رواية ذات الرداء الاحمر

بواسطة: كُتاب بيت العز - آخر تحديث: 20 أغسطس 2024
رواية ذات الرداء الاحمر



الفصل العاشر


كثرة الأسرار تُفقد الحب رونقه..
فما بال القلب مشتتًا..
قلعة العشاق عالية..
وأسوارها ضخمة..
محاطة بالثقة..
لكن إن دخل الشك من فجوة..
فإن الموازين تنقلب..
إما أن تسقط كفة القلب..
أو تهوي فينتهي الأمر.. .


في شركة غياث يقف تيم على باب مكتب براء وهو يشتعل غضبًا يريد أن يقتلها عن فعلتها به وعند تلك الكلمة ذهب مباشرة إلى مكتبه .
بعد قليل خرجت تيارا من الحمام وهي تحدث فريال سكرتيرة براء ، فقد أوصلت تيارا الملف لبراء وأخذته منها فريال لتطلب منها أن تأخذ رأيها في أمر هام لكنها تخشي أن يسمعها أحد لتدخلا إلى الحمام .
ذهبت تيارا مباشرة إلى مكتب تيم فقد اشتاقت إليه !! .

لتدخل الى المكتب وتجده في حالة فوضى ، وهو يقف يوليها ظهره وكفيه متخللان خصلاته يقبض عليهم بعنف ، فاندفعت تضع كفها على كتفه تهتف بقلق :
– ما بك تيم ؟ ، هل أنت بخير ؟ ، ماذا يحدث هنا ؟ .

التفت لها مسرعًا ينفض كفها وكأنها أفعى لدغته وصرخ بها :
– ما بي … ما بي أنني كدت أُخدع بهذه البراءة المزيفة ، كدت أقع بفخ هيامكِ بي ، كاد قلبي أن يتحطم .

تعجبت تيارا من هجومه الغير مفهوم وعندما حاولت الحديث سبقها بصراخه :
– من اليوم لا أريد رؤية نظراتكِ تلاحقني ، لا أريد حتى أن ألمح طيفكِ في الجوار ، المكان الذي أكون به لا أريد منكِ الوجود به ، أتفهمي يا هذه .

وحينما أنهى حديثه المهين لحبها حتى ذهب وتركها على مشارف البكاء ، نظرت لمكان ذهابه بعينان دامعة بألم ، لترى براء يدلف وعلى ثغره ابتسامة ماكرة ، فتوجهت له بغضب وقد تحول ألمها لغضب كبير ، أكبر مما يظنه العقول لتصرخ به قائلة :

  • ماذا فعلت أيها الوغد ، ماذا قلت له كي يكون بتلك الحالة .

نظر لها براء قائلاً بلامبالاة :
– بغض النظر عن أنني لا أعلم عن أي شئ تتحدثين لكن حمدًا لله أنها جائت منه ، لأنكي ملكي تيارا ولن تكوني لغيري .

ليجد ردًا على حديثه صفعة قوية كادت تفصل رقبته عن رأسه يتبعها صرخة مقت تحمل كره العالم أجمع لتردف :
– أعلم أنك وراء ذلك الأمر بل أقسم أنك السبب وسوف تدفع الثمن .

ثم ذهبت وتركته مصدوم من قوة الصفعة أكثر من أقدامها على صفعه من أجل خصمه !! .


مرت عدة أيام على كنان وهو يكتم غضبه ، هو يشعر أن تيا خدعته ، يشعر أنه ضعيف لا يستطيع أخذ حقه ، فهو يشعر بالخذلان .
راقب كنان منزل خصمه جيدًا ، منذ أيام وهو يراقب تحركاته من المنزل للشركة والعكس ، يذهب وراءه في كل تحركاته ، أهمل شركته هذه الأيام وهو لايريد أن يرى أحدًا ، هو لايريد أن يراها هي ، لتحزن تيا على ذلك الأمر ، ليطمئنها أيهم أنه على العكس تمامًا فإختفاء كنان وإبتعاده لا يعني سوى أمر واحد ، أنه يحبها .

وضع خطته مرة أخري بمهاجمته في منزله والقضاء عليه ولكنه يحتاج لسلاح يستطيع به القضاء عليه لذا كان يجدر به لقاء تلك الساحرة ، هو لا يعرف كيف يتواصل معها ، لكنه بالتأكيد يثق بأنها ستصل إليه ، لقد أخبرته سابقًا بأنها ستسطيع مساعدته ، لكن أين هي الآن ؟!! .


كان جالسًا في منزله يفكر حتى شعر بوجود شخص آخر معه في المنزل ، لذا قام من مكانه وأخذ يتحرك بخفة حتى لا يصدر صوت ، وصل إلى المطبخ عند الباب الخلفي للمنزل ، ليجده مفتوح قليلاً ، أقترب أكثر وخرج إلى حديقة المنزل الخلفية لكنه لم يجد أحد بالمكان ليزفر بضيق ، فيبدو أنه يتخيل الكثير من الأشياء وقبل أن يدخل مجددًا سمع خلفه صوت ضحكات شخص يعرفه جيدًا ليلتفت فيجده أيهم يضحك عليه ليقلب عينيه بملل من أفعال صديقه الصبيانية ليسأله بنزق :
-ماذا تريد في هذا الوقت ؟! .

ليقول أيهم وهو مازال يضحك :
– ماذا .. ألا أستطيع الحضور في أي وقت .

  • أنا بالداخل تعال .

دخل منزله بعدها ليتبعه أيهم ليجلسا متقابلين ليبادر أيهم بالحديث :
-إذًا كيف حال صديقي .

  • أنا بخير وأنت .

  • بأفضل حال ، خطبتي بعد أيام .

طالعه ببرود لم يجد إخفائه وقال :
– مبارك لك .

ليباغته أيهم بالسؤال قائلاً :
– هل تحبها ؟! .

ليقطب كنان جبينه قائلاً :
– من تقصد ؟! .

  • تيا … هل تحبها ؟!! .

وقف كنان من مجلسه وقال مستنكرًا :
– هل أنت مجنون أيهم؟! كيف تسألني إن كنت أحبها أم لا وهي ستصبح خطيبتك بعد أيام !! .

ليضع أيهم قدمًا على أخرى ويقول :
– دعك من أمر الخطبة وأخبرني .

  • أنت لا تبدو بخير لذا اذهب لمنزلك وارتاح .

قام أيهم من مجلسه واتجه إليه ليقف أمامه ويهديه لكمة ستزين وجهة لبعض الوقت !!!
لينظر له كنان بصدمة ، فيسأله أيهم بنفاذ صبر :
– أخبرني الآن هل تحبها أم لا ؟

  • أقسم أنك مجنون ، أخبرني هل صدمت رأسك وأنت قادم اليوم إلي .

  • لا لم يصدمني شيء ولكن يبدو أنك أنت من يحتاج لأن يُصدم رأسه بصخرة عسى أن تعود إلى رشدك قبل فوات الأوان .

تأفف كنان قائلاً :
– ماذا تريد أيهم ؟! .

  • فقط أخبرني بحقيقة مشاعرك نحوها .

لينظر كنان أرضًا وهو يقول :
– وإن أخبرتك أنني لا أدري حقيقة ما أشعر به تجاهها ، أريدها بقربي ، وأشعر بالذنب ما أن أزعجها ، ويبكي قلبي ما أن تنزل دمعة من عيناها بسببي ، تختفي ابتسامتي ما أن أرى حزنها ، كل هذا لا يقارن بما شعرت به ما إن أخبرتني أنها خطيبتك المستقبلية أعتذر منك يا صديقي لحديثي هذا عنها .

ليضحك أيهم عاليًا ويقول :
– كل هذا وتقول إنك لا تدري ، أنت لا تحبها فحسب ، بل أنت مغرم بها لذا لا تعتذر ، هنيئًا لك قلبها وروحها .

لينظر له كنان بتساؤل :
-ماذا تقصد ؟ .

  • ما قصدته هو أنني لم أكن لأرتبط بها يومًا وانا أرى مشاعرك تجاهها في عينيك ، كل ما حدث من تخطيطي أنا ، حتى أمر الخطبة المزيفة كانت لأجعلك تعترف لنفسك قبل أن تعترف لها بعشقك المدفون داخلك ، والذي ملّ من الإحتجاز داخل صدرك وأنا حررته الآن هنيئًا لك مرة أخرى ، تيا مغرمة بك كثيرًا لا تفقدها مهما حدث .

رفع كنان حاجبه مقتربًا من أيهم وهو يقول بخفوت مقلق :
– هل كنتما تمثلان عليّ ؟! .

ليقول أيهم بعد أن وقف واقترب من باب المنزل :
– أجل كانت تمثيلية ما رأيك في أدائي .

ليغلق الباب خلفه ويفر هاربًا كي لا يأخذ لكمة من صديقه ، ولم يكد يرحل صديقه حتى شعر بحركة وراء ظهره ، من غير أن ينظر كان يجزم أنها هي ، الفاتنة ، الساحرة ليلتفت إليها ، فيجدها بردائها الأحمر وهالة من الجمال تغلفها ليقول بداخله ” لو لم تكن تيا في قلبي لكنت عشقتك بالتأكيد ”

لتبتسم له وتقول:
– مرحبا كناني ، هل اشتقت إلي ؟! .

ليحدثها بنبرة يشوبها قليلاً من الغضب :
– أين كنتي ، ولم اختفيتي هكذا ؟! .

  • كنت أرتب لبعض الأمور ، لكن الآن جئت بما تريد .

  • وما هو الذي أريده .

  • هذا …

لتخرج من ثوبها خنجرًا غريبًا ، مزين بنقوش عليه أحرف غريبة لم يعرف معناها ، ربما تدل علي لغة قديمة ولكن ما لفت نظره أكثر هو رمز الثعبان الملتف عليه كمن يحتضنه ، أعطته له فمد كفه يأخذه منها ، لتردف هي بعدها :
– هذا سلاحك الآن وهو الوحيد القادر على قتل عدوك ، فهو مصنوع من دماء أقوى الساحرات ، لذا هذه فرصتك الأخيرة فاقتنصها يا عزيزي ، اليوم لقائنا فقط استعد وكن أمام القصر لأعطيك إشارتي .

لتختفى من أمامه كما أتت ، فتأفف بضيق وهو ينظر للخنجر في يده بتصميم على تنفيذ إنتقامه مهما كلفه الأمر .


في المساء وبمنزل تيم كانت خالته جوانة ، تجلس بغرفتها وبين أناملها قلاده قد أهداها لها رجلاً ما وعيناها يشع منها الخوف والألم ، هذا الصوت الذي بداخلها يخبرها أن به شيء ، تشعر بمكروه أصابه ، وإن أصابه شيء فما السبب ، هل علموا بشيء !!! ، ولكن كيف فقد مر العديد من السنوات ، تكاد تشعر بالإختناق بسبب هذا الألم والخوف النابع من داخلها ، وتيقنها بما تشعر به يجعلها تضعف بالوقت الذي لا يصح ..
وكان حدسها صحيحًا ، يقولون أن من يحب يشعر بحبيبه وإن كانت تفصل بينهم الآف الأميال ….

لنجد في مكان بعيد نسبيًا ، مكان ربما يكون موجودًا على الخريطة وربما لا ..
ساحة صخرية كبيرة يحيطها أشجار ضخمة ذات جذوع طويلة وأوراق خضراء كثيفة ، تتحرك بخفة فتصدر حفيف مرعب ، لاحظه الشاب الذي يسير بصعوبة من الحمل الثقيل الذي تسببه كتلة الأخشاب بين ذراعيه بإحكام ، فوقف ينظر بجانبه حيث مصدر الصوت فرأى أوراق الشجر تتحرك كالمعتاد بسبب الرياح الباردة ، فلم يعطي للأمر أهمية ونظر أمامه كي يكمل سيره فوقع نظره على هذا الكائن المفترس الذي يناظره بعينين مختلفتي اللون لامعتين بدهاء وفاه مشدود بوحشية مظهرًا أنيابه البيضاء .

وقع الخشب من يد الشاب بفزع وقد بدأ جسده يرتجف من هذا الحيوان الذي سمع عنه بالأساطير ، لكنه ها هو يراه بعينيه ، أخذ يخطو للخلف ببطئ وعينيه يشع منها الذعر ، بينما يتقدم منه ذلك الحيوان بخطوات هادئة بثت الرعب بقلب الشاب أكثر فألتفت سريعًا يحث قدميه على الركض لكنه هجم عليه بشراسة فإرتطم جسد الشاب بالأرض بعنف صارخًا بألم ولكن لم تكتمل صرخته ؛ فأنيابه البيضاء أخترقت رقبة الشاب بشراسة وعنف لا يليقان إلا … بالذئاب !!! .

بعد عدة ساعات وبحديقة كبيرة تنتمي لمنزل ضخم لا يملكه إلا الملوك .
يسير رجل ضخم البنية بملابسه الغريبة المكونة من بنطال أسود فضفاض بعض الشيء ، ملتف حول قمته حزام جلدي يتهدل منه مجسم طويل ورفيع للغاية يعرف بالسيف ، وجذعه العلوي مغطى بكنزة صفراء غريبة الطراز ، ثغره يحمل بسمة جانبية خبيثة ، أنفه مرفوع بأنفة وتكبر ، عيناه تحملان لونين مختلفين بينهما تناقض تام ، فالأزرق والبني لا يتوافقان أبدًا على من يمتكلهما .
توقف عن السير عندما لمح شقيقه الذي لا يقل عنه في ضخامة بنيته و وسامته يقف أمامه وعيناه لا تبشر بالخير أبدًا ، ولكن لا يهم فمن يقف أمامه لا يملك ذرة حق كي يتحدث معه او يعارضه .
تقدم منه شقيقه – المرتدي مثل ملابسه – وعينيه لا توحي بالخير ، وقف أمامه وتحدث بصوت صقيعي حاد :
– ألم أحذرك مما تفعله طِراد ، ألم أخبرك بأن لا تمس أحدًا داخل أو خارج مملكتنا .

رفع طِراد حاجبيه بتعجب مصتنع يقول :
– أوووه ، أحقًا أخبرتني بذلك؟ ، أسف لم أقصد ما فعلته أخي الصغير لا تعاقبني رجائًا .

وما أن أنهى جملته حتى تهكمت ملامحه وتحدث بعجرفة :
– أهذا ما تريد سماعة جود أن أعتذر منك أنت ، هل تظن أنني أنتظر أوامري منك أو من والدانا بشأن ما نحن به ، فما بي لا دخل للآخرين به ، أنتم افعلوا ما شئتم به ولا تستفيدوا منه ، وأنا سأفعل ما شئت .

صك جود على أسنانه يهتف من بينهم بغضب :
– وهل ما تشائه ثمنه دماء الآخرين .

ارتخت ملامح طِراد وكساها اللامبالاة قائلاً :
– ما حدث بنا جميعًا نفعه الدماء … دماء وفقط جود ، وهذا ما أفعله دون دخل لي بغباء قلوبكم .

  • وهل صفاء القلب أصبح غباء طِراد ، أم أنك سعيد بقوتك التي تستعرضها على الضعفاء .

قالها جود بعنف وكفيه يمسكان بتلابيب شقيقه الأكبر فهوى طِراد بجبهته على جبهة جود بقوة فأبتعد عنه مزمجرًا ، هندم طِراد كنزته ببرود وكاد يتحدث بعجرفة بعدم تعرضه له لكن سبقه جود بلكمة على وجهه جعلته يترنح للخلف ، فأستغل جود ذلك وهجم عليه فوقعا الأثنان على الأرض وجود يكيل لطِراد اللكمات على وجهه بغيظ ، حاول طِراد إبعاده بذراعيه لكنه لم يستطع فلم يكن أمامه إلا إخراج قطعة حديد صغيرة حادة من جيب بنطاله وطعن ذراع جود ، زمجر جود بألم وقد توقف عن لكمه فدفعه طِراد ليقع بجانبه ووقف هو ، وقبل أن يذهب ركل جود بخصره ثم اندفع للداخل حيث والداه كي يجعل الأمر بصالحه ككل مرة ….


بينما جوانة تضع القلادة تحت وسادتها
ووقفت من مجلسها وأغلقت جفنيها تستتشق الهواء بعمق ثم تلفظه ببطئ ، فعلتها عدة مرات ثم فتحت عيناها تنظر لنقطة ما وهمية مردفة بخفوت :

” أموت ولا يحدث لك شيئًا ، أموت وأراك أمامي الآن ، فقلبي لا يخطئ ناحيتك مطلقًا . ”

لتفزع من غلق باب منزلها لتيقن أن تيم قد جاء ، لكنها شعرت بعدم الطمأنينة بعد سماعها لقوة غلق باب غرفته لكنها لم تشأ التدخل كما المرة السابقة ربما هذا يجعله يشعر بالراحة .

دخل غرفته بخطوات غاضبة يقفل الباب بقوة ، جالت عيناه بالغرفة لعدة ثواني ومالبث بعدها أن هجم على مكتبه ويطيح بكل ما يوضع عليه ، أي شيء يطال يده يقذفها بعشوائية فترتطم بالحائط أو الأرض
، كيف تجرؤ أن تخدعه هكذا ، كيف له أن يصدق الحب وهو يؤمن انه ليس له نصيب فيه .
ظل يثير الفوضى في غرفته وحينما لم يجد شيئًا ينفس فيه غضبه الذي يكمن بداخله أكثر حتى أمسك بقلادته وسحبها بعنف ليقذفها بعيدًا ، وكأن ذلك سيجعله يشعر بالراحة ، لكن ما بدأ الشعور به هو دوار خفيف يداهم رأسه مع ذات الحركة الغريبة التي تغزو عظام جسده ، نظر لكفيه بتشتت ليراهما يتغيران بشكل غريب ، يشعر انه يتمدد وكأنه … وكأنه يتحول !! ….

هذا الضجيج القادم من غرفته لم يسعفها للبقاء بغرفتها أكثر ، بل جعل قدماها يهرولان خارج غرفتها تتجه له ، وما أن وصلت لغرفته وفتحت بابها حتى وقع بصرها عليه لتشهق بصدمة .




34723 مشاهدة