الفصل الخامس!
_أعتذري حالًا!
ما هذا الآلم الذي فاق صفعته الغادرة بمراحل؟!!!
آلم لا يوازيه سوى طعنة سكين بعمق القلب والكرامة..! هل صفعها يزيد؟ هل أذلها أمام حبيبته المغرورة قبيحة الروح كما تراها دائمًا؟ أهانها لأجل من جرحت كرامته ورمته بذبنب القبح؟!.. لا تعرف أيهما أقسى مرارة؟ دموعها التي المُسالة من مقلتيها بخذلان.. أم نزيف قلب دامي، لم تختبره يومًا..!
تدخلت جوري دفاعًا عن ابنة الخالة:
يا آبيه عطر معملتش حاجة.. بلقيس هي اللي استفزتنا أما قالت علينا مش مؤدبين.. مش من حقها انها…….
قاطعها بحزم: ولا من حقكم تكلموها بسوء أدب.. هي بدأت بالتحية ولو انتم مش حابين تكلموها، خلاص ردوا بذوق واستأذنوا.. لكن طولة اللسان مش مسموح بيها.. ثم أشار لشقيقته: وانتي كمان هتتعاقبي ياجوري على سخريتك!
حدجته “جوري” بعين مترقرقة، وجذبت يد ” عطر” الملتحفة بالصمت مذ تلقت صفعته وتطالعه بألم كبير، وشفتيها ترتعش مقاومة البكاء بعزيمة أرهقتها أكثر! أنساقت خلفها دون مقاومة أو إرادة واضحة لشيء.. ربما الأفضل أن تختفي من أمامه الآن.. ولفترة طويلة!
أما بلقيس، فتطالعه بمشاعر مختلطة وهي تستمع لتوبيخه لهما من أجلها.. غير ذهولها بعد صفعته “لعطر”..! يصيبها خجل كبير من ذاتها كما يساورها الامتنان! رغم ما حدث بينهما، دافع عنها ولم يرضى التجاوز معها.. هل مازال يعشقها؟! وكم بدا سؤالها شديد الغباء.. بالطبع نعم! فتكاد تُقسم برؤية سحابة الألم المنعكسة بمقلتاه المختبئة خلف زجاج نظارته، وتهدد بهطول المطر!
بينما هو أمامها يقاوم ضعفه وحنينه إليها.. فرغمًا عنه برقت عيناه بشوق وهو يناظرها، ودقات قلبه تخونه وهي تلفظ إسمها سرًا گ مراهق شديد الغباء!
لكنه عافر ألا يبدو أمامها سوى أكثر قوة وبأس، حتى لا تتلون ملامحها الجميلة بشفقةٍ عليه لن تزيده إلا قهرًا وألمًا..!
هتف ببرود حاول إتقانه: مافيش داعي للنظرات دي يابلقيس..عطر غلطت وكان لازم تتعاقب..أنا قولتها كتير ماتتدخلش في حاجة متخصهاش، وتفكر في اللي بتقوله، وكمان حوري غلطت وانا مايرضنيش حد يهينك..إنتي بردو بنت عمي!
رمقته بنظرة مطولة وكأنها تراه بشكلٍ أخر، كم ازداد بنظرها علو ومعزة وقيمة.. ليت العشق قرار.. لاتخذته لأجله دون تردد.. لكنه قدر.. وسهم لا تعرف من أين يأتيگ.. ومتى يُرشق بقلبگ ويتغلغل بخلاياگ.. سائرًا بشراينگ گ دماء تضخ لروحگ الحياة.!
تمتمت بحرج: ممكن نقعد في مكان نتكلم شوية؟
أردف بجمود: أعتقد مبقاش في بنا حاجة مهمة هنتكلم فيها.. انتهي الكلام من زمان..!
تمسكت بفرصة أتتها لتعيد تشكيل علاقتهما مرة أخرى..فقالت: بس بنت عمك اللي دافعت عنها دلوقت مش ممكن علاقتك بيها تنتهي يا يزيد! لو سمحت عايزة اتكلم معاك!
عبء ثقيل سيضطر تحمله لدقائق أخرى كان يود الابتعاد عن حالة تأثيرها ليتمالك نفسه ثانيًا، ليحاسبها على ضعفها.. كيف مازال حبها يتأجج داخله، لما لم ينساها، ماذا ينتظر كي يخرجها من قلبه؟! لكن لا إجابات لديه.. ولا مناص أيضًا من تلبية رغبتها.. فلتُلقي على مسامعه ما تريد، وليكن حديثهما الأخير..!
أشار لها بعيناه أن تستأنف السير ليتشاركا طاولة بإحدي الزوايا.. وبعد دقائق معدودة، كان جالسًا معها منتظرًا سماع ما تريده!
هتفت بخجل وتأنيب ضمير أستعر داخلها الآن عندما تذكرت كيف جرحته بعد ما سمع حديثها الأخير:
_ يزيد.. أنا عارفة إني جرحتك، وكنت فظة وقليلة الذوق جدًا في اسباب رفضك! أرجوك سامحني أني أذيتك من غير ما احس ولا اقصد والله.. وبعترف إني ظلمتك أكتر اما وافقت اتخطب ليك وانا مش حاسة ناحيتك بعاطفة توازي حبك الكبير اللي كنت شايفاه.. وكان الافضل ارفض وابقى واضحة معاك..مش اعلقك بأمل ضعيف! وكأني بلعب بمشاعرك عشان بس احقق رغبة لأمي وأبويا واكسب رضاهم على حسابك!
وواصلت ببريق تمني صادق:
يزيد! رغم قساوة إحساسك اللي فاهماه أكتر دلوقت، بس يمكن اللي حصل خير ..انت تستاهل واحدة تحبك بجد، وماتشوفش فيك عيوب، لأن اللي بيحب مابيشوفش في التاني عيب.. قلوبهم بتتألف وتتوحد بنبض واحد وگأنهم تؤام..! من حقك زي ما هتدي مشاعر قوية تاخد أكتر قصادها.. وانا غصب عني مقدرتش اديك حاجة.. لأن ماكانش جوايا ناحيتك اللي يخليني اعمل كده..!
لا تعرف لما اغرورقت عيناها وزُرفت دموعها لأول مرة أمامه وهي تقول بلهجة أقرب للتوسل:
_ أنا خسرت يزيد اللي حبني، بس متمسكة بيزيد ابن عمي واخويا اللي لما يحصلي حاجة وحشة هجري استنجد بيه يقف في ضهري واستقوى بحمايته.. انا مش عايزاك تكرهني.. أنا مش وحشة كده يا يزيد.. وعارفة أن كلامي ده صعب عليك أوي وانانية مني..لأن اللي يحب حد صعب ياخد جواه مكانة تانية، بس انا مؤمنة إن سعادتك لسه جاية، لأن اللي هتعيشه وقتها هيكون مختلف، ونصيبك الجميل اللي تستحقه.. أرجوك يا يزيد ماتكرهنيش، أنت غالي عندي جدًا صدقني.!
واستأنفت وعيناها تستجدي المزيد: ياترى اقدر اطمع إنك ماتعملش بنا مسافة، وتكون ابن عم وأخ بتمناه؟
بكل بساطة وربما ذكاء.. استنفرت داخله كل رجولته وشهامته.. وحنانه الفطري، عندما استنجدت به گ ابن عم ..گ شقيق وهي وحيدة بلا اشقاء.. ربما هو شعور ثقيل عليه ومؤلم لأقصى درجة وحقًا صعب تنفيذه.. لكنه الشكل الأمثل لعلاقتهما فيما بعد..لأجل عمه الذي يحبه.. ولأجلها أيضًا.. حسنًا سيعد نفسه أنه سيبذل كل جهده ليضعها في عقله بتلك المكانة فقط..صدقًا سيحاول، ومن يعلم ربما أتى يومُا عليه، عندما يتذكرها يضحك على سذاجة مشاعره.. حين يعيش تجربة أخرى مختلفة ومكتملة بين طرفين تضخ قلوبهما نفس العاطفة بنفس قوتها وجنونها..!
منحها لأول مرة ابتسامة هادئة مردفًا: يمكن مش هقدر اوعدك في اللحظة دي إنك زي ما طلبتي هتكوني أختي.. ثم ضوت عيناه بتلقائية: لأني اما حبيتك.. حبيتك بجد.. ماكنتش بمثل في مشاعري، ومش سهل أحولك في عقلي من حبيبة لأخت وكأني ماسك بوصلة بتحكم فيها بأرادتي.. بس اللي املكه فعلا هو وعد.. أوعدك يابلقيس إن يوم ماتحتاجيني هكون الحيط اللي يسند ضهرك..والدراع الي يشيلك لو مال بيكي الزمن لأي سبب.. وأوعي في يوم تترددي تلجأي ليا، لأن عمري ما هخذلك.. اللي حصل بنا نصيب وهيعدى أثره جوايا، وده وعدي أنا لنفسي!
وعد إن يوم فرحك لما يجي نصيبك، هكون واقف ايدي في إيد عريسك، بوصيه عليكي واحذره يأذيكي.. مهما حصل هنفضل دم واحد.. وبكره جوري وعطر كمان يفهموا ده..!
جففت دموعها وابتسمت براحة طاغية وهي تسمع منه وعود تمنت سماعها .. أخيرًا ستمحي من داخلها أثار الذنب وتهديء ضميرها العاتب.. وتفوز بأخٍ وابن عم.. تحترمه وتتمنى له الكثير والكثير من السعادة التي يستحقها..!
” إيه اللي جوري قالتهولي ده يا يزيد؟! ضربت عطر بنت خالتك؟!!! وكمان عشان بلقيس؟! أنت اتجننت! ”
تلقى عاصفة غضب والدته بثبات، وقال: أيوة يا أمي ضربتها، بس مش عشان بلقيس تحديدا، عشان سوء تصرفها نفسه وعدم احترامها للكبير، إزاي تتواقح كده وتهينها؟ وهي ولا غلطت فيها ولا أذيتها..!
عبست بذهول: تقوم تمد أيدك عليها يا يزيد؟ دي أخلاقك واللي ربيتك عليه، بتستقوى على بنت خالتك؟
خرج عن طوره وقال بحده: يا أمي أنا عمري ما استقوى على عطر دي اختي وزيها زي جوري، بس هي زودتها، قبل كده ساءت الأدب معايا وبعدها بلقيس.. انا سمعت حوارهم وبلقيس قابلتهم وسلمت بكل ذوق وعطر وجوري كمان ردوا بشكل فظ ومش محترم لواحده أكبر منهم في السن!
قالت بتهكم: هما الأربع سنين الفرق دول المفروض يخلوهم أما يشوفوها يبوسو أيديها؟! جرى إيه يعني عشان العقاب ده اللي خلاك تكسر خاطر بنت خلتك.. هما اتصرفو كده من زعلهم عشانك يايزيد..وواصلت بصوت أكثر هدرًا: طب ما كنت اضرب اختك هي كمان عشان ست الحسن بتاعتك!
_ ومين قال أن جوري ما أخدتش عقابها مني؟ لكن عطر زودتها أكتر بكتير واتكلمت بغل غريب، مش من حقها تعمل كده ولا تحاسبها.. واستطرد: وبعدين يا ماما لو سمحت حاولي تفصلي بين الأمور وبعضها، مش معنى إن محصلش نصيب بيني انا وبنت عمي، نعتبرها عدوتنا، ولما نقابلها نبقي عايزين نولع فيها، حضرتك تجاهلتيها هي وطنت ” دُرة” في النادي.. ومع كده قلت مسير الدنيا تهدي بينكم مع الوقت.. بس اوعي تنسي إن دي بردو بنت عمنا، وكلامي ده مالوش اي علاقة بشعوري الشخصي ناحيتها، انا بتكلم في الصح مهما كان..!
أكتفى بدافعه الذي أرهقه نفسيًا، ورغبته في الاختلاء بذاته تزداد.. فترك والدته وغادر دون إضافة المزيد، حتى تهدأ ثورتها ولا ينفلت زمام أعصابه معها ويندم.!
__________________________
تحتضن “دبها” الضخم متكومة بفراشها وعيناها شاخصة جوارها تلتزم صمت كئيب منعزلة بغرفتها منذ أتت.. لم تخبر والدتها بشيء حين استقصت بسؤال عن حالها، فكذبت أن معدتها تتألم وتحتاج راحة.. وربما لم تكذب، هي حقًا تتألم.. لم تكن صفعته مجرد صفعة وألم أصاب وجنتها.. بل فاق هذا بكثير.. الألم هنا.. بالقلب والكرامة.. وكم هو مهلك لو تعلمون!
الأميرة المغرورة مازالت محتفظة بعرشها في قلب الأمير..لم ينساها.. ولن يفعل.. هو أول أسير لا يسعى قط لتحرير قيوده.. لم تغفل عن نظراته إليها.. ونيران شوقه لها.. لفحت مشاعرها البريئة بلهيب أذاب روحها.. لما تعيش هذا الألم.. أليست صغيرة؟! من جعل هذا القلب اللعين يدق له ليصير فارس أحلام يقظتها..؟! تبًا لسذاجتها.. وألف تبًا أن ظلت تنعي حالها.. يكفي.. فلتنشغل فمستقبلها وأحلامها فقط.. لن تهتم بيزيد بعد الآن..!
__________________________
_ جوري.. صحي يزيد عشان يفطر معانا..!
هتفت بتذمر: اشمعنى انا.. خلي عابد يصحيه! أو دادة ” ام السعد”..!
كانت تريد اختلاق فرصة لمصالحتهما، فأصرت عليها: وبعدين معاكي.. اسمعي الكلام اللي بقوله.. روحي صحي اخوكي!
هتفت مجبرة: حاضر يا ماما حاضر..!
………………
طرقت باب غرفته مرتين فلم تجد استجابة.. فلوت المزلاج وعبرت للداخل.. فوجدته غارقًا بنومته، فنكزته بخفه: آبيه.. آبيه يزيد اصحى عشان تفطر معانا..!
تقلب أسفل غطاءه ثم استكان مرة أخرى أسيرًا لسلطان نومه.. فنكزته بإلحاح أكبر: يا آبيه أصحى.. ماما بتقولك لازم تفطر معانا..!
بدأ عقله يستيقظ روديدًا وصوت جوري يصدح بأذنه. فاعتدل وعيناه مازلت تكتحل بنعاس: طيب ياجوري.. خلاص صحيت.. بس سيبيني افوق شوية وهحصلك..!
هتفت بعد أن أتمت مهمتها: حاضر.. عن إذنك!
همت بمغادرته، فامتدت كفه سريعًا والتقطت أطراف أصابعها الصغيرة وجذبها لتجلس جواره، واضعًا ساعده حولها: عصفورتي لسه زعلانة من آبيه؟!
لم تجيبه، وضمت شفتيها وعبس وجهها گ طفلة غاضبة.. فضحك بخفوت: مش أنا فهمتك ليه زعلت من تصرفك واضايقت منك، وبعدها صالحتك وجبتلك كل أنواع الشيبس والايس كريم اللي بتحبيه؟
هتفت سريعًا: الشيبس والأيس كريم زي ما هما.. مش أكلت منهم حاجة.. وهفضل زعلانة يا آبيه!
استعطفها بمزاح: ويهون عليكي زيدو حبيبك.. ده انا قربت اسافر القاهرة ومش هتشوفيني كتير.. وساعتها هتقولي ياريتني ماخصمت اخويا لحظة واحدة!
لانت قليلا وغلبها حنانها الفطري وتمتمت: ليه تسافر هناك.. اشتغل هنا معانا..!
_ هناك افضل ياجوري لبدايتي.. وعموما المسافة مش بعيدة، أكيد هاجي من وقت للتاني اشوفكم.. وواصل:
خلاص بقى ياجوجو، واطلبي مني اللي يعجبك وانا اعمله عشان اصالحك!
هتفت بخبث: تاخدنا انا وعطر وتفسحنا يوم بحاله!
أردف: مش لما اصالح القردة الأول وبعدين اخرجكم.. دي هتطلع عيني عشان تروق.. دماغها صعيدي وعنادية!
هتفت دون تفكير: بس انت غلطت اما ضربتها يا آبيه!
رمقها بصمت، فاعتذرت: أنا أسفة.. بس عطر مش هتسامحك بسهولة.. انت ماشوفتش حالتها ازاي اما مشينا.. فضلت ساكتة وروحت بهدوء غريب.. وانا عارفاها أما تبقى كده.. بيكون قمة زعلها..! ودي لو جبتلها مصنع شيبس وشيكولاتة مش هتصالحك!
_ خلاص ياجوري انا هكلمها وهعرف ازاي اراضيها.. ثم ربت على كتفها بحنان: بس انا عايزك تعرفي حاجة.. بلقيس بنت عمك طيبة ومش وحشة ليه تعاديها.. اللي حصل بنا كان قسمة ونصيب ياجوري.. وانا لما فكرت بهدوء لقيت ان فراقنا دلوقت رغم انه وجعني بس افضل من بعدين.. أكيد ماكنتش هكون مبسوط لو اتجوزنا بالوضع ده! ربنا مش بيعمل لينا غير الصح.. واللي بنفهمه أكتر بعدين.. عشان كده اوعديني تحسني علاقتك ببنت عمك.. وقربي منها وانا واثق هتغيري رأيك بعدين! اتفقنا ياعصفورتي!
ابتسمت برضا : خلاص يا آبيه.. أوعدك.. واطمن مش زعلانة دلوقت، وهاكل الشيبس والأيس كريم.. بس اوعدني تصالح عطر!
ضمها براحة ولثم رأسها: من غير وعد لازم هصالحها.. انا مستغناش عن القردة الصغيرة!
هتفت بتحذير : بلاش تقولها قردة عشان بتزعل.. بتفتكرك شايفها وحشة!
ابتسم مردفًا: ماشي.. روحي بقى وانا هاخد حمام واحصلك..!
__________________________
في الجامعة!
تيماء: أخيرا خلصنا ا المحاضرات..!
بلقيس: الحمد لله، دماغي صدعت ومحتاجة نسكافيه يظبط دماغي!
_ كان نفسي اقولك نروح الكافيتريا نشرب سوا.. بس لازم امشي، بابا جاي هو ومراته انهاردة، وعايزة استقبله..!
بلقيس بحزن: هو إنتي بعد ما نخلص امتحانات هتسافري مع والدك السعودية وتشتغلي هناك بشهادتك؟
اطرقت تيماء رأسها بضيق: أيوة، بابا مصمم على كده، ومافيش ليا حجة، هو ومراته ليهم هناك وظايف ثابتة وعالية مايقدروش يضحوا بيها..وكمان هو محضرلي وظيفة كويسة هناك عن طريق معارفه.. عايزني اخد فرصة هناك، لحد ما يفكروا يستقروا في مصر.. وقتها هننزل كلنا سوا.. !
بلقيس: خسارة اننا هنفترق، أنا ماليش صاحبة ارتاحلها غيرك يا تيماء، كل اللي حواليا بحسهم مش بيحبوني.. انتي بس اللي مختلفة وبحس انك صاحبة بجد!
ربتت على كتفها: ماتزعليش، أكيد هنزل مصر بعد كده أجازات، وهنتواصل نت ونتكلم يوميا لما نزهق، وانتي كمان هتنشغلي مع والدك، وهتمسكي الأدارة في شركتكم ومش هتلحقي تحسي الوحدة!
هزت بلقيس رأسها: عندك حق، أكيد الشغل هيفرق معايا ويملى وقتي.. واستأنفت: طيب ياتيمو مش هعطلك، أمشي انتي وانا هشرب النسكافيه على مايجي السواق، وماتنسيش تسلمي على طنت وعمو..!
_ حاضر حبيبتي.. يلا سلام!
_ سلام!
……………………
جلست ترتشف مشروبها، لحين وصول سائقها، وفجأة وقع بصرها عليه، مقبلًا تجاه طاولتها، أو هكذا ظنت، حيث تخطاها فيما بعد، وهو يعرج قليلا بعد أن تخلص من ” جبيرة قدمه..وأثناء مروره، بنظرة خاطفة شملتها عيناه وبثها اشتياق واضح، وتردد بالاقتراب منها، لكن يبدو أنه تراجع حتى لا يرعجها وابتعد جالسًا بطاولة أخرى”.. عادت ترتشف مشروبها بإحباط متظاهرة بعدم الاهتمام، عكس داخلها الذي تمنى حديثه ولو بتحية.. ورات توترها بتصفح حسابها الفيسبوكي.. وبعد برهة صدح رنين رسالة أتية لبريدها، فوجدتها عبارة قصيرة جدًا تقول ” أنا أسف” من حساب يدعى ” رائد الغازي”..رفعت عيناها إليه، فابتسم، ونظر لهاتفه وبعث رسالة له اخري.. ” وأسف إني بتطفل على حسابك.. بس مافيش طريقة أكلمك بيها إلا كده عشان اعتذر.. ولو اضايقتي مني.. اعمليلي بلوك دلوقت.. واوعدك مش هضايقك مرة تانية” صمت يطالعها وهي تقرأ كلماته، ثم نقر على هاتفه برسالة أخرى.. ” بس قبل ما تعملي بلوك.. هقولك جملة أخيرة.. افتقدك أوي وبجد وحشتيني”
رمشت عيناها ولا تدري ماذا تفعل.. شيئًا ما بكلماته اسعدها.. اسعدها بشكل عجيب.. كانت شبه مكتئبة لتجاهله لها.. الآن فهمت أنه كان خوفًا من أن يضايقها.. هو يظن أنها لا تريد محادثته؟! يا الله ما اللذي يحدث لها، وهل تريد محادثته حقًا؟! بأي صفة إذًا، وتحت أي مسمى؟! هل “تحظره” أم تُبقي رسائله وسيلة تواصل بينهما؟! ..وجدته ينهض من طاولته وعلى وجهه معالم حزن والإحباط، متوجهًا للمغادرة، ربما ظن أنها غاضبة وستحظره وتوبخه أيضًا..لا تعرف كيف كتبت له ما كتبت، بعد أن أضعفها كثيرًا رؤية حزنه وخافت أن تفقده و ألا يحاول محادثتها ثانيًا..فكتبت سريعًا..!
” أسفك مقبول.. ومش هعمل بلوك! ”
تهربت عطر من لقائها بيزيد عندما حاولا مرارًا الاتصال بها وزيارتها.. وفسل بالتواصل معها.. ففضل أن يتركها لتهدأ.. وبوقت قريب سيصلح الأمور بينهما ويراضي تلك العنيدة.. فلن يعجز عن ذلك.. هكذا ظن!
………………………
مضى الوقت، وانتهت جوري وعطر من اختبارات الثانوية منتظرين النتيجة بالساعات القريبة، كما أنهي عابد وياسين عامهما الثالث، ليتبقي لهما عام دراسي أخير، وتنتهي دراستهم الجامعية..وكذلك انتهت بلقيس من عامها الأخير.. كما ظل يزيد على تواصل مع صديقه أحمد واتفق على السفر بعد بضعة أيام لبدء مشروعه!
_ الله يا آبيه، ده نفس الخاتم اللي كان نفسي فيه! وكمان ” الكوتش” اللي عجبني..يارب ما يحرمني منك ابدًا
قرص وجنتها برفق: مبروك عليكي حبيبتي تستاهليه بعد ما رفعتي راسي وجبتي مجموع يشرف!
قالت بفخر: الحمد لله يا آبيه، تعبك معايا ماراحش هدر، ثم واصلت بفضول: هو فين هدية عطر؟ عايزة اشوفها..!
_ لأ.. مش هتشوفيها قبلها، هي تبقى توريهالك بنفسها..!
_ ماشي خليك فاكر يا آبيه.. طب اجي معاك؟ مش انت رايح لخالتو دلوقت؟
_ أيوة رايح، بس خليكي انتي مع ماما، لأن كلنا كده هنسيبها لوحدها، وانا هجيب المجنونة بنت خالتك واجي ونسهر سوا..!
صفقت بمراح: أيوة بقى، طب ماتتأخروش عليا..!
_ ماشي ياعسولتي.. يلا سلام!
رغم أنه مازال غاضب من تصرفها ورفضها أكثر من مرة أن تراه وهو بزيارتهم، وتعللها بالحجج كي لا تقابله.. إلا أنه اشتاق لها ولمشاكستها، ولن يهنأ إلا عندما يراضيها.. عنيدته الصغيرة.. كما أراد وداعها قُبيل سفره إلى القاهرة، فآن آوان لتنفيذ مشروعه وحلمه، لتكون بداية تُنسيه ما يعانيه بفراق من سكِنت قلبه، ومن يدري! فربما كُتبت له بدايات أخرى تعيد تشيل خارطة أحلامه من جديد!
…………… .
_ يا مرحب بحبيب خالتو.. اتفضل ياحبيبي!
ابتسم يزيد وقبل جبينها بحب لخالته التي لا تقل قيمة عن والدته: أزيك يا فدوتي عاملة إيه، واستاذ ناجي اخباره إيه؟
ملست على وجنته الخشنة وقالت برضا: الحمد لله ياحبيبي ..ناجي لسه عند والده ووالدته، قال هيطمن عليهم ويرجع..طمني عليك، انت صحيح نازل القاهرة وهتشتغل وتستقر هناك؟
_ مش حكاية استقر.. بس موقع شركتي هناك هيكون افضل.. وانا مظبط كل حاجة من فترة.. ومش فاضل غير انزل ..ادعيلي ياخالتي بالتوفيق!
_ ربنا يوفقك ويحول التراب في إيدك دهب يا يزيد!
_ اللهم امين! امال فين ياسين والقردة بتاعتكم مش شايفها..
ضحكت: اتلم ياواد انت وبطل تقول قردة، دي نوارة البيت كله، هي في الجنينة بتقطفلي شوية فاكهة! وواصلت: وياسين عند واحد صاحبه وجاي!
قال بمرح: هتلاقيها بتجيب موز وبتاكل فول سوداني زي اقرانها?
قذفته الخالة بشيئًا ما، قبل أن يختفي،من أمامها باحثًا عن “عطر”
………………… ..
كانت متعلقة بجزع كبير لشجرة تسلقتها محاولة قطف بعض الثمار كما طلبت والدتها، فاختل توازنها بغتة، وسقطت من فوقها.! جلست على بقعة ما تكسوها حشائش خضراء، وتحسست بألم ركبتها المخدوشة، وازداد وجعها وهي تتفحص كاحلها الذي برز به كدمة بلونٍ دامي على أثر التواءه، فعجزت عن النهوص!
_عطر!
أنتبهت لوجود يزيد خلفها، فأحكمت غطاء ساقها، وهتفت ببرود دون التفات: نعم!
يعلم أنها مازالت غاضبة، فاستدار ليجلس أمامها على الحشائش أرضًا: مافيش ازيك يا يزيد، وحشتني يا ابن خالتي؟!
صمتت وكم تمنت مغادرة محيطه، لكن ركبتها وكاحلها يؤلماها ويقيدا حركتها..!
ظل يطالع عبوسها الصامت برهة، ثم هتف:
_ على فكرة.. جيت كذا مرة عشان اصالحك، وانتي اتعمدتي ماتخلنيش اشوفك.. عموما انتي ماتهونيش عليا وبعترف إني بالغت في رد فعلي، ومش من حقي اعمل كده..لكن أنا بعتبر نفس أخ كبير ليكي! ومع كده أنا أسف ما تزعليش!
” أنا مش اختك.! وماليش أخ غير ياسين!”
أذهله ردها ونظرتها الجامدة! لأول مرة تحادثه بتلك الطريقة الباردة.. ألهذا الحد غاضبة ولم تهدأ؟
لكنه عاد يلوم نفسه مرة أخرى، هو أخطأ، ما كان يجب عليه عقابها وإهانتها بصفعته.. حسنًا فليتحمل رد فعلها مهما كان.. ولن يرحل قبل أن يراضي صغيرته المجنونة! منحها ابتسامة دافئة:
_ مهما قولتي مش هزعل منك، وأنا مش بس جيت اعتذر.. أنا جيت اقولك مبروك يا قردة على نجاحك ومجموعك العالي، كنت عارف إنك هتتفوقي وترفعي راسي!
ثم أخرج شيئُا من جيبه: جبتلك هدية يارب تعجبك!
ظلت على صمتها، وهي تشاهد هديته، وكانت سلسال ذهبي رفيع يتأرجح بمنتصفه ” دلاية” على شكل “فراشة” رقيقة..، ثم أخرج مغلف كبير فتحه أمامها لتشاهد ” كوتش” كما تفضل أن ترتدي دائما.. رمقت هداياه دون اهتمام، وحاولت القيام رغم ألم كاحلها ونهضت بالفعل، وقبل أن تتحرك وقف معرقلًا تقدمها
متمتمًا: بلاش رخامة بقى، قولتلك ماتزعليش وجبتلك هدية نجاحك، معقول هترفضيها وكمان تسيبيني وتمشي؟! يهون عليكي اخوكي يزيد!
ذابت قشرة برودها وبدت حمم غضبها تتفاقم وهي تقول: قولتلك ماليش أخ غير ياسين، اللي عمره ماضربني ولا أهني عشان حد..! ثم نزعت ” السلسال” من بين أصابعه، وقذفته بعيدًا ليختفي بين الحشائش، وهي تصرخ به: هديتك مرفوضة!
نقل بصره بينها وبين سلساله الملقى أرضًا، وقد نفذ صبره وهدوءه وأردف باستياء: إنتي عديمة الذوق.. وأنا غلطت إني جيت اراضيكي واعتبرتك واحدة عاقلة بتقدر وتحترم الكبير.. لكن انتي للأسف لحد دلوقت مش معترفة إنك غلطتي، وانا قلت صغيرة ومش فاهمة وماهانش عليا تفضلي زعلانة..بس من اللحظة دي ياعطر، أنا مش هصغر نفسي معاكي تاني، مش هيكون في بيني وبينك أي تعامل بعد كده..!
واختفى سريعًا من أمامها، فامتلأت عيناها بسحابة دموع، واستدارت تطالع اختفاءه خلف البوابة، ثم عادت بنظرها تطالع ” الكوتش” الملقى أرضًا.. ثم حادت بعيناها لموضع ” سلساله” ورغم ألمها الذي زاد وقد برز ورم كاحلها واصطبغ بلون أزرق دامي، تحركت تبحث عنها محاولة إيجادها من بين الحشائش التي ابتلعتها تمامًا وكأنها تحرمها من ذكرى أخر عطاياه حين لفظتها أمامه.. فأيقنت أنها فقدت هديته! وربما خسرت ما هو أكثر من ذلك..وجانب داخلها يخبرها أن تلك خسارتها الكبرى!
يحاول التماسك أمام سيل مشاعر عائلته الجارفة. لفراقه، رغم انه لن يغادر البلاد، فقد سينتقل لمحافظة اخرى وقريبة.. ولكن يظل الفراق فراق!
تمتم أبيه ” أدهم”: ربنا يوفقك يا يزيد، متأكد إنك هتنجح وهيكون إسمك ذو شأن عظيم في الإنشاءات زي مابتحلم! وأنا أكيد معاك هناك وهشوف نجاحك بنفسي وهفتخر بيك أكتر وأكتر!
لثم كف والده باحترام: طول ما بتدعيلي وراضي عني إنت وماما ..ربنا هيوفقني إن شاء الله!
سمع بكاء والدته، فدنى منها واحتضن رأسها بصدره هاتفا بحنان: إيه يا كريمة هانم.. اللي يشوفك يقول مسافر أخر الدنيا يا ماما..!
تدخل عابد بمزاحه المعهود: محسساني إنك. مسافر أفريقيا أو الصين، ده القاهرة.. يعني ساعتين ونكون عنده.. بلاش أفورة يا “كيما”
جوري وهي تحتضن ذراع أخيها: هتوحشني يا آبيه!
يارب كليتي تبقي في جامعة القاهرة عشان اجي عندك!
كريمة بعتاب: وتسيبي ماما لوحدها يا جوري، وتبقوا انتم الأتنين بعيد عني!
عابد بتأثر مضحك: أنا كان قلبي حاسس إني ابن فلبينية مش ابنكم، يا “كيما”.. هو أنا “هوا” قصادك يا ست الحبايب؟! يعني إيه تسيبك لوحدك، ما أنا قاعد معاكي ولا اتخطف عشان تاخدي بالك مني!
وواصل بنفس مزاحه: هو دايما الوسطاني كده مظلوم في عيلته?
استطاع عابد بخفة ظله نزع ضحكة الجميع بلا استثناء، فاقترب منه يزيد وهو يداعب رأسه:
والله هتوحشني يا عبودي.. محدش بيضحكني زيك كده.. واستطرد: مش هوصيك على الكل، واوعى تنسي كمان اللي وصيتك بيه!
_ ما تقلقش يا كبير.. أنت سايب راجل?? أنا هنيمهم من المغرب? وواصل: وهمنع البت جوري تتفرج على تركي وهنكد عليها..!
جوري متخصرة باعتراض: ومين هيسمع كلامك يا ابو عضلات أنت.. وقامت بفعل طفولي، وهي تخرج لسانها لإغاظته: طب بالعند فيك هتفرج على كوري وصيني كمان!
هتف بفزع: صيني؟؟ على جثتي يشتغل صيني في البيت، طول بياكلوا صراصير يا هبلة، أنتي نسيتي عملوا أيه في القدير محمد هنيدي!
( مضايق حبيبتي جوري ليه يا عبودي؟!)
التفتوا جميعًا بعد سماع جملة العمة ” دُرة” تخاطب عابد، وجوارها ” عاصم” وابنته بلقيس!
أدهم مرحبًا: يا أهلا بعاصم وومدام دُرة، والجميلة بنت اخويا..!
لم يخفى على ” دُرة” استياء ” كريمة” من ترحيب زوجها ببلقيس تحديدا.. فردت تحيته، ونفس الشيء تفاعلت مع ترحيب عابد ويزيد وجوري، ثم اتجهت نحوها هاتفة:
أنا قلت نيجي كلنا نسلم على يزيد قبل ما يسافر.. هو مش ابنكم لوحدكم.. ولا إيه يا كريمة؟
رمقتها الأخيرة بجمود، ثم هزت رأسها متمتة باقتضاب: أكيد يا دُرة!
أدهم ليغطي على برود زوجته: طبعا ابنكم واكتر، ثم نظر لزوجته نظرة ذات مغزى: مش كده يا كريمة؟
لم تشأ أن تُعكر الأجواء قُبيل سفر إبنها، خاصتًا بعد تحذير زوجها المبطن لها ألا تُخجله أمام عائلة أخيه!
فاغتصبت ابتسامة وقالت: طبعًا يا أدهم، ومادام مجتمعين كده.. خليني اروح اعملكم شاي بنفسي!
هتفت درة: هاجي معاكي! فرحبت بها الأخيرة وتوجها سويا لإحضار شاي وبعض الحلوى الخفيفة!
منح يزيد لوالدته نظرة امتنان أثناء مرورها، ولاحظ انزواء بلقيس بعيدًا مراقبة للجميع، فأشار لجوري ” خفية” بأن ترحب بابنة العم كما يليق بها، وكما أوصاها بالأمس القريب بأن تُحسن العلاقة بينهما، وألا تبني موقف عدائي تجاة بلقيس لسبب لا ذنب لأحدٍ به..!
ولأنها تحب أخيها ولا تريد إغضابه، اتجهت نحوها هاتفة بحفاوة: تعالي يا بلقيس واقفة بعيد ليه!
فبادلتها بلقيس ابتسامة، ورحبت هي الأخرى بالجميع، ثم اتجهت حيث “يزيد” لتعطيه هدية مغلفة بشكل أنيق، هاتفة: دي هدية بسيطة مني أنا يارب تعجبك!
سلط بصره على هديتها: ليه تعبتي نفسك يا بلقيس، ماكانش له لزوم!
تمتم عاصم: أنت تستاهل كل حاجة حلوة يا يزيد!
_ تسلم يا عمي، مجيتكم لوحدها كفاية!
تمتم العم بكلمات مشجعة داعمة ليزيد، ثم التفت لشقيقه : كنت عايزك في موضوع سريع يا أدهم! استجاب له أخيه وتنحى به جانبًا ليتحدثا على انفراض!
أدرك عابد بفراسته، ان العم يفسح مجالا لحديث أخير وخاص بين بلقيس ويزيد، فقال: جوري تعالي نشوف ماما جهزت إيه ليزيد ياخده معاه وهو مسافر، فتحمست جوري: ماشي.. يلا!
……………… .
_ إيه يا ” يزيد” مش هتشوف هديتي، عايزة اعرف ذوقي هيعجبك ولا لأ؟!
_ كله منك حلو يا بلقيس.. وشكرا إنك افتكرتيني!
ابتسمت بصفاء: أنا عمري ما هنساك يا يزيد..وللمرة الألف بقولك سامحني لو زعلتك قبل كده..!
قالت بعتاب: لو اعتذرتي تاني وقتها فعلا هضايق، خلاص احنا فتحنا صفحة جديدة، وهقولهالك تاني.. انتي بنت عمي وأي وقت تحتاجي مساعدتي إياكي تترددي يا بلقيس! توعديني؟
هتفت متأثرة: أوعدك..وانت كمان عايزة منك وعد، بس شوف هديتي الأول!
نزع الغلاف وفصل طرفي علبة أنيقة، فوجد بها “نظارة شمسية” بذوق رائع جعلته يتمتم بإعجاب: ما شاء الله رووعة يا بلقيس بجد ذوقك هايل، ثم ابتسم بإحباط: بس أنتي عارفة صعب البسها مع ضعف نظري! أنا ماينفعش البس غير نضارتي!
هتفت بمكر محبب: بس لو عملت عملية ” ليزك” لعنيك، هتقدر تلبسها، وتستغنى عن نظارتك العواجيزي دي يا يزيد!
رفع حاجبيه متعحبًا: عواجيزي؟!
_ أيوة عواجيزي وظالماك جدا.. أنت في حاجات بسيطة لو اهتميت تعملها، شكلك هيتغير بشكل كبير.. ليه ماتستغلش الحلول المتاحة في عصرنا اللي تخليك مختلف بشكل مبهر..! كل الناس دلوقت بقيت تسعى تكون أفضل في كل حاجة، حتى شكلها..!
_ هو للدرجة دي انتي شايفاني قبيح!
تسائل بطيف إحباط تجلى بنبراته، فهتفت مدافعة: والله ما قصدي، وأسفة. لو ده اللي وصلك مني دلوقت أو من تصرفاتي قبل كده، بس حقيقي أنا نفسي ماتهملش نفسك انت تستحق تتميز في كل حاجة يا يزيد! وبما أن النفوس اتصافت بنا ومافيش حساسية، يبقى توعدني وعد ولازم تنفذه، أنك تعمل عملية لعيونك تحسن نظرك وتغير نفسك للأحسن.. عايزاك زي ما بتبهر الكل بطيبتك ورجولتك، تبهرهم كمان بأناقتك ووسامتك اللي مخبيها تحت نظارة عقيمة..!
حدجها بنظرة مطولة حائرة، لأول مرة يستشعر منها اهتمام حقيقي، حتى ولو بإسم الصداقة والأخوة التي لم يعتادها داخله تجاهها بعد.. هتف بعد برهة:
في سؤال خطر على بالي عايز اعرف إجابته.. ليه محاولتيش ولا مرة تغيريني بالحماس ده واحنا مخطوبين..؟!
رمقته بحذر: ده سؤال مفخخ وغرضه خبيث ولا إيه يا ابن عمي؟!
ضحك بخفوت وهز رأسه نفيًا: لا والله مافيش أي خبث، بس فعلا عايز افهم لو مش هيضايقك!
هتفت بترقب: اقول بصراحة ومش هتزعل مني!
_ هزعل لو قولتي غير الصراحة!
صمتت برهة تستجمع الكلمات المناسبة بعقلها أولا، ثم قالت: لأن زي ما قالتلي ماما بالظبط.. كنت واخدة الموضوع حجة اتسند عليها ومبرر قوي عشان اسيبك واخرج من علاقتنا من غير ما ازعلهم.. أنا كنت أنانية أوي معاك، كنت عارفة أني مش هكمل، بس فضلت ساكتة عشان ارضي بابا وماما اللي كانوا متمسكين بزواجنا بشكل كبير.. عشان اقولهم انا اهو جربت زي ما طلبتم ويزيد ما ساعدنيش يتغير.. وكده عملت اللي عليا..! واخرج من الحكاية بدون عتاب!
رمقته بترقب قَلِق: زعلت من صراحتي؟؟؟
نفى بصدق: ابدا.. ومبسوط إننا اتصارحنا.. عشان مايبقاش في بنا أي رواسب مخفية.. أنا مؤمن إن كل واحد له نصيبه.. يمكن أنا وانتي مكناش هنسعد بعض.. وانا بجد بتمنى من كل قلبي تلاقي اللي يقدرك ويسعدك يا بلقيس!
انعكست جملته الأخيرة داخله بألم، أخفاه ببراعة،
فابتسمت هي براحة: انا بجد بشكرك من قلبي.. لو تعرف ازاي كلامك. ريحني.. أنا هدعي دايما يجي اليوم اللي اشوف في عنيك سحابة عشق مختلفة.. واليوم ده جاي أكيد.. ووقتها هكون زي جوري أختك اللي هتنشر على صفحتها في الفيس بوك..
” أنا أخت العريس”..!
انضمت بعد وقت قصير “الخالة ” فدوة وزوجها وياسين لوداع يزيد، وامتنعت عطر عن الحضور بحجة وعكتها الصحية! فتمنى لها الجميع العافية، ولم يلح ” يزيد” في السؤال عنها مكتفيا بتمني مقتضب بسرعة تعافيها.. ومضى الوقت سريعا، ليتوجه مغادرا..ليبدأ أولى خطوات حلمه المهني.. ويطلب من الله العون والتوفيق!
عبر الهاتف!
_ ازيك يا بلقيس عاملة أيه؟
_ الحمد لله يا تيماء.. وانتي ازيك وحشتيني؟
_ الحمد لله يا حبيبتي وانتي أكتر، أنا متصلة عشان اقولك هنقضي يوم حلو قبل سفري مع بابا، لأني هعمل حفلة لعيد ميلادي هتكون مختلفة وتجنن، وبابا وافق اعملها في الفيلا الصغيرة بتاعتنا في منطقة الساحل الجديدة في جمصة، منطقة هادية جدا وهناخد راحتنا على الأخر.. وهعزم كل أصحابي في الجامعة ونلعب ونبلبط في البحر ونقضي اليوم كله من الصبح لحد بالليل!! وطبعا أنتي هتيجي أساسي يا بلقيس!
قالت بضيق: للأسف بابا وماما مش هيوافقوا.. وخصوصا ماما أي مكان في بحر مستحيل توافق.. من وقت حادث اخواتي اللي غرقوا وهما صغيرين، وهي متعقدة وبتخاف! وبابا هيرفض مجرد سفري لمكان بعيد فيه شباب، حتى لو حلفتله إني مش هكلم حد، مش هيوافق بردو..!
_ أخص عليكي، عيد ميلاد صحبتك ومش تحضري.. وانا اللي افتكرتك أول واحدة جاية وهتساعديني وتستقبلي معايا أصحابنا..!
_ يا تيماء هعمل إيه بس.. خوفهم عليا خوف مرضي، ده مش بيخلوني اروح أي مكان بدون السواق بتاعي، وماما بتفضل تتصل بيا كل ساعة لحد ما ارجع، أزاي بقي هحضر عيد ميلادك يوم كامل في مصيف زي اللي بتحكي عنه.؟!!!
_هو أنتي طفلة يابنتي؟ إنتي اتخرحتي من الجامعة، لازم يعطوكي حرية شوية، دي كده تبقي عيشة تخنق، لازم تعيشي تجارب وتفاصيل في حياتك مختلفة، وتعملي ذكريات كتير هتفتكريها بعد كده، اما ترجعي تفتكري في خيالك يوم ماحضرت الرحلة الفلانية او لما خرجت مع فلانة وهزرت ولعبت وضحكت، بكره هنكبر يا بلقيس ومش هنقدر نعمل حاجات كتير ، عيشي أيامك دلوقتي بكل جنانها وتجاربها، لأن هايجي وقت هنعقل وهيجري عمرنا ونلاقي نفسنا فجأة كبرنا ونضجنا وهنلتزم غصب عننا وهنشيل مسؤلية وهموم.!
انما تفضلي قطة مغمضة وخيبة كده بجد غريبة! المجازفة في سننا حاجة ممتعة اسأليني أنا..!
وجد حديث تيماء صداه داخل نفس بلقيس التواقة لتمرد بدأ فتيل اشتعاله..وأثمر بنفسها الضَجِرة الراغبة لجديد تخوضه مادام لا يحوطه مخاطر!..فأخرست صوت عقلها الذي بدأ يُعدد محاذيره الكثيرة لينهاها، فلم تنصت له! وطمست صوته واعتلى صوت رغبتها فقط..!
تيماء وهي تفرقع إصبعها: طب أنا عندي الحل!
_ حل إيه؟
أجابت تيماء:
مش لازم يعرفوا إن عيد الميلاد في فيلا جمصة وتجمع شبابي مادام هيرفضوا..قولي في نادي قريب من الجامعة.. وإني هحتاجك من أول اليوم تشتري معايا لوازم شخصية، وبعدها هنروح النادي، وإنك هتسهري معانا لحد الساعة 9 بالليل، ويبقى السواق يوصلك فعلا الصبح، وتقوليله يرجع ياخدك من قصاد النادي أما تتصلي بيه! وأنا طبعا هعدي عليكي ساعتها الصبح بدري، واخدك بعربيتي، وهرجعك قبل 9 قصاد النادي بردو، وترجعي مع السواق بتاعك عشان يطمنوا..!
_ بس ده كدبة كبيرة؟ مش متعودة على كده!
_ حبيبتي أحيانا الأهل بيخنقونا بخوفهم علينا وبيحبسونا بحجة أنهم بيحبونا.. بس إحنا لازم نجرب كل حاجة.. وبعدين ده مجرد يوم هتنبسطي فيه وتغيري الروتين بتاعك وتكسري القيود اللي حواليكي دي.. وواصلت: وعموما لو مش حابة خلاص براحتك.. بس انا فعلا اتمنى تكوني موجودة معايا..!
أغرتها شهوة المغامرة والتحرر من قبضة والديها اللذان يتعاملون معها وكأنها طفلة!!
لقد كبُرت طفلتهما، وأصبحت تشتهي خوض تجارب مختلفة، لتكسر قيدهما ولو سرًا..!
ولن يشعرا بخوضها تلك الرحلة.. التي ستمنحها شيء مختلف مبهج، ولكن هل سيصدق ظنها للأخير، ام ستكون بداية ندم وخسائر متتالية للملكة؟!
موعدنا الثلاثاء القادم!
وماتنشوش تشوفوا الهدايا?
وشكرًا يا موني على تعبك وتصميمك
للتواقيع والهدايا.. ❤❤❤❤
التواقيع
https://www.facebook.com/
الهدايا
https://www.facebook.com/