الفصل الثاني عشر
كن على ثقة تامة أننا لا نُخدع..
نحن فقط نزين الحقيقة لتناسب جميع الأطراف..
الحقيقة كلمة قد تبدو أسهل في نطقها ، أو حتى كتابتها ، لكن صدقًا هي أكثر ما يفشل الإنسان في الحفاظ عليها..
البداية كانت قصة مختلفة ظنها البعض مجرد خيال..
لكن أليس الخيال هو جزء من واقعنا..
انتظر قليلاً لتكتمل الصورة..
فالحقائق تختلف.. .
تجلس جوانة بجانب تيم على الأريكة وهو يشعر بالتخبط والضياع ، هو ليس بشريًا لذلك شعر طوال حياته بأنه غير متكامل !! .
تحدث تيم بتخبط جلي على صوته يحثها على الحديث :
– هيا خالتي ، أريحي قلبي ، أكاد أُجن ولا أعرف من أنا ولمَ أنا هكذا .
أمسكت كفه تضمه لراحتها كي يطمأن قليلاً وبدأت بالحديث :
– لست وحدك تيم … لذا لنبدأ بالحقائق منذ البداية ، أنا لست خالتك بل زوجة عمك .
توسعت عيناه بذهول والحقائق تتدفق فوق عقله ، يكاد ينفجر لترى ملامحه تلك فتكمل بهدوء :
– هون على نفسك الأمر وسأقص لك كل شيء منذ البداية ، منذ مئة عام وفي عالم غير هذا ، في عالمنا نحن … عالمنا الخاص بنا ، حيث مملكة تسمى بايكال يحكمها ملك ذو بأس يسمى نعمان المقدسي… .
لم تكن أنهت حديثها حتى قاطعها بصياحه مندهشًا :
– دقيقة واحدة ، عالم ماذا ؟! ونعمان المقدسي ماذا ؟!، أنا لا أفهم شيء ، عقلي توقف عن التفكير ، أكاد أحترق خالتي .
- تيم أرجوك إهدأ قليلاً ، لا أريد منك قطع حديثي ، فقط أستمع لي .
كاد يتحدث مرة أخرى لكنها رمقته بنصف عين فصمت بضيق ينتظر حديثها ، لتقول :
– كنا نعيش كفريقين أحدنا سحرة ونحن كنا مجرد بشر عاديين ، ولأن للسحر مساوئ كان بمملكتنا قانون ينص على عدم السماح بالإختلاط بيننا وبينهم ، وكانت عقوبة من يخترق هذا القتل مهما كانت مكانته حتى لو اُكتشف الأمر بعد سنوات تقتل جميع العائلة حتى لو كانوا أطفالاً نتاج هذا الزواج …
وكانت أول من يفعل ذلك هي أوركيديا ساحرة من نسل كبار السحرة ، ساحرة تتميز بالجمال الأبدي ليقع أسيرها اكبر أبناء الملك !!! .
في قصر رويد … ما تزال الحقائق مستمرة في الظهور ، حيث كان رويد يقص على حبيبته أوركيديا ما قصه عليه جده ليقف رويد عن سرد أحداث الماضي وهو يسمع أوركيديا تردد اسم روندا على مسامعها ليقول :
– اسم غريب ؟ .
تنهدت أوركيديا بحزن وقالت دون وعي :
– بل اسم عزيز !! .
- هل أحد اقاربك يحمل نفس الاسم ؟ .
تنبهت أوركيديا لما قالت فتمالكت نفسها سريعًا وقالت :
– نعم ولكنها ماتت منذ زمن ، أكمل رويد أريد أن أعلم كيف أتت رو… .
وبلحظة راجعت فيما كادت ستقوله وغيرته قائلة :
– كيف أتى هذا التمثال إلى هنا ؟! .
بدأ رويد يقص ما دار بينه وبين جده مجددًا :
– في نفس اليوم الذي وصل فيه أبي وأمي وعمي هناك هاجمت القبيلة مجموعة من الذئاب أو إن صدق القول مستذئبين !!…
ركض كل من في القرية يمينًا ويسارًا لهجوم الذئاب المباغت عليهم ، خرج أصيل بسيفًا من الفضة الخالصة دون خوف ، في تلك الحرب الضروس ، ليقف جنبًا إلى جنب بجوارهم وشقيقه وزوجته أيضًا دون خوف أو رهبة .
كانت روندا تلقي سحرها هنا وهناك لكن العدد كان أكبر من طاقتها لخروج بعض الساحرات من القرية لإتمام بعض الطقوس في المعبد ، ومجيئ الضيوف أنساها أن تلك الفرصة دائمًا ما يستغلها هؤلاء الوحوش .
ظل الجميع يحارب بكل قوته ، حتى وجد محسن ” والد رويد ” أحدهم يهجم على زوجته ، فنادى على أصيل ليلقى إليه السيف ، إلتقفه محسن منه مقتربًا من هذا المخلوق وقتله لكن بعد فوات الأوان ، فقد سقطت زوجته من بين أسنان هذا الذئب منقطعة الأنفاس ! …..
شهق رويد باكيًا عند ذلك الحد لتقترب منه أوركيديا وتقوم بإحتضانه بشكل لا إرادي مربتة على ظهره ، فمن غيرها سيعرف فراق الأحباب ، فقد ذاقت منه حتى صدأ قلبها أو بمعنى أوضح أصبحت لا تملك قلبًا من الأساس !! .
شددت من عناقه هامسة بخفوت “فما أكثر الشبه بيننا” ، هدأ رويد قليلاً وعقله لا يأنبه على بكائه أمامها ، فهي مليكة قلبه ، والأولى لها أن تراه وقت ضعفه وتحتويه ، ابتعد بوجهه عن صدرها ولكنه ما زال بين ذراعيها وقال :
– آسف أوركيديا .. لقد أحزنتك بالتأكيد .
رفعت كفيها لوجهه تضمه بين راحتيها قائلة بحنو حقيقي :
– إن كنت تحبني لا تقل هذا مجددًا .
ابتسم رويد رغم حزنه ومال عليها يلتقط شفتيها بين شفتاه مقبلاً اياها هامسًا من بينها :
– بل أعشقكِ زهرتي البرية .
رفع كفه يضعه خلف عنقها والأخر على خصرها وأنغمس بما يفعله ناسيًا حزنه وألمه ، وحينما كادت شفتاه تنجرف لجيدها حتى أبتعدت أوركيديا برأسها قائلة :
– أكمل رويد من فضلك .
جذب رأسها بكفه وشفتاه تبحثان عن ملجئها هامسًا ببحة :
– نكمل في وقتٍ لاحق .
أنزلقا كفيها من على كتفيه ووضعتهما على صدره تدفعه بخفه هامسة بخفوت متذمر :
– بل أريد أن أعرف الآن .
زفر رويد بحنق جعلها تبتسم على طفولته ، طبع قبلة على شفتاها سريعًا ثم دثها بين ذراعيه وبدأ حدثه وهي على صدره :
-حسنا كما تريدين … لقد قال لي جدي أن أبي وعمي استقرا شهرين كاملين هناك بعد تلك الحادثه ، وقد كسِبا ثقة أهل تلك القرية ولكن عمي قد كسب قلب أهمهم … وهي روندا ……
أجتمع أصيل مع روندا في الليل بعد نيام الجميع منفردين ليتحدث معها أصيل :
– أعذرينى على التدخل لكن من هؤلاء ؟! .
تنهدت بتعب قبل أن تجيبه :
– كما رأيتهم .
- لكنها مخلوقات غريبة الشكل .
نظرت للفراغ وكفها يرتفع لعنقها ممسكة بقلادتها قائلة :
– نعم لن تراهم في أى مكان إنهم… .
قطع حديثها يكمل ما كانت ستقوله :
– مستذئبين !! .
أعادت نظراتها له بذهول :
– كيف عملت ؟! .
وضع كفيه بجيب بنطاله وقال :
– تدور الأساطير هنا وهناك ، لكن لماذا يهجمون عليكم ، أليس هناك غيرك هنا ! .
- بلى .. لكنها عداوة بيننا وبينهم منذ سنوات فصار الأمر طبيعيًا .
أقترب منها بضع خطوات ناظرًا لعيناها بعمق :
– هل ستعيشين للأبد هكذا ! .
رفعت كتفيها ببساطة وقالت :
– ليس لي دور آخر .
أمسك كفيها بين راحتيه وقال :
– بل لكي.
تركت كفيها بين قبضته تستشعر دفئهما وقالت ببسمة رقيقة :
– وهو !؟ .
- أن تكوني جواري .
أختفت بسمتها وكادت تعترض وتنتشل كفيها ، لكنه أوقفها قائلاً وقبضتيه تشدد على كفيها :
- لا أعلم ماذا حدث لي منذ رأيتك ومتى أحببتكِ ، ولا تنكري أنكِ أيضًا لم تشعري .
أستكان كفيها وقالت بعد تنهيدة حارة :
– بلى أشعر .
أقترب منها أكثر وقال :
– إذن ؟! .
هزت رأسها معترضة :
– لا أستطيع .
- بل تسطيعين .
أنتشلت كفيها بقوة منه وقالت ببعض الألم :
– مسؤلياتي هنا أهم من قلبي ، لا أعلم لماذا ظهرت في حياتي ، لن أستطع أن أحيا براحة بعد الآن ، فنحن متى أحببنا لا ننسى مطلقًا .
رفع كفيه لكتفها يضغط عليهما بدعم وقال :
– اذن لا تنسي وتعالي معي .
دفعته عنها بقوة وصرخت به قبل أن تذهب للداخل :
– أخبرتك لن أستطيع .
لكن بنهاية الشهرين كانت روندا قد قررت الرحيل مع أصيل ومحسن بعد أن حصنت أهل قريتها بشكل قوي ، لكن عند وصولها هنا وجدت محسن قد أخذ شيئًا من عالمها كان خطًأ كبيرًا إحضاره إلى عالمه……
نظرت أوركيديا لرويد بفضول خبيث ظنه رويد فضول الفتيات المعتاد وقالت :
– وماهو هذا الشيء ؟! .
- كتاب .
أبتعدت عن أحضانه وقالت :
– هل أستطيع أن أراه ؟! .
ابتسم لها وقال :
– نعم بالتأكيد … أخبرتك أنه لن يكون هناك بيننا أسرار .
وقف رويد وأتجه إلى أحد الأركان ليتمتم بكلمة السر ، فُتحت له خزانة يخرج منها صندوقًا ، ففتحه ليخرج منه ضوء لمعت على أثره عينان أوركيديا لمرآها .
وأخيرًا … حصلت على مبتغاها !!! .
كانت جوانة تحكى ماضيهم لتيم ليقاطعها بتساؤل :
– وهل تزوجها أبن الملك ؟! .
تنهدت جونة بحزن قبل أن تقول :
– نعم وليته مافعل …..
أمام قصر الملك ، كان الجميع يقف بتحفز ، وهم بحالة من الهرج والمرج ، أصوات مرتفعة رافضة لما يحدث ، يهتفون بإسم الملك بأنه ظالم وطاغي ، ليظهر فجأة في أعلى شرفة القصر ، كهل طويل القامة ، عريض المنكبين ، ورغم كبر سنه
إلا إنه قوي البنية ، أضخم الضخماء لا يستطيعون هزيمته فماذا عن أبنائه الأصغر سنًا منه ، كان يرتدي عبائة سوداء وشال وراء ظهره طويل ذو لون أحمر قاني ، وما كان يرتديه يختلف أختلاف شديد مع خصلاته الرمادية .
وقف الملك أمام سور الشرفة الكبيرة الواسعة وإستند عليه ، ينظر لشعبه بعينيه – الزرقاء – هاتفًا بهم أن يصمتوا ، لم يصمتوا من أول هتاف بل صمتوا واحدًا تلو الآخر بعد مدة قليلة ، ثم تكلم بصوت مرتفع لكي يستمعوا له :
- لا يوجود ظلم في تلك المملكة ، القانون ينطبق على الجميع ، حتى وإن أخترق أحد أبنائي هذا القانون لمجرد أني الملك ، فحتمًا سأطبقه عليه ، لأن هذا العدل ، وأنا لا أرضى بغير ذلك ، واليوم … اليوم سيُعدم ولدي وزوجته قبل أن تضع جنينها ، بمجرد أن يعثر عليهم رجالي في الغابة .
وبمكان آخر نجد إمرأة حامل ورجلاً يشبه الملك إلى حد كبير يسندها بأخذها تحت ذراعه يطمئنها بقوله :
– لا تخافي أوركيديا ، لن يصيبنا شيء حبيبتي .
تشبثت بكفه الحر وقالت بنبرة مرتعشة :
– أخاف على ولدي تليد ، سنوات ونحن معًا ولم يشعر أحدٍ بشيء ، لماذا الآن بعد أن أوشكت على وضع جنيني .
شددت تليد قبضته على كفها وقال بغضب :
– بالتأكيد أخي طراد وراء ذلك ، فهو دائمًا طمِعًا في الملك .
نظرت له يعينان شاحبتان وقالت بوهن :
– أتركه له وهيا لنهرب بعيدًا .
أبتعد عنها قليلاً ثم ضم وجهها بين راحتيها وقال بحنو :
- أترك العالم كله من أجلك .
صمت قليلاً يضع كفه على بطنها ثم أكمل :
– ومن أجل ولدي القادم .
أبتسمت له بوهن وهمست :
– هيا نسـ… .
وما كادت تكمل جملتها حتى جائها المخاض ، لتأخذ جزع الشجرة مسندًا لها ، ساندها تليد من كتفيها وجعلها تجلس أرضًا ، فأخذت تصرخ حتى وضعت مولادًا ذو شعر أشقر ووجه ذو صفحة بيضاء وما كاد تليد يعطيها ابنهما حتى ظهر جنود الملك حولهما كحلقة دائرية ، كانت أوركيديا ما بين الوعي واللاوعي لذا لم تستطع فعل شيء ، بينما تليد فكر قليلاً أن يحاربهم لكنه أعتقد أن والده بمجرد أن يرى حفيده سوف يحن قلبه لذلك أستسلم بهدوء ، ورحلوا إلى داخل حدود المملكة ولم يمضي ساعة حتى كانت أوركيديا – الواهنة – وزوجها أمام الملك وأبنائه وعامة الشعب في وسط ساحة القصر ، تقدم نعمان منهم وقال بصوت حليدي :
– ولدي الكبير وتعصي أوامري ، كيف كنت ستحكم من بعدي .
رمقه تليد بتوسل وقال برجاء :
– لكن أبي ، لقد وضعت زوجتي ولدًا وأخذوه منا فقط لو تراه ، فهو أول حفيد لك .
لم يستطع نعمان رؤية نظرات ولده كي لا يضعف فألتفت بجسده وقال بقوة تعكس ما بداخله :
– القانون سوف ينفذ .
ليتركه ويرحل ساحبًا معه زوجته ” بيسان ” التي كانت تصرخ باسم تليد ، بينما ابتسم طراد بتشفي ، وكسى وجه بيجاد الحزن ، لكنها أوامر والده فكيف يعصاها !!! .
وبعد إنتهاء آخر كلمة لنعمان حتى تعالى الهتاف السعيد من أجل عدل الملك ، والمنتصر على ولي العهد مُخترق القانون …
دقائق حتى رأت أوركيديا جثة أبنها أسفل قدميها يتبعها رأس تليد ، وبرغم وهنها وتعبها أعطاها الغضب القوة لتطيح بكل مايقترب منها … ، ولم تكتفي بذلك فقط ، بل قامت بإلقاء لعنة على نسل الملك وأعوانه …..
وقف تيم من مجلسه وصرخ مستنكرًا :
– يقتل حفيده وأبنه !! .
رفعت جوانة كفها تمسح دموعها التي خانتها وهبطت أثناء حديثها :
– لذلك أخذتك وهربت لأن ذات الأمر كان سيحدث معك .
كأنه لم يكتفي حصاد الصدمات فسألها :
– كيف هذا ؟! .
أكملت جوانة حديثها بنبرة باكية :
– بعد اللعنة تعقدت الأمور أكثر ، لكن الحب ليس له سلطان ، في إحدى هجمات طِراد على الساحرات وذهاب والدك بيجاد خلفه كي يوقف ذلك الأمر حتى قابل والدتك تاليا .
ليسألها تيم :
– هل والدتي ساحرة ؟ .
اومأت بنعم ثم أكملت :
– تكرر الأمر وتكرر نفس المشهد لكن مع إختلاف أن عمك جود زوجي أعطاني إياك لأهرب بك بعيدًا ، ولقد لفقت جدتك أمر موتك وهروب والدتك ووالدك … .
صمتت مجبرة كي تخرج شهقاتها ثم أكملت :
– كانت تقول أنها لم تستطع حماية أبنها سابقًا ولن تستطيع تحمل الأمر مرتين ، وكانت والدتك وأوركيديا ورواندا ثلاث شقيقات من أقوى ساحرات عصرهن ، يحملن من القوة ما لا يقدر أحدًا عليهن ، فتحت بوابة بين عالمنا وبين هذا العالم الذى نعيش فيه الآن .
رمى تيم حمل جسده على الأريكة يعاود الجلوس هاتفًا بحزن :
– جد وجدة وأعمام … عائلة كاملة .. وانا عشت عمر كامل وحيدًا !!! .
أمسكت جوانة كفه قائلة ودموعها تبلل صدغيها :
– هذا كله كان من أجل مصلحتك ، لو لم أهرب بك لكنت ميتًا الآن ووالدك ووالدتك أيضًا .
رمقها تيم ببعض القلق وسألها بترقب خيفة من آجابتها :
– هل مازال والداي علي قيد الحياة ؟ .
رفعت كتفيها بعدم معرفة وقالت :
– لا أعلم ، منذ عشرون عامًا وأنا لا أعلم شيء ، لكن الخطة المرسومة كانت هروبهم ، ووالدتك قادرة على حماية نفسها ووالدك .
لمعت عيناه بأمل وقال بلهفة :
– أريد أن أراهم أن أعرف مكانهم .
- الذهاب إلى هناك مستحيل ، تلك البوابة لم تفتح سوى مرتين ، أحدهما بعد إلقاء اللعنة ليطردها أهلها خوفًا من بطش الملك بهم جميعًا لكنهم تركوها بلا حماية حتى لا تأذي أحدًا آخر ، وحتى لا تستطيع العودة مرة أخرى .
نظر تيم لنقطةً ما وهمة وعقله يشرد قائلاً :
– لكن أعرف شخص ربما يساعدني .
قضبت جبينها وتسائلت :
– ومن هو !؟.
- شخص ما أهتم بتلك القلادة ما إن رآها !! .
وفي قصر غياث ، تقف أوركيديا بوسط الغرفه الدائرية وهي على بضع خطوات من الحصول على حلمها ، وأخيرًا ستعود كما كانت … قوة لا يستهان بها ، قوة ستستمر ، قوة لا تحتاج لدماء أحدهم لتحصل عليها !! .
أخذت تسير نحو هذا الصندوق – تحت نظرات رويد الذي ظنه فضول الفتيات الدائم – ، حتى وجدت من يقتحم الغرفه عليهم صوته الغاضب يخترق آذنهما :
– رويد ياغياث .
نظرت أوركيديا ورويد إتجاه الصوت ، فهتف رويد متعجبًا بينما نظرت له أوركيديا بغضب :
– من أنت ؟ .
رمقه كنان بغضب هاتفًا بشراسة :
– أنا الغضب وجئت لأقبض روحك .
وما إن أنهى حديثه حتى أخرج الخنجر من جانبه وتوجه لرويد بخطوات متربصة ، فصرخت به أوركيديا :
– انتظر كنان كيف تدخل دون إذني .
نظر إليها وقال بغضب :
– إلى هنا ودورك إنتهى .
ثم وجه كلامه لرويد قائلاً :
– وأنت جاء وقت الحساب وستدفع ثمن مافعلت بأبي وأمي وشقيقتي !! .
تعجب رويد من ما يحدث فصاح به :
– كنان !! … من كنان ، وماذا فعلت بعائلتك ؟! ، أنا لا أعرف عما تتحدث يا هذا ، مالذي تهذي به ؟! .
ثم وجه كلامه لأوركيديا :
– وأنتِ من أين تعرفينه ، ولماذا ينتظر إذنك ؟! .
وما كاد ينهي حديثه حتى صرخ :
– اشرحي لي ذلك .
كادت تتحدث أوركيديا فسبقها كنان :
– دعني أنا أشرح … .
قاطعته أوركيديا بصياحها الغاضب :
– أصمت وأفعل ماجئت من أجله… .
صمتت قليلاً تنظر لرويد المتوجس مما يحدث وأكملت بصوت حزين :
– أسفه رويد ، فبعض التضحيات واجبة للحصول على ما هو أكبر .. .
وأقتربت من رويد ولمست وجهه قائلة بحنان :
– عندما تذهب لعالمك الآخر ، تذكر فقط أنني أحببتك ، لكن لم يكن هذا الزمن في صالحنا فإلى اللقاء في زمن آخر حبيبي.. .
أبتعدت عنه وتوجهت للصندوق تقف أمامه ، وتركت كنان يقترب من الرويد المذهول من حديثها .
هجم كنان عليه لكن رويد لم يكن ضعيف البنية فتصدى له بقوة وركله أسفل معدته أرتد على أثرها للخلف ، تمالك كنان نفسه وعاود الهجوم عليه ممسكًا إياه من تلابيبه وهوى بجبهته على جبهة رويد فسقط أرضًا صارخًا بألم يتبعها ركله في معدته أندفع فيها رويد للخلف حيث أفترش الأرض بجسده .
أما أوركيديا وقفت أمام الصندوق وهى تمد يدها داخله لكن تلك الهالة المحيطة بالكتاب صعقتها وقذفتها بعيدًا لترتطم بالجدار ، ألتفت كلا الرجلين لذلك الصوت ليجد رويد أوركيديا تقع أرضًا فصك رويد أسنانه ببعضها البعض ليعرف أن حبها له … أو ربما إدعائها الحب لم يكن سوى لعبة للحصول على هذا الكتاب !! .
زاد غضبه وغلت دمائه بقهرة شعرت بها أوركيديا ، فهي أحبته بحق ولكن أنتقامها فوق الجميع حتى قلبها!!
وقف رويد من مجلسه متجهًا إليها ليجد كنان يقف أمامه كسدٍ منيع لا يسمح له بالذهاب محاولاً طعنه بالخنجر ، فأمسك رويد عضدته يبعد الخنجر عن جسده ويده الأخرى تسدد لكمات متتالية بوجه كنان قائلاً بغضب :
– ما أفضل أن تحرر الذئب .
سدد له العديد من اللكمات والركلات التي لم يستطع كنان التصدي لها جميعًا ، فأضناه التعب ووقع أرضًا ، أنفه وفمه ينزفان ودوار رأسه كان كافيًا ليفقد الوعي .
بينما رويد ذهب أتجاه أوركيديا وهو يريد أن يفتك بها على خداعها له ، لكن يجدها قد وقفت وأخذت تغمغم بكلمات لم يفهم منها شيئًا ليجدها تدور حول نفسها ثم تظهر برداء أحمر وشعرها يتطاير محلقاً في الهواء وعيناها باللون الأحمر الدامي قائلة بصوت مخيف :
– تغلفيه بحقل طاقة روندا ، كلفت نفسك الكثير من طاقتك لتفعلي ذلك ، لكن لاشيء يقف أمام أوركيديا .
وما إن أنهت حديثها حتى أدارت كفيها على بعضهما في الهواء تحت نظر رويد المصدوم ، وما زاد من صدمته مرور كرة تشع نورًا تمر أمامه لتضرب أوركيديا التي لم تنتبه لها فتراجعت للخلف ولكنها لم تسقط فهي كانت ومازالت أقوى قليلاً من حارسة صغيرة !! .
نظررويد جانبًا فوجد تيارا تكور كفيها بكرة أخرى إستعدادًا لضرب أوركيديا التي إستعادت رباطة جأشها سريعًا .
كورت اوركيد يداها فتولدت كرة حمراء ضربتها بتيارا ، فوقعت أرضًا تآن بألم ابتسمت أوركيديا على أثرها ، بينما يقف رويد بينهم وعقله لا يستوعب ما يحدث ، يشعر أن العالم الذي حكى عنه جده يتجسد أمامه .
شعرت تيارا بالألم في جسدها إثر الضربة ولكنها أبت أن تُظهر ضعفها فتستغله أوركيديا ضدها لذا تحاملت على نفسها ووقفت صامدة وقالت :
– من أنتِ ، وماذا تريدي ؟! .
رمقتها أوركيديا بحدة وقال بصوتها الجهوري :
– أنا أوركيديا ، ولا أظن أنكِ تملكين القوة للتصدي لي ، لذا تراجعي أفضل لكِ .
رفعت تيارا حاجبيها بتحدي وقالت :
– على جثتي .
- إذن انتِ حارسته التي لم تجعليني أسيطر عليه .
ارتسمت البسمة على ثغر تيارا وهي تقول بثقة :
– أجل أنا حارسته ونهايتك على يداي .
ضحكت أوركيديا بسخرية وقالت :
– نهايتي !! … كم أنتِ مثيرة للسخرية صغيرتي ، فأنتِ ما زلتي صغيرة على نزالي .
أنهت كلماتها تغمغم بتعويذة أخرى وضربت بها تيارا التي لم تستطع التصدي لها ، فأوركيديا أقوي منها بالفعل .
سقطتت تيارا أرضًا وخرج من فمها بعض الدماء لكنها حاولت التوازن مرة أخرى في حين تحدث رويد بغضب وعيناه بحمرواتيها :
– كل هذا من أجل ذلك الكتاب .. أيتها المخادعة .
وجهت أوركيديا نظرها له صارخة به :
– لا أريد أن أسمع صوتك أتفهم هذا ، من الواضح أن أحد جنودي لم يجيد دوره ، دعني فقط أنتهي من حارستك وسأتفرغ لك .
وفجأه صوبت ضربة أخرى إتجاه تيارا لتقع أرضًا وتغيب نهائيًا عن أرض الواقع .
ركض رويد إليها كي يهاجمها فأسرعت بتكوير يديها كي تقضي عليهما معًا لكنها وجدت من يهجم عليها ويرديها أرضًا وهو يعوى بقوة لتصعق من هيئة من يجثو عليها وترى صنيعة يديها ليدق الخوف بقلبها لتتمتم ببضع كلمات حتى تختفى من أسفله !!
وفي تلك الأثناء كان كنان قد عاد لوعيه ولكنه يشعر بالتية .
وبرغم الذهول الذي يحتل ملامح رويد لكنه هرول لتيارا كي يستطيع إفاقتها ، لتقف وهى تضع كفها على رأسها بألم وعيناها هي ورويد وكنان على هذا الذئب الماثل أمامهم بذهول ، لينظر رويد الى التمثال المعلق ثم للمثال الحى امامه ، ليعمّ صمت مريب بينهما والذهول سيد الموقف ، وخاصة رويد وتيارا وهما يروا الذئب يتحول تدريجيًا لآدمي والذي لم يكن سوى تيم !!