رواية ” كعبة الكافر “

بواسطة: كُتاب بيت العز - آخر تحديث: 20 أغسطس 2024
رواية ” كعبة الكافر “



الفصـل الثالــث

و في اليوم التالي ..
اّثر أحمد أن يكون لقاؤه بنادين في ذات المحل التجاري المُطل علي البحر ..
و علي منضدة قريبة من البحر ، جلس أحمد و نادين يتحدثون عن مستقبلهم و عن تجهيزات الفرح الذي اقترب ميعاده ..
ثم بدا علي نادين الشرود و أنها تذكرت شيئاً ثم قالت لأحمد ..
نادين:نسيت اقولك حاجة مهمة
في يوم كنت واقفة مع ندي في الكلية و لقينا الناس كلها بتجري و بتصرخ و سمعنا أن ياسر وقع من فوق موتوسيكل صاحبه يوسف عند باب الكلية
فلم تتمالك ” ندي ” نفسها فلم اّشعـر بها إلـا و هي ترمي حقيبتها وورقها و تجري باتجاه باب الكلية ..
وعندما وصلت عربة الإسعاف .. حاولت الكثير من الفتيات اللاتي يُحببن ياسر أن يركبن معه العربة و لكن أمن الكلية حاول فض التجمهر بالقوة .. و رفض ياسر أن تركب معه أي واحدة منهن
و عندما وصلت “ندي” لباب الكلية حوالت هي الاّخري أن تركب معه سيارة الإسعاف .. و حين سألهـا رجل الاسعاف : ما صلتك بالمصاب ؟!
رد ياسر بإندفاع : ندي تكون لي كل شيء !
، فكأن الله أراد أن تكون تلك الكلمة التي قالها ياسر بعفوية حقيقة في حياته ..
فقد تخلي عنه صديقه المُقرب -يوسف – ففور سقوطه انسحب في الزحام حتي لا يعرض نفسه لمُسائلة قانونية من أي نوع ..
و بمجرد نقل ياسر للمشفي ، اتضح انه يعاني من كسر في الساق و بعض الكدمات ،فمكث في المشفي لفترة من الوقت لازمته فيها ندي .. و حتي والدتكم لم تأتي لزيارته سوي مرة واحدة و كان حوارها عنيفاً للغاية .. فسبته و لعنته و تمنت أن يحل به ما هو أسوأ ، بسبب مرافقته لأصدقاء السوء ..
، ورغم أنه قد يكون معها الحق في غضبها منه ، إلا أن موقفها كان قاسي جداً معه !
و حين رأت ندي ذلك حاول ” ياسر” أن يخفي انكساره عنها ، و أن يخفي نظرة الخجل و الألم جراء موقف والدته .. فأخذ يضحك بصخب و يحاول أن يغير الموضوع و لكن ندي كانت تفهم كل سكنات و حركات ياسر..
فكادت أن تقسم أن الحزن يقيم بداخله ماّتم للفرح كل ليلة .. فطالما أخبرتني أنها
تعرف متي يضحك و متي يحزن و متي يدعي الفرح ..!
، و لكن الأهم أنها تأكدت من وجهة نظرها .. و أن ياسر ليس سيئاُ بالفطرة كما يعتقد أو كما يعتقد عنه الاّخرون .. و لكن كل ما يفعله هو “ميكانـيزم الدفاع ”
، فميكانيـزمـ الدفاع هو طريقة دفاع كل شخص عن نفسه .. فياسـر مُجرد شخص مهزوم و علي هامش حياة أسرته .. و يحاول أن يعتنق الأخطاء كمذهب .. و أن يتخذ شيطانه إمام حتي لا يثير شفقة أحد .. !
،و هذا ليس مبرراً بالتأكيد و لكن لكل منا ميكانيزمه الدفاعيّ الخاص به ..
و حـاولت ” ندي ” في الفترة التي مكثت فيها معه في المشفي .. أن تغير وجهة نظره في الحياة ,و أن تنبهه بخطورة ما يفعله و خطورة من يحيطون به عليه ..
فقد حاولت ندي مراراً و تكراراُ أن تبعده عن ذاك الطريق الذي سلكه..ليس بمحض ارادته و لكن سلكه بمحض ارادة أهله الذين تركوه لشيطانه ..
فقالت له ..
” تلك الحياة كالحرب لا تخلو من الضحايا .. و في بعض الاّحيان تحتاج لأن تفلس .. لتختبر قلوب من حولك .. لأن يغدو كل ما حولك ظلاماً .. لتري من سيضيء لك شمعة ..
و في الحياة كما الحرب .. إن لم يكن الشخص معك فهو ضدك ..
فلا وقت للحياد ..و لا وقت للتخاذل ”
فتارة كان يستجيب لها ، و تارة كان يرد عليها بملل من محاضراتها الطويلة التي تليقها عليه ..فكان يقول لها .. كفي يا ” ندي ” أنا اّدري بمصلحتي و أنا أعلم عيوب كُل واحد منهم و هم لا يؤثرون عليّ ..
،و مَرت الأيام التي تقضيهـا” ندي ” مع “ياسر” في المشفي سريعـاً كالحلم . فهناك كانوا بعيداً عن صخب الكلية ، و استطاعت ندي أن تري الإنسان بداخله بعيداً عن أي تزييف أو تصنع ..
حتي حان الوقت الذي حدده الأطباء لخروج “ياسر” ، و قد كانت ندي استعدت لذلك اليوم و انتظرته بفارغ الصبر..و حين ذهبت لتستقبله … وجدته مشبك الاذرع مع فتاة اّخري .. كانت تراهما من قبل يجلسان سوياُ في الكلية قبل أن تتعرف عليه ..
، و مَر بجانبها مع تلك الفتـاة كأنه لا يراها .. و ركبا سوياً عربة خالد الذي كان في انتظارهما خارج المشفي ..

فحقاً ” الاّعمي حين يبصر يكسر عصاه ” .. !

و في اليوم التالي في الجامعة ..
قابلت واحدة اّخري غير ” ندي ” التي أعرفهـا .. فكانت متورمة العينين كأنها كانت في مبارة طويلة مع الدموع ، و كانت مضطربة يعصف بها القلق و الألم ..
فكنت اّخشي أن اسألها سؤال أعرف اجابته مُسبقاً.. و هو ما بكِ ؟! .. فالإجابة واضحة ألا و هي .. ياسر ، ياسر هو ما بها و هو ما أصابها ..
فقالت لي ” ندي ” ذلك اليوم بعض الأشياء التي ظلت عالقة برأسي .. حيث قالت لي
أتدرك ِ كيف يُقتل إلانسـان ببطيء
أمنحه الأمل في يوم و في اليوم الاّخر اسلبه منه
، ابني له قصوراُ من وهم صباحاً .. و في المساء اهدم جُدرانها عليه
، لطالما شعرت أن “ياسر” سيقضي عليَ يوماً ..
” كالسرطان اللعين هو .. يضطر الجسد في بعض الاّحيان لـبتر بعضه لينقذ كله ..ولكن سيظل المبتور منا شئنا أم أبينــا .. ! ”
مَـر ياسر علينا اّنذاك .. و معه نفس الفتاة التي وصفتها لي ” ندي ” و ما كانت تلك الفتاة سوي “سـارة” و لكن لم يكن بها أي شيء يدعو للسرور ..فكانت فتاة طويلة ممشوقة القوام ذا شعر طويل أسود ..و قلب أسود منه .. و ذات لسان سليط ..!
تصلح لأن تكون الفرد الرابع في شلة الفساد التي يكونها خالد و يوسف بقيادة أخيك !
ألقي “ياسر ” علينا التحية .. كأي أثنين أغراب .. ألتقيا في الطريق صباحاً صُدفة وفي نهايته افترقا ..
جذبته سارة من يده في دلال مُفتعل و قالت .. هيا سنتأخر ..
فرأيت حينها نيران بركان الغيرة الخامدة تحت الجمر في عيون ندي و التي انفجرت علي هيئة أبيات من الشعر ..
غيـرتي مــرض و تــوابل شـرقيــة بُــعثت مـن نار
و كـأني خُــلقـت لأعترض و أثــور عــليك و أغــار
وكأن كل نساء العالمين طغاة و انا وحدي كل الثوار
قاطعتها بسؤال لطالما دار في ذهني .. فقلت لها لما تعذبي نفسك كل هذا العذاب ؟!
فردت ندي عليّ : انظري يا نادين لقد قصت لي أمي مُنذ زمن قصة لطالما ظلت عالقة في ذاكرتي ..
فقالت لي أن الشمس و الرياح قاموا بعقد رهان علي رجل يرتدي معطف .. فكل منهم يريد أن يجعله ينزع معطفه .. فمن يستطيع منهم أن يجعله ينزع المعطف اولاً سيفوز ..!
فأما الرياح فظلت تثور و تهب في وجه الرجل و كلما زادت من قوتها ، كان الرجل يتمسك بالمعطف اكتر ..
و لكن الشمس بمجرد ما أمدت ذلك الرجل بأشعتها و حنانها خلع المعطف ..
فتعلمت من تلك القصة أن القسوة تولد العناد .. و العناد يرث الكُفر ..

إنما الحب بإمكانه إصلاح كُل شيء .. !

و في اليوم التالي ..
لم يفوت ياسر الفرصة ليظهر لندي أنه يتجاهلها لسبب لا أحد يعلمه ، فهي فتاة لم تتهاون لحظة في رعايته في المشفي و العمل علي إسعاده ..
و إن كُنت اّري أن ” المبالغة في التجاهل نوع من أنواع الإهتمام ” و لكنه برأيي اهتمام من نوع أحمق .. !
، أما ندي فكانت هي الاّخري تحاول أن تتجاهل أفعاله معها و تحاول أن تنخرط في مهام اليوم الدراسي لتشغل نفسها بعيداً عنه ..
و في نهاية اليوم جلسنا أنا و هي مع مجموعة من الأصدقاء و الصديقات نلعب لعبة الصراحة.. و ما كنا نريد أن نشاركهم و لكن لقتل الملل و لإبعاد ندي عن التفكير جلسنا معهم ..
فشَكل ذلك الجمع مجلس علي هيئة دائرة ، و في المنتصف وضعنا زجاجة مياه تدور ليقف غطائها بشكل عشوائي علي أي واحد منا .. فتارة يسأل أحدهم عن اللون المفضل و تارة تسأل احداهن عن أول حبيب فيزداد الضحك و الصخب ..
و في تلك الأثناء كان ياسر يمشي مع سارة في اتجاه باب الكلية ، و لكنه حين راّي ندي ، جذب سارة من ذراعها و جاء لنفسح لهم المجال فازدادت دائرتنا اثنين بهم ..
، و لا اّدري حقاُ هل انضم لنا ليستطيع الجلوس مع ندي ، أم ليثير حنقها و يشعل الغيرة بها ..
و دارت الزجاجة من جديد و إذا بالغطاء يقف عند ياسر و الجزء الاّخر يشير نحو “ندي” ..فنظر إليها ضاحكاً و قال ” لو ربنا خلقني أكل أو شرب كنت هكون إيه من وجهة نظرك ”
قالت له ندي بدون تفكير .. خمر
فانفجر الجمع ضاحكاً أما هو فنظر لها نظرة ذات مغزي و دارت الزجاجة من جديد ..
و في الطريق اثناء عودتنا للمنزل سألتها .. لما الخمر بالذات ؟!
فضحكت بعفوية و براءة و قالت .. بيفقد العقل .. محرم عليّ .. و بالتأكيد إذا تناولته كثيراً سينتهي بي إلي الموت ..!

و ما ان انهت كلامها انفجرنا من الضحك ..

انتهت الجلسة بين أحمد و نادين سريعاً ، كما ينتهي كُل شيء جميل في تلك الحياة سريعاُ
، فقام أحمد بتوَصل نادين لمنزلها و بينما هو في الطريق انصدم بمشهد افزعه .. يُتبع




21505 مشاهدة