رواية الجرم الأكبر

بواسطة: كُتاب بيت العز - آخر تحديث: 20 أغسطس 2024
رواية الجرم الأكبر



البارت الرابع!

_ هو فين بابا يا ماما؟

لا تعرف بماذا تجيب صغيرها.. ماذا عليها قوله، كيف تسد فراغ أبيه، حقًا لم يكن شاهين أب حنون وودود لكريم، وكان يغيب عنه كثيرًا بطبيعة الحال.. ولكن يظل أبيه في أخر الأمر، وسيشتاق رؤيته، لا مفر إذا من كذبة لتحل أمر غيابه، فلن تعرض طفلها لصدمة معرفته بوفاة والده وماضيه المخحل الذي أوصله لعقاب گ حكم الإعدام..!

_ بابا مسافر ياكريم وهيغيب فترة كبيرة!
_ يعني هيغيب شهر؟
_ أكتر ياكريم.. هيغيب وقت طويل، وانا عارفة إنك ولد شاطر وجميل.. يمكن في حاجات مش هتقدرتفهمها دلوقت.. لكن أكيد لما تكبر هتعرف وتستوعب حاجات كتير..!
بدا الصغير لا يدرك ما وراء الكلمات، فهتفت له:

_ هسألك سؤال يا كريم.. لو اضطريتنا الظروف أن أنا وبابا نفترق، ولازم تختار حد فينا تعيش معاه، هتختار مين فينا..!

نظر لها بملامح تنضح حيرة، ثم هتف بثقة:
هختارك انتي يا ماما لأني بحبك أكتر.. بابا مش بيلاعبني وبيزعقلي كتير ومش بياخدني في حضنه ويحكيلي حواديت قبل النوم زيك، وبيسبنا لوحدنا كتير..وانا بشوفك بتعيطي وانتي لوحدك.. عشان كده انا هفضل معاكي لحد ما اكبر وابقى راجل قوي وانا اللي هاخدك في حضني واحكيلك حواديت!

سيل جارف من الدموع هو ما تدفق من مقلتيها وهي تتلقفه بين ذراعيها المرتعشة، وفؤادها يصرخ بفيضان من الحب الغريزي لقطعة قلبها ووحيدها الذي فاجأها بامتنانه وتقديره لما تفعل ومشاعره البريئة نحوها والتي ترجمها لها بوعد طفولي حين تتبدل الأدوار ويصيبها الكِبَر..! ويكون هو بعنفوان شبابه وقوته، حصن يحميها من غدر الأيام، وحضن يحتوي وهن شيبتها حين يمضي بها العمر..


_ ياتري مرتاحة في الشغل هنا يا مدام حسناء؟

_ الحمد لله أستاذ غسان مرتاحة جدا.. كنت فاكره مخي صدى ومش هعرف اشتغل، بس حضرتك ساعدتيني كتير.. بجد شكرًا ليك!!

غسان بصوت دافيء:

_ ماتقوليش كده.. أنا تحت أمرك، أوعي تحملي هم حاجة وأنا موجود على وش الدنيا يا حسناء
ثم تنحنح لزلة لسانه: عفوًا قصدي مدام حسناء..!

أحمر وجهها من الخجل وارتعش قلبها من رقة صوته، وهذا حالها منذ أتت لتعمل معه گ سكرتيرة خاصة له! دائمًا يختلق المهام والفرص حتى يجتمع بها ويحدثها، وما أن يبدأ حديثه بما يخصُ العمل، حتى ينتهي بحديثه عن نفسه، أو. اسئلته الشخصية عن أحوالها هي وكريم، أصبح يؤثر فيها بشكل كبير..!

غسان! مزيج جديد عليها..!
تنجذب إليه بشكل يؤرقها.. ويخيفها من تجربة مجهولة..! بعد أن كانت تشك بميله نحوها.. أصبح لا مجال للشك بعد إعلانه المباشر لرغبة الزواج منها..!

رفضت.. ولكن يبدو أنه لم ولن يستسلم لقرارها..!
يحاصرها بحنانه واهتمامه ورعايته التي يفرضها عليها فرضًا..! ولكنها ستظل تقاوم تلك المشاعر الوليدة داخلها، وتحاسب ذاتها بشدة، كيف لها أن تفكر بنفسها، ولديها كريم! هل تأمن أحدًا عليه؟!!! لا يستسيغ عقلها فكرة وجود زوج أم له، وهي تعرف أكثر من غيرها ما معنى هذا.. لا! لن تضعه بتلك التجربة، ستعيش لأجله فقط، مهما تحرك فؤادها لذاك الفارس! يجب أن تفيق من سحر مشاعرها المراهقة التي تحياها مع غسان، هو رب عملها وفقط.. لا شيء أخر..!


_ مش قلتلك ياغسان هترفض.. وده طبيعي، أكيد هتخاف على مستقبل أبنها من شبح زوج الأم القاسي! لازم تعذرها، وعايز اعرف بجد.. أنت فعلا مش فارق معاك إنها أكبر منك بسنتين؟؟

_ لا طبعا مش فارق معايا نهائي، لأنه فرق طفيف ومابحسش بيه معاها ، بالعكس يامروان، حسناء فيها مزيج بيجنني، رقيقة جدًا، بس قوية في الحق لما خلصت ضميرها ووقفت معاك ضد جوزها اللي يستحق مصيره.. وضعيفة في خوفها على كريم ، وبحر حنان وهي بتتعامل معاه.، بحر نفسى ارسى على شطه وارتوي منه واغرق فيه!

أنا مش هيأس ولا استسلم لرفضها، هفضل أحاول لحد ماتطمنلي وتحبني زي مابحبها، حسناء هتكون ليا يامروان. وده قرار مش هرتاح إلا إذا نفذته وخليتها تعيش تحت جناحي هي وكريم..!

مروان مربتًا على كتفه:
وأنا اتمني من قلبي ده يحصل ياغسان، حسناء تستحق راجل زيك، وأنا متأكد إنك هتكون أب حقيقي لكريم.. ربنا معاك ياصاحبي وتنول اللي بتتمناه وافرح ليكم عن قريب!!!


_ يعني أنا هرجع أمشي تاني والعب مع اصحابي؟!
سمر وهي تقبل جبين شقيقها حاتم:
بأذن الله ياحبيبي، هتخف وتمشي تاني، والفضل هيكون لربنا أولًا ثم أستاذ مروان! عايزاك تدعيله ياحاتم، أنت دعوتك بريئة وإن شاء الله مستجابة!

هتف ببراءة: يارب يحج ويدخل الجنة!
فرددت: اللهم أمين.. المهم يا تومي، عايزاك تفضل تقرأ في سرك القرءان اللي أنت حافظة، عشان ربنا يكون معاك ويحفظك وتتعافى على خير ياحبيبي!

حاتم: حاضر، ومش هخاف من الحقنة زي ماقلتيلي لأني راجل، صح؟
ضحكت وضمته وقبات رأسه متمتمة: طبعا ياحبيبي وأحسن راجل في العالم كله!!


في غرفة استقبال أنيقة بمنزل عمرو الشقيق الأكبر لملك! واقفًا مروان يتلقى ثورة أخيها ببرود تام، وهو قابضًا بيديه عنقه، بعد أن أخبره بخطف شقيقته!!

ياسر: خطفتها وجاي تقولنا ببساطة كده!! يابجحتك يا أخي يابجحتك! أنا هطلع روحك في ايدي!!

عمرو الذي يحاول إدارة الموقف بحكمة:
_ سيبوا يا ياسر خلينا نفهم أيه اللي حصل بالظبط، بلاش جنان..أسمع الكلام بقولك سيبوا..!

_ أنت مش سامع يا عمرو قال أيه، بيقولك خطف اختنا ملك هي وصاحبتها، وفاكرني هطبطب عليه! ده أنا هقتله!!!

مروان بتهكم شديد:

_ ولما أنت حنين ودمك حامي كده، اهملتها ليه أنت واخوك؟! ليه ماسألتوش عن أختكم واطمنتوا عليها، بتغيبوا بالشهر .وأكتر على ما تزوروها، حتى التليفون فين وفين أما تتصلوا بيها، حد فيكم حس بيها؟ رابط الدم اللي بينكم ماحسسكوش إنها في خطر أو بتمر بأزمة؟؟؟ جاي تثور دلوقت؟ ملك كان ممكن تتعرض لمشكلة حقيقية لو لص بجد خطفها عشان يأذيها..!

لكن أنا مش حرامي ولا لص.. صحيح عالجت مشكلتي بشكل غلط ودخلت معايا ناس مالهاش ذنب بس في الأخر مأذيتش حد!
وأنا جاي لحد بيتكم وبقولكم اللي ماكنتوش عمركم هتعرفوا.. لأنكم لحد اللحظة. دي محدش فيكم راح يزورها ويسأل عنها.. ملك وحيدة لأنكم بعيد، كان لازم تكونوا سندها بجد، مش لازم تمرض ولا يحصلها مصيبة عشان تسألوا وتظهروا حبكم وخوفكم عليها اللي شايفوا في عينكم دلوقت!
لأن ملك للأسف مش شايفة ده.. ماينفعش يا أساتذة تبقوا أخوات وعلاقتكم بالبرود ده .. راعوا ربنا فيها زي ما بتراعوه في ولادكم وزوجاتكم!!!

تراخت قبضة الشقيق الثائر ياسر عن عنق مروان واغرورقت عيناه حتى سالت من حدقتيه دموع حارقة، أما عمرو فلم يختلف عن حالته، بعينه الدامعه والخجل الذي ملأ روحه.. شقيقته الصغيرة ملك.. خُطفت دون أن يدروا عن اختطافها؟؟؟

(أنا بخير يا عمرو ماتقلقش هيجرالي أيه يعني.. ثم ضحكت بتهكم:
هتخطف مثلا؟؟؟؟؟ ابقي سلم على مراتك والولاد، ووقت ما تفضي أنت وياسر ابقوا تعالوا..!)

أسترجع عقله أخر حديث هاتفي معها وهي تتهكم بوضوح، الآن شعر بمرارة صوتها التي لم يلحظها، كانت تسخر من إهمالهما دون أن يدري!!!

يا لعاره!! كيف يسامح نفسه ويغفر لها إهماله لشقيقته التي كان يمكن أن تفقد حياتها أو شرفها بحادث گهذا ربما تحول لمآساة!!

تتنقل عين مروان بين وجهيهما، وقد كساها الشحوب والخزي والندم، وهذا ما جاء لأجله!!
جاء ليعلموا مدى تقصيرهما بحق قارورتهم الصغيرة

فمنذ سردت عليه كل شيء، وكأنها كانت تنتظر لتحكي مافي قلبها لأحد.. شعر بالحزن والغضب لأجلها..!
فلو كان مُنح نعمة شقيقة له من أبوية، ما كان أهمل برعايتها .. وكان منحها كل الاهتمام والحنان الذي تحتاجه..!


_ والله خطوة ممتازة اللي عملتها بزيارتك لاخواتها يا مروان.. إنك تلفت نظرهم وتفوقهم بجد عين العقل!

_ كان لازم اعمل كده بعد ما ملك حكيتلي كل حاجة، حسيت بحزن شديد عشانها، وغيظ من اخواتها اللي مش مقدرين قيمة أخت زي ملك، روحت ومش عارف هتكون نتيجة زيارتي أيه.. بس الحمد لله، محاولتي أثمرت كتير!!

_ طب على كده طلبت إيد ملك منهم ؟
_ طبعا اتكلمت معاهم .. ومستني يسألو عني ويكلموها وبعدين يبلغوني!
_ بس تعرف يامروان.. مستغرب من سرعة قرارك إنك ترتبط بملك.. إمتى حسيت ناحيتها بالمشاعر القوية دي كلها.. ؟!

_ يابني في حاجات في حياتنا بتبقى قدر.. سهم بيصيبك في لحظة.. حبيت جرأتها وقوتها أما كنت خاطفها، وعقلها وحكمتها اللي لمستهم فيها.. وحبيتها أكتر أما سألت عنها .. بجد بنت جوهرة ياغسان وأنا هبقى محظوظ أنها تنتمي ليا..!

ثم رمقه بخبث: وبعدين مين اللي بيتكلم عن سرعة القرار.. أمال حضرتك أيه؟؟؟
ده أنت هتموت على حسناء عشان توافق عليك!

_ فكرتني ليه دي هتجيبلي شلل.. مش عارف أعمل أيه عشان توافق عليا.. أنا بجد بحبها يا مروان، مابقيتش شايف غيرها.. ومستحيل ابعد عنها أو أستسلم لخوفها من أرتباطها بيا.. خصوصًا إني بقيت متأكد إن جواها ليا مشاعر مماثلة.. مهما تظاهرت بالعكس عيوني كاشفاها..!

مروان بتفكير: أنا هساعدك في الموضوع ده!
غسان بلهفة: بجد.. طب ازاي؟

_ أنا هكلمها واطمنها من ناحيتك، وهخليها توافق!
غسان بسعادة: ده يبقى جميل مش هنساه، وساعتها نتجوز أنا وانت في يوم واحد.. ويبقي الفرح اتنين!!


_ إيه لازمة الحاجات دي كلها يا أستاذ مروان والله كتير علينا كده!

مروان وهو يداعب كريم:
مافيش حاجة تكتر على كيمو.. وبعدين إيه أستاذ دي، مش أحنا بقينا اخوات؟

أجابت بامتنان: وأكتر والله ربنا عالم!
_ يبقي قولي مروان بدون ألقاب.. ومعلش اسمحيلي أكلمك في موضوع مهم!
_ تحت أمرك يامروان اتفضل!

نظر لكريم هاتفا: روح ياكيمو اتفرج على باقي الهدايا براحتك.. عشان هكلم ماما في حاجة مهمة!
كريم بطاعة: حاضر ياعمو!
………………………..

ليه رافضة غسان يا مدام حسناء!

كانت على يقين أن محادثته ستكون بذاك الشأن، فتمتمت بثقة: إسمعني كويس يامروان.. أستاذ غسان ونعم الناس ومحترم جدا، وأي واحدة عاقلة ماترفضش واحد زيه أبدًا.. بس أنا ظروفي مختلفة
أنا عندي ولد مستحيل اضحي براحته عشان راحتي وسعادتي.. ولا أحطه جوه حكاية زوج الأم القاسي اللي بيفضل ولاده عليه.. لو اتجوزته وخلفت منه، هيكون وضع ابني أيه، غصب عنه هيكون اهتمامه وحنانه كله لأولاده، وأنا مش هخلي كريم يمر بالإحساس الفظيع ده .. وغير كده في حاجة مهمة، أنا أكبر من صاحبك بسنتين، ودي حاجة م…………

قاطعها: مش فارقة معاه بالمرة، ولا هو الفارق اللي يتلاحظ من أساسه، لو مشيتوا مع بعض كل الناس هتتصور العكس، وبعدين تفتكري لو غسان ممكن يكون النموذج اللي بتحكي عنه ده ،.كنت هاجي أحاول اقنعك بيه؟؟؟ غسان ده صاحبي من زمان وعارف معدنه وأصله، أقسم بالله ماهتلاقي حد في أمانته وتُقاه وإخلاصه.. وحبه ليكي!!
خجلت من ذكر حب غسان لها، وحاولت الحديث فقاطعها ثانيًا :

ارجوكي اسمعي كلامي للأخر.. غسان عارف ظروفك كويس مافيش حاجة تجبره يرتبط بيكي، غسان بجد بيحبك وعايز يكون سندك وأمانك.. وأنا نفسي مش هطمن عليكي غير معاه .. الأيام بتعدي والعمر مش بيستنى، ماتضيعيش منك حد زيه لأن بجد مش هيتعوض.. أمشي الخطوة دي وأنتي مطمنة وأنا اوعدك إنك لو يوم ندمتي على جوازك منه ولا عامل كريم وحش، أنا ساعتها اللي هقف اخدلك حقك واعملك اللي تطلبيه.. بس أنا متأكد إنك في يوم هتشكريني على غسان.. أرجوكي ماتحرميش نفسك وتحرميه من السعادة، لأنكم تستحقوها سوا..!

قرأ بعيناها الكثير والكثير، يعلم أنه اربكها وبعثر سلام نفسها ولكن هو يرى ما لم تراه .. غسان خير أمين وأب لكريم وخير حافظ لحياتها.. ويكاد يجزم أن حب صديقه نبت بقلبها وتملك منها..!

غادرها تاركًا لها مساحة التفكير .. ولكن حدسه يخبره أنها حتمًا ستوافق بالأخير! وتستسلم لقرار القلب!


واقفة تعد طعام الغداء الذي ستتناوله بصحبة الجارة سمر! گ استقبال لها عند عودتها من المشفى مع أخيها حاتم، الذي مَن الله عليه بالشفاء عقب إجراء العملية التي تكفل بها مروان!
وعلى ذكر الأخير.. ارتسمت ابتسامة لا إرادية وهي تستعيد بعقلها طلبه للزواج منها وهما جالسان بكافيتريا المشفى!
وكيف تملكها الذهول والخجل والارتباك، وكان رد فعلها الوحيد. أنها نهضت تهرول بعيدًا كي تستجمع ذاتها من تلك البعثرة التي اصابتها من عرضه!
لم تقابله إلى الآن ولم يتصل هو، وگأنه يعطيها فرصة للتفكير وأخذ القرار!!
تذكرت أشقائها .. عمرو وياسر!!
كيف تخبرهما بأمر گ هذا، لا تستطيع!!

قاطع تفكيرها.. رنين الباب، فتوجهت وهي تتصور أنها سمر واخيها، وقالت وهي تدير المقبض المعدني: أتأخرتي كده ليه ياس……………

بترت جملتها وهي تطالع أمامها شقيقاها..!
عجبًا لم يخبراها گ عاداتهما حين يقرروا زيارتها..!
فقالت بترحيب : أهلا يا عمرو أنت وياسر .. وحشتوني أوي اتفضلوا واقفين ليه؟!
ثم بحثت بعيناها حولهما متمتمة: أمال فين الولاد مش قلت يا عمرو هتجيبهم المرة الجاية؟!

تبادل الشقيقان النظرات بتردد، ثم عبرا للداخل و عانقاها سويًا عناق جارف بمشاعر شتى، مابين اعتذار وندم وحب، وعمروا يتمتم:
أنا أسف يا ملك سامحيني!!
وتبعه ياسر: حقك علينا يا اختي.. أخدتنا الدنيا واهتمينا بعيالنا وزوجاتنا وقصرنا في حقك، سامحينا

لا تعرف مادا حدث.. هل علموا بأمر خطفها؟؟
هل أخبرتهم سمر؟ هل……………

وجائتها الإجابة بلسان ياسر: لولا مروان ماكناش عرفنا حاجة.. أنا مكسوف من نفسي بجد!
كما هتف عمرو: وأنا مش قادر ابص في عينك يا ملك!!

إذا هو فارسها مروان.. هو من أخبرهما..!

أنتشلت نفسها من بين ذراعيهم وراحت تطالعهما بإشفاق على حالتهما، وحنان صادق، فمهما حدث سيظلوا لها بعد الله السند، حتى وإن شغلتهم أعباء الحياة، هما الغاليان أشقائها..!

هتفت بمزاح گ محاولة لتخفيف شعور الذنب داخلهما:

أيه اللي انتوا بتقولوه ده! هو كان حصل أيه يعني، طب ده كان نفسي تشوفوني وأنا ببهدل مروان وكأني أنا اللي خاطفاه.. لا شكلكم ماتعرفوش ملوكة.. أنا وقت الجد بميت راجل ومايتخفش عليه!

_ على يدددددددي!!!

ملك بمفاجأة حقيقة: مروان؟؟؟?

قال وهو يعبر الداخل ويقف جوار شقيقاها:
أيوة مروان اللي بهدلتيه.. يلا كملي الفضايح عايز اسمع بقيت الفشر بتاعك يا أنسة ملك!!

فقالت باعتراض: أنا مش فشارة! تنكر أني هزأتك وماكنتش خايفة منك؟؟؟

قال بمشاكسة محدثًا عمرو وياسر: طب ينفع يا اساتذة أختكم تهزأ خطيبها وانتوا وافقين تتفرجوا؟!
ملك مرددة: خطيب مين؟ هو أنا لسه وافقت؟

ياسر وهو يحيط كتفيها بحنان موجهًا حديثه لمروان: أختي مش موافقة.. فوت علينا بكره!!

مروان: افوت الساعة كام؟؟؟؟

عمرو بمزاح مماثل: أيه رأيك يا ملوكة، نخلي الراجل ده يعدي بكره ولا نحدفه من البلكونة دلوقتي؟

ابتسمت غير مصدقة أنها تقف بينهم وهم يمازحون مروان ويعززانها أمامه، سعادتها لا تساعها الكون
هي الآن محظوظة بحق، لديها اشقاء يحبوها ورجل رائع گ مروان.. حاول إصلاح عطب علاقة أشقائها بها وأعادهما إليها ثانيًا..!

ليتها خْطفت منذ زمن!


الكون بفضاءه الشاسع لا يساع فرحته بعد موافقة حسناءه..أميرته التي لن يتمنى سواها.. وها هو أخيرًا جالسًا معها بمكان هاديء يليق بها حتى يتحدثا بأمور يعلم أنها تقلقها..وكفيل هو بطمأنتها ومنحها الأمان!

بصوتها الرقيق تسائلت: ممكن اعرف ليه اختارتني؟
أجاب بسرعة وثقة: لأني حبيتك من أول ما شوفتك!

إزدادت حمرة وجنتيها وارتجفت يدها، وهتفت بعد برهة: بس أنت عمرك ما اتجوزت لكن أنا وضعي مختلف وكمان عندي ولد و……… .

قاطعها وهو يشير بإصبعه إلى موضع قلبه بعشق ينضح من مقلتيه: ده لما بيحب.. مابيفرقش معاه كل اللي بتقوليه..! أنا حبيت شخصيتك وأمانتك إنك تدعمي صاحب الحق مهما خسرتي عشان تحمي إبنك من الحرام.. حبيت ذكائك.. حبيت عزة نفسك ورفضك لفلوس شاهين اللي كانت هتغنيكي ماديا.. لكن إصرارك تتكفلي بابنك من تعبك ..علاكي في نظري أكتر وأكتر.. ثم صمت وأكمل بنبرة أذابتها :
وحبيت جمالك وملامحك وأنا بتخيل نفسي كل يوم بصحى على وشك الجميل وببوس عيونك اللي بشوف فيها نفسي بشكل مختلف!

وهجاوب سؤالك الأهم! كريم.. عمره ما هيحس إني زوج أم وده وعد مني يا حسناء لو خلفته في يوم ليكي حق تعملي اللي انتي شايفاه! وسهل أوي تنهي علاقتنا بطرق كتير بقيت متاحة دلوقت لو انا فعلا ماكنتش أب لكريم أو عاملته بسوء.. لكن أوعي تضيعي فرصة ارتباطنا عشان مجرد تصور في خيالك أنا قادر اثبتلك بالفعل أنه مجرد وهم لموروث قديم اتربينا عليه وغذيته افلام قديمة أو قصص منفردة لأشخاص في حياتنا..!

راحة وسعادة لن تقدر على وصفها سكنت جوارحها وأمان لم تشعر به من قبل سوى مع غسان.. نبرة صوته نظرته كلماته.. كلها تخبرها أنها لن تندم وأن القادم سيكون أكثر سعادة.. ستسلمه مفاتيح قلبها وتستأمنه على حياتها وهي مطمئنة!

قاطع شرودها ثانيًا:
حبيبتي.. في أي حاجة تاني محسساكي بقلق؟

أبتسمت برضا وهزت رأسها “بلا”..
فقال بمشاكسة: يعني مافيش ولا كلمة كده ولا كده ناقص تقوليهالي؟!

فهمت مقصدته فتمتمت بخجل: غسان خلينا نمشي عشان اتأخرت على كريم”

فصاح بصوت هائم: الله ..الله ..حتى إسمي من شفايفك مختلف.. ثم مال للأمام وهتف بخفوت:
وحياتي عندك يا حسناء.. قولهالي مرة واحدة..!
التزمت الصمت فألح ثانيا: عشان خاطري.. بلي ريقي وصبريني بالكلمة دي!

رغبة ملحة سيطرت عليها بأن تعلن حبها التي ما عادت تقوى على إنكاره.. فعزفتها سريعًا گ لحن تخصه به، هو وحده: بحبك ياغسان!


أحيانًا تمنحك الحياة فرصة ثانية لتعيش لحظات ظننتها لن تتكرر مرة أخرى!
هاهي الآن تستعد لاستقبال غسان بفرحة أبنة العشرين، وكأنها بكرًا لم تتزوج من قبل.. ولم تنجب.. ولم تحب.. تستشعر مذاق جديد شديد الدفء يذوب بشفتيها وهي تنطق أسمه وتتذكر نظراته ولهفته وسعادته بلقائهما السابق.. لا تنكر ذلك الخوف الذي يعكر صفو سعادتها حين تتصور أن علاقة غسان وكريم يمكن أن تأخذ شكل تخشاه.. لكنه وعدها وأقسم أن صغيرها سيكون له بمثابة أبن وأكثر..!
حسنًا فلتمنحه ثقتها الكاملة وتُخرص ألسنة تلك الوساوس التي تؤرقها.. غسان سيضحى لها خير زوج
وأبٍ لكريم..!
………………… ..

اقبلت حسناء عليهم حيث أتى غسان بصحبة والده
وأيضًا مروان الذي يأخذ مكان أخيها.. وكم تمتن لوجوده وتطمئن.. وعدها أنه اصبح لها شقيقًا..وهاهو يثبت قوله بالفعل.. وأتى ليستقبل غسان كخاطب لها.. وليس گ صديق!

_ بسم الله ما شاء الله.. أيه الحلويات دي!
تخضب وجهه حسناء خجلا لثناء الأب، بينما نكز غسان أبيه هاتفًا بخفوت: جرى أيه ياعم حسن يا حسني، أنت هتعاكس البت قدامي، دي زوجتي المستقبلية يا حج.. ألا تكون ناسي!
الأب حسن: ماقولتليش أنها بسبوسة بالقشطة كده.. ليك حق يا واد تقع على بوزك! بتفهم زي ابوك!

غسان وهو يجز على أسنانه: أبوس إيدك يا بابا ركز معايا انت جاي تخطبلي أنا، أوعى تغلط وتخطبها لنفسك.. أحسن أنسى إنك ابويا واتغابى?

قاطع همساتهم مروان: اتفضل القهوة من مدام حسناء يا عمي!
الأب حسن: قهوة إيه بقى، خليها شربات!
وواصل بمشاكسة: بقولك أيه ماتسيبك من الواد ابني ده، وتخليكي فيا.. أنا أصبى منه، مايغركيش الشعرتين البيض دول!

سعل غسان من شدة الحرج، بينما حاول مروان كتم ضحكته لمزاح العم حسن.. أما حسناء، فحاولت أيضًا بصعوبة التحكم بضحكتها، ووتعجب كيف تألفت روحها مع والد غسان وبدا لها شخصية شديدة المرح والطيبة! أيقنت داخلها أنها ستحظى أخيرا بعائلة دافئة ومحبة تصبغ أيامها ألوانًا من السعادة!

وبعد تبادل بعض العبارات بين مروان والعم حسن، تحدث العم بشيء من الجدية إلى حسناء:
شوفي بابنتي، غسان ده كل أما كنت اقوله إمتى هتتجوز كان يقولي مش وقته يا بابا، اما اظبط مشروعي واكبره وحجج كتير يطلعلي بيها عشان مايعملش الخطوة دي.. بس اللي ما توقعتوش إنه بالسرعة دي يقرر يتجوز وهو متحمس بشكل ادهشني.. وحكالي عنك وعن ظروفك كل حاجة وازاي احترمت موقفك جدا لما انحازتي للحق وعملتي الصح رغم صعوبته.. وده يدل على إن معدنك اصيل ونضيف.. وانا بجد يشرفني أطلب إيدك لابني غسان..! يا ترى رأيك أيه؟؟؟؟

صمتت تتقاذفها أمواج من الفرحة والطمأنينة.. ستعلن الموافقة الحاسمة لاندماج حياتهما سويًا..وتدعوا الله ألا تندم على اختيارها تلك المرة..!
تنحنحت بخفوت رقيق وقالت: أنا موافقة يا عمي، ويارب اكون زوجة صالحة لغسان، وأبنة لحضرتك لو ينفع يعني اعتبرك زي والدي!

الأب بمداعبة:وانا اطول تبقي بنتي قمر اربعتاشر كده
وواصل بنفس المرح: يابنتي فكري، أنا احسن من الواد ابني وأصبي منه!

لم تتمالك نفسها تلك المرة وضحكت، فذاب بضحكتها غسان وشكر الله داخله، أنها ستصبح له قريبًا..زوجة لم يتمنى سواها..!

بأجواء مبهجة وأضواء ملونة متراقصة.. إمتلأت قاعة أنيقة بالكثير من المدعوين.. وفلاشات سريعة متتالية تضوى لتسجل لحظة دخول العروسين مروان وملك بطلتهما الخلابة.. ويجاورهما العروسين غسان وحسناء بطلة لا تقل روعة وجمال!

وبعد فقرات كثيرة صاخبة وراقصة ومبهجة أنتهى زفافهم وتوجهه كلًا منهما بعروسه إلى مملكتهما الخاصة!
………………
مروان وهو يحمل ملاكه ويعبر بها لغرفتهما، وشفتيه ترفرف على وجهها وكلماته تصف عشقه وولعه بها..!

فهتفت لتمنعه من إغراقها بمشاعر تختبرها للمرة الأولى: مروان.. خلينا نصلي الأول عشان ربنا يبارك في حياتنا..!

فأنزلها أرضًا ثم أمسك وجهها براحتيه:
_ أعذريني إني مش قادر أصبر يا حبيبتي.. أنا بحلم باللحظة دي من وقت ماحبيتك، وكأني كنت مستنيكي طول عمري..محبيتش حد زيك ولا قبلك ولا هحب بعدك.. وأوعدك أسعدك وأحافظ عليكي وماجرحكيش ابدا واتقي الله فيكي!

أختبأت بين أحضانه وهتفت بصدق يمتزج بخجلها:
وأنا بحبك وبموت فيك يا مروان.. وعمر ما حد دخل قلبي غيرك..ومحظوظة إنك بقيت ليا وإني انتميت ليك.. واوعدك أكون زوجة صالحة ليكي والسكن اللي ترتاح فيه من تعبك.!

تمتم بخفوت وشفتيه تداعب أذنيها:
أنا بقول كفاية كده بقى ونصلي بسرعة.. عشان في كلام مهم هنقوله سوا..! كلمة كلمة.. وحرف حرف!


تراقبه وهو يدثر كريم بالغطاء، بعد أن غفى وهو يقص عليه إحدى الحكايات، مصرًا أن يشاركهما كريم أول ليلة بينهما..!
ظنت أنه ربما يتذمر وأنه يحق له الأختلاء بها بأول أيام زواجهما، وكم ضاق صدرها وهي تتصور وحده كريم دونها، حيث عرض والد غسان زوجها استضافة الصغير لديه بعض الوقت! لكن فاجأها غسان بجلب الصغير معهما رافضًا ذهابه مع ابيه! مازالت لا تستوعب أنه فعل ذلك لأجل إسعادها، بعد أن لاحظ شرودها الحزين وعيناها مصوبة نحو الصغير طيلة حفل زفافهما..وكأنه أراد أن يثبت لها أنه لن يسمح بالتقصير تجاهه بعد أن صار تحت كنفه..!

كم تحتاج أن تبثه مشاعرها التي تفوق العشق بعد ما فعل..!
…………………… ..
(اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه)

تمتم غسان بهذا الدعاء بعد أن انتهى من أول صلاة له مع زوجته حسناء! وقبل يتفوه بكلمة، ارتمت زوجته على صدره تبكي، فأصابه القلق والدهشة لفعلتها، واحتواها وهو يهدهدها هاتفًا برقة:
أششسش اهدي حبيبتي مالك بتعيطي ليه بس. حصل حاجة زعلتك وانا معرفش؟

هزت رأسها بالنفي ومازالت متشبثه به محتضنة خصره بذراعيها، فاتجه بها للفراش واجلسها قائلا:
طب اهدي ياسونا كده بردو تعيطي وانتي في حبيبك!
رفع رأسها وجفف دموعها مواصلا: مش أنا حبيبك؟
اجابته وعيناها تنضح بمشاعرها: حبيبي وروح قلبي، وبعيط لأن ماتوقعتش تعامل ابني بالحنان ده، وانه أول مرة اطمن لغيري ونام على صوته وفي حضنه، بعيط لأن عمري اللي فات كله ماحسيتش بالأمان زي ماحسيته معاك واحنا لسه في اول ليلة لينا، بعيط لأن اول مرة اجرب إن زوجي يصلي بيا ويدعي قبل ما يبدأ حياته معايا، بعيط لأني من كتر ما انا فرحانة مش عارفة اعبر..!
يطالعها بصمت، وهو يحلل ما تقول، مدركًا عقله أن شاهين لم يكن أبٍ أو زوج صالح، وأن معاناتها معه تركت بها أثرًا شديد السوء، فواصلت حديثها:

أنا بحبك اوي ياغسان، بحبك بشكل ماجربتوش قبل كده ولا عيشته، وبدعي ربنا يقدرني واسعدك قد ما اقدر! وأرجوك اتحملني مهما حصل مني، أنا جوايا عقد كتير وحاجات مش هقدر ابوح بيها، لكن واثقة إن معاك كل المكسور جوايا إنت اللي هترممه..! وانت اللي……… .

بُتِرت الكلمات من فوق شفتيها وهو يلتقط باقي حروفها ليذيبها بطوفان مشاعره بين ذراعيه، ويصهرها ويُدمغها ببصمته عليها، لتصبح المسافة بين جسديهما معدومة، وبلحظة خاطفة أصبحت له بكل ماتحمله الكلمة من معاني!
حسناء حبيبته…….. أضحت اخيرًا زوجته!




38487 مشاهدة