكيد هنعمل فرح وهتكون انت وطنط وفاء وعمو نبيل أول الموجودين, وسهى طبعا…
انصرف كريم ملوحا بيده لهم ومشيرا لسلافة بيده علامة انتظاره لإتصال منها لموافاته بما يطرأ من أحداث..
دلفت سلمى الى المنزل مفسحة المجال لسلافة وغيث وشهاب باللحاق بها, أغلقت الباب وقالت وهي تمسك بأكياس الطعام من شهاب مشيرة لسلافة:
– انا عارفة انتم اكيد واقعين من الجوع, ياللا يا سلافة نحضر الغدا على ما يغسلوا ايديهم ووشهم..
تناول الجميع الغذاء وسط النقاش الدائر عما سيحدث, وكانوا قد قرروا المبيت الى الصباح حيث سيتقدم المحامي بالطعن للمحكمة..
بعد انتهائهم من تناول الطعام, اتجهت سلمى لتجهيز غرفة نوم والديها لشهاب وغيث بينما قامت سلافة بعمل الشاي..
همهم غيث ببضع كلمات لشهاب الجالس في غرفة الجلوس قبل أن يلحق بسلافة التي كانت تقف بالمطبخ تقوم بصنع الشاي لهم جميعا, تحدث غيث بهدوء يخالف ما يجيش داخله من تساؤلات تكاد تقتله لمعرفة الجواب عليها:
– انما انتي جاتك فكرة النسخ ديه كيف؟.
استدارت سلافة له وابتسمت ابتسامة صغيرة وأجابت وهي ترص أقداح الشاي فوق الصينية:
– أبدا.. كل الحكاية اني حسبتها في دماغي, الموضوع مش سهل, وأنا ما بحبش أسيب نفسي للظروف, بحب أحط كل الاحتمالات في دماغي, يوم ما أخدت السيديهات والفلاشة من مريم عملت لها كوبي وادتها لكريم في وقتها, بصراحة كريم ما سألنيش , أنا كل اللي قولتهوله عاوزاك تشيل الأمانة دي عندك لغاية ما أطلبها, وطلع فعلا أد الأمانة..
حاول غيث اخفاء غيظه من عباراتها التي تشي بإعجابها بكريم وقال وهو يقترب منها بنبرة صوت لم يستطع اخفاء حدتها المكبوتة:
– غريبة.. وايش معنى كريم يعني؟.
رفعت سلافة عينيها اليه وقطبت بابتسامة حائرة وهي تجيب:
– ماجاش في دماغي الا هو ساعتها, بصراحة هو اللي انا فكرت فيه وقتها, لأنه الوحيد اللي ممكن آآمن له في موضوع زي دا!!..
الى هنا وكفى.. سيكون ملعونا إن سمح لها بالاسترسال في اقصائه أكثر من هذا, ما معنى كلامها بأن هذا الـ كريم هو الوحيد الذي طرأ ببالها بل أنه هو الوحيد الذي تثق به؟, وما هو بالنسبة لها؟, هواء!, لقد كانا وقتها في حكم المخطوبيْن ولم تكلف خاطرها بإخباره بما حدث لولا أنه قد ضغط على والدها ليعلم ما بها وذلك بعد أن صرّح له جده بشكوكه حولها وحول عمه!..
مال عليها لتلفحها أنفاسا ساخنة تخرج من أنفه وفمه على حد سواء فكأنه التنين ينفث نارا من فمه, لتنظر اليه بريبة وهي تضع سخان الماء الكهربائي جانبا بعد أن صبت الماء فوق ورق الشاي في الأقداح, سألته وهي تعتدل واقفة أمامه:
– مالك يا غيث.. فيه حاجة؟, شكلك متنرفز!.
ليفاجئها بقبضة قوية على مرفقها جعلتها تشهق وتتسع عيناها ذهولا وحيرة فيما يتحدث هو من بين أسنانه المطبقة بغضب ناري لم يسبق له اختباره سوى منذ ان عرفها هي فقط:
– بجه كريم هو أجرب واحد منيكي وهو الوحيد اللي مأمناله؟, وأني أبجى أيه ان شاء الله؟, مش راجلك ومالي عينك ولا إيه؟..
تفاجئت سلافة من هجومه القوي ومن تفسيره لما أخبرته به بحسن نية وهتفت وهي تحاول التملص من قبضته دون جدوى:
– لا طبعا الموضوع مش كدا..
غيث بسخرية وهو يضغط على مرفقها ليقربها اليه:
– طب فهميني انتي يا زينة العرايس.. واحدة مخطوبة وتآمن لراجل تاني غير زوجها في حكاية واعرة إكده.. يبجى ديه اسمه ايه؟..
سلافة بحنق:
– اولا انت يومها ما كونتش معايا, تاني حاجة بقه لو حصل وكانوا مراقبين مريم هيعرفوا انها صاحبتي وعلى طول أي حد من عيلتي هيكون مشكوك فيه بالنسبة لهم لكن كريم بعيد خالص, محدش يعرف علاقتنا بيه غير ناس معدودين بس, عرفت بقه أنا ليه فكرت فيه هو؟, مش قلة ثقة فيك لكن لأن ما فيش غيره أقدر أثق فيه وفي نفس الوقت يكون بعيد عن الخطر!.
تهاونت قبضة غيث لتسحب سلافة ذراعها بقوة وكشرت وهي تفرك موضع قبضته, قال غيث مقطبا جبينه:
– يعني جصدك انك ما كونتيش عاوزة حد منينا يِعرف بالحكاية ديْ خوف منِّيكي علينا؟.
حدجته سلافة بنظرة غاضبة وقالت:
– انا ماحاكتش لحد يا ابن عمي الا لبابا بس, سلمى وماما معرفوش غير لما أغمى عليا من يومين, يعني لا قلة ثقة فيكي ولا فهيم, خوف وحرص مني مش أكتر, لكن للأسف اللي لاقيته منك شك وظنون ماكونتش أتوقع انك تفكر مجرد تفكير فيها..
استدارت تهم بالانصراف عندما سارع بوضع يده على كتفها لأيقافها وناداها بلهفة:
– استني يا سلافة..
وقفت معطية له ظهرها فاستدار حولها ليقف أمامها ليقبض على مرفقيها برفق ويميل عليها ناظرا في عينيها بعمق وهو يردف بابتسامة أسف صغيرة:
– ما.. ما تزعليشي مني, أني مش ممكن أشك فيكي واصل, ديه ما اسموشي شك..
ابتسمت سلافة نصف ابتسامة ساخرة وسألته هازئة:
– مش شك؟, اومال دا يبقى ايه ان شاء الله؟.
ليميل عليها مقربا وجهه منها حتى اشتم رائحتها العبقة وهو يجيب بصوت خافت أجش:
– إسمها.. غييييرة, ايه.. حرام إني أغير على مَرَتي؟, حبيبتي؟!, واللي في المستجبل ان شاء الله هتبجى أم اعيالي؟..
كان في كل كلمة من كلماته يميل أكثر باتجاهها حتى إذا أنهى قوله وهمت بالحديث خطف شفتيها في قبلة رقيقة كرفرفة جناح فراشة لم مكث إلا ثوان ولكنها قلبت حالها, ليعتدل بعدها ناظرا في عينيها وهو يردف بحرارة بينما تطالعه عيناها بنظرة عتاب رقيقة:
– ما تزعليشي مني يا بت عمي, صدجيني من وجت ما شوفته حدا المحامي وأني برج من عجلي طار, لازمن تفهمي إني بحبك جوي وإني بغير عليكي جوي جوي, كنت هنجن عشان أسألك وأعرِف منّيكي, فهمتيني يا بت عمي؟, هزت برأسها ايجابا في صمت فتابع بلهفة متسائلة:
– ما انتيش حمجانه؟.
لم تستطع سلافة الاستمرار في غضبها منه أكثر من ذلك وهو يقف أمامها كالطفل الذي يستجدي من والدته ألا تغضب عليه, لتبتسم ابتسامة صغيرة مجيبة وهي تلكم صدره بقبضتها الصغيرة لكمة خفيفة تأوه لها تأوها مصطنعا:
– لاه.. مش حمجانه!!..
ثم تابعت محاولة تلطيف الجو بالمزاح:
– انما صحيح أنا أول مرة أشوفك لابس جينز وتي شيرت, انت في البلد على طول بالجلابية أو لبس الخيل, ايش معنى يعني انهرده..عشان نازل مصر؟.
ابتسم غيث وقال وهو يحيط خصرها بذراعيه مشبكا أصابعه خلف ظهرها فيما تميل هي ناظرة الى عينيه بابتسامة ناعمة على ثغرها الوردي:
– أبدا, لكن أنا في نزولاتي مصر بلبس إكده, مع إني برتاح في التوب أكتر, لكن لمن باجي بيه مصر بحس كاني العمدة الكل بيعمل لي ألف حساب من غير ما يعرفوا أني مين؟
أجابت سلافة وهي تتطلع اليه بحب لمع دون أن تدري في عينيها لينير ليلهما السرمدي:
– انت يا حبيبي ليك هيبة.. أي مكان تروحه لازم يعملوا لك ألف حساب ولو كنت بالبيجامة حتى.. مش توب ولا قميص وبنطلون!
ليفغر غيث فاه ويتساءل بغير تصديق وذهول وهو يضغط عليها ليقربها منه:
– انتي جولتي إيه؟.
قطبت سلافة وأجابت بابتسامة حائرة:
– قلت ان شخصيتك جامدة ولك هيبة و…
قاطعها وهو يهز رأسه عدة مرات يمينا ويسارا:
– لاه لاه مش ديْ, جبلها.. جبل الجملة دي جولتي ايه؟.
لتبتسم سلافة وترد بمشاغبة:
– آه.. يعني عاوزني أعيد الشريط من الأول؟!..
ليجيب غيث بنفاذ صبر ورجاء:
– ايوة يا سلافة.. هاتيه من أوله.. من آخره.. م إمهم.. المْهِمْ تجوليها تاني!.
تصنعت عدم الفهم وقالت:
– بردو مش فاهمه..
ليتركها بحنق طفولي وهو يهتف:
– انتي بتجلعي عارفك أني زين, جال ماعرفاشي جال!, طب عيني في عينك إكده؟..
لتبتسم بخبث فما كان منه الّا أن نفخ بضيق واستدار ليهمّ بالانصراف عندما اقتربت منه كالنسمة الطرية وهمست بخفوت بجانب أذنه:
– حبيبي..
ليتسمر في مكانه بينما خرجت راكضة وهي تهتف ضاحكة:
– اعمل انت شاي تاني بقه دا أكيد بِرِدْ!!..
————————– ———————-
في الصباح اتصلوا بالمحامي الذي أخبرهم بأنه قد تقدم بطلب للطعن في الحكم بقضية سامح وأنه سيوافيهم بالمستجدات أولا بأول, فقرروا الذهاب لتناول الغذاء قبل رجوعهم الى البلدة..
كانوا يتبادلون أطراف الحديث عندما جاءت سلافة مكالمة هاتفية من المحامي يخبرها بخبر زلزلها.. فقد وُجد سامح مقتولا في زنزانته!!..
ارتمت سلافة على المقعد خلفها وهي تنهار في بكاء حار حيث هرعوا ما ان سمعوا بالخبر الى المحامي لمعرفة التفاصيل, قال المحامي بأسف:
– للأسف واحد من المحكوم عليهم بالاعدام اتخانق معاه وراح ضربه بسكينة كان سرقها من مطبخ السجن!..
سلمى بانهيار:
– ازاي؟, ازاي يحصل حاجة زي كدا؟, احنا فين احنا هنا؟, معقول احنا في مصر؟, أنا حاسة اننا في شيكاغو, وان العصابة دي مافيا من اللي بنسمع عنهم في الافلام!..
المحامي بضيق بينما وقف شهاب بجوارها مربتا على كتفها وحذا حذوه غيث لسلافة:
– للأسف هما فعلا مافيا, لكن الخوف دلوقتي بقه عليكي انتي يا آنسة سلافة!..
طالعه الجميع بقلق وريبة ليتابع بأسف:
– واضح كدا انهم عرفوا كل حاجة عنك وقتلهم لسامح دليل انهم سابقينا بخطوة واحده, وبردو انهم عارفين ان الدليل معاكي انتي, فيا ريت تخلي بالك من نفسك..
ليهتف غيث بينما تلمع عيناه بشراسة:
– طب يبجى حد يفكر بس مجدر تفكير انه يجرب منيها وجتها يجول على نفسه يا رحمن يا رحيم..
اتجه شهاب الى أخيه وربت على كتفه قائلا بصرامة:
– مش لوحدك يا أخويا, انا كمان معاك…
المحامي بلهجة محذرة:
– ويا ريت تخلو بالكم.. واضح كدا انه فيه حد مراقبكم ومش بس كدا لا.. وعارف كمان انتو بتفكروا في ايه!, محدش كان يعرف بموضوع الطعن دا غيرنا هنا, انتو اتكلمتوا في الموضوع دا بعد ما خرجتوا من عندي مع أي حد؟.
ليتبادل الجميع نظرات التساؤل والريبة ويهتفوا بالنفي في صوت واحد:
– لا ما حصلش..
يهز المحامي رأسه ويقول:
– عموما خلوا بالكم..
————————– ————————– —
فتحت سلافة باب المنزل لتفاجأ به مقلوبا رأسا على عقب,فمنعها غيث هي وسلمى من الدخول ليدلف هو وشهاب ليتفقدوا المنزل وما أن تأكدوا من خلوه من أي شخص حتى سمحوا لهما بالدخول, تفاجئوا بالمشهد أمامهم, فمن الواضح أنه قد تم تفتيش المنزل تفتيشا تاما فكل شيء في غير مكانه, فالتلفاز مقلوب فوق الأرض وقد تكسرت شاشته البلازما, والمقاعد والكراسي حتى المطبخ لم ينجو من أيديهم, ووسط كل هذه الفوضى خرق الصمت السائد بينهم صوت استقبال رسالة على هاتف سلافة المحمول, لتقطب وتفتح الرسائل مستطلعة المرسل, لتفاجأ برقم غريب, ففتحت الرسالة لتقرأها لتفتح عينيها على وسعهما في ذهول لما تقرأه, انتبه غيث لحالتها فسحب الهاتف من يدها ليقرأ بصوت مرتفع:
– المرة دي إنذار بسيط.. ابعدي خالص عن القضية وانسي أنك كنتي تعرفي واحدة اسمها مريم, ولو زعلانة عليها أوي كدا.. احنا ممكن نعمل معاكي واجب ونخليكي تحصليها… وزي ما حصلها بالظبط, بس مش هتكوني لوحدك.. هيكون معاكي اللي يونسك.. أختك… الدكتورة سلمى!!..
لتشهق سلمى برعب وتحتضن سلافة بينما يتبادل غيث وشهاب النظرات التي تشي بغضبهم الوحشي ليخرق غيث الصمت قائلا بوعيد:
– وجسما بالله واللي عمري ما حلفت بيه باطل لأخليهم عبرة لمن لا يعتبر, وتار مريم وخطيبها وكل اللي ماتوا في رجبتي, ومش غيث الخولي اللي يفوت تاره واصل!..
ليعاجله شهاب وشرارات الغضب تطاير من بين دخاني عينيه:
– مش لوحدك يا غيث, ويمين بالله ما يتم فرحنا إلا لمن ناخد بتارنا يا ابن أمي وأبوي, عيلة الخولي عمرها ما تفرط في تارها مهما حصل!!..
لترفع سلافة وسلمى أعينهما إليهما بينما يشد غيث وشهاب على أيدي بعضهما, فالطريق للأخذ بالثأر قد بدأ ومنذ اللحظة, وسيأخذان بثأرهما كاااااااااااااملا !!…
– يتبع –
الحلقة العشرون2سافر غيث وسلافة الى القاهرة يرافقهما كلا من شهاب وسلمى بعد إصرار شديد من سلمى لمرافقة أختها ومن شهاب أن يصاحب توأمه, وقال رؤوف وهو يودعهم:
– أنا واثق فيكم برقبتي, وعارف انكم هتحافظوا عليهم..
كانوا قد تعللوا لجدهم وعثمان برغبة سلمى وسلافة بالذهاب الى القاهرة لأنجاز بعض الأمور العالقة الخاصة بعمل كل منهما, وكانا من المفترض أن يعودوا في نفس اليوم إلا أن اقتضت الظروف فسيبيتون في منزل رؤوف هناك…
كانت سلافة قد واعدت المحامي فاتجهوا رأسا الى مكتبه, وبعد أن دخلوا وقامت سلافة بعملية التعارف بينه وبين الباقيين, جلسوا يتشاورون في الخطوة اللازم اتخاذها, قالت سلافة:
– أنا عاوزة حضرتك تطعن في الحكم انه القضية قيدت ضد مجهول…
المحامي بتعبير أسف:
– للأسف يا آنسة سلافة..في القضايا اللي زي دي لازم يكون فيه أدلة قوية عشان الطعن يتقبل..
سلافة بجدية:
– طيب لو الأدلة اللي اتحرقت دي كانت موجودة ممكن وقتها الطعن يتقبل؟.
المحامي بهزة بسيطة من كتفيه:
– للأسف يا آنسة ممكن يبقى دليل ضعيف والمحكمة ما تاخدش بيه, لأن الدليل دا بيدين المستشفى إياها لكن مالهاش دعوة بقضية قتل واغتصاب المرحومة مريم..
دمعت عينا سلمى وسلافة ما إن سمعا كلمة المرحومة تسبق اسم صديقتهما, دفعت سلمى بدموعها بعيدا وتحدثت بهدوء قائلة:
– بس مريم تبقى خطيبة سامح اللي اتلفقت له قضية من الناس دول؟!..
المحامي:
– لكن عشان قضية زي دي تتفتح تاني لازم يكون فيه دليل عن مجرم موجود فعلا.. يعني مثلا شاهد للجريمة.. كدا يعني, لكن….
وسكت قليلا وقد غامت عيناه بتفكير عميق فهتفت سلافة:
– لكن ايه يا متر؟.
غيث بتؤدة:
– حضرتك عندك حاجة ممكن تفيدنا في فتح الجضية من جديد؟.
المحامي بتفكير عميق:
– الادلة دي ممكن تساعدنا في الطعن في قضية الدكتور سامح, لو الطعن اتقبل وقتها ممكن يكون فيه فرصة لفتح قضية المرحومة مريم من تاني, بس المشكلة دلوقتي انه الادلة دي اتحرقت.. هنجيب منين أدلة إدانة تاني قوية زي دي؟!..
لتبرق عينا سلافة بعزم وهي تجيب:
– بس الأدلة موجودة يا متر…
لينظر اليها المحامي بدهشة بينما تبادل غيث وشهاب وسلمى نظرات التساؤل, لتجيب على أسئلتهم الصامتة بقولها:
– ثواني حضرتك..
لتبتعد سلافة حاملة هاتفها المحمول لإجراء مكالمة هاتفية وما هي إلا أقل من خمسة عشر دقيقة حتى تعالت طرقات على باب المكتب ليسمح المحامي للطارق بالدخول والذي كان وكيل مكتبه يخبره بقدوم أحدهم من طرف الآنسة سلافة, فنظر المحامي بدهشة اليها ثم أمره بإدخاله على وجه السرعة فيدخل ذلك القادم الغريب لتشهق سلمى متفاجئة بينما يتبادل غيث وشهاب نظرات التساؤل فيما يحدج غيث سلافة بريبة وغيظ, وتنهض سلافة متجهة الى الوافد الجديد وهي تقوم بعملية التعارف بينه وبين المحامي قائلة بجدية:
– الدكتور كريم… أهم طرف معانا في القضية..
وقبل أن يتساءل أي من الموجودين يفتح كريم حقيبة صغيرة كانت بحوزته ليخرج ظرفا ورقيا كبيرا فتناولته سلمى منه واتجهت الى المحامي لتقوم بفض الظرف مسقطة محتوياته فوق سطح المكتب ليطالع المحامي ما يراه أمامه بدهشة وينظر الى سلافة الواقفة أمامه بابتسامة صغيرة لتقول مجيبة على سؤاله الصامت:
– التكنولوجيا يا متر لازم نستفيد بيها كويس اوي, وان ما كانتش تخدمنا في حاجة زي دي.. يبقى لازمتها ايه؟, دي نسخة من ال سي دي والفلاشة اللي اتحرقوا, اتفضل حضرتك قدم الطعن في قضية الدكتور سامح!!..
في وقت لاحق وبعد انصرافهم من مكتب المحامي وقد اعتذر كريم على مرافقتهم ولكنه انفرد بسلافة متمتما لها بأنه سيكون موجودا في أي وقت, وكان قد بارك لشهاب وغيث على عقد القرآن فهو لم يحضر نظرا لظروف الحزن التي تمر بعائلتهم بسبب وفاة راضي, فتداركت سلمى قائلة بابتسامة:
– لكن أكيد هنعمل فرح وهتكون انت وطنط وفاء وعمو نبيل أول الموجودين, وسهى طبعا…
انصرف كريم ملوحا بيده لهم ومشيرا لسلافة بيده علامة انتظاره لإتصال منها لموافاته بما يطرأ من أحداث..
دلفت سلمى الى المنزل مفسحة المجال لسلافة وغيث وشهاب باللحاق بها, أغلقت الباب وقالت وهي تمسك بأكياس الطعام من شهاب مشيرة لسلافة:
– انا عارفة انتم اكيد واقعين من الجوع, ياللا يا سلافة نحضر الغدا على ما يغسلوا ايديهم ووشهم..
تناول الجميع الغذاء وسط النقاش الدائر عما سيحدث, وكانوا قد قرروا المبيت الى الصباح حيث سيتقدم المحامي بالطعن للمحكمة..
بعد انتهائهم من تناول الطعام, اتجهت سلمى لتجهيز غرفة نوم والديها لشهاب وغيث بينما قامت سلافة بعمل الشاي..
همهم غيث ببضع كلمات لشهاب الجالس في غرفة الجلوس قبل أن يلحق بسلافة التي كانت تقف بالمطبخ تقوم بصنع الشاي لهم جميعا, تحدث غيث بهدوء يخالف ما يجيش داخله من تساؤلات تكاد تقتله لمعرفة الجواب عليها:
– انما انتي جاتك فكرة النسخ ديه كيف؟.
استدارت سلافة له وابتسمت ابتسامة صغيرة وأجابت وهي ترص أقداح الشاي فوق الصينية:
– أبدا.. كل الحكاية اني حسبتها في دماغي, الموضوع مش سهل, وأنا ما بحبش أسيب نفسي للظروف, بحب أحط كل الاحتمالات في دماغي, يوم ما أخدت السيديهات والفلاشة من مريم عملت لها كوبي وادتها لكريم في وقتها, بصراحة كريم ما سألنيش , أنا كل اللي قولتهوله عاوزاك تشيل الأمانة دي عندك لغاية ما أطلبها, وطلع فعلا أد الأمانة..
حاول غيث اخفاء غيظه من عباراتها التي تشي بإعجابها بكريم وقال وهو يقترب منها بنبرة صوت لم يستطع اخفاء حدتها المكبوتة:
– غريبة.. وايش معنى كريم يعني؟.
رفعت سلافة عينيها اليه وقطبت بابتسامة حائرة وهي تجيب:
– ماجاش في دماغي الا هو ساعتها, بصراحة هو اللي انا فكرت فيه وقتها, لأنه الوحيد اللي ممكن آآمن له في موضوع زي دا!!..
الى هنا وكفى.. سيكون ملعونا إن سمح لها بالاسترسال في اقصائه أكثر من هذا, ما معنى كلامها بأن هذا الـ كريم هو الوحيد الذي طرأ ببالها بل أنه هو الوحيد الذي تثق به؟, وما هو بالنسبة لها؟, هواء!, لقد كانا وقتها في حكم المخطوبيْن ولم تكلف خاطرها بإخباره بما حدث لولا أنه قد ضغط على والدها ليعلم ما بها وذلك بعد أن صرّح له جده بشكوكه حولها وحول عمه!..
مال عليها لتلفحها أنفاسا ساخنة تخرج من أنفه وفمه على حد سواء فكأنه التنين ينفث نارا من فمه, لتنظر اليه بريبة وهي تضع سخان الماء الكهربائي جانبا بعد أن صبت الماء فوق ورق الشاي في الأقداح, سألته وهي تعتدل واقفة أمامه:
– مالك يا غيث.. فيه حاجة؟, شكلك متنرفز!.
ليفاجئها بقبضة قوية على مرفقها جعلتها تشهق وتتسع عيناها ذهولا وحيرة فيما يتحدث هو من بين أسنانه المطبقة بغضب ناري لم يسبق له اختباره سوى منذ ان عرفها هي فقط:
– بجه كريم هو أجرب واحد منيكي وهو الوحيد اللي مأمناله؟, وأني أبجى أيه ان شاء الله؟, مش راجلك ومالي عينك ولا إيه؟..
تفاجئت سلافة من هجومه القوي ومن تفسيره لما أخبرته به بحسن نية وهتفت وهي تحاول التملص من قبضته دون جدوى:
– لا طبعا الموضوع مش كدا..
غيث بسخرية وهو يضغط على مرفقها ليقربها اليه:
– طب فهميني انتي يا زينة العرايس.. واحدة مخطوبة وتآمن لراجل تاني غير زوجها في حكاية واعرة إكده.. يبجى ديه اسمه ايه؟..
سلافة بحنق:
– اولا انت يومها ما كونتش معايا, تاني حاجة بقه لو حصل وكانوا مراقبين مريم هيعرفوا انها صاحبتي وعلى طول أي حد من عيلتي هيكون مشكوك فيه بالنسبة لهم لكن كريم بعيد خالص, محدش يعرف علاقتنا بيه غير ناس معدودين بس, عرفت بقه أنا ليه فكرت فيه هو؟, مش قلة ثقة فيك لكن لأن ما فيش غيره أقدر أثق فيه وفي نفس الوقت يكون بعيد عن الخطر!.
تهاونت قبضة غيث لتسحب سلافة ذراعها بقوة وكشرت وهي تفرك موضع قبضته, قال غيث مقطبا جبينه:
– يعني جصدك انك ما كونتيش عاوزة حد منينا يِعرف بالحكاية ديْ خوف منِّيكي علينا؟.
حدجته سلافة بنظرة غاضبة وقالت:
– انا ماحاكتش لحد يا ابن عمي الا لبابا بس, سلمى وماما معرفوش غير لما أغمى عليا من يومين, يعني لا قلة ثقة فيكي ولا فهيم, خوف وحرص مني مش أكتر, لكن للأسف اللي لاقيته منك شك وظنون ماكونتش أتوقع انك تفكر مجرد تفكير فيها..
استدارت تهم بالانصراف عندما سارع بوضع يده على كتفها لأيقافها وناداها بلهفة:
– استني يا سلافة..
وقفت معطية له ظهرها فاستدار حولها ليقف أمامها ليقبض على مرفقيها برفق ويميل عليها ناظرا في عينيها بعمق وهو يردف بابتسامة أسف صغيرة:
– ما.. ما تزعليشي مني, أني مش ممكن أشك فيكي واصل, ديه ما اسموشي شك..
ابتسمت سلافة نصف ابتسامة ساخرة وسألته هازئة:
– مش شك؟, اومال دا يبقى ايه ان شاء الله؟.
ليميل عليها مقربا وجهه منها حتى اشتم رائحتها العبقة وهو يجيب بصوت خافت أجش:
– إسمها.. غييييرة, ايه.. حرام إني أغير على مَرَتي؟, حبيبتي؟!, واللي في المستجبل ان شاء الله هتبجى أم اعيالي؟..
كان في كل كلمة من كلماته يميل أكثر باتجاهها حتى إذا أنهى قوله وهمت بالحديث خطف شفتيها في قبلة رقيقة كرفرفة جناح فراشة لم مكث إلا ثوان ولكنها قلبت حالها, ليعتدل بعدها ناظرا في عينيها وهو يردف بحرارة بينما تطالعه عيناها بنظرة عتاب رقيقة:
– ما تزعليشي مني يا بت عمي, صدجيني من وجت ما شوفته حدا المحامي وأني برج من عجلي طار, لازمن تفهمي إني بحبك جوي وإني بغير عليكي جوي جوي, كنت هنجن عشان أسألك وأعرِف منّيكي, فهمتيني يا بت عمي؟, هزت برأسها ايجابا في صمت فتابع بلهفة متسائلة:
– ما انتيش حمجانه؟.
لم تستطع سلافة الاستمرار في غضبها منه أكثر من ذلك وهو يقف أمامها كالطفل الذي يستجدي من والدته ألا تغضب عليه, لتبتسم ابتسامة صغيرة مجيبة وهي تلكم صدره بقبضتها الصغيرة لكمة خفيفة تأوه لها تأوها مصطنعا:
– لاه.. مش حمجانه!!..
ثم تابعت محاولة تلطيف الجو بالمزاح:
– انما صحيح أنا أول مرة أشوفك لابس جينز وتي شيرت, انت في البلد على طول بالجلابية أو لبس الخيل, ايش معنى يعني انهرده..عشان نازل مصر؟.
ابتسم غيث وقال وهو يحيط خصرها بذراعيه مشبكا أصابعه خلف ظهرها فيما تميل هي ناظرة الى عينيه بابتسامة ناعمة على ثغرها الوردي:
– أبدا, لكن أنا في نزولاتي مصر بلبس إكده, مع إني برتاح في التوب أكتر, لكن لمن باجي بيه مصر بحس كاني العمدة الكل بيعمل لي ألف حساب من غير ما يعرفوا أني مين؟
أجابت سلافة وهي تتطلع اليه بحب لمع دون أن تدري في عينيها لينير ليلهما السرمدي:
– انت يا حبيبي ليك هيبة.. أي مكان تروحه لازم يعملوا لك ألف حساب ولو كنت بالبيجامة حتى.. مش توب ولا قميص وبنطلون!
ليفغر غيث فاه ويتساءل بغير تصديق وذهول وهو يضغط عليها ليقربها منه:
– انتي جولتي إيه؟.
قطبت سلافة وأجابت بابتسامة حائرة:
– قلت ان شخصيتك جامدة ولك هيبة و…
قاطعها وهو يهز رأسه عدة مرات يمينا ويسارا:
– لاه لاه مش ديْ, جبلها.. جبل الجملة دي جولتي ايه؟.
لتبتسم سلافة وترد بمشاغبة:
– آه.. يعني عاوزني أعيد الشريط من الأول؟!..
ليجيب غيث بنفاذ صبر ورجاء:
– ايوة يا سلافة.. هاتيه من أوله.. من آخره.. م إمهم.. المْهِمْ تجوليها تاني!.
تصنعت عدم الفهم وقالت:
– بردو مش فاهمه..
ليتركها بحنق طفولي وهو يهتف:
– انتي بتجلعي عارفك أني زين, جال ماعرفاشي جال!, طب عيني في عينك إكده؟..
لتبتسم بخبث فما كان منه الّا أن نفخ بضيق واستدار ليهمّ بالانصراف عندما اقتربت منه كالنسمة الطرية وهمست بخفوت بجانب أذنه:
– حبيبي..
ليتسمر في مكانه بينما خرجت راكضة وهي تهتف ضاحكة:
– اعمل انت شاي تاني بقه دا أكيد بِرِدْ!!..
————————–
في الصباح اتصلوا بالمحامي الذي أخبرهم بأنه قد تقدم بطلب للطعن في الحكم بقضية سامح وأنه سيوافيهم بالمستجدات أولا بأول, فقرروا الذهاب لتناول الغذاء قبل رجوعهم الى البلدة..
كانوا يتبادلون أطراف الحديث عندما جاءت سلافة مكالمة هاتفية من المحامي يخبرها بخبر زلزلها.. فقد وُجد سامح مقتولا في زنزانته!!..
ارتمت سلافة على المقعد خلفها وهي تنهار في بكاء حار حيث هرعوا ما ان سمعوا بالخبر الى المحامي لمعرفة التفاصيل, قال المحامي بأسف:
– للأسف واحد من المحكوم عليهم بالاعدام اتخانق معاه وراح ضربه بسكينة كان سرقها من مطبخ السجن!..
سلمى بانهيار:
– ازاي؟, ازاي يحصل حاجة زي كدا؟, احنا فين احنا هنا؟, معقول احنا في مصر؟, أنا حاسة اننا في شيكاغو, وان العصابة دي مافيا من اللي بنسمع عنهم في الافلام!..
المحامي بضيق بينما وقف شهاب بجوارها مربتا على كتفها وحذا حذوه غيث لسلافة:
– للأسف هما فعلا مافيا, لكن الخوف دلوقتي بقه عليكي انتي يا آنسة سلافة!..
طالعه الجميع بقلق وريبة ليتابع بأسف:
– واضح كدا انهم عرفوا كل حاجة عنك وقتلهم لسامح دليل انهم سابقينا بخطوة واحده, وبردو انهم عارفين ان الدليل معاكي انتي, فيا ريت تخلي بالك من نفسك..
ليهتف غيث بينما تلمع عيناه بشراسة:
– طب يبجى حد يفكر بس مجدر تفكير انه يجرب منيها وجتها يجول على نفسه يا رحمن يا رحيم..
اتجه شهاب الى أخيه وربت على كتفه قائلا بصرامة:
– مش لوحدك يا أخويا, انا كمان معاك…
المحامي بلهجة محذرة:
– ويا ريت تخلو بالكم.. واضح كدا انه فيه حد مراقبكم ومش بس كدا لا.. وعارف كمان انتو بتفكروا في ايه!, محدش كان يعرف بموضوع الطعن دا غيرنا هنا, انتو اتكلمتوا في الموضوع دا بعد ما خرجتوا من عندي مع أي حد؟.
ليتبادل الجميع نظرات التساؤل والريبة ويهتفوا بالنفي في صوت واحد:
– لا ما حصلش..
يهز المحامي رأسه ويقول:
– عموما خلوا بالكم..
————————–
فتحت سلافة باب المنزل لتفاجأ به مقلوبا رأسا على عقب,فمنعها غيث هي وسلمى من الدخول ليدلف هو وشهاب ليتفقدوا المنزل وما أن تأكدوا من خلوه من أي شخص حتى سمحوا لهما بالدخول, تفاجئوا بالمشهد أمامهم, فمن الواضح أنه قد تم تفتيش المنزل تفتيشا تاما فكل شيء في غير مكانه, فالتلفاز مقلوب فوق الأرض وقد تكسرت شاشته البلازما, والمقاعد والكراسي حتى المطبخ لم ينجو من أيديهم, ووسط كل هذه الفوضى خرق الصمت السائد بينهم صوت استقبال رسالة على هاتف سلافة المحمول, لتقطب وتفتح الرسائل مستطلعة المرسل, لتفاجأ برقم غريب, ففتحت الرسالة لتقرأها لتفتح عينيها على وسعهما في ذهول لما تقرأه, انتبه غيث لحالتها فسحب الهاتف من يدها ليقرأ بصوت مرتفع:
– المرة دي إنذار بسيط.. ابعدي خالص عن القضية وانسي أنك كنتي تعرفي واحدة اسمها مريم, ولو زعلانة عليها أوي كدا.. احنا ممكن نعمل معاكي واجب ونخليكي تحصليها… وزي ما حصلها بالظبط, بس مش هتكوني لوحدك.. هيكون معاكي اللي يونسك.. أختك… الدكتورة سلمى!!..
لتشهق سلمى برعب وتحتضن سلافة بينما يتبادل غيث وشهاب النظرات التي تشي بغضبهم الوحشي ليخرق غيث الصمت قائلا بوعيد:
– وجسما بالله واللي عمري ما حلفت بيه باطل لأخليهم عبرة لمن لا يعتبر, وتار مريم وخطيبها وكل اللي ماتوا في رجبتي, ومش غيث الخولي اللي يفوت تاره واصل!..
ليعاجله شهاب وشرارات الغضب تطاير من بين دخاني عينيه:
– مش لوحدك يا غيث, ويمين بالله ما يتم فرحنا إلا لمن ناخد بتارنا يا ابن أمي وأبوي, عيلة الخولي عمرها ما تفرط في تارها مهما حصل!!..
لترفع سلافة وسلمى أعينهما إليهما بينما يشد غيث وشهاب على أيدي بعضهما, فالطريق للأخذ بالثأر قد بدأ ومنذ اللحظة, وسيأخذان بثأرهما كاااااااااااااملا !!…
– يتبع –