الفصل الثاني…
“تأتي الصدمات بسرعة مفاجئة وأوقات يكون إستقبالها بالجنون ”
“ليس الدموع فقط وسيلة بالحزن أحياناً يكون الجنون”
-في الأراضي التركية…
إبتلع جاسم ريقه قائل بنبرة مهزوزه :-
-يعني أيه!!..
المساعد بنبرة تقرير :-
-من الصعب الخوض في تجربة مثل هذه وربما تؤدي إلا الأسوء الحروق تبدو غائرة ونحن لايمكنا المغامرة بإسمنا في عملية نسبة نجاحها مجهولة بشدة..
المساعد بنيرة يائسة قائل بخيبة أمل :-
-معذرة يكاد الأمل يكون معدوم..
ثم نظر لجاسم نظرة اخيرة ورحل..
مسح جاسم علي شعره بغضب وإستدار وهو يغمض عينه لايعرف كيف يواجهها. بالتأكيد إستمعت إلى حديث المساعد ،هو المسئول الأول فهو الذي بني لها الأمل وزين لها القادم دون اان يعلم شدة العاصفة التي كانت تنتطرهما،قد قتل كل نبضة تفائل بداخلها، شعر بيد توضع على كتفه فتح عينه وإستدار برأسه ليقع نظره عليها عينها لامعة تريد البكاء ولكنها تبتسم لتمنع دموعها من السقوط، عاتب نفسه وبشدة فقد عنفها سابقاً حتي لاتبكي والأن هي تحاول وتجاهد في سبيل عدم سقوط منها دمعة،وكأنها طفل صغير أبكم يريد البكاء والصراخ ولكن عجزه يمنعه….
خرج صوتها مختنق مع إبتسامته قائلة :-
-ي ي يله نمشي ياجاسم..
فتح جاسم باب المنزل لتدلف هي بخطوات تائهة ووجه شاحب بعض الشئ،فقد أسود كل شئ باب الأمل الوحيد إنغلق اليوم،دلفت إلي غرفتها وجلست علي الفرأش لتحدق في الفراغ وهي تضغط علي نفسها حتي لاتبكي شعرت ببرودة تسري في جسدها وهي تقاوم دموعها وتبتسم وجعاً .. دلف خلفها وخلع سترته وألقاها ليجلس بجوارها ،أقترب منها وإحتضنها ليتسطح بها علي الفرأش ببطء.. فك ححابها ليملس علي شعرها قائل بتنهيدة :-
-إبكي يارقية إبكي في حضني طلعي كل وجعك..
ماهي إلاثواني وقد إنفجرت في البكاء وهي تتدفن نفسها في أحضانه، شهقاتها تتعالي وهو يربت علي كتفها بحنان..
رقية بنبرة باكية :-
-ه ه هفضل كده طول عمري مش هتعالج مش هشوف ملامحي حتي قبل ما أموت..
جاسم بتنهيدة عميقة :-
-ربنا عاوز كده يارقية، قولي الحمد الله.
خرجت من بين أحضانه وهي تعقد حاجبيه ودموعها علي وجنتيها :-
-ليه أنا ياجاسم، أشمعنا أنااا اللي بيحصلي كده أنا عملت إيه أستاهل عليه كل ده ، يمكن أنا عملت ذنب وربنا بيخلصه فيا بالدنيا ولا أهلي عمله حاجة وربنا عاقبهم فيااا..
ثم تابعت بحيرة وعدسة عينها تتحرك:-
-قولي ياجاسم ده عقاب ليا صح!! ؟ أنا إنسانه وحشه وأستاهل كده، أستاهل كده؟؟..
ثم صرخت بوجع وبكاء :-
-رد علياااااا قولي أنا عملت إيه، وليه عقابي يكون صعب وقاسي كده وآآآ..
وضع يده سريعاً علي فمها قائل بنبرة حادة بعض الشئ :-
-إيه اللي أنتي بتقوليه هتكفري ولا أيه، بدل ماتحمدي ربنا إنك طلعتي عايشه من حادثة زي دي…
زاد نجيبها قائلة بألم وهي تهز رأسها :-
-يارتني كنت موت ،الموت ارحم ليا من حياة زي دي، ما أنا عايشة زي الميته..
جاسم بجدية ولهجة غاضبة :-
-لا مش زي الميته، أنتِ عندك نفس داخل وخارج، لما أنتي زي الميته أومال اللي محروم من النور واللي عاجز مش قادر يمشي واللي المرض بينهش في لحمهم دوول يبقوا ايه بقا؟؟…
تابع بجدية :-
-رقية أنتِ احسن من غيرك بكتير،أنتِ للأسف شايفه اللي انتِ فيه ده وجع مع إنه مايجيش نقطة في بحر أوجاع ناس تانية..
ربت علي كتفها بهدوء قائل :-
-أستغفري ربك وقومي كده اتوضئ وصلي إنتِ محتاجه لده دلوقتي، إحكي أوجاعك كلها في سجودك لربنا طلعي كل اللي في قلبي، ربنا هو العلم بوجعك واللي في قلبك، ربك رب قلوب ياحبيبتي…
نظرت له بصمت وهي علي نفس حالتها الباكية فأغمضت عينها وفتحتها مجدداً وهي تؤمي برأسها إيجاباً..أبعد يده لتنهض من الفرأش بهدوء وأناملها تمسح دموعها.دلفت إلي المرحاض وأغلقت الباب خلفها ليتنهد جاسم بصوت مسموع وهو يهز رأسه بأسف..
-في إحدي الحارات المصرية..
تسير إمرأة منتقبة بملابسها السوداء وهي تحتضن كتاب الله العزيز، فقد إنتهت من درس تحفيظ القرآن الكريم الأن، وعادت إلي بيتها حيث زوجها وأبنائها دلفت إلي بناية قديمة وصعدت درجات الدرج المتهالك، وصلت أمام شقتها و أخرجت مفتاحها من حافظة نقودها، ودلفت لتبتسم لصغارها الذين ركضوا سريعاً عندما دلفت رفعت نقابها لتكشف عن وجهها الدميم المشوه من أثر حروق، إنحنت وإحتضنتهم بعاطفة أمومة قائلة :-
-حبايب ماما إتأخرت عليكم؟؟..
هز الصغير رأسه بالنفي قائل :-
-لا ياماما مش إتأخرتي، وأحنا قعدنا نتفرج علي الكرتون ومش فتحنا الشباك ولا دخلنا لعبناا في المطبخ زي ماقولتلنا..
قبلت صغيرها قائلة بإبتسامه :-
-برافو عليكم أنا فرحانة إن ولادي بيسمعوا الكلام، وهجبلهم هدية كبيرة عشان هما شطار..
تحدثت الصغيرة سلمي قائلة بنبرة طفولية :-
-ماما حفظتي سوية(سورة) إيه النهايدة (النهاردة) ؟؟..
أجابتها الأم وهي تملس علي شعرها القصير قائلة :-
-حفظت سورة الكهف وسمعتها كلها كويس كمان..
زمت الصغيرة شفتيها بزعل قائلة :-
-إشمعنا أنتِ بتحفظي سوي كبيه وانا سوي صغيي، بقول لعمو الشيخ أنا عاوزة سور كبيرة زي ماما مش بيرضا، ويديني أحفظ سوي الفاتحة وقول هو الله أحد وو الكوثي وسوي صغيرة تانية ..
ضحكت الأم قائلة بحب :-
-عشان الصغيرين بيحفظوا سور صغيرة ولما يكبروا شوية بيحفظوا سور كبيرة شوية…
ثم إحتضنت الإثنان قائلة:-
-يارب ياولادي أشوفكم أحسن ناس وأحسن تربيتكم..
إعتدلت في وقفتها قائلة بجدية :-
-ممكن بقا تروحوا تتفرجوا علي الكرتون عشان أدخل أجهز الغدا قبل مابابا يرجع من الشغل..
أومأ الأثنان برأسهما وإنطلقا علي الفور..
إبتسمت هي وخلعت نقابها لينسدل شعرها علي ظهرها، ثم دلفت إلي غرفتها لتبدل ملابسها بإخري منزلية مريحة، لتستعد لطهي الطعام لزوجها الحبيب الذي برغم مرور السنوات لم يختلف حبه لها ولم ينفر من وجهها..
-في الأراضي التركية..
في الصباح وقفت رقية تنظر من النافذة الزجاجية وهي تمسك بيدها كوب من العصير البرتقال الطازج،من يرأها يظن أنها ليست هي من كانت تبكي وتصرخ في الليلة السابقة لانها ستبقي دميمة مدي الحياة، فوجهها اليوم مشرق وكأن ماحدث أمس لم يحدث، حتي إطلالتها مختلفة فقد تركت الحرية لشعرها واخذت تعبث به بيدها أثناء مشاهدتها من خلف النافذة، كما كانت ترتدي منامة حريرية قصيرة للغاية بلون السماء ذات حمالات رفيعة للغاية. وتضع ملمع شفاه بلون أحمر مثير للغاية كما زينت عينها بتكحيلها مع وضع لمسات خفيفه للغاية من المساحيق التجملية..
خرج جاسم من الغرفة وهو يصيح بنبرة قلقة :-
-رقية يارقية..
إلتفتت له قائلة بنبرة ناعمة:-
-أنا هنااا ياحبيبي!!..
بحث عن مصدر الصوت ليقع نظره عليها تقف أمام النافذة بإطلالتها المختلفه، عقد حاجبيه بتعجب وهو يرأها كذلك، فقد نهض من الفرأش ببفزع عندما فتح عينه ولم يجدها بالفراش بجواره فقد ظن سوء لان حالتها بالأمس لم تبشر بخير، وها هي تقف بحالة جديدة وترتشف البرتقال بتلذذ..
إقترب جاسم منها ورغم تعجبه وضع قبلة علي وجنتيها قائل :-
-صباح الخير..
إلتفتت برأسها إليه قائلة بإبتسامه :-
-صباح النور..
تفحصها بعينه من أعلي إلي أسفل ثم ضيق عينه قائل بتسائل :-
-إيه اللي أنتِ عامله في نفسك ده..
وضعت كوب البرتقال علي الطاولة الصغيرة..ثم إستعراضت نفسها وهي تدور حول نفسها قائلة بدلال :-
-أيه رأيك حلو؟؟..
جاسم بنبرة جادة تحمل التعجب :-
-اه حلو بس أتعمل ليه يعني..
إقتربت منه وحاوطت عنقه قائلة بميوعة:-
-أيه هو أنت مش قولت إن السفرية دي بمثابة شهر عسل، وأنا جاهزة أهو لشهر العسل..
ثم وضعت قبلة صغيرة بجوار شفتيه وأحتضنته..
ذهل من فعلتها بشدة وإتسعت عينه، تباً لذلك من أين أتت بكل هذه الجرأة!! ؟
إبعدها عنه قليلاً قائل بجدية :-
-رقية أنتِ كويسة؟؟!
زفرت بهدوء قائلة :-
-ايوة كويسة شايفني مالي يعني..
وهو مش من حقي أعمل كده زي كل الستات ولا أيه؟؟ ..
ثم حاوطت عنقه مجدداً وهي تضع أناملها علي شفتيه :-
-أيه ياجاسم هو أنا مش عجباك كده ولا أيه ده أنا عاملة كده عشان خاطر أدلعك…
ثم قبلت شفتيه بشفتيها، ولثالث مرة التعجب لجاسم وسيستمر مع جرأة رقية اليوم والتغير المفأجئ..بادلها القبلات ولم تستمر طويلاً فقد أزاحها عنه بحركة مفأجئة ، هل رقية أصيبت بالجنون؟ ؟..
صرخ بها بصوت جهوري غاضب :-
-إنتِ فيكي إيه النهاردة، أنتِ شاربه حاجة ولا إتجننتي ولا أيه بالظبط..
وكأنها لم تسمعه مع إبتسامة غريبة علي ثغرها وهي تضع يدها علي أحشائها من فوق منامتها الشفافة قائلة بنبرة دلال :-
-أنا حامل ياحبيبي! ~..
-في شركة الراوي..
دلف معتز كالقذيفة إلي مكتب بسمة وخبط المكتب بيده بقوة قائل بصوت جهوري :-
-أنتِ أتخطبتي بجد؟؟..
حاولت بسمة الثبات قائلة بنبرة شبه غاضبة :-
-إنت اتجننت وطي صوتك إنت ناسي إحنا فين..
معتز بغضب :-
-ردي عليا أنتِ إتخطبتي؟؟..
بسمة بشجاعة :-
-أيوة اتخطبت وانت مالك بيا بقا…
إبتلع معتز ريقه قائل بصدمة :-
-طب وأنا يابسمة، نسيتيتي بسهوله كده..
حاولت عدم الضعف امامه فتابعت بنبرة جادة :-
-أنت ماضي يامعتز في حياتي.ضيف شرف ظهر كام حلقة وإختفي..
بدي التأثر علي وجه معتز، ففكرت سريعاً في الهروب فحملت الملفات الموضوعة علي المكتب قائلة علي عجالة :-
-بعد إذنك أنا ورايا شغل دلوقتي …
قبض علي ذراعها قائل بغضب :-
-مش هتتجوزي غيري يابسمة أنتِ لياا وبس..
بسمة بنبرة عميقة :-
-صحيح كما تدين تدان..
نظر لها بعدم فهم فتابعت بنبرة ساخرة :-
-كنت عاوز تبعد رقية عن جاسم، وإديك دلوقتي شربت من نفس الكأس اللي كنت عاوزهم يشربوا منه..
إزاحت يده بقوة ثم غادرت ليجلس هو بتوهان يفكر في حديثها..
… يتبع