الفصل الثالث
—————-
توجه غسان سريعًا والغضب يتأجج داخله من فعلة مروان حين صفع الفتاة.. وهو الذي ما عاهد فيه ندالة أو خسة يومًا..! وصل إليهما وحرر وثاقهما وكل ما يشغله هو كيف ينجي الفتاتان من قبضة صديقه المتهور الذي يحاول أن يأخذ حقه بطريقة لا تليق بأخذ حقٍ قط! حتمًا هناك سبيل أخر لرجوع حقه!
_ أسفين يا بنات! أتفضلوا عشان أوصلكم لحد بيتكم، وانسوا اللي حصل! وسامحونا..!
أتسعت حدقتا ملك وسمر وهما يطالعان غسان غير مصدقين أنهم سيغادرا بتلك البساطة! كيف؟! وهل يرضى صديقه الفظ عن قراره؟!
أما مروان، فظل بالخارج تلتقط اذنيه حديث صديقه لهما، دون أن يحاول اعتراض طريقه أو منعه، هو محق، لم يكن يجدر به التفكير گ لص حتى وإن كان بالأصل يسرق حقه او بالأحرى يعيده لقبضته كما كان..!
يجب البحث عن طريقة أخرى ليعيد حقه المسلوب!
عبرا الفتاتان أمامه مغادرين يتبعهما غسان..!
فوقفت سمر أمامه تهتف بخجل: أنا أسفة يا أستاذ مروان، أنا اللي ضيعت منك حقك! شوف هتعمل أيه والمطلوب مني هعمله بدون نقاش، حتى لو قولتلي ارمي نفسك في النار هعملها، أنت قدمتلي معروف وانا قابلته بالغدر.. وعمري ما هسامح نفسي!!
لم يرد عليها سوى بنظرة غاضبة دون تعقيب!!
ثم انتقل بصره للمتنمرة التي لم تصوب له نظرة واحدة ولو احتقارًا، منذ تلقيها صفعته ولم يسمع صوتها..!
_ يلا يابنات عشان الحق اوصلكم!
وذهبوا جميعًا، بعد أن ألقى غسان نظرة غاضبة على مروان..!
**************************
لا تصدق أنها نجت من قبضة مروان!
بعد أن كانت اقرب للغرق في بحر ثورته بعد ان احتالت عليه وضاع حقه باقتراف يدها واتفافها المستتر مع العم شاهين للغدر بذاك الرجل الطيب الذي قدم لها مساعدته دون تردد!
الخزي يأكلها..! وياليتها قبضت ثمن بيع ضميرها وسلب حق الغير.. بل غدر بها العجوز الماكر شاهين وتملص من وعده بعلاج شقيقها الصغير.. وبعد ان كانت تحيا بعبء مرض أخيها وكيف تحصل له على مساعدة مادية، صارت تحمل عبء ضمير يؤرقها بعد غدرها بمروان.. ويجب عليها فعل شيء لإعادة حقه مهما كلفها الأمر.. وتعرف جيدًا ماذا ستفعل!
**************************
في منزل ملك!
عمرو: عاملة أيه يا ملوكة.. كويسة؟ معلش مقصر معاكي أنا وياسر بس والله غصب عننا، أنا كنت مشغول الفترة اللي فاتت في شغلي وكنت برجع يدوب ع النوم مش بشوف حتى ولادي، وياسر اضطر يسافر عشان مع مراته عشان حماه جاله جلطة بقالهم هناك أسبوع، بس اتفقنا اما يرجع هنزورك كلنا ونقضي يوم عندك، وحشنا أكلك الحلو ولمتنا يا ملوكة!!
تنصت لشقيقها عبر الهاتف، وخيط دموع صامتة يزحف ببطء على وجنتيها بمرارة لم يشعر بها شقيقها، وقطعًا لن يراها، فمررت كُمها على خديها تجفف العبرات، وهتفت بصوت مطمئن حاولت إتقانه: أنا بخير يا عمرو ماتقلقش هيجرالي أيه يعني.. ثم ضحكت بتهكم:
هتخطف مثلا؟؟؟؟؟ ابقي سلم على مراتك والولاد، ووقت ما تفضى أنت وياسر ابقوا تعالوا..!
أنتهت المكالمة التي لم تتجاوز الخمس دقائق!!
واتجهت تصنع لها مشروبًا تتجرعه لتخفي بحلو مذاقة تلك المرارة التي تحتل حلقها الآن!!
لقد خُطفت وقضت ليلة كاملة وهي مغلولة اليدين ومكبلة بمقعد قاسي ترك على ظهرها علامات مازالت تؤلمها..! كان يمكن أن تنال على أيدي مختطفيها مصير معروف! لكن هي عناية الله من حفظتها كما تؤمن هي دائما..!
من حفظ الله وتذكره في اليُسر.. حفظه في العُسر..!
نجت هي وصديقتها حقًا .. وتحمد الله على ذلك!
ولكن كم تحزن لجهل شقيقاها بما تعرضت له!
أخذتهما الدنيا بتيارها بعيدًا عنها، فمنذ وفاة والدتها من ثلاث اعوام، واصبحت وحيدة بذاك المنزل، الأب متوفي منذ عهد بعيد ربما لا تتذكر حتى ملامحه لصغر عمرها وقت وفاته، وبوفاة والدتها، حُرم عليها المكوث بمفردها، وانتقلت للعيش مع شقيقها ياسر، ولم تتحمل معاملة زوجته السيئة أكثر من عام ونصف تحملت الكثير بفترة إقامتها معهم، وانتقلت لتستقر مع شقيقها الأخر عمرو، وظنت أن العيش معه سيكون أكثر استقرارا، ولكن أثبتت الأيام انها مخطئة! فلم تختلف كثير زوجة الشقيق الثاني عن الأول، كانت تشعر أنها خادمة بينهم! ولن تتحمل ذاك الوضع المهين، خاصًا بعد أن تفاقمت المشاكل وشعرت أن وجودها مع شقيقاها سيقلل سعادتهم!!
وقررت الرحيل والمكوث بمنزل والديها رحمهما الله!
فلم يقبلا عمرو وياسر الفكرة، وصمموا على مكوثها بينهم فغير لأئق أن تعيش فتاة بمفردها، ولكن مع إصرارها، واستمرار نفس المشاكل بينها وبين زوجتيهما.. وافقوا على مضض، متعهدين لها أن لا ينقطعوا بزياتها يوميا، ومضت الأيام والأعباء تزيد والزيارات تقل، كانت كل يوم، ثم اصبحت اسبوعيًا ثم شهريًا، إلي أن اصبحت زيارتهما لها كلما سمحت لهما فرصة!!!
وهاهي تعرضت لما حدث دون أن يعلموا..!
تنهدت بضيق، وذهبت لتتوضأ وتصلي كل فروضها التي لم تصليها، وما أن انتهت من صلاتها، حتى سمعت طرق على منزلها، وراحت تتبين ولم تكن سوي الجارة سمر، وملامحها لا تبشر ابدًا بالخير!!!!
**************************
طرقات عنيفة متتالية على باب منزله، جعلته يفيق مفزوعًا. متسائلا أثناء هرولته عن الوقح الذي يطرق بابه بتلك الطريقة، ويقسم سيلقنه درسًا ما أن يبصره!
ولكن ما أن تبين الطارق الواقف يلهث بشدة، أو بالأدق تلهث! فلم تكن الطارقة سوى ملك جارة سمر
والتي اكملت صدمته بجملة قذفتها سريعًا:
_ عمك خطف سمر!!!!
يطالعها مروان بحيرة وهي جالسة أمامه، يفصلهما طاولة صغيرة بركن ما في تلك الكافيتريا القريبة لبنايته، حيث انتظرته بها ملك التي حمدت الله أنها واستطاعت العودة لنفس المكان القاطن به مروان دون أن تضل الطريق.. فلم تجد أحدًا تستنجد به سواه، فهو أدرى الناس بالتعامل مع ذاك العم الحقير الذي اختطف صديقتها وجاءت تطلب مساعدته!
قال وهو يناولها كأس ماء:
_أهدي كده وفهميني براحة، اتخطفت ازاي وأيه وداها لعمي من أساسه!!!
قاطع استرسالها مجيء غسان الذي هاتفه مروان مسبقًا: السلام عليكم!
هتفا سويا : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته!
غسان مستفسرًا:أيه اللي سمعته منك في التليفون ده يا مروان، ثم وجه حديثه للأخرى: وازاي عرفتي يا أنسة ملك إن عمه هو اللي خطف سمر؟!
تجرعت القليل من الماء، ثم راحت تسرد على مسامعهم ، ماحدث باليوم الذي تلى مغادرتهم :
_سمر ضميرها كان تاعبها عشان هي السبب في اللي حصل، وصممت تعمل أي حاجة عشان ترجع المعرض، فقالت انها هتروح تهدد عمك أنها تعرف بجوازه من زوجة تانية على بنت عمه، وتعرف اسرار كتير مخبيها عن مراته، ولو مارجعش المعرض لابن اخوه، هتقول اللي عندها وهتهدده أنك عارف كل حاجة!
طبعًا أنا رفضت اقتراحها من أساسه وخوفتها من عواقب تهورها، وإن أنتوا أكيد مش هتعدموا طريقة ترجعوا بيها المعرض، ولأني عارفة إن سمر جبانة جدا، وبتخاف من خيالها، قلت مستحيل تروح وتعمل ده بعد ماخوفتها من اللي ممكن يحصلها..!
ونزلت من عندي على إنها رايحة لأخوها حاتم. في المشفى، وعدى اليوم كله وماظهرتش، وانا للأسف بعد ما مشيت من عندي نمت اغلب اليوم حتى ماروحتش شغلي، فضلت اتصل بيها بعد ما صحيت، الاقي رنين بدون رد!
ولما القلق اتملك مني وبقينا أخر الليل ، اخدت المفتاح ودخلت شقتها، يمكن تكون رجعت ونامت وانا ماخدتش بالي بس مالقيتهاش، ولسه هخرج لقيت ورقة متعلقة في ضهر الباب مكتوب فيها، انها هتروح لشاهين تهدده، ومش مهم اللي يحصلها أو التمن اللي هتدفعه عشان ترجع المعرض لصاحبه وضميرها يرتاح! وقالت إنها لو ما رجعتش لحد بالليل، اعرف ان حصلها حاجة ووصتني على اخوها حاتم!
وعند ذكر جملتها الأخيرة،تحشرج صوتها بغصة وهي تعيد ما خطت سمر، وبكت بعجز تام وقلق مستعر داخلها!!
يتأملها مروان متعحبًا بكائها أمامه! رغم أنه مبرر ومنطقي! ولكن لم يتخيل أن يرى تلك المتنمرة تبكي أمامه بوهن أنثى ضعيفة قلقًا على رفيقتها، بعد أن أختبر شراستها وصلابتها وقت اختطافها..والآن يهتبر رقة مشاعرها وهشاشتها..!
لم تسيل لها دمعة واحدة بعد صفعته القوية والتي مازال أثرها الأزرق مطبوعًا أعلى وجنتيها..!
نفض عنه شروده، وهتف مطمئنًا:
طب اهدي وبطلي عياط! يا أنسة ملك!
مافيش حاجة وحشة هتحصل واوعدك ارجع صاحبتك صاغ سليم مهما كلفني الأمر مش هتخلى عنها، وده وعد مني ليكِ!!
منحته نظرة جمعت بين دهشتها وإعجابها بشهامته وتفهمه لورطة صديقتها، رغم ما اقدمت عليه سمر من فعلة مشينة افقدته معرضه، إلا أنه يعدها بكل رجولة أن يعيدها سالمة دون أذى!
أما حنان صوته وهو يطمئنها فقصة أخرى..! وتعجبت بداخلها.. هل الجالس أمامها الآن، هو نفسه من نعتته بلصٍ وقح، وصفعها بقسوة ردًا لإهانتها؟
قاطع شرودها صوت غسان هادرًا: الكلب!
فنظر له مروان مؤكدًا: طول عمره واطي ونجس وغدار عشان كده ابويا عمره ما أمن له ابدا..!
غسان: لازم نتعامل بذكاء معاه عشان ننقذ سمر قبل ما يأذيها..!
مروان: عندك حق، لازم اراقبه واجمع معلومات عن مراته التانية واعرف مكانها وبتهدده بأيه!!
وصمت برهة مفكرًا ثم قال بحماس عندما ومض بعقله فكرة مباغتة: لقيت الطريقة اللي هتساعدني اعرف بيها خط سير عمي!
_ هي فين أختي سمر يا طنط ملك؟
ابتسمت لتطمئنه: حبيبي أختك بس تعبانة شوية وعندها برد شديد جدا، والعلاج بيخليها تنام كتير.. وهي رغم كده كانت عايزة تجيلك بس أنا منعتها، لأن أولا ممكن تعديك. وثانيًا كانت هتتعب زيادة والدكتور أمرها بالراحة..!
حاتم بحزن: يا حبيبتي يا أختي، ياريتني اقدر اروح عندها.. ارجوكي ياطنط خدي بالك منها عشان تخف بسرعة وتجيلي واشوفها..!
حاولت التماسك أمام الصغير الذي يلتاع لمجرد ظنه أن شقيقته مصابة بنزلة برد.. فماذا أن علم بإختطافها؟ تنهدت محدثة ذاتها: يارب ترجعي بالسلامة ياسمر.. يارب استاذ مروان ينفذ وعده ليا ويلاقيكي بسرعة وتكوني بخير.!
صباح الخير ياعم صابر!
التفت إليه رجل عجوز هزيل الجسد بشوش الوجه اشيب الخصلات، متوقفًا في الحال عن تنظيف واجه السيارة الزجاجية. وهتف بحبور:
مروان بيه!! ياصباح الفل والياسمين عليك!
تمتم: عامل أيه يا ياعم صابر، بقالي كتير مش بشوفك ولا بسأل عنك معلش سامحني!
هز الرجل رأسه مستنكرا: ماتقولش كده يا مروان بيه ده كفاية ذوقك كل اما تشوفني، انت طمني عليك!
.أجابه: للأسف يا عم صابر، انا مش بخير، عندي مشكلة كبيرة ويمكن محدش يقدر يساعدني في حلها غيرك أنت، ده لو حابب يعني!
الرجل بحماس صادق: رقبتي فداك يا مروان بيه، قولي اساعدك ازي وانا مش هتأخر دقيقة عنك!
فقص عليه مروان كل ماحدث من العم شاهين. وكيف أوقعه بفخ تلك الفتاة وافقدوه معرضه!
فتأسف السائق العجوز: معقولة توصل لكده، عمك يسرقك عيني عينك! أمال لو ماكنتش ابن اخوه ومن دمه!
تهكم مروان: هو ده يفرق معاه دم ولا قرابة، ده مش بني آدم أصلا، عموما أنا جيتلك استعين بيك وعارف إنك مش هتكسفني.. عايزك تعرفني خط سير عمي، بيروح فين، وأيه اكتر الأماكن اللي بيتردد عليها.. ؟!
ولأنه سائقه، فهو يعرف الكثير عن ذاك العم، وربما آن الآوان لكشف بعض الحقائق التي لديه! فهذا الشاب الطيب ابن الرجل الذي كان يُكن له الكثير من الحب والاحترام، يستحق الدعم، وهو لن يُفشل مسعاه..!
_ أنا هقولك كل حاجة اعرفها يا مروان بيه.. وأظن اللي عندي هيفرق معاك جدا..!
ترى ماذا بجعبة سائق العم شاهين؟؟؟
………………… ..
تنويه
لأن معظكم شاف يومين نشر قليل
دي المواعيد الجديدة.
سبت ..اثنين .. اربعاء