كبير العيلة
الحلقة (34)
بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
جلست الجدة فاطمة تسبح الله على خرزات مسبحتها الخشبية التي تصل الى تسعة وتسعون خرزة تحمل كل واحدة منهن إسما من أسماء الله الحسنى، تقدمت منها ألفت تحمل كوبا من عصير الليمون ومدته اليها قائلة بحنان:
– اتفضلي يا حاجة اشربي كوباية اللمون دي، هتهديكي وتخليكي تقدري تقفي على رجليكي، من ساعة اللي حصل وما فيش حاجة دخلت بطنك ولا المايّه حتى!….
تناولت فاطمة كوب الليمون من يدها ووضعته على الطاولة الصغيرة بجوارها وهي تتنهد قائلة:ط
– ومين اللي لُه نِفس ياكل ولا يّشرب يا بتِّيّ؟.. ديه سلسبيل.. فرحة العيلة ونوارة الدار اهنه وحدا عمّها… ربنا ما يصيبني فيها بشرّ أبد….
أمّنت ألفت التي جلست على المقعد بجوار الجدة، ثم قالت:
– ان شاء الله هتقوم منها على خير، أنا لسّه مكلمة رؤوف بيقول لي في العمليات وان شاء الله خير…
سلافة بحزن:
– انا مش مصدقة!.. دي كانت بتضحك وبتتكلم وقامت عشان تجيب لها هي وسلمى كوبايتين ينسون، مرة واحدة كدا؟.. هي صحيح كانت بتشتكي من بطنها لكن مش بالصورة دي!.. نزيف!!… أنا مش مصدقة!…..
كانت سلمى تجلس في جمود تام، وما أن انتهت شقيقتها لامن تساؤلها حتى نهضت واقفة واتجهت الى خارج غرفة الجلوس حين نادتها أمها تسألها الى أين تذهب فوقفت ونظرت اليها واجابت:
– ما هو أصله ما ينفعش يا ماما احنا نفضل قاعدين هنا حاطين ايدنا على خدنا، انا هروح لهم المستشفى وأطمّن بنفسي، ما تنسوش اني دكتورة والمفروض اني كنت روحت معهم هو شهاب بس اللي رفض وبابا وافقه…
ألفت بهدوء:
– يا بنتي جوزك معاه حق انتي حامل وتعبانه، عموما لو يريحك انك تروحي.. ما فيش مشكلة.. انما هتروحي ازاي؟..
سلمى بجدية:
– هآخد راجح الغفير هو أكيد يعرف المستشفى انا مش هقدر أسوق وانا في حالتي دي، هخليه يوديني…
هتفت الجدة بلهفة:
– خوديني امعاكي يا نضري…
اتجهت اليها سلمى ومالت عليها تقبل رأسها ثم قالت بعطف:
– ما ينفعش يا ستو، صحة حضرتك ما تستحملش… انما انا أول ما اطمن عليها هطمنكم على طول ان شاء الله.. أنا هروح أجهز نفسي…
انصرفت سلمى في حين قطبت ألفت متسائلة:
– صحيح راوية فين؟؟…
لتنقلب تعابير وجه الجدة فيما تعتلي تكشيرة كبيرة وجه سلافة، أجابت فاطمة باقتضاب:
– تلاجيها افـ دارها يعني عتكون فين…
ثم نظرت الى ألفت وأردفت:
– إلّا بالحاج… فين وردة وأم علي ما نضرتهومش من البارحة؟..
ألفت وهي تهز كتفيها علامة الجهل بالجواب:
– والله يا حاجة ما عارفة، حتى لما روحت المطبخ عشان أقول لواحده من الخدامين تعمل لحضرتك اللمون ما لاقيتش حد…
قطبت فاطمة هاتفة:
– كييف ديه؟…
ليقاطع استرسالهما صوت راجح وهو يتنحنح يطلب الإذن بالدخول، فسمحت له الجدة، وقف راجح أمامها يخبرها أنه سيذهب الى منزل عدنان الخولي الذي أرسل في طلبه فأخبرته الجدة أن ينتظر سلمى ليذهب بها الى المشفى ثم سألته:
– جولي يا راجح.. فين الخدامين اللي كانوا إهنه؟.. فينها البت وردة وأم علي؟.. دولم عُمرهم ما عِملوها وهمّلوا الدار وفاتوها إكده منِّيهم لنفسيهم؟!….
أجاب راجح بصوته الخشن بينما شاربه الكث يتراقص فوق شفتيه الغليظتين:
– اللي أعرفه يا ستي الحاجة أنه صابر غفير سي ليث جِه وشحنهم كلّاتهم ولمّن سعلتو رايحين على فيين جالي أنها أوامر الليث بيه!!!..
قطبت فاطمة وهمست وكأنها تخاطب نفسها:
– واه… الليث شيّع ياخدوا الخدم من عندينا!!.. غريبة لحْكايه ديْ!!!…
احتلت سلافة المقعد الخال بجوار الجدة التي رفعت عينيها الى راجح وأردفت بحزم:
– روح انتا دلوك يا راجح استنى الدَّكتوورة سلمى عشان عتوديها المشتشفى للجماعه…
هز راجح برأسه ايجابا قبل أن ينصرف، تحدثت سلافة بريبة:
– ايه اللي يخلي ليث يا ماما ستو يبعت ياخد الخدامين من هنا؟…
فاطمة ساهمة:
– ماعارفشي يا بتِّيْ…
سلافة بجدية شديدة:
– بس أنا بقه عارفة!!…
قطبت ألفت وقالت:
– عارفة؟.. عارفى ايه يا سلافة؟..
سلافة وهي تنهض واقفة وعيناها تبرقان بقوة:
– السبب اللي يخلي ليث يلم كل اللي بيشتغلوا في الفيلا هنا انه متأكد انه اللي حصل لسلسبيل دا شيء مقصود وبفعل فاعل كمان!…
شهقت ألفت وهتفت غير مصدقة:
– ايه؟.. فعل فاعل!!!… ومين يا بنتي اللي هيكون عاوز يأذي سلسبيل ولا الليث؟.. دول كل الشغالين هنا بيحبوهم وبيحترموهم ويفدوا الحاج عبد الحميد برقبتهم!…
سلافة بسخرية مريرة:
– مش لو كان النقصود فعلا هي سلسبيل؟..
لتهتف الجدة هذه المرة متسائلة بوجل:
– قصدك ايه يا بتِّيْ؟.
سلافة بمرارة وهي تزفر بعمق:
– قصدي انه المقصود مش سلسبيل يا ماما ستُّو، اللي عمل كدا حد عاوز يأذي حد تاني خالص غيرها ولسوء حظ سلسبيل انها جات فيها!..
ألفت بقلق:
– حد زي مين يا سلافة ومين اللي له مصلحة انه يعمل كدا؟..
سلافة وقد بدأت الخيوط تترابط أمامها والصورة تتضح:
– مش هقدر أقول دلوقتي يا ماما ولا أظلم حد.. لكن لو طلع اللي في بالي صح… ، وسكتت لتكمل بوعيد:
– أنا بقه اللي هاخد بتار سلسبيل وهخلص القديم والجديد كله!..
************************** ********************
سارت سلمى بخطوات سريعة في الممر في الطابق المنشود حيث سلسبيل، لمحت الجد من على مسافة بعيدة فسارعت خطواتها حتى وصلت اليه، مالت عليه تقبل رأسه وهي تسأل بلهفة ولهاث حاد:
– طمني يا جدي.. سلسبيل أخبارها ايه دلوقتي؟..
رفع الجد رأسه فهالها شكله، كان وكأنه قد كبر فوق عمره عشر سنوات على الأقل، أجاب الجد بوهن:
– برضيكي جيتي يا بتي!..
سلمى وهي تجلس الى جواره:
– كنت لازم آجي يا جدي، المهم طمني ايه الاخبار؟..
الجد بحزن شديد وقلق على حال حفيدته:
– لسّاتها جوّه يا بتِّي.. ربنا ايجيب العواجب سليمة..
ربتت سلمى على كتفه وقالت بتأكيد:
– ان شاء الله هتقوم منها على خير يا جدي…
لمحت والدها وهو يقف بجوار عمها عثمان فاستأذنت من جدها وقامت متجهة اليه، وقفت معهما لبرهة تحاول بث الطمأنينة في نفس عمها الذي أصابه الوهن خوفا وذعرا على حال ابنته، لم تكن قد رأت شهاب بعد ليلمحها ذلك الأخير بعد عودته من مصلى المشفى حيث كان يصلي هو وغيث والليث، هرع اليها شهاب ما أن وقعت عيناه عليها، أمسك بمرفقها وابتعد بها عن والده وعمه، وهمس لها بقلق:
– خير يا سلمى.. ايه اللي جابك؟..
زفرت بضيق وقالت:
– يعني أيه ايه اللي جابني يا شهاب؟.. جيت عشان لازم أكون مع سلسبيل في وقت ز يدا.. ما ينفعش نسيبها في ظروف ز يدي خصوصا واني دكتورة يعني أكيد هتحتاجني…
قال وهو يحرك رأسه والحزن قد حفر معالمه في وجهه:
– أنا مش مصدق لغاية دلوقتي اللي حصل، ربنا يسترها..
كررت سلمى:
– ربنا يسترها، هتقوم بالسلامة ان شاء الله انا عندي يقين كبير أوي بربنا…
شهاب مؤمنا على كلامها:
– ونعم بالله…..
ثم أردف متشائلا:
– انما انتي جيتي ازاي؟..
سلمى:
– مع راجح الغفير، أنا وعمي عدنان جينا سوا، هو مع ليث دلوقتي…
حانت منه نظرة الى الليث ذلك الذي يقف مرابض أمام غرفة العمليات بينما يقف والده بجواره، صوت جلبة جذبت انتباهه ثم خروج الطبيب من غرفة العمليات ليهرع الجميع اليه وبالطبع كان في مقدمتهم الليث الذي سأل الطبيب بلهفة وقلق واضحين:
– خير يا دَكتووور طمِّنيْ…
الطبيب بزفرة عميقة:
– خير ان شاء الله.. الحمد لله النزيف وقف وما اضطرناش لاستئصال الرحم، هي دلوقتي في الافاقة وهتنزل الرعاية المركزة بعد كدا ، إذا الـ 48 ساعة الجايين عدوا على خير كدا احنا نقدر نقول اننا عدينا مرحلة الخطر ان شاء الله.. خالوا بالكم هي نزفت كتير جدا والنزيف دا أدى انه الضغط عندها ينخفض بشكل خطير، احنا حاولنا اننا نرفعه بالادوية، عموما الساعات الجاية محتاجه لدعواتكم فعلا… عن إذنكم…
ما ان انصرف الطبيب حتى فوجئ الجميع بليث وهو ينحني ساجدا لله في مكانه… شكرا لانقاذه سلسبيل روحه العذبة!.
دمعت عينا سلمى وهي ترى الليث.. ذلك الصرح الشامخ، الرجل ذو المهام الصعبة كما لقبته منذ أن اشترك معهم في النيْل من حامد رشوان.. كانت تراه كالطود الشامخ… قلبه قُدّ من حجر… لا تتذكر أنه قد سبق لها ولمحت ابتسامة له ولو عابرة!… كانت تتعجب حينما تتحدث عنه سلسبيل واصفة رجل غاية في الرقة مع محبوبته، وكيف أنه لا يتحمل حزنها او غضبها… كانت تظنها تبالغ في وصفها له.. ولكنها الآن وفي هذه اللحظة تيقنت أن هذا الرجل لا تشرق شمس حياته الا من خلال واحدة فقط…. حبيبته سلسبيل!… لم يخجل أن يُظهر فرحته بنجاة حبيبته أمام الجميع… سجد لله شكرا لإنقاذه معشوقته… علمت بل وتأكد لها أنه لو كان قد مس سلسبيل أي سوء لكان أدى ذلك إلى تصدع هذا الطود الشامخ.. بل سيكون الاختبار الاقسى الذي يتعرض له الليث والذي قد ينهار بعده ليلحق بحبيبته تماما كما في حكايا عشق الأولين!….
انتبه شهاب لدموع سلمى الصامتة، ليربت على كتفها فرفعت عينيها الذابلتين اليه فقال بابتسامة صغيرة وهو يمسح دموعها بابهامه:
– ليه الدموع دي؟.. سلسبيل هتبقى كويسة ان شاء الله…
رنت منها نظرة الى ليث الذي وقف مستندا الى الحائط المقابل لغرفة العمليات بكتفه قبل أن تجيبه وسط شهقات بكائها الخافتة:
– ليث صعب عليّا اوي هو وسلسبيل، شوف شكله عامل ازاي؟.. انا متأكده انه كان هيجراله حاجة لو بعد الشر سلسبيل كان حصل لها حاجة لا قدر الله…
مال شهاب عليها محتويا وجهها بين راحتيه رافعا وجهها اليه وقال بصدق وهو يغوص برمادي عينيه بين غابات الزيتون خاصتها:
– أكيد يا سلمى، اللي بيحب مش ممكن يتصور حياته من غير اللي بيحبه، يتمنى انه هو اللي يجراله أي حاجة بس حبيبه يفضل بخير، والهوا ما يلمسوش، أنا… أنا عارف انه الكلام دا مش وقته دلوقتي لكن حبيت أقولك انه اللي مر بيه ليث وأختي دا خلّاني أعرف حاجة مهمة أوي…
قطبت سلمى متسائلة بهمس:
– ايه هيّ؟….
مال عليها لتلفحها أنفاسه الساخنة:
– انك أهم وأغلى حاجة عندي، وأني مستعد أخسر أي حاجة وأي حد.. إلا أنتي يا سلمى… مراتي وحبيبتي والانسانة اللي خلِّيت لحياتي طعم جميل… اوعي تفكري تبعدي عني يا سلمى.. لأنك وقتها هتكوني حكمتي عليّا بالموت!!!!..
شهقة خفيفة صدرت عنها لتختفي سريعا ما أن احتواها شهاب بين ذراعيه دافنا رأسها في صدره وهو يضغطها أقر بالى قلبه مرددا مرارا وتكرارا كلمة…. أحبّك!………
************************** **********************
نظر الجد الى غيث الذي وقف أمامه يخبره برغبة الطبيب في رؤيته، قطب الجد وأجاب في قلق:
– الدَّكتوور رايدني أني يا ولديْ؟…
زفر غيث بعمق وقال:
– إيوة يا جدِّيْ.. الدكتووور رايد يتكلم امعاك…
نهض الجد بصعوبة يساعده غيث بينما يقول:
– ساعدني يا ولدي أوصل له.. لمن أشوف عاوز إييه…
————————– ————————– –
– يا حاج عبد الحميد أنا قلت لازم أقول لحضرتك الاول، اللي حصل فيه شبه جنائية، للاسف لاقينا أسبرين وبنسبة كبيرة أوي في الدم، مش قرص ولا قرصين لا يا حاج، الكمية اللي لاقيناها بياخدها يا حد عاوز ينتحر يا أما أخدها من غير علم، وأنا متأسف في الحالتين لازم بنبلغ البوليس!!!
حاول الحاج الحديث ليشعر مرة واحده بهروب الكلام منه، أسرع الطبيب بالتوجه ناحيته وناوله كوبا من الماء فشرب منه، ثم نظر اليه وقال بهدوء وان خالطه رجاء:
– أرجوك يا ولدي، انت ما يرضيكش عيلة الخولي توبجى لبانه في حنك اللي يسوى واللي ما يسواشي، الموضوع ديه لو انعرف هتجيد نار في العيلة، بترجاك يا ولدي.. اني ما عمريش اترجيت حدا واصل!!!!
ليجلس الطبيب على المقعد المقابل لعبد الحميد ويهتف بقوة فهذا الصرح الشامخ قد انحنت هامته فجأة:
– ما عاش اللي يخليكي تترجى يا حاج.. ارفع راسك يا شيخ عبد الحميد، انا عن نفسي هحاول اني أكلمهم هنا.. لكن حضرتك عارف انه دا نظام المستشفى، عموما هشوف معهم، لكن في الاول والاخر يا حاج فيه جاني حر طليق، ولازم حضرتك تعرفه.. حياة حفيدتك في خطر…. فيه حد اتعمد انه…
وسكت الطبيب ليكمل عبد الحميد بتساؤل:
– يأذيها؟….، ليجيب الطبيب بحزم:
– يقتلها يا حاج!!!!!…
ليعتلي الشحوب وجه عبد الحميد وهو يعتصر مقبض عصاه العاجية بين يديه ولسان حاله يقول:”هل سيفلت زمام العائلة منك يا كبير؟!!!!!!!!!!!!!!”
************************** ********************
ناولت ألفت صحنا به بعض الشطائر الخفيفة للجدة وهي ترجوها أن تأكلها فهي تخشى أن تقع من طولها فهي لم تأكل طيلة اليوم، قالت ألفت:
– عشان خاطري أنا يا حاجة.. الحمد لله سلسبيل ربنا نجّاها وان شاء الله شفاها يكمل على خير، خلي بالك بقه من صحتك عشان لما ترجع بالسلامة ما تقلقش عليكي…
سلافة وهي تتناول الصحن من يد أمها وقد أمسكت بشطيرة وجلست أمام جدتها وقالت بمزح:
– هاتي يا ماما انا هأكّل ماما ستو بإيدي.. ولا هتكسفي إيدي؟…
ابتسمت الجدة وقالت:
– ربنا ما يرحمني منيكوم وما أشوف في حدا منكم حاجة شينة أبد…
ناولتها سلافة الشطيرة فقضمت فاطمة ثم أمسكت بها وشرعت بتناولها، ابتسمت ألفت ثم شردت وهى تتنهد بيأس فقالت فاطمة مقطبة:
– مالك يا بتِّي ليه التنهيدة الوعرة جوي ديْ؟
ألفت بشفقة:
– من ساعة اللي حصل وراوية قافلة على نفسها بابها، انا خايفة يكون حصل لها، روحت لها من شوية خبطت عليها ما ردتيش قلت يمكن نايمة بس انا خايفة عليها فعلا يا ماما الحاجة…
أعادت فاطمة الشطيرة التي كانت تأكلها بدون أن تكملها وقالت والغموض يكسو ملامحها:
– فوتيها لحالها يا بتيّ… لمّن تحس انها رايدة تجعد امعانا هتاجي بنفسيها، ما تشغليش بالك بيها انتيْ…
هبّت ألفت واقفة بغتة وهي تهتف:
– لا يا ماما الحاجة مهما كان دي أم.. أنا هروح أعمل لها حاجة تاكلها وأوديها لها… وأطمن عليها لا يكون جرالها حاجة وهي لوحدها…
أوقفها هتاف سلافة التى هرعت في إثرها لتقف بجوارها قائلة باستنكار:
– هتروحي لغاية عندها يا ماما؟..
نظرت اليها ألفت بقوة وأجابت بحزم:
– أيوة يا سلافة، مهما كان احنا عيلة واحدة ودي أم واتعرضت انها تخسر بنتها لازم نقف جنبها أنا أم يا سلافة وحاسة بيها كويس أوي…
ثم انصرفت تراقبها سلافة التي وغزها قلبها قلقا على والدتها ثم لم تلبث أن قررت اللحاق بها كي لا تتركها بمفردها مع العقربة!…
كانت في تلك الاثناء تجلس راوية في غرفتها، كان بصرها زائغا ووجها يعلوه اللون الأصفر، كان غيث قد هاتفها يخبرها بأن شقيقته قد تم نقلها للعناية المركزة وأنهم لم يضطروا لاستئصال الرحم، كانت اجاباتها شاردة، مما جعل غيث يقلق فأسرع بانهاء المكالمة ليأتيها على جناح السرعة!….
جلست راوية وهي تحدق في الفراغ، عقلها يعمل كالمكوك وسؤال وحيد يتردد في ذهنها: “ما الشيء الذي طرأ على هذه العائلة جعل المصائب تأتيهم جزافاً؟”… ، ليأتيها الرد من شيطانها الملعون: “لم يتغير في حياتكم سوى أن دخلت إليكم.. ألفت وبناتها!!”….، برقت عيناها لحظتها ورفعت رأسها وهمست بشراسة:
– إيوه.. هي ألفت وباناتها اللي دخلوم بيناتنا وخلوا المصايب تنزل ترف على دماغيتنا، من ساعة ما جوم إهنه وما شوفناشي راحة… يبجى لزمن أتخلص منيهم…
نهضت وهي تكمل بشرّ عظيم:
– لاه… منِّيها هيّ.. أس البلاوي كلاتها… هيّْ السبب في البلاوي اللي حوصلت ديْ كلّاتها، حتى جوزي هملني وجيه في صفّهم.. انتي لازمن اتموتي.. موتك الحل الوحيد يا … ألفت الكلب!!!!..
وبرقت عيناها بشر مستطير وقد عقدت العزم على التخلص من ألفت نهائيا مرة والى الابد!!!!!!!!!!!!!!!!!
اتجه غيث الى شهاب ليخبره أنه سيذهب الى المنزل لطمأنة الجميع هناك دون أن يخبره عن حالة والدته التي أثارت قلقه عندما خابرها، قال شهاب وكان يقف بجوار سلمى:
– جدي مشي من شوية.. سلمى صممت انه يروّح لانه كان شكله تعبان أوي، راجح راح يوصّله، لو عاوز أنت كمان مش لازم ترجع أنا هفضل هنا مع الليث، حاولت مع عمي رؤوف وعمي عدنان وأبوك الحاج أنهم يروّحوا لكن رفضوا…
أومأ غيث وقال:
– امنيح.. أني كت جلجان عليه اخصوصي بعد مجابلته مع الدكتووور، أني كت امعاه لكنه صمم يجعد امعاه لحالهم ولما خرج كان شكله مهموم بزيادة ورفض يجولي ايه اللي جالوهوله الدكتوور وخلّاه حزيين جوي إكده…
سلمى بأسف:
– أنا عارفة جدي قلبه طيب قد إيه، أكيد استفسر عن حالة سلسبيل ونفسيتهى اتأثرت، عموما أنا مش هسيبها هفضل معاها، ممكن انتم كلكم تروحوا…
شهاب باستنكار:
– يا سلام!!.. أسيبك وأمشي؟!!.. أساسا لو فيه حد المفروض يروّح يبقى حضرتك ولا ناسية إنك حامل وقعدتك في المستشفى مش كويسة عليكي؟!…
نظرت اليه سلمى وأجابت بابتسامة هادئة:
– خليها على ربنا، أنا كل شغلي في المستشفى مش معقولة كل دكتورة تحمل تسيب شغلها وتقعد في البيت؟!…
تطلع غيث الى ساعته وقال وهو يتعجل الذهاب:
– طب أفوتكم أناه وهبجى أكلمك يا شهاب أطّمن على سلسبيل وحاول مع الليث يرتاح اشوي …
وانصرف ، دفع شهاب سلمى في ظهرها موجها لها ناحية المقاعد للجلوس حينما لفت أنظارهما صوت جلبة واضحة فنظرا الى جهة الصوت ليفاجئا بخروج الممرضة تهرع من غرفة الرعاية المركزة والقلق مرسوم بوضوح على وجهها، حاول ليث ايقافها ليستفسر عما حدث، أجابت الممرضة وكانت سلمى وشهاب قد اقتربا منها:
– المريضة ضغطها انخفض جدا ودخلت في هبوط حاد في القلب!!..
ليشحب وجه الجميع بينما هربت الدماء من وجه ليث وصرخ عاليا:
– يعني ايه الكلام ديه؟….
حاولت سلمى تهدئته وقالت:
– اهدى يا ليث أنا هشوف فيه ايه…
كانت الممرضة قد هرعت لمناداة الطبيب فاقتحمت سلمى الغرفة لتفاجأ بالممرضة بالداخل ترفض ادخالها فهتفت بها بقوة:
– أنا دكتورة والمريضة تبقى أخت جوزي، وعلى ما نستنى الدكتور بتاعكم يشرف المريضة ممكن تروح من ايدينا..
واندفعت الى الداخل بينما تركض الممرضة في عقبها!!!…
أمسكت سلمى بذراعي جهاز الصدمات الكهربائية ووضعته على صدر المريضة وأمرت الممرضة هاتفة:
– شغّلي..
لينتفض جسد سلمى ثم يهدأ، فصاحت سلمى بقوة آمرة إياها بزيادة تردد الجهاز، لينتفض الجسد بقوة أكثر من المرة السابقة فيما تتطلع سلمى بقلق الى جهاز رسم القلب لتفاجأ بانخفاض النبضات ثانية، فصرخت قائلة:
– أعلى!!!!!!!!!!!!….
وما زالت تحاول إنعاش قلبها بجهاز الصدمات وعينيها مسمرتان على شاشة جهاز قياس نبضات القلب حتى هتفت الممرضة في نفس اللحظة التي اندفع فيها الطبيب الى الداخل صائحا بخشونة:
– انتي فاكرة نفسك بتعملي ايه بالظبط؟….
ليقاطعه صوت الممرضة هاتفة:
– النبض يا دكتور!!!!!!!!!!…
** في نفس التوقيت بمنزل عائلة الخولي **
طرقت ألفت باب غرفة راوية وهي تحمل صينية فوقها صحنا به بعض الشطائر الخفيفة وكوبا من الحليب المحلى بعسل النحل، سمعت الأمر بالدخول، فابتسمت ودلفت الى الداخل، كانت راوية تقف مولية ظهرها الى الباب فما إن سمعت صوت دخول الطارق حتى استدارت لتقف مسمرة مكانها لثوان محدقة في ألفت بجمود تام!!….
وضعت ألفت الصينية فوق الطاولة الصغيرة واقتربت من راوية وهي تقول بحنان:
– تعالي يا راوية كّلي لقمة، انتي ما كالتيش من وقتها، الحمد لله سلسبيل ربنا نجاها، تعالي حبيبتي…
وأمسكت بيدها تحثّها على السير معها حينما لاحظت أن قبضة راوية قد اشتدت على يدها لتكون هي من يمسك بيدها لا هي، طالعته بابتسامة حائرة وقالت:
– فيه حاجة يا أم غيث؟…
راوية بفحيح غاضب بينما عينيها زائغتان تبرقان ببريق جنوني أثار القلق والوجل في قلب ألفت:
– غيث!!.. وهو فينو غيث ولا شهاب ولا حتى عتمان جوزي.. ما انتي خدتيهم كلاتهم إف صفّك انتي وبناتك، من وجت ما طبيتو حدانا إهنه وانتي طويتي الحاج والحاجة تحت باطك وسلطت بناتك على ولادي، سحروا لهم عشان يتزوجوهم!..
ألفت بنفي قاطع:
– كلام ايه دا؟.. سحر ايه وبتاع ايه؟.. استغفر الله العظيم يارب، ولادك هما اللي حبوا يتجوزوا بناتي أحنا ما غصبناش حد وما سحرناش لحد، استغفري ربك يا راوية، انا مش هزعل منك عشان أنا مقدرة حالتك كويس أوي.. وأكيد لما تهدي كدا هتندمي على الكلام دا…
راوية وهي تقترب منها وتطالعها بكراهية مخيفة:
– من جهة أني هندم.. فأني هندم صوح… عارفة هندم علي غيه؟.. هندم اني ما خلصتش منيكي اتِّي وبناتك من اول يوم جيتوا فيه إهنه!.. لكن ملحوجة يا أم البنات.. اللي معملتهوشي البارحة.. هعمله.. دلوك!!…
لتطالعها ألفت في ريبة هاتفة بحدة وقلق:
– هو ايه دا اللي هتعمليه؟…
لتباغتها راوية بالانقضاض على عنقها هاتفة بحقد دفين:
– أني أجتلك وأخلص منيكي!!…
أطبقت راوية على عنق ألفت التي حاولت التخلص من قبضتها المحكمة على عنقها ولكن دون فائدة، فراوية كانت قد فقدت البقية الباقية من عقلها وشيطانها يصوّر لها أن الخلاص من ألفت يعني الخلاص من غريمتها التي سرقت منها حبيبها سابقا والآن تسرق منها بناتها ولديْها!!!….
بدأت مقاومة ألفت تفتر وقد بدأ الهواء ينحبس داخلها، شعرت ألفت بالاختناق وبدأ اللون الأزرق بالانتشار أسفل جلدها فرفعت عينيها الى الأعلى تتلو الشهادة في نفسها حينما هبّ إعصار على راوية ينتزع قبضتها بقوة من حول عنق ألفت التي سقطت في مكانها، هرعت سلافة والتي دفعت براوية جانبا بكل قوتها الى والدتها تساندها، سعلت والدتها وبقوة، بينما كانت راوية تحاول الوقوف بعد سقطتها إثر دفعة سلافة القوية، انتبهت سلافة لمحاولة راوية النهوض فالتفتت لأمها تسألها ان كانت بخير فأومأت بالايجاب لتقفز سلافة على قدميها وتتجه ناحية راوية وهي تهتف بشراسة:
– بقه عاوزة تموتي أمي؟.. يعني مش مكفيكي اللي حصل لبنتك واللي عملتيه معايا ومع أختي جاية كمان تقتلي أمي، لكن عارفة إيه… موتك أنتي اللي حلال، وأنا يا قاتل يا مقتول انهرده يا راوية الكلب!!!!!!!!..
حدقت راوية بذعر في سلافة التي كشرت عن أنيابها واندفعت توقفها على قدميها وهي.. تجذبها من شعرها المغطى بالوشاح الأسود، صرخت راوية ولكنها لم تلبث أن حاولت الدفاع عن نفسها لتحاول دفع سلافة بعيدا، اشتبك الاثنتان تمسك كلا منهما بشعر الأخرى، ةنجحت سلافة بإسقاط راوية أرضا ثم الجلوس فوقها تكيل لها الصفعات واللكمات، وهي تردد كلمة واحدة:
– موتي.. موتي….
كانت ألفت ترتمي في شبه اغماءة فوق المقعد فلم تستطع فض الاشتباك بينهما، في حين غفل الجميع عن الصوت الجهور يالذي كان يأمرهم بالكفّ عما تقومان به!!…
تحامل الجد على نفسه واتجه الى الداخل ليصعق برؤية راوية وهي تطبق الخناق على عنق ألفت في حين تقفز سلافة فوق ظهرها لتدفعها جانبا وبقوة!، لم يتثنى له الحديث فإذ بسلافة تكمل ما بدأته من العراك فتنقض على ألفت تكيل لها اللكمات والصفعات، هتف بها كثيرا وهو يتجه الى ألفت الملقاة فوق المقعد أن تكفّ قبل أن تتسبب في مقتل راوية، ولكنها لم تكن تردد إلا كلمة واحدة:
– موتي.. موتي…
كان في حيرة من أمره أن يفصل بين هاتين الاثنتين المتناحرتين أم يهرع لنجدة ألفت ليقرر أن ألفت هي الأهم حاليا فسلافة أكثر من قادرة على الاهتمام بنفسها!!!!…
أسند الجد ألفت وقرب منها كوبا من الماء ساعدها في احتسائه، ليتركها ما أن اطمئن الى هدوء أنفاسها واتجه الى سلافة التي كانت تقف في تلك اللحظة بعد أن دفعتها راوية من فوقها تمسك بتلابيب راوية وهي تخضّها كزجاجة الحليب تشتمها بأقذع أنواع السباب، صاح الجد وهو يقبض على ذراعها محاولا الفك بينهما:
– همّليها يا بتّي عاد…
هتفت سلافة بغضب شرس وهي تمد يديها لتنزع الوشاح من فوق رأسها لتظهر خصلات شعر راوية المصفف في جديلة طويلة سوداء يختلط بها خصلات بيضاء:
– مش هسيبها الا ميتة بنت التييت دي، كفاية بقه.. اتبلت على سلمى انها مش كويسة وبتقابل كريم من ورا جوزها، وحاولت تضربني عشان شتمت أمي قودامي وانا ما رضيتش، ولما جيت أدافع عن نفسي كدبت وقالت اني أنا اللي حاولت أضربها ودلوقتي يكون جزاء أمي لمالا جات تجيب لها الأكل بعد ما صبعت عليها انها تقتلها!!!… إياك يا شيخه اللي تاكليه ينزل لك بالسم الهاري في باطنك.. يا عقربة يا حية يا كلبة يا سماوية.. حسبي الله ونعم الوكيل فيكي… واحدة واطية ودوون صحيح…
وأنهالت عليها بالشتائم والجد يحاول إزاحتها بعيدا عن راوية ولكن دون جدوى حتى فوجئت بساعدين قويين يحيطان بخصرها ويرفعانها الى الاعلى فأخذت تركل الهواء أمامها وهي تصيح آمرة من يمسكها بأن ينزلها، بينما تمد يديها أمامها تريد الامساك براوية التي انزوت جانبا تحاول جمع خصلات شعرها وتتطلع بريبة وخوف الى الجد، صوت عال صاح بسلافة آمرة:
– خلاص يا سلافة وبعدهالك يا مَرَه؟!!!!!!!!1…
لتهدأ فجأة وتستدير لترى وجه غيث الذي يقبض عليها بقوة وهو يطالعها بنظرات شديدة القسوة، أنزلها على قدميها وهو يردف بغضب ناري:
– حصّلت انك تجتلي أمي يا سلافة؟!!!!!!….
شهقت سلافة عاليا وصاحت به وهي تشير الى راوية التي تقف بجوار الحائط تجمع يديها أمامها بينما يختض جسدها بالكامل برعشة الخوف والذعر:
– وهي حلال انها تقتل أمي؟!!!…
غيث بصراخ أعلى بينما الجد تحامل على نفسه ليقف بينهما وهو يأمرهما بصوت واهن أن يكفا عن الصراخ ولكن دون جدوى:
– كدبة جديدة ديْ؟.. كيف ما كانت رايدة تُضربك وانتي كتِّي بتدافعي عن نفسك.. مش إكده؟.. أني شايفك بعينيا الجوز دولام وانتى اللي طابجه في زمارة رجبتها ونازلة شاتيمة فيها وانتى بتجوليلها موتي .. موتي!.. مش إكده يا بت عمي؟…
صاح الجد:
– يا غيث يا ولدي انت فاهامن غلط، الموضوع مش إكده!….
لتقول سلافة وقد برد غضبها فجأة:
– بعد إذنك يا جدو….، ثم وجهت كلامها الى غيث بقوة:
– يعني انت صدقت فيا اني ممكن أضرب أمك؟.. ودلوقتي صدقت اني عاوزة أقتلها من الباب للطاق؟…
هتف غيث بوحشية:
– أني صدجت اللي نضرته بعينيا التنييين دول، إيه.. فاكراني داجج عصافير وهصدج انها كانت رايدة تجتل أمك؟.. ولو كان إكده فينها أمك ديْ؟.. أني ما شايفشي…
ليبتر عبارتها وقد لمح ألفت الملقاة فوق المقعد الجلدي المنزو في ركن الغرفة ولم يكن قد انتبه اليها لدى دخوله، رفع عينيه الى سلافة في ذهول صاعق لتبادله سلافة النظر بأخرى شامتة.. آسفة… حزينة، وهي تقول:
– يا خسارة يا ابن عمي!… عموما عشان انا مش بخاف غير من اللي خلقني فأنا هقولك وبكل صراحه أني ايوة لو كنت قدرت أقتلها كنت قتلتها، الست دي لا يمكن تكون أم.. دي واحدة مريضة بالكره والحقد اللي ملوا قلبها، وانت ابنها يعني من ريحتها ومن الآخر بقه أنا مش طايقاها ولا طايقه حد من ناحيتها!..
غيث بجمود:
– يعني إيه يا سلافة؟..
طالعته سلافة بجمود ينافي العذاب الذي ينخرها من الداخل وهي تشعر أنها بكلامها الأتي وكأنها تقتطع جزءا منها.. بل هو الجزء الأثمن ولكنه هو من اختار.. هو من جعل الامور تصل بهما الى طريق مسدود، أجابت سلافة ببرود صقيعي:
– يعني تطلقني يا غيث، أنا لا يمكن أستنى على ذمتك دقيقة واحده كمان بعد كدا، الرجل اللي ما يصدقش مراته ويهينها ويمشي كلام أمه اللي كله كدب وتضليل من غير ما يحاول يتأكد الأول.. للأسف.. ما يلزمنيش!!…
رآها الجد في عينيه، فرفع يده هاتفا بحدة بينما عيناه تتضرعان إليه ألا ينطق بما تشي به عيناه لكن غيث لم يلتفت الى الجد بل ظلت عيناه مسمرتان على وجه جنيته الصغيرة.. تلك التي حرمته لذة المنام منذ رآها، وقد صدق حدسه فما إن وقعت عيناه عليها منذ اللحظة الأولى وهو قد علم أن الراحة قد فارقته لأمد طويل، واليوم وفي هذه اللحظة علم أنه لن يعرف للراحة طعما بعد اليوم، خاصة وهو ينفذ مطلبها الأخير.. فتنفرج شفتاه وتتحرك لينطق لسانه بما طالبته به حتى آلمت رجولته وهي تلفظه بكل عنفوان وشموخ ولم يكن هو من يستجدي امرأة ألّا تتركه.. حتى وإن كانت تلك المرأة هي أثمن وأنقى وأجمل امرأة من دون النساء.. بل إنها هي حبه الوحيد والأوحد، وانطلقت الكلمة لتصيب قلب سلافة بجرح غائر وهي تسمعه بأذنها لتشعر بها كالرصاصة مدوية:
– انتي طالج يا بت عمي.. طالج.. طالج!!!….
سارت اليه ووقفت أمامه تطالعه بنظرات حزينة تختلط بالأسى وخيبة الأمل، قبل أن تتجه الى والدتها تعاوانها على النهوض وتتجه بها الى الخارج، ليلتفت الجد الى حفيده ويصيح به في ذهول وغضب عنيف:
– انت ايه اللي هابتته دِه؟…
غيث بضيق وهو يشيح برأسه جانبا:
– لو سمحت يا جدي…
ثم اتجه الى راوية المنزوية في ركن الغرفة يعاونها على النهوض ليسمع جده وهو يقول بجدية وحدة:
– بت عمك ما كدبتشي يا غيث، أمك كانت رايده تجتل أمها!!!..
ليتسمر غيث في وقفته ويطالع أمه التي تقف بين يديه تطالعه باستجداء وهي تدير رأسها من اليمين الى اليسار عدة مرات، التفت غيث وهو لا يزال قابضا على مرفقي والدته ليطالع جده من فوق كتفه قائلا بستهجان وتساؤل:
– ايه؟.. انت بتجول ايه يا جدّيْ؟…
الجد بزفرة يأس عميقة وغضب بارد:
– اللي سامعتَهْ.. مَرَتَك ما كدبتشي في ولا حرف من اللي جالتهولك لا في اللي حوصل جبل إكده ولا في اللي حوصل إهنه!…
تطلع غيث الى أمه وسألها بتلعثم وعدم تصديق:
– صحيح الكلام اللي بيجوله جدي يا أم غيث؟.. انتي ضربتي مرتي واتبليت على سلمى بالغلط وكتّي عاوزة تجتلي أمها؟…
لم تجب راوية فهتف بها غيث بقوة:
– جاوبيني يا أم غيث.. انتي اعملتي إكده صوح؟…
الجد بزفرة ضيق:
– انت اتسرعت يا غيث، جولتلك ما تسمعشي كلامها يا ولدي مهما كان بت عمك لساتها اصغار وكونها تشوف امها وأم زوجها ابتعمل فيها اكده يحج لها عجلها يطج منيها…
ترك غيث راوية واندفع ليخرج وهو يقول:
– اني لازمن أتكلم مع سلافة..
نهاه الجد قائلا:
– معينفعشي يا غيث، همّلها دلوك!…
غيث بنفي قاطع:
– لاه يا جدي.. عنتلكم ولازمن تسمعني..
الجد ساخرا:
– وايه اللي عيخليها تسمع لك ان شاء الله؟..
غيث بقوة:
– مَرَتيْ ولازمن….
ليسارع الجد بمقاطعته بصرامة:
– كانت يا غيث!!!
قطب غيث هاتفا بينما قلبه يضرب بين جنباته:
– يعني ايه يا حاج؟
الجد وهو يقترب منه حتى وقف أمامه:
– يعني انت رميت عليها اليَمين يا ولدي.. بجيت طليجتك!!!..
فتح غيث عيناه على وسعهما وقد هرب الدم منه بينما تعالت دقات قلبه تصرخ طالبة بعودة من منحتها الحياة!!!!!!..
وفي نفس الوقت.. بالمشفى.. في نفس اللحظة التي كانت راوية تنقض على عنق الفت بغية قتلها كانت سلمى تنقض على جهاز الصدمات بغية انقاذ سلسبيل، ليعود قلبها الى العمل بمعجزة أذهلت الأطباء فيما كانت روح ألفت تنسحب منها بيدي والدة سلسبيل، ولكن لحظة عاد قلب الاخيرة الى الحياة مرة ثانية كانت هي ذاتها التي أنقذت فيها سلافة أمها من بين براثن الموت على يد راوية… “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.. صدق الله العظيم…..
– يتبع –
الحلقة (34)
بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
جلست الجدة فاطمة تسبح الله على خرزات مسبحتها الخشبية التي تصل الى تسعة وتسعون خرزة تحمل كل واحدة منهن إسما من أسماء الله الحسنى، تقدمت منها ألفت تحمل كوبا من عصير الليمون ومدته اليها قائلة بحنان:
– اتفضلي يا حاجة اشربي كوباية اللمون دي، هتهديكي وتخليكي تقدري تقفي على رجليكي، من ساعة اللي حصل وما فيش حاجة دخلت بطنك ولا المايّه حتى!….
تناولت فاطمة كوب الليمون من يدها ووضعته على الطاولة الصغيرة بجوارها وهي تتنهد قائلة:ط
– ومين اللي لُه نِفس ياكل ولا يّشرب يا بتِّيّ؟.. ديه سلسبيل.. فرحة العيلة ونوارة الدار اهنه وحدا عمّها… ربنا ما يصيبني فيها بشرّ أبد….
أمّنت ألفت التي جلست على المقعد بجوار الجدة، ثم قالت:
– ان شاء الله هتقوم منها على خير، أنا لسّه مكلمة رؤوف بيقول لي في العمليات وان شاء الله خير…
سلافة بحزن:
– انا مش مصدقة!.. دي كانت بتضحك وبتتكلم وقامت عشان تجيب لها هي وسلمى كوبايتين ينسون، مرة واحدة كدا؟.. هي صحيح كانت بتشتكي من بطنها لكن مش بالصورة دي!.. نزيف!!… أنا مش مصدقة!…..
كانت سلمى تجلس في جمود تام، وما أن انتهت شقيقتها لامن تساؤلها حتى نهضت واقفة واتجهت الى خارج غرفة الجلوس حين نادتها أمها تسألها الى أين تذهب فوقفت ونظرت اليها واجابت:
– ما هو أصله ما ينفعش يا ماما احنا نفضل قاعدين هنا حاطين ايدنا على خدنا، انا هروح لهم المستشفى وأطمّن بنفسي، ما تنسوش اني دكتورة والمفروض اني كنت روحت معهم هو شهاب بس اللي رفض وبابا وافقه…
ألفت بهدوء:
– يا بنتي جوزك معاه حق انتي حامل وتعبانه، عموما لو يريحك انك تروحي.. ما فيش مشكلة.. انما هتروحي ازاي؟..
سلمى بجدية:
– هآخد راجح الغفير هو أكيد يعرف المستشفى انا مش هقدر أسوق وانا في حالتي دي، هخليه يوديني…
هتفت الجدة بلهفة:
– خوديني امعاكي يا نضري…
اتجهت اليها سلمى ومالت عليها تقبل رأسها ثم قالت بعطف:
– ما ينفعش يا ستو، صحة حضرتك ما تستحملش… انما انا أول ما اطمن عليها هطمنكم على طول ان شاء الله.. أنا هروح أجهز نفسي…
انصرفت سلمى في حين قطبت ألفت متسائلة:
– صحيح راوية فين؟؟…
لتنقلب تعابير وجه الجدة فيما تعتلي تكشيرة كبيرة وجه سلافة، أجابت فاطمة باقتضاب:
– تلاجيها افـ دارها يعني عتكون فين…
ثم نظرت الى ألفت وأردفت:
– إلّا بالحاج… فين وردة وأم علي ما نضرتهومش من البارحة؟..
ألفت وهي تهز كتفيها علامة الجهل بالجواب:
– والله يا حاجة ما عارفة، حتى لما روحت المطبخ عشان أقول لواحده من الخدامين تعمل لحضرتك اللمون ما لاقيتش حد…
قطبت فاطمة هاتفة:
– كييف ديه؟…
ليقاطع استرسالهما صوت راجح وهو يتنحنح يطلب الإذن بالدخول، فسمحت له الجدة، وقف راجح أمامها يخبرها أنه سيذهب الى منزل عدنان الخولي الذي أرسل في طلبه فأخبرته الجدة أن ينتظر سلمى ليذهب بها الى المشفى ثم سألته:
– جولي يا راجح.. فين الخدامين اللي كانوا إهنه؟.. فينها البت وردة وأم علي؟.. دولم عُمرهم ما عِملوها وهمّلوا الدار وفاتوها إكده منِّيهم لنفسيهم؟!….
أجاب راجح بصوته الخشن بينما شاربه الكث يتراقص فوق شفتيه الغليظتين:
– اللي أعرفه يا ستي الحاجة أنه صابر غفير سي ليث جِه وشحنهم كلّاتهم ولمّن سعلتو رايحين على فيين جالي أنها أوامر الليث بيه!!!..
قطبت فاطمة وهمست وكأنها تخاطب نفسها:
– واه… الليث شيّع ياخدوا الخدم من عندينا!!.. غريبة لحْكايه ديْ!!!…
احتلت سلافة المقعد الخال بجوار الجدة التي رفعت عينيها الى راجح وأردفت بحزم:
– روح انتا دلوك يا راجح استنى الدَّكتوورة سلمى عشان عتوديها المشتشفى للجماعه…
هز راجح برأسه ايجابا قبل أن ينصرف، تحدثت سلافة بريبة:
– ايه اللي يخلي ليث يا ماما ستو يبعت ياخد الخدامين من هنا؟…
فاطمة ساهمة:
– ماعارفشي يا بتِّيْ…
سلافة بجدية شديدة:
– بس أنا بقه عارفة!!…
قطبت ألفت وقالت:
– عارفة؟.. عارفى ايه يا سلافة؟..
سلافة وهي تنهض واقفة وعيناها تبرقان بقوة:
– السبب اللي يخلي ليث يلم كل اللي بيشتغلوا في الفيلا هنا انه متأكد انه اللي حصل لسلسبيل دا شيء مقصود وبفعل فاعل كمان!…
شهقت ألفت وهتفت غير مصدقة:
– ايه؟.. فعل فاعل!!!… ومين يا بنتي اللي هيكون عاوز يأذي سلسبيل ولا الليث؟.. دول كل الشغالين هنا بيحبوهم وبيحترموهم ويفدوا الحاج عبد الحميد برقبتهم!…
سلافة بسخرية مريرة:
– مش لو كان النقصود فعلا هي سلسبيل؟..
لتهتف الجدة هذه المرة متسائلة بوجل:
– قصدك ايه يا بتِّيْ؟.
سلافة بمرارة وهي تزفر بعمق:
– قصدي انه المقصود مش سلسبيل يا ماما ستُّو، اللي عمل كدا حد عاوز يأذي حد تاني خالص غيرها ولسوء حظ سلسبيل انها جات فيها!..
ألفت بقلق:
– حد زي مين يا سلافة ومين اللي له مصلحة انه يعمل كدا؟..
سلافة وقد بدأت الخيوط تترابط أمامها والصورة تتضح:
– مش هقدر أقول دلوقتي يا ماما ولا أظلم حد.. لكن لو طلع اللي في بالي صح… ، وسكتت لتكمل بوعيد:
– أنا بقه اللي هاخد بتار سلسبيل وهخلص القديم والجديد كله!..
**************************
سارت سلمى بخطوات سريعة في الممر في الطابق المنشود حيث سلسبيل، لمحت الجد من على مسافة بعيدة فسارعت خطواتها حتى وصلت اليه، مالت عليه تقبل رأسه وهي تسأل بلهفة ولهاث حاد:
– طمني يا جدي.. سلسبيل أخبارها ايه دلوقتي؟..
رفع الجد رأسه فهالها شكله، كان وكأنه قد كبر فوق عمره عشر سنوات على الأقل، أجاب الجد بوهن:
– برضيكي جيتي يا بتي!..
سلمى وهي تجلس الى جواره:
– كنت لازم آجي يا جدي، المهم طمني ايه الاخبار؟..
الجد بحزن شديد وقلق على حال حفيدته:
– لسّاتها جوّه يا بتِّي.. ربنا ايجيب العواجب سليمة..
ربتت سلمى على كتفه وقالت بتأكيد:
– ان شاء الله هتقوم منها على خير يا جدي…
لمحت والدها وهو يقف بجوار عمها عثمان فاستأذنت من جدها وقامت متجهة اليه، وقفت معهما لبرهة تحاول بث الطمأنينة في نفس عمها الذي أصابه الوهن خوفا وذعرا على حال ابنته، لم تكن قد رأت شهاب بعد ليلمحها ذلك الأخير بعد عودته من مصلى المشفى حيث كان يصلي هو وغيث والليث، هرع اليها شهاب ما أن وقعت عيناه عليها، أمسك بمرفقها وابتعد بها عن والده وعمه، وهمس لها بقلق:
– خير يا سلمى.. ايه اللي جابك؟..
زفرت بضيق وقالت:
– يعني أيه ايه اللي جابني يا شهاب؟.. جيت عشان لازم أكون مع سلسبيل في وقت ز يدا.. ما ينفعش نسيبها في ظروف ز يدي خصوصا واني دكتورة يعني أكيد هتحتاجني…
قال وهو يحرك رأسه والحزن قد حفر معالمه في وجهه:
– أنا مش مصدق لغاية دلوقتي اللي حصل، ربنا يسترها..
كررت سلمى:
– ربنا يسترها، هتقوم بالسلامة ان شاء الله انا عندي يقين كبير أوي بربنا…
شهاب مؤمنا على كلامها:
– ونعم بالله…..
ثم أردف متشائلا:
– انما انتي جيتي ازاي؟..
سلمى:
– مع راجح الغفير، أنا وعمي عدنان جينا سوا، هو مع ليث دلوقتي…
حانت منه نظرة الى الليث ذلك الذي يقف مرابض أمام غرفة العمليات بينما يقف والده بجواره، صوت جلبة جذبت انتباهه ثم خروج الطبيب من غرفة العمليات ليهرع الجميع اليه وبالطبع كان في مقدمتهم الليث الذي سأل الطبيب بلهفة وقلق واضحين:
– خير يا دَكتووور طمِّنيْ…
الطبيب بزفرة عميقة:
– خير ان شاء الله.. الحمد لله النزيف وقف وما اضطرناش لاستئصال الرحم، هي دلوقتي في الافاقة وهتنزل الرعاية المركزة بعد كدا ، إذا الـ 48 ساعة الجايين عدوا على خير كدا احنا نقدر نقول اننا عدينا مرحلة الخطر ان شاء الله.. خالوا بالكم هي نزفت كتير جدا والنزيف دا أدى انه الضغط عندها ينخفض بشكل خطير، احنا حاولنا اننا نرفعه بالادوية، عموما الساعات الجاية محتاجه لدعواتكم فعلا… عن إذنكم…
ما ان انصرف الطبيب حتى فوجئ الجميع بليث وهو ينحني ساجدا لله في مكانه… شكرا لانقاذه سلسبيل روحه العذبة!.
دمعت عينا سلمى وهي ترى الليث.. ذلك الصرح الشامخ، الرجل ذو المهام الصعبة كما لقبته منذ أن اشترك معهم في النيْل من حامد رشوان.. كانت تراه كالطود الشامخ… قلبه قُدّ من حجر… لا تتذكر أنه قد سبق لها ولمحت ابتسامة له ولو عابرة!… كانت تتعجب حينما تتحدث عنه سلسبيل واصفة رجل غاية في الرقة مع محبوبته، وكيف أنه لا يتحمل حزنها او غضبها… كانت تظنها تبالغ في وصفها له.. ولكنها الآن وفي هذه اللحظة تيقنت أن هذا الرجل لا تشرق شمس حياته الا من خلال واحدة فقط…. حبيبته سلسبيل!… لم يخجل أن يُظهر فرحته بنجاة حبيبته أمام الجميع… سجد لله شكرا لإنقاذه معشوقته… علمت بل وتأكد لها أنه لو كان قد مس سلسبيل أي سوء لكان أدى ذلك إلى تصدع هذا الطود الشامخ.. بل سيكون الاختبار الاقسى الذي يتعرض له الليث والذي قد ينهار بعده ليلحق بحبيبته تماما كما في حكايا عشق الأولين!….
انتبه شهاب لدموع سلمى الصامتة، ليربت على كتفها فرفعت عينيها الذابلتين اليه فقال بابتسامة صغيرة وهو يمسح دموعها بابهامه:
– ليه الدموع دي؟.. سلسبيل هتبقى كويسة ان شاء الله…
رنت منها نظرة الى ليث الذي وقف مستندا الى الحائط المقابل لغرفة العمليات بكتفه قبل أن تجيبه وسط شهقات بكائها الخافتة:
– ليث صعب عليّا اوي هو وسلسبيل، شوف شكله عامل ازاي؟.. انا متأكده انه كان هيجراله حاجة لو بعد الشر سلسبيل كان حصل لها حاجة لا قدر الله…
مال شهاب عليها محتويا وجهها بين راحتيه رافعا وجهها اليه وقال بصدق وهو يغوص برمادي عينيه بين غابات الزيتون خاصتها:
– أكيد يا سلمى، اللي بيحب مش ممكن يتصور حياته من غير اللي بيحبه، يتمنى انه هو اللي يجراله أي حاجة بس حبيبه يفضل بخير، والهوا ما يلمسوش، أنا… أنا عارف انه الكلام دا مش وقته دلوقتي لكن حبيت أقولك انه اللي مر بيه ليث وأختي دا خلّاني أعرف حاجة مهمة أوي…
قطبت سلمى متسائلة بهمس:
– ايه هيّ؟….
مال عليها لتلفحها أنفاسه الساخنة:
– انك أهم وأغلى حاجة عندي، وأني مستعد أخسر أي حاجة وأي حد.. إلا أنتي يا سلمى… مراتي وحبيبتي والانسانة اللي خلِّيت لحياتي طعم جميل… اوعي تفكري تبعدي عني يا سلمى.. لأنك وقتها هتكوني حكمتي عليّا بالموت!!!!..
شهقة خفيفة صدرت عنها لتختفي سريعا ما أن احتواها شهاب بين ذراعيه دافنا رأسها في صدره وهو يضغطها أقر بالى قلبه مرددا مرارا وتكرارا كلمة…. أحبّك!………
**************************
نظر الجد الى غيث الذي وقف أمامه يخبره برغبة الطبيب في رؤيته، قطب الجد وأجاب في قلق:
– الدَّكتوور رايدني أني يا ولديْ؟…
زفر غيث بعمق وقال:
– إيوة يا جدِّيْ.. الدكتووور رايد يتكلم امعاك…
نهض الجد بصعوبة يساعده غيث بينما يقول:
– ساعدني يا ولدي أوصل له.. لمن أشوف عاوز إييه…
————————–
– يا حاج عبد الحميد أنا قلت لازم أقول لحضرتك الاول، اللي حصل فيه شبه جنائية، للاسف لاقينا أسبرين وبنسبة كبيرة أوي في الدم، مش قرص ولا قرصين لا يا حاج، الكمية اللي لاقيناها بياخدها يا حد عاوز ينتحر يا أما أخدها من غير علم، وأنا متأسف في الحالتين لازم بنبلغ البوليس!!!
حاول الحاج الحديث ليشعر مرة واحده بهروب الكلام منه، أسرع الطبيب بالتوجه ناحيته وناوله كوبا من الماء فشرب منه، ثم نظر اليه وقال بهدوء وان خالطه رجاء:
– أرجوك يا ولدي، انت ما يرضيكش عيلة الخولي توبجى لبانه في حنك اللي يسوى واللي ما يسواشي، الموضوع ديه لو انعرف هتجيد نار في العيلة، بترجاك يا ولدي.. اني ما عمريش اترجيت حدا واصل!!!!
ليجلس الطبيب على المقعد المقابل لعبد الحميد ويهتف بقوة فهذا الصرح الشامخ قد انحنت هامته فجأة:
– ما عاش اللي يخليكي تترجى يا حاج.. ارفع راسك يا شيخ عبد الحميد، انا عن نفسي هحاول اني أكلمهم هنا.. لكن حضرتك عارف انه دا نظام المستشفى، عموما هشوف معهم، لكن في الاول والاخر يا حاج فيه جاني حر طليق، ولازم حضرتك تعرفه.. حياة حفيدتك في خطر…. فيه حد اتعمد انه…
وسكت الطبيب ليكمل عبد الحميد بتساؤل:
– يأذيها؟….، ليجيب الطبيب بحزم:
– يقتلها يا حاج!!!!!…
ليعتلي الشحوب وجه عبد الحميد وهو يعتصر مقبض عصاه العاجية بين يديه ولسان حاله يقول:”هل سيفلت زمام العائلة منك يا كبير؟!!!!!!!!!!!!!!”
**************************
ناولت ألفت صحنا به بعض الشطائر الخفيفة للجدة وهي ترجوها أن تأكلها فهي تخشى أن تقع من طولها فهي لم تأكل طيلة اليوم، قالت ألفت:
– عشان خاطري أنا يا حاجة.. الحمد لله سلسبيل ربنا نجّاها وان شاء الله شفاها يكمل على خير، خلي بالك بقه من صحتك عشان لما ترجع بالسلامة ما تقلقش عليكي…
سلافة وهي تتناول الصحن من يد أمها وقد أمسكت بشطيرة وجلست أمام جدتها وقالت بمزح:
– هاتي يا ماما انا هأكّل ماما ستو بإيدي.. ولا هتكسفي إيدي؟…
ابتسمت الجدة وقالت:
– ربنا ما يرحمني منيكوم وما أشوف في حدا منكم حاجة شينة أبد…
ناولتها سلافة الشطيرة فقضمت فاطمة ثم أمسكت بها وشرعت بتناولها، ابتسمت ألفت ثم شردت وهى تتنهد بيأس فقالت فاطمة مقطبة:
– مالك يا بتِّي ليه التنهيدة الوعرة جوي ديْ؟
ألفت بشفقة:
– من ساعة اللي حصل وراوية قافلة على نفسها بابها، انا خايفة يكون حصل لها، روحت لها من شوية خبطت عليها ما ردتيش قلت يمكن نايمة بس انا خايفة عليها فعلا يا ماما الحاجة…
أعادت فاطمة الشطيرة التي كانت تأكلها بدون أن تكملها وقالت والغموض يكسو ملامحها:
– فوتيها لحالها يا بتيّ… لمّن تحس انها رايدة تجعد امعانا هتاجي بنفسيها، ما تشغليش بالك بيها انتيْ…
هبّت ألفت واقفة بغتة وهي تهتف:
– لا يا ماما الحاجة مهما كان دي أم.. أنا هروح أعمل لها حاجة تاكلها وأوديها لها… وأطمن عليها لا يكون جرالها حاجة وهي لوحدها…
أوقفها هتاف سلافة التى هرعت في إثرها لتقف بجوارها قائلة باستنكار:
– هتروحي لغاية عندها يا ماما؟..
نظرت اليها ألفت بقوة وأجابت بحزم:
– أيوة يا سلافة، مهما كان احنا عيلة واحدة ودي أم واتعرضت انها تخسر بنتها لازم نقف جنبها أنا أم يا سلافة وحاسة بيها كويس أوي…
ثم انصرفت تراقبها سلافة التي وغزها قلبها قلقا على والدتها ثم لم تلبث أن قررت اللحاق بها كي لا تتركها بمفردها مع العقربة!…
كانت في تلك الاثناء تجلس راوية في غرفتها، كان بصرها زائغا ووجها يعلوه اللون الأصفر، كان غيث قد هاتفها يخبرها بأن شقيقته قد تم نقلها للعناية المركزة وأنهم لم يضطروا لاستئصال الرحم، كانت اجاباتها شاردة، مما جعل غيث يقلق فأسرع بانهاء المكالمة ليأتيها على جناح السرعة!….
جلست راوية وهي تحدق في الفراغ، عقلها يعمل كالمكوك وسؤال وحيد يتردد في ذهنها: “ما الشيء الذي طرأ على هذه العائلة جعل المصائب تأتيهم جزافاً؟”… ، ليأتيها الرد من شيطانها الملعون: “لم يتغير في حياتكم سوى أن دخلت إليكم.. ألفت وبناتها!!”….، برقت عيناها لحظتها ورفعت رأسها وهمست بشراسة:
– إيوه.. هي ألفت وباناتها اللي دخلوم بيناتنا وخلوا المصايب تنزل ترف على دماغيتنا، من ساعة ما جوم إهنه وما شوفناشي راحة… يبجى لزمن أتخلص منيهم…
نهضت وهي تكمل بشرّ عظيم:
– لاه… منِّيها هيّ.. أس البلاوي كلاتها… هيّْ السبب في البلاوي اللي حوصلت ديْ كلّاتها، حتى جوزي هملني وجيه في صفّهم.. انتي لازمن اتموتي.. موتك الحل الوحيد يا … ألفت الكلب!!!!..
وبرقت عيناها بشر مستطير وقد عقدت العزم على التخلص من ألفت نهائيا مرة والى الابد!!!!!!!!!!!!!!!!!
اتجه غيث الى شهاب ليخبره أنه سيذهب الى المنزل لطمأنة الجميع هناك دون أن يخبره عن حالة والدته التي أثارت قلقه عندما خابرها، قال شهاب وكان يقف بجوار سلمى:
– جدي مشي من شوية.. سلمى صممت انه يروّح لانه كان شكله تعبان أوي، راجح راح يوصّله، لو عاوز أنت كمان مش لازم ترجع أنا هفضل هنا مع الليث، حاولت مع عمي رؤوف وعمي عدنان وأبوك الحاج أنهم يروّحوا لكن رفضوا…
أومأ غيث وقال:
– امنيح.. أني كت جلجان عليه اخصوصي بعد مجابلته مع الدكتووور، أني كت امعاه لكنه صمم يجعد امعاه لحالهم ولما خرج كان شكله مهموم بزيادة ورفض يجولي ايه اللي جالوهوله الدكتوور وخلّاه حزيين جوي إكده…
سلمى بأسف:
– أنا عارفة جدي قلبه طيب قد إيه، أكيد استفسر عن حالة سلسبيل ونفسيتهى اتأثرت، عموما أنا مش هسيبها هفضل معاها، ممكن انتم كلكم تروحوا…
شهاب باستنكار:
– يا سلام!!.. أسيبك وأمشي؟!!.. أساسا لو فيه حد المفروض يروّح يبقى حضرتك ولا ناسية إنك حامل وقعدتك في المستشفى مش كويسة عليكي؟!…
نظرت اليه سلمى وأجابت بابتسامة هادئة:
– خليها على ربنا، أنا كل شغلي في المستشفى مش معقولة كل دكتورة تحمل تسيب شغلها وتقعد في البيت؟!…
تطلع غيث الى ساعته وقال وهو يتعجل الذهاب:
– طب أفوتكم أناه وهبجى أكلمك يا شهاب أطّمن على سلسبيل وحاول مع الليث يرتاح اشوي …
وانصرف ، دفع شهاب سلمى في ظهرها موجها لها ناحية المقاعد للجلوس حينما لفت أنظارهما صوت جلبة واضحة فنظرا الى جهة الصوت ليفاجئا بخروج الممرضة تهرع من غرفة الرعاية المركزة والقلق مرسوم بوضوح على وجهها، حاول ليث ايقافها ليستفسر عما حدث، أجابت الممرضة وكانت سلمى وشهاب قد اقتربا منها:
– المريضة ضغطها انخفض جدا ودخلت في هبوط حاد في القلب!!..
ليشحب وجه الجميع بينما هربت الدماء من وجه ليث وصرخ عاليا:
– يعني ايه الكلام ديه؟….
حاولت سلمى تهدئته وقالت:
– اهدى يا ليث أنا هشوف فيه ايه…
كانت الممرضة قد هرعت لمناداة الطبيب فاقتحمت سلمى الغرفة لتفاجأ بالممرضة بالداخل ترفض ادخالها فهتفت بها بقوة:
– أنا دكتورة والمريضة تبقى أخت جوزي، وعلى ما نستنى الدكتور بتاعكم يشرف المريضة ممكن تروح من ايدينا..
واندفعت الى الداخل بينما تركض الممرضة في عقبها!!!…
أمسكت سلمى بذراعي جهاز الصدمات الكهربائية ووضعته على صدر المريضة وأمرت الممرضة هاتفة:
– شغّلي..
لينتفض جسد سلمى ثم يهدأ، فصاحت سلمى بقوة آمرة إياها بزيادة تردد الجهاز، لينتفض الجسد بقوة أكثر من المرة السابقة فيما تتطلع سلمى بقلق الى جهاز رسم القلب لتفاجأ بانخفاض النبضات ثانية، فصرخت قائلة:
– أعلى!!!!!!!!!!!!….
وما زالت تحاول إنعاش قلبها بجهاز الصدمات وعينيها مسمرتان على شاشة جهاز قياس نبضات القلب حتى هتفت الممرضة في نفس اللحظة التي اندفع فيها الطبيب الى الداخل صائحا بخشونة:
– انتي فاكرة نفسك بتعملي ايه بالظبط؟….
ليقاطعه صوت الممرضة هاتفة:
– النبض يا دكتور!!!!!!!!!!…
** في نفس التوقيت بمنزل عائلة الخولي **
طرقت ألفت باب غرفة راوية وهي تحمل صينية فوقها صحنا به بعض الشطائر الخفيفة وكوبا من الحليب المحلى بعسل النحل، سمعت الأمر بالدخول، فابتسمت ودلفت الى الداخل، كانت راوية تقف مولية ظهرها الى الباب فما إن سمعت صوت دخول الطارق حتى استدارت لتقف مسمرة مكانها لثوان محدقة في ألفت بجمود تام!!….
وضعت ألفت الصينية فوق الطاولة الصغيرة واقتربت من راوية وهي تقول بحنان:
– تعالي يا راوية كّلي لقمة، انتي ما كالتيش من وقتها، الحمد لله سلسبيل ربنا نجاها، تعالي حبيبتي…
وأمسكت بيدها تحثّها على السير معها حينما لاحظت أن قبضة راوية قد اشتدت على يدها لتكون هي من يمسك بيدها لا هي، طالعته بابتسامة حائرة وقالت:
– فيه حاجة يا أم غيث؟…
راوية بفحيح غاضب بينما عينيها زائغتان تبرقان ببريق جنوني أثار القلق والوجل في قلب ألفت:
– غيث!!.. وهو فينو غيث ولا شهاب ولا حتى عتمان جوزي.. ما انتي خدتيهم كلاتهم إف صفّك انتي وبناتك، من وجت ما طبيتو حدانا إهنه وانتي طويتي الحاج والحاجة تحت باطك وسلطت بناتك على ولادي، سحروا لهم عشان يتزوجوهم!..
ألفت بنفي قاطع:
– كلام ايه دا؟.. سحر ايه وبتاع ايه؟.. استغفر الله العظيم يارب، ولادك هما اللي حبوا يتجوزوا بناتي أحنا ما غصبناش حد وما سحرناش لحد، استغفري ربك يا راوية، انا مش هزعل منك عشان أنا مقدرة حالتك كويس أوي.. وأكيد لما تهدي كدا هتندمي على الكلام دا…
راوية وهي تقترب منها وتطالعها بكراهية مخيفة:
– من جهة أني هندم.. فأني هندم صوح… عارفة هندم علي غيه؟.. هندم اني ما خلصتش منيكي اتِّي وبناتك من اول يوم جيتوا فيه إهنه!.. لكن ملحوجة يا أم البنات.. اللي معملتهوشي البارحة.. هعمله.. دلوك!!…
لتطالعها ألفت في ريبة هاتفة بحدة وقلق:
– هو ايه دا اللي هتعمليه؟…
لتباغتها راوية بالانقضاض على عنقها هاتفة بحقد دفين:
– أني أجتلك وأخلص منيكي!!…
أطبقت راوية على عنق ألفت التي حاولت التخلص من قبضتها المحكمة على عنقها ولكن دون فائدة، فراوية كانت قد فقدت البقية الباقية من عقلها وشيطانها يصوّر لها أن الخلاص من ألفت يعني الخلاص من غريمتها التي سرقت منها حبيبها سابقا والآن تسرق منها بناتها ولديْها!!!….
بدأت مقاومة ألفت تفتر وقد بدأ الهواء ينحبس داخلها، شعرت ألفت بالاختناق وبدأ اللون الأزرق بالانتشار أسفل جلدها فرفعت عينيها الى الأعلى تتلو الشهادة في نفسها حينما هبّ إعصار على راوية ينتزع قبضتها بقوة من حول عنق ألفت التي سقطت في مكانها، هرعت سلافة والتي دفعت براوية جانبا بكل قوتها الى والدتها تساندها، سعلت والدتها وبقوة، بينما كانت راوية تحاول الوقوف بعد سقطتها إثر دفعة سلافة القوية، انتبهت سلافة لمحاولة راوية النهوض فالتفتت لأمها تسألها ان كانت بخير فأومأت بالايجاب لتقفز سلافة على قدميها وتتجه ناحية راوية وهي تهتف بشراسة:
– بقه عاوزة تموتي أمي؟.. يعني مش مكفيكي اللي حصل لبنتك واللي عملتيه معايا ومع أختي جاية كمان تقتلي أمي، لكن عارفة إيه… موتك أنتي اللي حلال، وأنا يا قاتل يا مقتول انهرده يا راوية الكلب!!!!!!!!..
حدقت راوية بذعر في سلافة التي كشرت عن أنيابها واندفعت توقفها على قدميها وهي.. تجذبها من شعرها المغطى بالوشاح الأسود، صرخت راوية ولكنها لم تلبث أن حاولت الدفاع عن نفسها لتحاول دفع سلافة بعيدا، اشتبك الاثنتان تمسك كلا منهما بشعر الأخرى، ةنجحت سلافة بإسقاط راوية أرضا ثم الجلوس فوقها تكيل لها الصفعات واللكمات، وهي تردد كلمة واحدة:
– موتي.. موتي….
كانت ألفت ترتمي في شبه اغماءة فوق المقعد فلم تستطع فض الاشتباك بينهما، في حين غفل الجميع عن الصوت الجهور يالذي كان يأمرهم بالكفّ عما تقومان به!!…
تحامل الجد على نفسه واتجه الى الداخل ليصعق برؤية راوية وهي تطبق الخناق على عنق ألفت في حين تقفز سلافة فوق ظهرها لتدفعها جانبا وبقوة!، لم يتثنى له الحديث فإذ بسلافة تكمل ما بدأته من العراك فتنقض على ألفت تكيل لها اللكمات والصفعات، هتف بها كثيرا وهو يتجه الى ألفت الملقاة فوق المقعد أن تكفّ قبل أن تتسبب في مقتل راوية، ولكنها لم تكن تردد إلا كلمة واحدة:
– موتي.. موتي…
كان في حيرة من أمره أن يفصل بين هاتين الاثنتين المتناحرتين أم يهرع لنجدة ألفت ليقرر أن ألفت هي الأهم حاليا فسلافة أكثر من قادرة على الاهتمام بنفسها!!!!…
أسند الجد ألفت وقرب منها كوبا من الماء ساعدها في احتسائه، ليتركها ما أن اطمئن الى هدوء أنفاسها واتجه الى سلافة التي كانت تقف في تلك اللحظة بعد أن دفعتها راوية من فوقها تمسك بتلابيب راوية وهي تخضّها كزجاجة الحليب تشتمها بأقذع أنواع السباب، صاح الجد وهو يقبض على ذراعها محاولا الفك بينهما:
– همّليها يا بتّي عاد…
هتفت سلافة بغضب شرس وهي تمد يديها لتنزع الوشاح من فوق رأسها لتظهر خصلات شعر راوية المصفف في جديلة طويلة سوداء يختلط بها خصلات بيضاء:
– مش هسيبها الا ميتة بنت التييت دي، كفاية بقه.. اتبلت على سلمى انها مش كويسة وبتقابل كريم من ورا جوزها، وحاولت تضربني عشان شتمت أمي قودامي وانا ما رضيتش، ولما جيت أدافع عن نفسي كدبت وقالت اني أنا اللي حاولت أضربها ودلوقتي يكون جزاء أمي لمالا جات تجيب لها الأكل بعد ما صبعت عليها انها تقتلها!!!… إياك يا شيخه اللي تاكليه ينزل لك بالسم الهاري في باطنك.. يا عقربة يا حية يا كلبة يا سماوية.. حسبي الله ونعم الوكيل فيكي… واحدة واطية ودوون صحيح…
وأنهالت عليها بالشتائم والجد يحاول إزاحتها بعيدا عن راوية ولكن دون جدوى حتى فوجئت بساعدين قويين يحيطان بخصرها ويرفعانها الى الاعلى فأخذت تركل الهواء أمامها وهي تصيح آمرة من يمسكها بأن ينزلها، بينما تمد يديها أمامها تريد الامساك براوية التي انزوت جانبا تحاول جمع خصلات شعرها وتتطلع بريبة وخوف الى الجد، صوت عال صاح بسلافة آمرة:
– خلاص يا سلافة وبعدهالك يا مَرَه؟!!!!!!!!1…
لتهدأ فجأة وتستدير لترى وجه غيث الذي يقبض عليها بقوة وهو يطالعها بنظرات شديدة القسوة، أنزلها على قدميها وهو يردف بغضب ناري:
– حصّلت انك تجتلي أمي يا سلافة؟!!!!!!….
شهقت سلافة عاليا وصاحت به وهي تشير الى راوية التي تقف بجوار الحائط تجمع يديها أمامها بينما يختض جسدها بالكامل برعشة الخوف والذعر:
– وهي حلال انها تقتل أمي؟!!!…
غيث بصراخ أعلى بينما الجد تحامل على نفسه ليقف بينهما وهو يأمرهما بصوت واهن أن يكفا عن الصراخ ولكن دون جدوى:
– كدبة جديدة ديْ؟.. كيف ما كانت رايدة تُضربك وانتي كتِّي بتدافعي عن نفسك.. مش إكده؟.. أني شايفك بعينيا الجوز دولام وانتى اللي طابجه في زمارة رجبتها ونازلة شاتيمة فيها وانتى بتجوليلها موتي .. موتي!.. مش إكده يا بت عمي؟…
صاح الجد:
– يا غيث يا ولدي انت فاهامن غلط، الموضوع مش إكده!….
لتقول سلافة وقد برد غضبها فجأة:
– بعد إذنك يا جدو….، ثم وجهت كلامها الى غيث بقوة:
– يعني انت صدقت فيا اني ممكن أضرب أمك؟.. ودلوقتي صدقت اني عاوزة أقتلها من الباب للطاق؟…
هتف غيث بوحشية:
– أني صدجت اللي نضرته بعينيا التنييين دول، إيه.. فاكراني داجج عصافير وهصدج انها كانت رايدة تجتل أمك؟.. ولو كان إكده فينها أمك ديْ؟.. أني ما شايفشي…
ليبتر عبارتها وقد لمح ألفت الملقاة فوق المقعد الجلدي المنزو في ركن الغرفة ولم يكن قد انتبه اليها لدى دخوله، رفع عينيه الى سلافة في ذهول صاعق لتبادله سلافة النظر بأخرى شامتة.. آسفة… حزينة، وهي تقول:
– يا خسارة يا ابن عمي!… عموما عشان انا مش بخاف غير من اللي خلقني فأنا هقولك وبكل صراحه أني ايوة لو كنت قدرت أقتلها كنت قتلتها، الست دي لا يمكن تكون أم.. دي واحدة مريضة بالكره والحقد اللي ملوا قلبها، وانت ابنها يعني من ريحتها ومن الآخر بقه أنا مش طايقاها ولا طايقه حد من ناحيتها!..
غيث بجمود:
– يعني إيه يا سلافة؟..
طالعته سلافة بجمود ينافي العذاب الذي ينخرها من الداخل وهي تشعر أنها بكلامها الأتي وكأنها تقتطع جزءا منها.. بل هو الجزء الأثمن ولكنه هو من اختار.. هو من جعل الامور تصل بهما الى طريق مسدود، أجابت سلافة ببرود صقيعي:
– يعني تطلقني يا غيث، أنا لا يمكن أستنى على ذمتك دقيقة واحده كمان بعد كدا، الرجل اللي ما يصدقش مراته ويهينها ويمشي كلام أمه اللي كله كدب وتضليل من غير ما يحاول يتأكد الأول.. للأسف.. ما يلزمنيش!!…
رآها الجد في عينيه، فرفع يده هاتفا بحدة بينما عيناه تتضرعان إليه ألا ينطق بما تشي به عيناه لكن غيث لم يلتفت الى الجد بل ظلت عيناه مسمرتان على وجه جنيته الصغيرة.. تلك التي حرمته لذة المنام منذ رآها، وقد صدق حدسه فما إن وقعت عيناه عليها منذ اللحظة الأولى وهو قد علم أن الراحة قد فارقته لأمد طويل، واليوم وفي هذه اللحظة علم أنه لن يعرف للراحة طعما بعد اليوم، خاصة وهو ينفذ مطلبها الأخير.. فتنفرج شفتاه وتتحرك لينطق لسانه بما طالبته به حتى آلمت رجولته وهي تلفظه بكل عنفوان وشموخ ولم يكن هو من يستجدي امرأة ألّا تتركه.. حتى وإن كانت تلك المرأة هي أثمن وأنقى وأجمل امرأة من دون النساء.. بل إنها هي حبه الوحيد والأوحد، وانطلقت الكلمة لتصيب قلب سلافة بجرح غائر وهي تسمعه بأذنها لتشعر بها كالرصاصة مدوية:
– انتي طالج يا بت عمي.. طالج.. طالج!!!….
سارت اليه ووقفت أمامه تطالعه بنظرات حزينة تختلط بالأسى وخيبة الأمل، قبل أن تتجه الى والدتها تعاوانها على النهوض وتتجه بها الى الخارج، ليلتفت الجد الى حفيده ويصيح به في ذهول وغضب عنيف:
– انت ايه اللي هابتته دِه؟…
غيث بضيق وهو يشيح برأسه جانبا:
– لو سمحت يا جدي…
ثم اتجه الى راوية المنزوية في ركن الغرفة يعاونها على النهوض ليسمع جده وهو يقول بجدية وحدة:
– بت عمك ما كدبتشي يا غيث، أمك كانت رايده تجتل أمها!!!..
ليتسمر غيث في وقفته ويطالع أمه التي تقف بين يديه تطالعه باستجداء وهي تدير رأسها من اليمين الى اليسار عدة مرات، التفت غيث وهو لا يزال قابضا على مرفقي والدته ليطالع جده من فوق كتفه قائلا بستهجان وتساؤل:
– ايه؟.. انت بتجول ايه يا جدّيْ؟…
الجد بزفرة يأس عميقة وغضب بارد:
– اللي سامعتَهْ.. مَرَتَك ما كدبتشي في ولا حرف من اللي جالتهولك لا في اللي حوصل جبل إكده ولا في اللي حوصل إهنه!…
تطلع غيث الى أمه وسألها بتلعثم وعدم تصديق:
– صحيح الكلام اللي بيجوله جدي يا أم غيث؟.. انتي ضربتي مرتي واتبليت على سلمى بالغلط وكتّي عاوزة تجتلي أمها؟…
لم تجب راوية فهتف بها غيث بقوة:
– جاوبيني يا أم غيث.. انتي اعملتي إكده صوح؟…
الجد بزفرة ضيق:
– انت اتسرعت يا غيث، جولتلك ما تسمعشي كلامها يا ولدي مهما كان بت عمك لساتها اصغار وكونها تشوف امها وأم زوجها ابتعمل فيها اكده يحج لها عجلها يطج منيها…
ترك غيث راوية واندفع ليخرج وهو يقول:
– اني لازمن أتكلم مع سلافة..
نهاه الجد قائلا:
– معينفعشي يا غيث، همّلها دلوك!…
غيث بنفي قاطع:
– لاه يا جدي.. عنتلكم ولازمن تسمعني..
الجد ساخرا:
– وايه اللي عيخليها تسمع لك ان شاء الله؟..
غيث بقوة:
– مَرَتيْ ولازمن….
ليسارع الجد بمقاطعته بصرامة:
– كانت يا غيث!!!
قطب غيث هاتفا بينما قلبه يضرب بين جنباته:
– يعني ايه يا حاج؟
الجد وهو يقترب منه حتى وقف أمامه:
– يعني انت رميت عليها اليَمين يا ولدي.. بجيت طليجتك!!!..
فتح غيث عيناه على وسعهما وقد هرب الدم منه بينما تعالت دقات قلبه تصرخ طالبة بعودة من منحتها الحياة!!!!!!..
وفي نفس الوقت.. بالمشفى.. في نفس اللحظة التي كانت راوية تنقض على عنق الفت بغية قتلها كانت سلمى تنقض على جهاز الصدمات بغية انقاذ سلسبيل، ليعود قلبها الى العمل بمعجزة أذهلت الأطباء فيما كانت روح ألفت تنسحب منها بيدي والدة سلسبيل، ولكن لحظة عاد قلب الاخيرة الى الحياة مرة ثانية كانت هي ذاتها التي أنقذت فيها سلافة أمها من بين براثن الموت على يد راوية… “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.. صدق الله العظيم…..
– يتبع –