أشعار و خواطر المتنبي في الحب ( 2 )
إن التي سفكت دمي بجفونها * لمتدر أن دمي الذي تتقلدُ
قالت وقد رأت اصفراري من به * وتنهدت فأجبتها المتنهدُ
فمضت وقد صبغ الحياءُ بياضها * لوني كما صبغ اللجين العسجد
فرأيت قرن الشمس في قمر الدجى * متأوداً غصنٌ به يتأودُ
عدويةٌ بدويةٌ من دونها * سلب النفوس ونار حرب توقد
هامَ الفُؤادُ بأعرابِيّةٍ سَكَنَتْ * بَيْتاً من القلبِ لم تَمدُدْ له طُنُبَا
مَظْلُومَةُ القَدّ في تَشْبيهِهِ غُصُناً * مَظلُومَةُ الرّيقِ في تَشبيهِهِ ضَرَبَا
بَيضاءُ تُطمِعُ في ما تحتَ حُلّتِها * وعَزّ ذلكَ مَطْلُوباً إذا طُلِبَا
كأنّها الشّمسُ يُعْيي كَفَّ قابضِهِ * شُعاعُها ويَراهُ الطّرْفُ مُقْتَرِبَا
وَمَا العِشْقُ إلاّ غِرّةٌ وَطَمَاعَةٌ * يُعَرّضُ قَلْبٌ نَفْسَهُ فَيُصَابُ
وَغَيرُ فُؤادي للغَوَاني رَمِيّةٌ * وَغَيرُ بَنَاني للزّجَاجِ رِكَابُ
أرَقٌ عَلى أرَقٍ وَمِثْلي يَأرَقُ * وَجَوًى يَزيدُ وَعَبْرَةٌ تَتَرَقْرَقُ
جُهْدُ الصّبابَةِ أنْ تكونَ كما أُرَى * عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وقَلْبٌ يَخْفِقُ
مَا لاحَ بَرْقٌ أوْ تَرَنّمَ طائِرٌ * إلاّ انْثَنَيْتُ وَلي فُؤادٌ شَيّقُ
جَرّبْتُ مِنْ نَارِ الهَوَى ما تَنطَفي * نَارُ الغَضَا وَتَكِلُّ عَمّا يُحْرِقُ
وَعَذَلْتُ أهْلَ العِشْقِ حتى ذُقْتُهُ * فعجبتُ كيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ
وَعَذَرْتُهُمْ وعَرَفْتُ ذَنْبي أنّني * عَيّرْتُهُمْ فَلَقيتُ فيهِ ما لَقُوا
مِمّا أضَرّ بأهْلِ العِشْقِ أنّهُمُ * هَوَوا وَمَا عَرَفُوا الدّنْيَا وَما فطِنوا
تَفنى عُيُونُهُمُ دَمْعاً وَأنْفُسُهُمْ * في إثْرِ كُلّ قَبيحٍ وَجهُهُ حَسَنُ
عَذْلُ العَواذِلِ حَوْلَ قَلبي التّائِهِ * وَهَوَى الأحِبّةِ مِنْهُ في سَوْدائِهِ
وَهَوَى الأحِبّةِ مِنْهُ في سَوْدائِهِ * وَيَصُدُّ حينَ يَلُمْنَ عَنْ بُرَحائِهِ
الحُبُّ ما مَنَعَ الكَلامَ الألْسُنَا * وألَذُّ شَكْوَى عاشِقٍ ما أعْلَنَا
ليتَ الحَبيبَ الهاجري هَجْرَ الكَرَى * من غيرِ جُرْمٍ واصِلي صِلَةَ الضّنى