“كبير العيلة”بقلم احكي ياشهرزاد

بواسطة: كُتاب بيت العز - آخر تحديث: 20 أغسطس 2024
“كبير العيلة”بقلم احكي ياشهرزاد



الحلقة (29)
بقلمي/احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
استيقظ الجميع منذ بدء شروق الشمس استعدادا لليوم الكبير، زفاف أبناء عائلة الخولي، كان المنزل الكبير يعج بالناس الذي قدموا للمساعدة بكل حب لهذه العائلة وكبيرها الشيخ عبد الحميد فأياديه البيضاء تمتد لكل بيت من بيوت هذه البلدة الصغيرة في صعيد مصر، كان المنزل كخلية نحل كبيرة، الكل يريد أن يكون هذا اليوم في أجمل صورة، وهناك في غرفة العرائس حيث كانت تنام إحداهما منبطحة على بطنها فيما يتناثر حولها خصلات شعرها الأسود غارقة في نوم عميق كالأطفال تماما، بينما الأخرى تقف ممسكة بقدح قهوتها الصباحية تراقب شروق الشمس من خلف النافذة الزجاجية حيث لم تكد تنام سوى بضعة سويعات قليلة وذلك منذ أن فارقها عريسها المجنون، وبين كل فينة وأخرى تتلمس شفتيها بأناملها البيضاء الرقيقة بينما تتراوح تعابيرها بين ابتسامة ترتعش حينا ورجفة خوف تلمع بين زيتونتيها أحيانا!…
انتبهت على صوت الباب وهو يفتح لتلج أمها وهي تبتسم قائلة في سعادة:
– صباح الخير يا عروسة..
ردت سلمى التحية بينما تخضبت وجنتيها بحمرة الخجل قائلة:
– صباح النور يا ماما…
ألفت وهي تتجه إليها لتفتح النافذة على مصراعيها كي تدع أشعة الشمس تنير الغرفة:
– كويس انكم صحيتو بدري، ورانا حاجات كتير أوي انهرده…
واستدارت وهي تتحدث الى سلمى لتفاجأ بصغيرتها الشقية وهي تنام قريرة العين وكأن اليوم ليس يوما فاصلا بالنسبة لها!..
اتجهت اليها ألفت سريعا وهي تهتف:
– سلافة.. انتي لسه نامية؟… قومي يا بنتي عشان نلحق نخلص اللي ورانا..
ولكن لا حياة لمن تنادي، هزتها برفق في كتفها لتتململ سلافة في نومها وتصدر أصوات اعتراض ثم لم تلبث وأن حركت يدها يسارا ويمينا كمن يفتش عن شيء وهي مقطبة لتبتسم بعد ذلك وقد وجدت يدها ضالتها حيث تجذب الغطاء فوقها حتى وجهها!!..
حدقت والدتها فيها باندهاش لتدير وجهها الى سلمى التي تقف تطالع شقيقتها الصغرى التي لن تتغير مهما كبرت، هتفت ألفت بذهول وهي تشير الى سلافة التي لا تعي شيئا مما يدور حولها:
– بقه حد يقول أن دي فرحها انهرده؟.. ربنا يكون في عونك يا غيث يا بني..
ثم مالت على سلافة تسحب الغطاء من فوقها وهي تردف برجاء:
– قومي يا بنتي بقه ما تغلبنيش، هي دي مدرسة ولا كلية كمان بتغلبيني وأنا بصحيكي!..
فتحت سلافة عينيها ونظرت الى امها وهي لا تزال في خدر النعاس ثم أشارت بسبابتها وابهامها سوية وهي تفتحهما فنظرت أمها اليها بصرامة وهي تقول:
– لا…..، ضيقت سلافة المسافة بين إصبعيها ليكون جواب أمها الرفض أيضا، ولا زالت تضيق المسافة بين إصبعيها و
أمها ترفض حتى هتفت سلافة بتوسل:
– طيب مش عجبك شوية صوغنين أد كدا، سلفيني خمس دقايق بس وبعدين هقوم، صدقيني يا فوفو!…
هتفت ألفت في يأس في حين علت ضحكة سلمى:
– يا بنتي حرام عليكي قومي بقه، هنتأخر يا سلافة..
لتعتدل سلافة جالسة وهي تتأفف بصوت عال:
– أهوه قمت خلاص…، بينما حكت رأسها بيدها وهي تكتم تثاؤبها بيدها الأخرى، جلست ألفت أمامها فوق الفراش وقالت بحنان وهي تربت على وجنتها الحمراء من أثر النوم:
– صباح الخير يا عروسة، قومي حبيبتي اتنشطي كدا على ما أحضر لكم الفطار، ومش أي فطار.. فطار عرايس بجد، عشان تفتكروني بيه، انتم بعد كدا اللي هتحضروه في بيوتكم لأجوازكم و…..، وتحشرج صوتها ودمعت عيناها ولم تستطع تمالك نفسها لتنخرط في بكاء شديد، هرولت اليها سلمى وهي تهتف بجزع تناديها في حين اقتربت منها سلافة وهي تزحف على ركبتيها وقد طار النوم من عينيها هاتفة مع أختها:
– ماما….، لترتميا بين ذراعي والدتهما فتربت ألفت على رأسيهما وهي تقول مبتسمة من بين دموعها المغرقة وجهها:
– ما تتخضوش يا حبايبي، دي دموع الفرح، أنا مش مصدقة ان بناتي الاتنين كبروا وبقوا عرايس يفرحوا القلب وفرحهم هما الاتنين سوا انهرده، لا وايه… هيتجوزوا أخين، يعني ضمنت انكم تفضلوا مع بعض على طول ان شاء الله…
قبلت سلمى يد والدتها في حين ارتفعت سلافة لتقبل رأسها ثم قالت بمرحها المعهود لتبدد جو الحزن:
– بقه دا يوم تعيّطي فيه بردو يا فوفو؟.. وبعدين احنا ما روحناش بعيد ما احنا ناسبنا نفس العيلة اللي انتي نفسك متجوزه منها، يعني مش هنروح في حتة، على قلبك أنتي وقيس وليلى!..
ليصدح صوت يهتف بجدية زائفة مصطبغة بمرح مستتر:
– بنت!.. انت مش هتبطلي كلامك دا؟.. كبرت خلاص وهتتجوزي وبردو لسانك لسه زي ما هو؟…
التفتت سلافة الى روؤف الواقف أمام الباب وأجابت بمرح وهي تنهض واقفة مشيرة الى والدتها:
– أعمل إيه بس؟.. ليلى قلبها رهيّف قوي يا قيس، هلمّ إلى ليلاك يا قيساه!..
اقترب رؤوف منها وهو يقول بابتسامة:
– ليلاك وقيساه!!… طيب اتفضلي حضرتك روحي اجهزي عشان فرحك انهرده يا سُلفاه!…
قطبت سلافة وهتفت حانقة:
– سُلفاه!!! … لالالالا يا دكتور سلافة أهون، وخلي بالك حضرتك انهرده يوم جوازي هنبتديها بسلف؟!..
سلمى مقطبة:
– سَلَفْ؟!…، نظرت اليها سلافة مجيبة بجدية مصطنعة:
– مش سُلفاه؟!… هنستلف من أولها؟!!…
لتعلو ضحكات الجميع ويمد رؤوف يده الى سلافة فتتجه اليه ليدعو سلمى هي الاخرى حيث يحتويها بذراعه الآخر وهو يقبل رأسيهما تباعا داعيا الله أن يهبهما السعادة والرضا فيما تطالعهم ألفت وابتسامة سعيدة تفترش وجهها بينما لسانها يلهج بالدعاء لله بألا يحرمها من أسرتها الصغيرة أبدا..
**********************************************
انتهت المزينة والتي كان قد تم الاتفاق معها على الحضور من القاهرة لتزيين العروستين حيث أرسل عثمان السائق لجلبها ومن ثم إرجاعها الى القاهرة ثانية بعد أن علم برغبة بنات أخيه بإحضار مصففة شعر متخصصة في تزيين العرائس من مصر، فعرض على روؤف أرسال السائق اليها وبذلك أعفاه من دفع أجرة السفر زيادة على تكاليف المزينة، والتي اشترطت أن تأخذ الأجر مضاعفا فالمكان في بلد يحتاج الى سفر طويل، وقد أضافت تكلفة السفر والتي ما أن علم بها عثمان حتى صمم على إرسال السائق فالمبلغ الذي حددته يكفي لابتياع تذكرة طيران وليس أجرة سفر عادية عن طريق الحافلة!…
تلألأت الحديقة بالأنوار الكثيرة، كما تزينت الأشجار بصفوف من اللمبات الملونة، والتي أكسبت الحديقة ألوانا مبهرجة، كان الاحتفال الخاص بالحريم بالداخل بينما الرجال بالحديقة، جلست كلا من سلافة وسلمى على الجلسة الخاصة بالعروسين، كلا منهما على كرسي مكسو بقماش فاخر بينما خشبه مطلي بالذهب الأصفر، كانتا تتلقيان التهاني والمباركات من الجميع، في حين وقفت بجانبهما ألفت من ناحية وسلسبيل من ناحية أخرى، وكزت سلافة سلسبيل في خصرها فمالت تلك الأخيرة عليها، همست سلافة تسألها:
– إيه الأخبار؟… ، ابتسمت سلسبيل وأجابت:
– زين يا بت عمي، الفستان طلع كانُّه متفصل عشاني مخصوص، المجاس بالمظبوط يا مرَت أخويْ..
ابتسمت سلافة وقالت:
– طيب الحمد لله، بقولك يا سلسبيل.. ما تنسيش انهرده تلبسي القميص اللي جبتهولك، أوعي تلبسي حاجة تانية.. أنا أمّنتك أهو..
قطبت سلسبيل وأجابت بريبة:
– انتِه بس لو تجوليلي ليه الجميص ديه بالذات؟.. ديه أنت حتى خليتني أحلف أني معشوفوشي جبل ما ألبسه، شيلْتَهْ ابكيسَه من غير ما أفْتَحَهْ بين خلجاتي ابعيد عن يد ليث كيف ما جولتيلي.
غمزتها سلافة وقالت:
– عتعرفي الليلاديْ يا شابة.. المهم تبجي تدعيلي، أللي أني متوكّدة منيه انه جوزك عيدعي للي جابهولك لمن يشوفه عليكي، اوعاكي تجوليلو مين، انتي عارفاني باتْكِسف!..
كانت راوية تقف مبتسمة أمام الناس ابتسامة لم تصل على عينيها، خدعت الجميع بها فتوهمهم بسعادتها بزواج ولديها مع انها أبعد ما تكون من الشعور بأي مقدار ولو بسيط بهذه السعادة، وحدها الجدة فاطمة من كانت تفرأ تعابير وجهها وبسهولة شديدة، وكيف لا وراوية كانت بمثابة ابنتها فقد تربت مع ابنتها عايدة الى أن كبرت لتتزوج عايدة من عدنان شقيقها وتتزوج راوية من عثمان شقيق عايدة، فزادت محبتها لها الى أن عاد رؤوف وأسرته الى كنف عائلته مرة أخرى ووقتها رأت وجه راوية الحقيقي، انسانة حقود قلبها مليء بالحقد والغيرة، ظنت في البداية أن الأمر عائد لترك رؤوف لشقيقتها ولكن زينب نفسها لم تحمل بقلبها أي ضغينة تجاه ألفت، بل أن علاقتها بألفت تتسم بالاحترام والود المتبادل، وبعد تفكير عميق وومضات أضاءت لها من الماضي علمت أن راوية غيور من ألفت، فرؤوف لم يكن بالنسبة اليها ابن عم وعريس أختها المرتقب، كما أنه لم يفضل ألفت على زينب بل أنه فضّلها على راوية نفسها!، تمتمت بينها وبين نفسها وهي ترى النظرات المسمومة التي ترميها راوية باتجاه حفيدتيها ظنّا منها ألا أحد يراها:
– أني واعيالك زين يا مرت ابني، هصبر عليكي يمكنك ترجعي لعجلك، لكن صدجيني لو جلِّيتي عجلك ولا وزّك شيطانك تعمِلي حاجة إكده ولا إكده ما عيجوفلاكيش غيري أناه….
ومن ثم اتجهت الى العروستين لتقبلهما وتحتفي معهما بالضيوف….
كانت النظرات تنصب فوق سلمى وسلافة اللتان أسبغت عليهما فستاني الزفاف جمالا يفوق الوصف، بينما تجلّت سلسبيل بعباءة خمرية موشية أطرافها بنقوش كبيرة على شكل وردات مذهبة، فيما تركت شعرها يسافر خلفها وكانت قد اهتمت المصففة به فكانت المفاجأة أنها قد صبغته بلون البندق فيما لونت عدة خصلات باللون العسلي، وقصّت أطرافه من الجانبية لتتهدل غرّتها مدرجة على جانبي وجهها، فأكسبتها التسريحة الجديدة ولون الشعر فتنة طاغية مظهرة بياضها الملحوظ حتى أن بعض الحاضرات لم يعرفنها واتجهن يتساءلن عنها، حيث لم يتركن سيدة في الفرح لم يسألنها حتى ان عايدة حماتها لم تسلم من أسئلتهن وحينما استفسرت منهن عن سبب الاهتمام بسلسبيل ردت احداهن انها تفتش عن عروس لابنها الذي يرفض الاقتران بأي من بنات عائلته فهو قد درس بالخارج، ولكنها اكيدة أنه ما أن يرى هذه الفاتنة فأنه سيوافق لا محالة!… فأجابت عايدة وهي تضحك أنه لا بد من موافقة من ولي أمرها… لتفاجئهن أن هذه الفاتنة ما هي الا سلسبيل زوجة ابنها وشقيقة العريسين!…
صدح صوت المزمار عاليا وتعالى صوت ضرب النار إيذانا ببدء الزفة، تم زف شهاب وغيث فوق صهوة الخيل وقد ارتدى كلا منهما الزي الصعيدي التقليدي متقلدين عمامة الرأس الشهيرة، وبدأ الحفل برقصهما فوق الخيل، ثم التحطيب حيث أمسك كلا منهما بعصا غليظة وعلى نغمات الربابة والناي بدآ بالمقارعة بالعصيان، لينضم اليهما باقي الشباب، وصدح صوت المنشد بأغاني الفرح المعروفة في الصعيد وهكذا الى أن انتهى الاحتفال بعد منتصف الليل، لينصرف الحضور كلا الى داره، ويتجه العريسين الى الداخل لرؤية عروسيهما للمرة الأولى هذه الليلة، فقد كان المنزل يعج من الداخل بالنساء فلم يستطيعا الدخول إليهما سوى الآن بعد أن رحل الجميع…
وقفت كلا من سلافة وسلمى تتجاذبن أطراف الحديث مع ألفت، وبعض الهمهمات حولهما من سلسبيل والجدة ليسود السكون فجأة فتشحب سلمى بينما تبتلع سلافة ريقها بصعوبة، فقد علمن أن عريسيهما قد دخلا!!!…
مالت سلافة على أذن سلمى تهمس بوجل:
– هي الدنيا برّدت كدا ليه؟…
نهرتها سلمى بهمس:
– هشششش ، مش وقتك دلوقتي!…
اقترب شهاب من سلمى ليقف أمامها يطالعها مسحورا، لم يستطع أن يبعد عينيه بعيدا عنها منذ أن دلف الى المنزل وشاهدها تقف بمثل هذا الجمال والفتنة، أحنى رأسه قليلا مقبلا جبهتها وهو يهمس لها بحب وشى به جميع خلجات وجهه:
– مبروك يا سلمى…
تمتمت بصوت ضعيف ففهم أنها ترد عليه تهنئته، لتتسع ابتسامته ويتأبط ذراعها لتتعالى زغاريد الفرح من سلسبيل والخادمات في حين نظرت فاطمة الى راوية التي قالت بتمثيل متقن ولكنه لم ينجح في خداع فاطمة:
– ماعارفش.. صوتي رايح إكده زي ما ايكون داخلني برد..
أشاحت فاطمة عينيها بعيدا عنها ولم تعلق ليسقط نظرها على حفيدتها الصغرى وهي تسدل رأسها ألى الأسفل في خجل، بينما تقدم منها غيث حيث رفع ذقنها الصغير بطرف سبابته لينظر في عينيها متمتما قبل أن يميل عليها مقبلا جبهتها متأبطا ذراعها بدوره….
اتجه كل زوجين الى طابقهما في حين لحقهم صوت الجدة يقول بفرحة طاغية:
– صينية العشا حداكو فوج، لو عاوزين حاجة ابجوا شيعوا لنا..
فقد رفض كلا من شهاب وغيث أن يصعد معهم أي من أهلهم فاكتفى رؤوف بتهنئة ابنتيه وزوجيهما هو وألفت قبل أن تتجه كلا منهما برفقة عريسها الى منزلها الجديد….
————————–———————-
تأفف ليث بغيظ وهو ينظر الى باب غرفة النوم حيث يجلس في الصالة الصغيرة الملحقة بجناحه، يشعر بالضيق من تهرب سلسبيل منه منذ عودتهما من قنا، هو ليس بغر ساذج فسلسبيل تتعمد الابتعاد عنه، أسبوع الآن وهي لا تنام في غرفتهما ملازمة غرفة ولديها متعللة كل ليلة بسبب مختلف، فمرة ابنها يشعر بالمرض فلا بد لها من ملازمته، وأخرى تنام قبل عودته وإذا ما حاول ايقاظها تتعلل بشعورها بالتعب، وآخرها الليلة السابقة حيث كان يعد الدقائق والثوان كي يحتويها بين أحضانه يبثها أشواقه بعد أن شاهدها قبيل ذهابها للاحتفال بالحنة، وقد ذهبت بعقله من شدة جمالها، وما أن عادا حتى قبلته قبلة سريعة على وجنته وهي تهمس له بأنها تشعر بالاجهاد الشديد وأنه لا بد لها من نيل أكبر قسط من الراحة فهي منذ الصباح الباكر ستكون برفقة ابنتي عمها لتحرمه من رؤيتها في زينتها الخاصة بحضور الزفاف، وما زاد ناره تلك الكلمات التي ألقتها أمه على مسامعه بالأسفل قبل صعوده إليها من أن زوجته قد سرقت العيون حتى أن بعض النسوة قد تقدمن يخطبنها بل أن واحدة منهن ذكرت أن ولدها يأبى الزواج ولكنها تقسم أنه أن رآها فهو سيوافق في التو واللحظة!..
ضرب قبضة يده اليمنى براحته اليسرى وهو يغدو ويروح نافخا بضيق، تبًّا.. كيف تنظر أخرى الى زوجته هو بعين خاطبة لها لغيره؟.. بل كيف يتجمع اسم سلسبيل مع ذكر رجل آخر وان كان عرضا وبدون علم هذه السيدة الجاهلة بمن تكون سلسبيله؟.. نار تزداد في جوفه، رمق الباب حيث تختفي سلسبيل وراءه بحنق حين قرر الدخول اليها وليكن ما يكون وعندها رأى الباب وهو يفتح لتخرج منه عروس ملفوفة في طيات كثيرة من قماش أبيض هفهاف فتسمر واقفا يطالعها بينما تقترب هي ببطء حتى وقفت مكانها!..
شعر ليث بأنفاسه وقد سُرقت منه، ليقف فاتحا فاه مبهوتا مما يراه أمامه!… فلم تكن تلك الحورية التي تقف أمامه تطالعه بنظرات خجل وحياء في حين يرسم وجهها آية كبيرة من آيات الفتنة والجمال.. لم تكن هي سلسبيل زوجته، بل كانت عروس قادمة من كتاب ألف ليلة وليلة!…
لاحظت سلسبيل تصنمه في مكانه، فشدت أزرها واقتربت منه بضعة خطوات بطيئة ولكنها واثقة لتقف على بعد خطوات منه وترفع رأسها لتنظر إليه بكل الحب الذي تكنه له وهي تهمس بصوت ناعم:
– مبروك يا عريس!..
وكأن لقدميه إرادة خاصة بهما إذ تقدم إليها ليقف أمامها ثم مد أصابعه لترسم ملامح وجهها على الهواء وهو يرد بذهول فيما اختلجت تفاحة آدم البارزة في عنقه:
– معجول!… عرُوووسة!… انتيْ… انتي عروستي الليلادي يا سلسبيلي.
رفعت وجهها اليه لتطالعه بالشوكولاته الذائبة في عينيها المكحلتين باللون الاسود بينما تحركت شفتيها المخضبتين باللون الأحمر القان لتسلب أنفاسه بينما تهمس له:
– سامحني يا واد عمي، حرمتك من فرحتك بعروستك، ماحدش يستحج يفرح بعروسته جدِّيك، الليث هو اللي يستج عروسة تليج بيه ابصحيح، مش إكده يا ولد عمي؟..
رفع يديه ببطء لتحط على كتفيها وأجابها بينما كان يتجول بعينيه عليها يلتهم كافة تفاصيلها في هذا الفستان الذي سرق أنفاسه بدءا من كتفيها المكشوفتين حيث كان الفستان عار الأكتاف، نزولا الى خصرها حيث يضيق الفستان ثم ينسدل على اتساع حتى الأرض بينما غطت شعرها بطرحة بيضاء انسدلت خلفها فلم يظهر سوى غرتها التي انسدلت حول وجهها، تكلم ليث بصوت مبحوح قائلا:
– أسامحك؟.. أسامحك على حلم عمري اللي حججتيه!.. أسامحك أنك وافجتي تتجوزيني؟.. أسامحك إني أخيرا بجه من حجي أني أنضرك من غير حاجة تمنعني؟.. أني بجه من حجي اني أخدك بين دراعاتي وأحس بنفسك على وشِّيْ!.. أسامحك؟.. سلسبيلي.. الليث عمريه ما كان يتوجع انه عروسته هتكون جطعة من الجومر إكده، أني مش امصدج اللي اني شايفه، أني متوكد دلوك ان ربنا راضي عني عشان رزجني بيكي، انت هادية من ربنا يا سلسبيلي، أني مش جادر…
كان أثناء حديثه يقربها منه شيئا فشيئا فيشعر بطراوة جسدها بين يديه ليبتر عبارته ملتهما شفتيها في قبلة عميقة حملت كل شوقه ولهفته وعشقه الأبدي لسلسبيله…
————————–————————
جلست سلمى بفستانها فوق الأريكة الموضوعة في غرفتهما، كانت تعقد يديها في حجرها ناظرة اليهما حين سمعت شهاب وهو يناديها ثم دخوله اليها، وقف على مقربة منها وهو يتحدث بصوت أجش:
– انتي لسه مغيرتيش هدومك؟..
لتنهض واقفة وهي ترمقه بنظرات خاطفة وتجيبه:
– أصلي خفت لا تكون عاوز حاجة من الاودة قبل ما أغيّر.
تقدم منها حتى وقف أمامها تماما ورفع يده لينثر أطراف طرحتها البيضاء الى الوراء فتظهر فتحت عنق فستانها الواسعة على هيئة مربع حيث ظهرت عظمتي الترقوة اللتان سحرتاه، ابتلع ريقه بصعوبة بينما يجول بعينيه عليها من قمة رأسها حيث تجمع شعرها في شنيون رقيق أعلاه بينما تهدلت بعض خصلاته الكستنائية حول وجهها، مرورا بذراعيها المكشوفتين حيث كان الفستان بكم قصير الى المرفقين، ويضيق من الأعلى ثم يتسع الى الاسفل بطبقاته المتعددة من الشيفون حتى قديمها الصغيرتين في حذائها الساتاني المرتفع….
مرر أصابعه بطول ذراعيها المكشوفتين لتشعر بقشعريرة تمر بجسدها، فارتدت الى الخلف بسرعة لتدوس على ذيل فستانها فكادت تقع لتتلقفها ذراعيه مانعا سقوطها ضاما خصرها الدقيق اليه، شهقت سلمى في دهشة وخجل وتخضب وجهها حياءا وهربت بنظراتها بعيدا وهي تقول بخفوت واضطراب محاولة دفعه بعيدا عنها:
– طيب لو.. لو مش عاوز حاجة من هنا.. أنا عاوزة أغير هدومي….
ليجيبها الصمت التام، رفعت عينيها اليه لتهالها النظرة التي توسدت عيناه، نظرة جعلت دمها يسيل ساخنا في أوردتها، وتكاد الدماء تطفر من وجهها، بينما اشتد ضغط ذراعيه عليها، فهمست في شبه رجاء وهو يضغطها أقرب اليه بينما افترشت راحتيها صدره العريض محاولة ابعاده:
– شـ… شهاب أرجوك….
لهتف مقاطعا لها في شبه توسل:
– أرجوكِ إنتي….
ويهبط على ثغرها مقتنصا شفتيها في قبلة ملتهبة فيما رفع احدى يديه ليجذب دبابيس شعرها فينطلق الى الاسفل فيدفن أصابعها بين طياته متلمسا نعومته مستنشقا عبيره الذي طالما حلم به، تائها في عالمها هي غير واع لتلك الغزالة التي ترفرف بين ذراعيه محاولة الفكاك منه، ولكن الشوق كان قد استبد بشهاب فلم يعي سوى أن حبيبته هنا أخيرا.. في المكان الصائب تماما.. في أحضانه وبين ذراعيه، يلمسها بيديه ويستنشق عبير أنفاسها!!…..
ابتعد عنها بعد مدة طويلة ليطالع وجهها الذي غدا كثمرة الفراولة الناضجة بينما تحمل شفتيها المنتفختين علامة اجتياحه لها همس بأنفاس لاهثة وهو يسند جبهته الى جبينها الأبيض فيما كانت هي تحاول التقاط أنفاسها الهاربة:
– غيري هدومك واتوضي عشان نصلي ركعتين السنة..
وانصرف سريعا قبل أن يكمل ما بدأه بينما ابتسمت ابتاسمة ترتعش وهي ترفع أصابعها تتلمس موضع قبلته هذا أن أمكن تسمية هذا الإعصار الذي اجتاحها بـ…قبلة!!…
استبدلت سلمى فستانها بثوب النوم الأبيض، عبارة عن قميص طويل من الشيفون يزينه طبقة من الدانتيل من ناحية الصدر ذو حمالات رفيعة للغاية وفوقه روب من نفس قماش القميص، وارتدت فوق ثيابها اسدال الصلاة واتجهت للحاق بشهاب..
كان شهاب في انتظارها بالخارج وما ان رآها حتى اتجه من فوره اليها وسحبها وهو يتجه الى غرفة صغيرة أخرى بها أريكة وسرير صغير فردي والتي هي غرفة الأطفال فيما بعد…
وقفا لتأدية ركعتي السنة يؤمها شهاب وبعد أن انتهى وضع يده فوق جبهتها وقرأ دعاء الزواج” اللهم أني أسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما جبلت عليه”.. وختم بالصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام..
نظر اليها لتفتنه في هيئتها باسدال الصلاة حيث اختفت شعراتها وحده وجهها الظاهر كالبدر في ليلة تمامه، وضع راحته على وجنتها وهمس:
– سبحان الله…، أسدلت سلمى عينيها في حياء وهي تقضم شفتها السفلى، لينزل بابهامه فيبعد شفتها عن براثن أسنانها اللؤلؤية الصغيرة وهو يميل عليها كالمغيب بينما يقول بهمس خشن:
– أخيرا يا سلمى، من أول مرة شوفتك فيها وأنا بحلم باللحظة اللي هتكوني فيها ملكي وبين إيديا… أنا مش مصدق، قوليلي اني مش بحلم!..
لا تعلم أي شيطان تلبسها ففي الغالب هو شيطان سلافة لتقرصه بقوة بغتة فيصيح متعجبا بينما تجيبه بضحكة مكتومة:
– عشان تصدق انه مش حلم!…
ليطالعها في خبث ثم ينهض فجأة واقفا على قدميه مشرفا عليها من أعلى فترفع رأسها اليه في دهشة وتساؤل لم يطول حينما انحنى عليها ليرفعها اليه وهو يحملها بين ذراعيه قائلا بخبث وهو يراقص حاجبيه في مكر:
– لا أنا عندي طريقة أحسن من دي بكتيير تخليني أصدق أنه مش حلم!…
لتحدق فيه بوجل وريبة ولم تلبث أن شهقت في خوف ودهشة وهي تراه يلقي بها فوق الفراش الصغير ويرمي بنفسه فوقها مردفا:
– بيتهيألي الأودة هنا أحسن، صغيرة وملمومة، وسريرها على قدنا مش هتعرفي تفلتي لا هنا ولا هنا..
همت بالكلام ولكنه قاطعها مبتلعا كلماتها مغيبا اياها في عناق طويل بينما امتدت يده لتطفأ ضوء المصباح المجاور لهما…
————————–————————–
طرق غيث باب غرفة النوم عدة مرات وهو ينادي سلافة هاتفا:
– كل ديه يا سلافة ولسّاكي بتغيري اتيابك؟.. بجالك جُرب الساعة دلوك ابتعملي ايه كل ديِه؟.. انتيْ لو كونتي بتتسبحي كان زمانْكي خلَّصتيْ من زمان!..
لتجيبه بحنق من خلف الباب:
– جرى ايه يا غيث انت هتعد عليا الوقت ولا إيه؟.. براحتي، هطلع وقت ما أخلص، اسكت بقه عشان ما اتأخرش!..
ليحدق في ذهول محدثا نفسه بعدم تصديق:
– باه… كل ديه ومعتتأخرش؟.. أومال لو رايدة تتأخر هتخلص ميتة على إكده؟…
ليبتعد ويجلس على الأريكة المواجهة للباب وهو يعض على أنامله غيظا وقهرا من هذا الشيطانة الصغيرة، لن ينسى أبدا ما أصابه حين أغلق باب المنزل خلفهما، وقف يطالعها في حين انزوت هي بعيدا عنه تسترق اليه النظرات في ريبة ووجل بينما يبادلها النظرات بأخرى غير مصدقة أن ذلك الملاك الذي فتح له الباب حيث صعد للسلام على عمه عند قدومه للبلد أول مرة والذي أسره منذ اللحظة الأولى، هذا الملاك هو ملكا له الآن، يقف أمامه على بعد خطوات منه، يكفي أن يمد يده ليلمسه ليتأكد أن حبيبته التي خطفت أنفاسه حقيقة تتجسد أمامه، لم يصدق عيناه، أخيرا هي وهو بمفردهما ويجمعهما سقف واحد!.. هل هذه هي عروسه التي كاد أن يجن لأجلها!..
نعم.. ها هي تقف أمامه محاطة بطبقات من القماش الأبيض الذي يكسوها بدءا من جذعها العلوي حيث يلتصق بحناياها الأنثوية، ويتسع في الأسفل مشكلا حلقة كبيرة حولها، بينما ذراعيها البضتين يخطفان عيناه فكميّ الفستان قصيرين للغاية لا يكادان يتعديا الكتفين، بينما طرحتها البيضاء تنسدل بطولها وتفترش الأرض بعيدا عنها بعدة أمتار!!..
تقدم منها وهي لا تزال واقفة في مكانها تطالع تقربه منها بريبة، بينما يتساءل بينه وبين نفسه.. هل هذه هي التي ناغشت قلبه بشيطنتها حتى أصبح عبدا في محراب عشقها لا يتنفس الا هواها؟.. مالها تنتفض هكذا كالريشة في مهب الريح؟..
ليواصل تقدمه منها بخطوات بطيئة بينما وقفت هي في أقصى الغرفة تحيط جسدها بذراعيها، تسترق النظر اليه بخوف ووجل، أين ذهب لسانها الآن؟.. لقد تحدّته أنه لن يستطيع إتمام الزواج كما أراد وقبل تحدّيها مؤكدا لها أن زفافهما سيتم لحظة نجاة ليث شرط أن الفائز يكن له ما أراد.. وهو أرادها هي!!.. تقف متطلعة إليه في ريبة، في حين يقف مواجها لها الآن، تكاد تراها في عينيه، تستشعرها في الشرارات التي تصدر منه وهو يطالعها في سكون بينما تخرج أنفاسه الساخنة تلهب وجنتيها!!..
مد إصبعه ليزيح جانبا خصلة طويلة من شعرها أحاطت بوجهها، فحاولت إبعاد وجهها عن ملمس يده الخشنة، فما كان منه إلا أن ثبت عنقها من الخلف بيده بينما رفع ذقنها بيده الأخرى ثم نظر في عينيها ليتيه في ليلهما السرمدي ليتحدث بصوت خفيض هامس متحشرج ينبأ بعاصفة هوجاء لا تبق ولا تذر ستجرفها في إعصار عشقه لا محالة، همس قائلا:
– مبروك يا عروسة!!..
هربت بعينيها بعيدا بينما سلّط نظراته على شفتيها اللتين تلمعان بلون ثمرة الفراولة الطازجة.. تستفزاه ليسارع بقطفهما، لعقت شفتيها بلسانها لترطب حلقها الجاف وتحدثت بصوت مضطرب خافت قائلة:
– الله.. الله يبارك فيك…
كان قد عقد العزم على أن يمهلها الى أن تعتاد عليه وعلى عشقه اللا متناهي لها، ولكنه لم يستطع الصمود!!.. تلك الجنية الصغيرة قد ذهبت بعقله، فوجد نفسه لا يستطع الانتظار ولو لدقيقة واحدة، يقسم أنه سيموت إن لم يتذوق رحيق شفتيها والآن!.. هو لا يستطيع الصبر أكثر من ذلك، فما هو إلا عاااااشق حتى النخاع.. يشعر بدمائه تجري حاااارة.. سااااخنة في عروقه، تلهب سائر جسده، وسيكون ملعونا إن لم يطفئ هذه النيران بعذْب حبها، فإما أن تنجح هي في إطفاء نيرانه أو ينجح هو في إشعال نيرانها!!…
لينال أخيرا ما كاد يموت شوقا إليها، محتويا خصرها الضامر بين جوانحه، معتصرا جسدها بين ذراعيه، متذوقا لرحيق شفتيها، كان غائبا في لذة عناقها العذب غير واعي لرفرفتها كالعصفور بين يديه، حتى إذا انتبه وابتعد عنها تاركا لها حرية التنفس أخيرا، شهقت عاليا طلبا للهواء، ثم ناظرته بليل عينيها الذي خطف أنفاسه، حاول تهدئتها وهو يرى شحوبها الواضح، فهو لا يريجها خائفة، بل يريدها راغبة.. مشتاقة… لتتذوق حلاوة اللحظة التي تجمعهما الى الأبد…
أجبر نفسه على الابتعاد عنها وهو يطلب منها بصوت خشن أن تذهب لاستبدال ثيابها وهو سينتظرها، ومن وقتها وهي تحبس نفسها في الداخل تاكرة له وشوقه إليها يكاد يرديه قتيلا في الخارج!!…
صوت تكة بسيطة في قفل الباب جذبت انتابهه ليراها تخرج وهي تتغطى من أعلاها ألى أسفلها باسدال صلاة وردي، وقبل أن تتكمل سبقها قائلا بلهفة:
– ثواني… هبدل اتيابي وأجي عشان نصلي ركعتين…
أنهى صلاته التي تلاها بصوت كله خشوع ثم قرأ دعاء الزواج وقبل أن ينهض من مكانه كانت هي قد سبقته ودخلت الى الغرفة حيث صلّى بها في غرفة الجلوس، وما أن لحقها حتى كانت تغلق الباب خلفها وتوصده بالمفتاح، وضع يده على مقبض الباب وهمس:
– سلافة.. افتحي الباب…, ولكنها رفضت قائلة بجدية مصطنعة:
– معلهش يا غيث، تعبانة وعاوزة أنام، تصبح على خير..
ليحدق ببلاهة في الباب الخشبي أمامه وهو يردد بخفوت:
– تصبح على خير!!!..
ليحرك مقبض الباب عدة مرات وهو يهتف بصوت أعلى قليلا:
– بجولك إيه يا بت عمي، أني كومان عاوز أنام، افتحي الباب بجاه!..
كانت سلافة قد خلعت اسدال الصلاة ليظهر قميصه نومها الأبيض الشيفون قصير للغاية فوق الركبة، بحمالة رفيعة وفوقه روبه من نفس القماش ومطرز بالدانتيل وحبات اللؤلؤ عند منطقة الصدروعلى الأكمام بينما ياقته مزدانة بكشكشات من الشيفون….
لم ترد عليه واكتفت بتمشيط شعرها ووضع بضع قطرات من عطرها الجذاب وهي تقول في نفسها أنها عروس ويجب أن تدلل نفسها، اتجهت للنوم فوق فراشها الوثير حين سمعته يسألها من وراء الباب أين تنتظر منه أن ينام فأجابته بكل ثقة:
– عندك أودة الضيوف يا غيث، معجبتكش انزل الجنينة تحت، هواها يرد الروح، تصبح على خير يا ابن عمي…
ضيق عينيه هامسا بوعيد:
– إكده يا سلافة، ماشي… انتي اللي جبتيه لروحكي!..
لم يكد يمر بعض الوقت حيث بدأت سلافة في الاستسلام للنوم حين شعرت بشيء قوي يلتف حولها ففتحت عيناها بقوة في رعب من ماهية هذا الشيء لتفاجأ بعينين تشتعلان تطالعانها بتوق شديد، حاولت التحدث أكثر من مرة وكأن صوتها قد هرب منها، وما أن استطاعت النطق حتى قالت بصوت خرج مهزوزا مرعوبا:
– غيث أنا….، ليقاطعها بأنفاس ساخنة تلهب بشرة وجهها فيما يشرف عليها مائلا فوقها:
– ولا كلمة.. اتحدتي كاتير يا سلافة، دلوك بجاه، وجتك انك تسمعي مني وبس!..
همت بالكلام حينما مال عليها ملتقطا كلماتها بقبلة نارية ليرحل معها في عالم جديد عليها لم تكن تتوقع وجوده أبدا!!!!!!!!..
————————–————————–
كادت سلسبيل أن تبكي وهي تقف تشاهد تلك القطعة الصغيرة التي بين يديها وتنقل نظراتها بينها وبين باب الحمام حيث ينتظرها ليث خلفه وكانت قد طلبت منها أن ينتظرها قليلا فلا تزال مفاجأتها له لم تنتهي لتدلف الى الحمام لاستبدال فستانها حاملة الحقيبة البلاستيكية التي تحتوي ثوب النوم الذي أهدتها إياه سلافة وجعلتها تعدها أن ترتديه الليلة، ولم تكن قد رأته قبلا، كيف ترتدي هذا الشيء الذي يطلق عليه خطأ اسم ثوب!.. رباه هي لا تعلم ما الغرض منه فهو لا يكاد يخفي شيئا؟!!.. إذن فلتخرج عارية فسيان سواء لبسته ام خلعته؟!… وبالفعل فلو لم تلبسه فإن البديل أن ترخج عارية فلم تُحضر معها الى الحمام سوى هذا الثوب وليس من المعقول أن تطلب من ليث أن يناولها ثوبا لها، وهو ينتظرها على أحر من الجمر خارج هذا الباب…
استغفرت في سرها وهي تشتم سلافة هامسة:
– أِوفك فيكي يوم يا سلافة روحيْ، بجاه ديه عاملة تعمليها فيّا؟.. لكن ان شاء الله خويْ يطلعهم منِّكي!..
ثم أردفت وهي تمسك القطعة الصغيرة بيديها تكاد تنوح:
– ودي علبسه كيف ديه؟..
صوت طرقات نبهتها تبعها صوت ليث يقول بمرح:
– ايه يا سلسبيلي انتي نمتي ولا إيه؟..
لتجيبه:
– لاه لاه.. طالعه أهاه!…
وأسقط في يدها فلبسته وهي تتحسبن على سلافة في سرها!!…
تطلعت الى مرآة الحمام غير مصدقة لما تراه، تلمست بيدها قماش القميص الذي لا يكاد يغطي جسدها ولكنه يبرزه في صورة مثيرة، من قماشه المصنوع من الشيفون والذي يشف ما تحته بسهولة ولكن بغموض فغدا كالسهل الممتنع، بلون الوردي الباهت الذي يصل الى أعلى فخذيها، يغطي منطقة الخصر طبقة من الدانتيل فوقها شريطة باللون الوردي الغامق، وإلى هنا ينتهي الثوب!!!…
أسدلت شعرها بلونه الجديد ورشت بضعة قطرات من العطر الذي أهدته لها سلمى، قبل أن تسمي بالله وتفتح الباب، لتقف متوارية خلفه وهي تنادي ليث هاتفة:
– ليث.. غمِّض عينيك!..
ابتسم ليث وشعرت بصوته أقرب وهو يقول:
– باه، احنا هنلعبو ولا ايه؟…
تكاد تبكي وهي ترجوه:
– عشان خاطري يا ليث غمّض!..
أدار ظهره اليها وأغمض عينيه وهو يقول:
– أها يا ست البنات، غمضت وعطيتك ضهري كومان..
اطمأنت وخطت خارجا وهي تتنفس براحة واقتربت منه عدة خطوات لتفاجأ به يستدير بغتة ودفعة واحدة وهو يهتف بجزل:
– أهاه.. شو..فـ… تـ.. ك!!!!
كادت أنفاسه أن تختنق وهو يراها على مثل هذه الصورة، حتى أنه لفظ كلمته بتقطيع شديد…
شهقت في خجل لتضم ذراعيها الى صدره وهي تنهره بينما يتقدم منها كالمسحور:
– أني مش جولتلك اتغمض عينيك؟.. إكده برضك يا ليث؟..
تحدث بصوت مذهول وهو يرفع يديه يمررها على أنحاء جسدها بنعومة شديدة وكأنه لا يصدق ما تراه عيناه، يخشى أن تطرف عينه فيضيع الحلم الذي يتجسد أمامه!.. قال بذهول:
– أغمض إيه؟.. أنتي ناوية عليّ الليلاديْ يا سلسبيلي؟..
هتفت سلسبيل وهي تكاد تبكي بينما اصطبغ وجهها بلون أحمر زادها فتنة:
– بعّد يا ليث، أني عروح أجيب لي حاجة تانية أغير الخلجات ديْ!..
وما أن همت بالمرور من جانبه حتى سارع بالقبض على ذراعها يقربها اليه بينما ذراعيها تضمان جسدها لتخفي مفاتنها البارزة له فيما قال بصوت أجش:
– تغيري إيه؟.. يمين بالله ما انتي جالعاه، واذا عاوزة تغيريه ماحدش عغيرهولك غيري!!..
شهقت عاليا في حين امتدت يده يبعثر خصلات شعرها حولها وهو يتابع بذهول:
– انتي اعملت كل ديه وجت ايه؟…، أسدلت عينيها لتجيبه بهمس:
– انهاردِه.. المزيّنة اللي جات عشان اتزوج العرايس هي اللي عِملت لي اكده…
اقترب منها حتى اختلطت أنفاسهما وقال ويداه تمتدان لتطوقان خصرها بينما يمس بشفتيه صدغها لتغمض عينيها حيث بدأت تتوه في عالم ليثها:
– الجمال ديه كلاته ملكي وبس…
لينحني فجأة يضع ذراعا أسفل ركبتيها والآخر خلف كتفها يرفعها عاليا وهو يردف:
– الليلة فرحك يا أحلى عروسة في عيلة الخولي…
اتجه بها الى الفراش حيث وضعها بنعومة وسط أغطيته الناعمة ثم مال عليها ليهمس أمام شفتيها:
– جوليها يا سلسبيل.. رايد أسمعها من خشمك اللي كيف خاتم سليمان ديه…
ابتسمت بنعومة وهمست وهي تحيط عنقه بذراعيها تاركة مفاتنها تظهر أمامه بوضوح وقد علمت ما الذي يريد منها قوله:
– بحبك.. بحبك يا ليثي!…
ليزمجر بخشونة ومجرة ليث قد قتله العشق وأضناه الشوق إلى أنثاه ويهبط اليها ليحملها معه إلى العالم الذي لم يسبق لها وأن اختبرته قبلا مع غيره… عالم ليثها وحده!!…
– يتبع –




86392 مشاهدة