الجزء الثالث من ثلاثية (( ذئاب لا تعرف الحب )) لتكتمل الأحداث ونعيش أجواءها مجدداً
المقدمة ،،،
وَقَفَتْ بِمُفرَدِهَا
لِتُوَاجِـــــه جَحِيمَ الْحَيَاة ..
فَقَذَفَتهَا عَمداً نَحَوَ مَجْهُولٍ ،
لَمْ يَكُنْ – كَمَا ظَنّت – سَرَاب …
فَاِلتَقَت هِيَّ بِهِم .. نَعَمْ بِأُنَـــاسٍ
لَا تَصفَح ، لَا تَرّحَم ،
وَلَا تَقْبَل بِالْغُفِـــرَان …
إِلَا هُـــوَ !
خَـــرَقَ قَانُونَهُم غَيرَ مُكْتَرِثٍ ،
وَأَجّبَرَهُم جَمِيعَاً – بِهَيبَتِهِ – عَلَى
الْإِنْصِيَــــاع لِتَقْـــوَاه ..
وَلِأَجِلِهَا فَقَطْ ،
اِنْحَنَت أَقْـــوَى وَأَعَتَى الذِئَــــاب …
الجزء الثالث وانحنت ﻻجلها الذئاب
وانحنت لأجلها الذئاب
الفصــــل الأول :
تلـــــوى فم أوس بإبتســـامة صغيرة ، وأغمض عينيه لتسكن روحه في أحضانها بعد أن تذوق اخيراً طعم السكون ، فهزته تقــى برعب وهي تصرخ فيه :
-أوس .. رد عليا ، أوس ، ماتموتش وتسيبني ! أوس !
ضربت على صدره بكفها وهي تضيف بصوت هــــادر :
-انت وعدتني ماتسبنيش ! ليه بتخلف وعدك ، قــــوم .. كلمني يا أوس ..!!!
ثم رفعت رأسها للأعلى وأغمضت عينيها لتصرخ بتنهيدة حـــــــــــارقة جثت على صدرها ، وأطبقت على روحها ، وقضت على أخـــر ما تبقى من حياتها المعذبة تاركة إياها تعاني مرارة الفقد والحرمــــان :
-لألألأ .. ماتموتش يا أوس .. ماتموتش وتسيبني هنـــا ! لألألألألألألأ !
أمسكت به من ياقته وهزته بعنف أشـــد ، وكزت على أسنانها لتهدر بصراخ حـــارق :
-ليه بتعمل فيا كده ؟ ليه ؟!
لم يجبها بل ظل جســـده ساكناً ..
رفعت عينيها للأعلى لتنظر حولها بخوف بائن ..
كانت بمفردها في تلك الصحراء القاحلة .. لا أثــر للحياة ، ولا أثر لأي مخلوق …
ابتلعت ريقها بفزع حقيقي .. ثم بحــذر شديد أبعدت أوس عن أحضانها ، وأسندت جسده على الرمـــال ، وأمالته على الجانب ، ثم جاهدت لتنهض عن الرمــال بعد أن أصبحت ساقيها ثقيلتين وعاجزتين عن الحركة ..
نظرت إلى كفيها فوجدت الدمــاء تلضخهما ، فقفز قلبها رعباً من بين ضلوعه .. وزاد شحوب وجهها
وتلاحقت أنفاسها ..
هواجس مخيفة دارت – في تلك اللحظات الحرجة – في عقلها .. فهي مشتتة ، مذعـــورة ، عاجزة عن التفكير ، وقبل أي شيء بمفردها لتواجـــه تلك الفاجعة وعليها أن تنقذ ما يمكن إنقـــاذه..
وتحولت نظراتها العدائية إلى نظرات قلق وخــوف واضح ..
مسحت بكمها عبراتها ، ثم جابت بأعينها المتورمتين المكان محاولة معرفة طريقها ومن أين تبدأ ..
هداها تفكيرها إلى السير حيث فـــر هؤلاء المجرمين ، لعلها تصــل منه إلى الطريق الرئيسي ..
ألقت نظرة أخيرة على أوس ، ثم ركضت بهلع في طريقها المنشـــود ..
ابتل جبينها بحبات عرق غزيرة ، وزاد خفقان قلبها .. فما أصعب الركض وسط تاك الرمـــال الساخنة وتحت أشعة الشمس الملهبة ..
حاولت أن تظل ثابتة في تفكيرها على هدفها وألا تتشتت .. نعم الوصــول إلى الطريق أولاً هو السبيل للنجـــاة ..
أُرهــق جسدها كثيراً من كثرة الركض .. ولكن لا وقت للبحث عن الراحة .. فالثانية الواحدة ربما تفرق في إنقاذ روحــه المعذبة ..
هي متشبثة بأمـــل واحد .. أنه مازال على قيد الحياة ، ولم يمتْ أو حتى يفارقها ..
لهثت كثيراً وهي تحاول معرفة الإتجــاه الصحيح .. وحدثت نفسها بعزيمة عجيبة :
-مـ.. مش هاسيبك تموت قبل ما نتحاسب ! أيوه ، مش وقت ما عرفت يعني ايه حقي ، تروح إنت !!!
توقفت لتلتقط أنفاسها ، وانحنت للأمــــام لتسند يديها على ركبتيها ..
ثم أخذت نفساً عميقاً لتضبط أنفاسها اللاهثة .. جف حلقها كثيراً .. وجفت شفتيها بصورة بائنة ..
كم ودت أن ترتشف القليل من المـــاء لتروي ظمئها ..
خشيت أن تكون قد ضلت طريقها .. وأوشكت على البكاء قهراً ويئساً .. ولكن لمعت عينيها ببريق أمـــل واضـــح حينما دققت النظر أمامها ..
فقد لمحت من على بعد شيء ما أسود ، وتتحرك عليه أشياء صغيرة ..
ظنت أنه ســـراب ، وأنها تتوهم ما تراه ..
لكن الحركة ثابتة على ذلك الشريط الأســـود ، ومستمرة ..
فإرتسمت إبتسامة تفائل على شفتيها الجافتين … وتابعت ركضها بعزيمة أشـــد ..
ورغم الإنهـــاك الذي أضنى كل جسدها ، والتعب الذي بدى واضحاً على وجهها إلا أنها لم تستسلم وأصرت على الركــض ……..
……………………………………
في مطــــار القاهرة الدولي ،،،
إرتسمت علامات الصدمة المصحوبة بالإندهــاش على وجـــه مهاب الجندي حينما تم إيقافه عندما حاول إنهاء الإجراءات الخاصة بسفره ، وتشنج فمه صارخاً بإهتياج :
-يعني ايه أتمنع من السفر ؟ هو حد قالكم إني مجرم ؟!
رد عليه ضابط الجوازات ببرود :
-من فضل حضرتك ، مافيش داعي للشوشرة وإلا هانتخذ معاك إجراءات تندم عليها
لوح مهاب بيده أمـــامه ، وأكمل صائحاً :
-ده تهديد أنا مقبلوش
رمقه الضابط بنظرات ساخطة قبل أن يتابع ببرود قاسي :
-دي قوانين وإحنا هنا ملتزمين بيها
تلفت بعينيه الحانقتين المكان من حوله ، وهتف بغضب :
-فين مدير المطار ؟ أنا مش هاسكت عن المهزلة دي !
لم يعبأ الضابط بحالته العصبية ، ورد عليه قائلاً بهدوء عجيب :
-انت تقدر تطعن في قرارالنيابة ، لكن دلوقتي اتفضــل معانا !
ثم أشـــار له بكف يده لكي يسير معه .. فإستجاب الأخير على مضض له ، ورافقه وهو يغمغم بسباب لاذع ..
…………………………….
في المشفى الخاص بالأمـــراض النفسية ،،،،
تحرك عدي مع الطبيب المعالج لليــان في الرواق المؤدي إلى غرفة مكتبه بالطابق الثاني ..
كانت تعابير وجهه توحي بالتفاؤل والأمــل خاصة بعد أن رأى حالة التجاوب المبشرة بين زوجته ووالدتها الحقيقية ..
هتف بتلهف وهو يشير بيديه :
-أنا كأني بأحلم ، ماتوقعتش إن ده يحصل
أجابه الطبيب بهدوء :
-عادة المريض بيفاجئنا بتصرفاته ، لكن هي بداية حلوة ، وخطوة في طريق العلاج !
تسائل عدي بحماس بادي في نبرته :
-يعني في أمل ؟
هز الطبيب رأسه ليجيبه :
-طالما هي عندها الرغبة ، والدعم الأســري موجود ، إن شاء الله هايحصل !
-يا مسهل
ثم وضــع عدي يده على جيب بنطاله من الخارج ليتحسس هاتفه المحمول ، فلم يشعر به ، فدسها داخله ، وتفقد البقية ، وتحول وجهه للعبوس قليلاً ، وتوقف عن الحركة ..
إستغرب الطبيب من تصرفه ، وســأله مستفهماً وهو محدق به :
-في حاجة ضاعت منك ؟
رد عليه عدي بضيق :
-موبايلي مش لاقيه !
ســأله الطبيب بإهتمام وهو مقطب الجبين :
-هو كان معاك وإحنا تحت ؟
هز كتفيه نافياً وهو يجيبه :
-مش عارف
أردف الطبيب قائلاً بصوت جاد :
-مش يمكن تكون سبته في العربية أو مكان تاني !
-مش فاكر
-على العموم لو هو هنا هنلاقيه ، المستشفى هنا كل اللي شغالين فيها مؤتمنين !
قالها الطبيب وهو يضغط على الكلمات الأخيرة ليؤكد على سمعة المشفى الجيدة و المعروفــة بين الجميع ، وكذلك على نزاهة العاملين بها ..
تنحنح عدي بصوت خافت ، وبرر قائلاً بصوته المتحشرج :
-أنا مقصدش ، بس إنت عارف إن هو عليه حاجات مهمة وآآ…
قاطعه الطبيب بهدوء حذر وهو يشير بكفه أمام وجهه :
-ماتقلقش ، لو جوا المستشفى هنلاقيه !
…………………………..
على ذلك الطريق السريع ، تسابقت السيارات بمختلف أنواعها للوصــول إلى وجهتها في أقل وقت ممكن ..
ومن بين تلك السيارات ، كانت هناك إحدى الدوريات المرورية التي تجوب الطرق للتأكد من سلامتها ..
حافظ قائد السيارة على سرعته ، بينما راقب الضابط الجالس في مقعد الراكب الطريق بكثب شديد ، ثم أشــار بإصبعه قائلاً بلهجة رسمية وهو محدق أمامه :
-لازم يتحط ردار هنا ، وإلا هتحصل كوارث
رد عليه الأمين الجالس في المقعد الخلفي بنبرة جادة للغاية :
-تمام يا فندم ، هانبلغ الإدارة في المرور
أكمل الضابط حديثه بحدة وهو متجهم الوجــه بـ :
-ماهو لو الناس دي مش خايفة على أرواحها فإحنا خايفين على الأبرياء اللي مالهومش ذنب في سواق متهور مش حاطط في باله أي اعتبار ليهم !
………………………
في نفس التوقيت كانت تقــى تركض وهي تلهث في إتجاه الطريق ..
قطعت هي شوطاً كبيراً من أجل إنقاذه ، وحينما بدت السيارات أمامها واضحة ، بدأت الصراخ عالياً بصوتها اللاهث :
-ساعدوني ، إلحقووني ، هما .. آآ.. هما ضربوه
توقفت لإلتقاط أنفاسها لثوانٍ معدودة ، ثم أكملت ركضها ، وعاودت الصياح بنبرة أعلى وهي تشير بكلتا يديها :
-حد سامعني ! هايموت !
مرت السيارات من جوارها كالريح ، لا أحد يعيرها الإهتمام أو حتى يلتفت نحوها ..
أُعتصر قلبها كمداً وحزناً مما يحدث .. فالبشر أصبحوا قساة .. قلوبهم لم تعدْ كما كانت تعرف الشفقة أو الرحمة ..
بكت عفوياً حسرة مما تراه ، ومع هذا رفضت الإستسلام ، وأكلمت صراخها المختنق :
-حد يقف ويساعدني ، هو بيموت ،ليه محدش عاوز يسمعني ؟ ليييه ؟!!
تشنجت وتعالت شهقاتها الباكية ومسحت بأصابعها المرتجفة تلك العبرات التي أغرقت مقلتيها لترى الطريق ..
بح صوتها وشعرت بتلك الحشرجة القوية تجتاح أحبالها الصوتية ، فآلمتها بشدة ، ورغم هذا واصلت الصراخ لعلها تجد من يرقْ قلبه لها ..
لمحها الضابط الجالس في الدورية المرورية ، فضيق عينيه بحدة وتسائل مع نفسه :
-بتعمل ايه دي هنا ؟ ومالها بتعمل كده ليه ؟!
لم يترك لنفسه الوقت ليفكر ملياً ، بل أشـــار للعسكري بيده وهو يأمره بصوت قوي :
-وقف العربية عند الست اللي هناك دي
دقق السائق النظر حيث أشـــار ، وأومــأ برأسه قائلاً :
-أوامر معاليك !
وبالفعل إتجه بالسيارة نحوها ..
كادت تقى أن تفقد الأمــل بعد أن يأست من توقف أي أحد لمساعدتها ، ولكنها شهقت مصدومة حينما رأت تلك السيارة تقترب منها ..
إزدادت خفقات قلبها ، وتراجعت خطوتين للخلف .. وحاولت أن تضبط أنفاسها المتسارعة ..
تفحصها الضابط بأعينه الثاقبة وهو يترجل من السيارة ، ثم ســار نحوها وسألها بصوت خشن وآجش :
-في ايه يا ست ؟ واقفة كده ليه ؟!!!
كذلك تفحص بقع الدمــاء التي تلطخ قميصها ، والحالة الغير طبيعية التي عليها دون أن ينبس بكلمة تاركاً لها الفرصة للرد ..
أجابته بصوت مبحوح ومتقكع وهي تتلفت برأسها للخلف ، ومشيرة بكلا ذراعيها :
-ضربوا عليه نار ، وآآ.. وكانوا عاوزين يموتوني ، بس آآ.. هو .. الحقوه الأول !
ضم الضابط أصابع كفه معاً ليشر لها وهو يشرع حديثه بهدوء مريب :
-اهدي كده وفهميني بالراحة اللي حصل !
صاحت بتوسل وهي تلهث بـ :
-مافيش وقت ، هايموت !
سألها بجدية وهو يرمقها بنظراته الغامضة والمريبة في آن واحد :
-مين ده ؟
توترت أكثر .. وزدات رجفتها وهي تجيبه بصوت متلعثم وخافت :
-آآ… أوس الجندي ، جـ … جوزي !
نعم كانت تلك هي المرة الأولى التي تصرح فيها علناً بأنه زوجها .. حتى وإن كانت تمقته ، لكنه مازال إنساناً على شفير الموت ..
قطع تفكيرها المتوتر صوت الضابط حينما ردد على مسامعها بصوته القوي :
-جوزك !
أصابتها تلك الكلمة بقشعريرة قوية ، وحاولت أن تصرف عن ذهنها تأثيرها المثير للأعصـــاب .. وركزت كل تفكيرها على مهمة واحدة ..
لذا دون تردد هتفت بتوســـل وهي ترمق الضابط بنظرات راجية :
-ياحضرت الظابط انقذه الأول ، هجموا علينا ، وكانوا آآ.. هو .. بص هناك ..أنا..آآ.. أنا سيباه بين الحياة والموت ، ومحدش عاوز .. آآآ.. عاوز يساعدني
بدت تقى مشتتة وهي تحاول شرح ما حدث ، وتعذر على الضابط ربط ما تقوله بما حدث ، فتشدق قائلاً بضيق :
-كلامك مش راكب على بعضه ، فهميني بالظبط اللي حصل !
صاحت به بصوتها المبحوح ومشيرة بعينيها الملتهبتين :
-تعالى معايا وانت تشوف
قطب جبينه بشدة ، ورمقها بنظرات حـــادة وهو يسألها بنبرة محتدة :
-أجي فين يا مدام ؟
أشـــارت بيدها وهتفت وهي تسير من حيث أتت :
-هناك !
فغر الضابط ثغره قائلاً بجمود :
-في الصحرا
استمرت في التحرك وهي تهز رأسها بشدة لتصرخ فيه بعصبية :
-ايوه .. هو .. هو هناك ، هايموت يا باشا ، إلحقه !
تنهد الضابط بإنهـــاك لفشله في فهم ما حدث ، ولكن بحسه الأمني أدرك أن الخطب جلل ، لذا إستدار بجسده للخلف ، وصاح قائلاً بقوة وصرامة في أمناء الشرطة المرافقين له :
-يا أمين اطلع بالعربية هنا بسرعة !
أومــأ أمين الشرطة برأسه طاعة له مردداً :
-حاضر يا باشا !
ثم ضرب بيده على مقدمة السيارة ، وصاح بصوت رسمي : -يا عسكـــــري ، حرك العربية لفوق !
تابع الضابط حديثه الجـــاد قائلاً :
-وانتي يا مدام اتفضلي في العربية ، وورينا المكان اللي فيه جوزك
ابتلعت ريقها وبللت شفتيها وهي تهمس بصوت مضطرب :
-حـ ..حاضر !
أفسح لها أمين الشرطة المجـــال لتجلس في المقعد الخلفي ، ووقف في مكانه ممسكاً باللاسلكي وحدثه الضابط بكلمات مقتضبة :
-استنى هنا لحد ما أشوف الموضوع ايه
هز رأســـه موافقاً وهو يسأله بخنوع :
-أي أوامر تانية يا باشا ؟!
رد عليه بجمود :
-تابعني على اللاسلكي ولو في حاجة هابلغك
-تمام يا فندم
ثم ركب سيارة الدورية لينطلق السائق بهم إلى حيث أشــارت تقى ……
………………………………………
في مكتب الجوازات الملحق بالمطــــار ،،،
هاتف مهاب المحامي نصيف ، وأخبره بإيجاز عما حدث له أثناء إنهائه لإجراءات سفره ، فأبلغه الأخير بهدوء :
-ده أمر طبيعي يا مهاب باشا ، طالما في قضية وتحقيقات ونيابة ده بيحصل
-أنا مش متهم عشان أتحط على قوائم الممنوعين من السفر
-في جريمة قتل حصلت ، والنيابة مشتبه في كذا حد ، ومن ضمنهم حضرتك
-اتصرف وحل المشكلة دي
-حاضر .. هاشوف هاعمل ايه
-أووف ، خلصت وماخلصتش ، ولا لازم أنا أعمل كل حاجة بنفسي عشان أضمن انها على مزاجي
-د. مهاب
-ايوه !
-حضرتك تقدر تمشي الوقتي
نفخ من الضيق وهو ينهض عن مقعده قائلاً بسخط :
-أخيراً !
ثم إتجه نحو الباب ، ورمق الضابط بنظرات حادة وهو يســأله بصوت شبه متشنج :
-والشنط بتاعتي
-تقدر تستلمها ، هي مافيهاش حاجة
-أكيد طبعاً ، هو أنا مهرب !
-دي إجراءات روتينية يا دكتور ، أنا مش محتاج أفهمك
-عارف انه شغلك ، بس في استثناءات ، وأكيد انت عارف أنا مين !
-ايوه يا د. مهاب ، بس أنا هنا بأنفذ القانون
-أهــا ..
لم يضف مهاب أي كلمة أخــرى واكتفى بأن يغمغم مع نفسه بكلمات غاضبة وهو يسير نحو الرواق الجانبي المؤدي لصالة المطـــار …
……………………………..
في النادي الشهير ،،،،
هب سامي الجندي واقفاً بذعـــر من مكانه ، وصــاح بصدمة وهو يضع هاتفه المحمول على أذنه :
-اييييه ؟!!
إلتفت بعض الجالسين حوله إليه ، فتدارك الأمـــر سريعاً وعاود الجلوس على مقعده ، وصــر على أسنانه متسائلاً بشراسة :
-هو مات ولا لأ ؟
ضغط على شفتيه قائلاً بغلظة :
-يعني ايه متعرفش ، أومــال أنا باعتك ليه ؟!!
زفــــر بغضب ، وإحمـــر وجهه من الغيظ ، ثم أضاف بنبرة قاسية :
-بلغني بالجديد فوراً ، وأنا فاتح تليفوني !
أنهى سامي المكالمة ، وألقى بالهاتف على الطاولة ، وفرك وجهه بيده .. ثم أخـــذ نفساً عميقاً ، وزفره مرة واحدة .. وتمتم مع نفسه بحنق وهو محدق أمامه :
-دي تبقى كارثة لو فضل أوس عايش ، مش هايرحم حد ، وخصوصا لو عرف مين ورا اللي جراله… !!!
…………………………………………
قطع سائق سيارة الشرطـــة مسافة ليست بالقليلة داخــل الصحراء محاولاً الوصــول إلى الوجهة المقصودة بناءاً على تعليمات الضابط المسئول ..
بينما حدقت تقـــى بكل تركيز أمامها حتى لا تضل الطريق ، وما إن لمحت شبح السيارة من على بعد حتى شهق مذعورة بـ :
-هي .. هي العربية اللي هناك دي
رد الضابط بهدوء بعدما نظر إلى حيث أشــارت :
-تمام
ثم مـــال على السائق ، وأمره قائلاً :
-دوس بنزين شوية
هز السائق رأســه قائلاً :
-أوامرك يا باشا
أمسك الضابط باللاسلكي الخاص به ، وأردف قائلاً بنبرة رسمية :
-من الوحدة (( … )) المتحركة على طريق اسكندرية – القاهرة الصحراوي بلاغ عن حدث إعتداء على الطريق و..آآ..
لم تصغْ تقى إلى ما يقوله الضابط ، فكل حواسها منتبهة إلى أوس الذي تركته بين الحياة والموت ..
تسارعت دقـــات قلبها ، وشعرت بنبضاته تخترق آذانها ..
حاولت ألا تفكر في حدوث الأسوأ ، له ، وظلت تتمتم مع نفسها بقلق واضح بـ :
-استر يا رب ، عديها على خير !
دنت المسافة كثيرا ، وبدت السيارة أكثر وضوحاً ، ورأى الضابط جســـد مُلقى أمامها ، فلكز السائق في كتفه وهو يهتف بجدية :
-أوقف هنا !
امتثل السائق لأوامـــره ، وأشهر الضابط سلاحه وهو يترجل من السيارة ، ثم ركض مسرعاً في اتجاهه ، وجثى على ركبته ليتفقده ..
بأصابعٍ مرتجفة ، فتحت تقى الباب ، وترجلت من السيارة وهي تكتم شهقاتها بيديها المرتعشتين ..
حدقت في الضابط الذي يوليها ظهرها ، ولم ترْ بوضــوح ما الذي يفعله ، فتحركت بحذر للجانب ، وحبست أنفاسها ، وراقبت المشهد بتوتر جلي ..
كان ضابط الشرطة ممسكاً بمعصم أوس ، ويضع إصبعيه عند عنقه ليتفقد نبض شريانه ، ثم رأته وهو يميل على وجهه ، ويصغي إلى تنفســـه ، ومن ثم هتف بصوت مرتفع :
-اطلب الاسعاف بسرعة ، لسه فيه النفس !
شهقت تقى بإرتيــــاح ، ومع هذا لم تتحمل ما قاله الضابط ، فخــــارت قواها من أثر الصدمة ، وسقطت على الرمـــال فاقدة للوعي ………………………….