كبير العيلة…
الفصل السابع عشر….
بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
************************** ***
صوت طرقات على الباب أيقظته من نومه المتململ ليفتح عيناه ويطالع للحظات في سقف الغرفة ثم يعي لصوت الضربات المتتالية, فرك وجهه براحته الخشنة واعتدل من نومته الغير مريحة فوق الأريكة العريضة بالصالة الخارجية لجناحه هو وسلسبيل, وعى لصوت والدته وكأنها تحدث أحدا معها فقفز ناهضا من فوره وأخذ يلملم حاجياته المبعثرة يمينا ويسارا حيث قضى ليلته بعد أن هربت عروسه في الليلة السابقة الى غرفتهما وأغلقت الباب عليها, صاح قائلا وهو يرتدي ثوبه الكتاني:
– دجيجة يا أم ليث…
واتجه من فوره الى الغرفة وطرق الباب عدة مرات ولكن ما من مجيب فهمهم بحنق:
– نومة أهل الكهف ولّا إييه؟.
ثم نادى بصوت منخفض كي لا يصل الى أسماع والدته:
– سلسبيل, جومي كفاياكي نوم.. أمي إهنه..
ولكن ما من مجيب بينما الطرقات تتعالى خارج الغرفة فلم يجد بدًّا من فتح الباب ودخل سريعا وهو يقول بلهفة:
– سلسبيل, جومي, سلسبـ…
لتقف باقي الكلمات في حلقه عندما تفاجأ بما يراه أمام عينيه!, كانت سلسبيل والتي جافاها النوم حتى ساعات الصباح الأولى تنام مفترشة السرير الواسع, كانت ترقد على جانبها الأيمن مولية ظهرها للباب بينما افترشت خصلات شعرها السوداء الوسادة جانبها وانسدلت اسفل ظهرها حتى وصلت الى الأرض!بينما كان الغطاء محسوراً عنها ليبرز ساقيها السمراوين بشكلهما الأنثوي الجذاب, وكأن لقدميه إرادة خاصة بهما فسارت به بدون إدراك منه حتى وقف بجانب الفراش تماما بينما تعتلي وجهه نظرات الذهول في حين قد اشتدت ضربات خافقه حتى شك أنه قد يقف في أي لحظة!, تحدث بصوت خرج مرتعشا رغما عنه وهو يدعو في سرّه أن تنتبه سريعا وإلا فهو غير مسؤول عما سيحدث ان استمرت في نومتها هذه وكأنه تدعوه لينضم اليها:
– سلسبيل, جومي…
لتصدر منها همهمة خفيفة ثم وكأنها لم تكتف ببعثرة حالته التي هو عليها, اذا بها تنقلب على ظهرها ليظهر وجهها أمامه مغطى ببعض الخصلات الطويلة, ليمد يدا ترتعش ويزيحها جانبا ليطالعه وجهها الفاتن, رباه.. كم تمنى أن يكون وجهها هو أول شيء يراه ما إن يصحو من نومه وآخر شيئا يراه قبل أن ينام, وبأصابع ترتعش إثارة وشوقاً لم يستطع ردع نفسه وهو يستكشف حنايا وجهها بتوق شديد, ليلامس جبينها نزولا الى رموش عينيها الغزيرة ثم أنفها الصغير الدقيق ثم ثغرها الوردي, و آآآآآآه من هذا الثغر!, كم يتوق لتذوق رحيق هاتين الشفتين, يقسم أنه لن يتمنى شيئا بعد ذلك, فيكفيه الشعور بعسلهما بين شفتيه ليقسم أنه قد نال كل ما يصبو إليه, لا.. بل الشعور بكليتها بين يديه, ولا يريد أي شيئا آخر, فهي سلسبيل, حلم المراهقة والصبا والذي أصبح محرما عليه ما ان تزوجت من أخيه, ولكن الآن أصبح الحلم واقعاً وأصبحت هي حلالاً له, ملكاً خالصا له , شفتيها وعينيها وكل ما فيه ملكه هو دون سواه, كتم آهة كادت تخرج من شفتيه وهو يتلمس بإبهامه الخشن حدود شفتيها المكتنزتين, لينتبه لتململها فيبعد يده على غير رغبة منه ويعتدل مبتعدا عنها في نفس اللحظة التي فتحت فيها عيناها لتصرعه للمرة التي لا يعلم عددها بنظرة عينيها الناعسة والتي اختفت ليحل بدلا منها نظرة ذعر وهي تنتفض جالسة فوق الفراش وتجذب الغطاء فوقها حتى ذقنها بينما خصلات شعرها الثائرة متشابكة حولها وهي تهتف بصوت قلق فيما تطالعه نظرات مرتابة:
– فيه ايه؟, ايه اللي حوصل؟, وكيف تدخل إهنه وأني نايمة اكده؟.
عاود اقترابه منها حتى وصل بمحاذاتها تماما ونظر اليها بتركيز قبل أن يجيبها بهدوء ينافي العواصف الثائرة التي تجيش في صدره:
– أوعاكي تنسي أنك بجيتي مرتي, يعني حجي أني أدخل وأخرج في أي وجت, واللي حوصل البارحة ديه معيتكررش تاني, وانتي خابرة زعلي شين كيف, أني لمن هعوزك ولا باب حديد هيجدر يبعدك عني!, لكن أنا اللي عايفك, ودلوك من غير حديت كَتير جومي وضْبِي حالك أمي جات وجايبة الفطور امعاها….
ورماها بنظرة قوية واتجه مغادرا بعد ذلك وقبل أن ينصرف لم يستطع منع نفسه من الالتفات اليه والمتابعة بسخرية:
– فطور العرايس يا…. عروسة..
وخرج صافقا الباب خلفه ليستند عليه مغمضا عينيه وهو يهمس في نفسه:
– وبعدهالك يا سلسبيل, بعدت عنيكي لكن انتي اللي ما عاوزاشي تخرجي من نافوخي ليه؟..
ثم فتح عيناه هامسا بعزيمة بينه وبين نفسه:
– لكن لاه, مش ليث الخولي اللي تعصى عليه حرمة, حتى لو كانت روحه فيها, انتي بديتي يا سلسبيل, وربنا يشهد اني كنت ناوي أعاملك بما يرضي الهة وأصبر عليكي لكن لمن توصل انك ترفضيني يبجى أنى اللي عايفك يا بت الناس وهخليكي تتندمي جد شعر راسك, والايام بيناتنا يا بت عمي!..
وانصرف من فوره ليفتح الباب لوالدته التي ما ان شاهدته أمامها حتى تلقفته بين أحضانها كيف لا وهو من أثلج صدرها بزواجه من سلسبيل فضمنت ألا تحرم من صغار ابنها المرحوم..
أمرت والدته الخادمة بوضع صينية الفطور جانبا والانصراف, وما ان همت بسؤاله عن سلسبيل حتى فُتح الباب لتطل من ورائه سلسبيل والتي ما ان وقع نظر ليث عليها حتى تطاير غضبه منها أدراج الرياح, ليطالعها محاولا التغلب على دهشته من مظهرها الجديد عليه بثوبها المشمشي الذي يصل الى الكاحل ولكنه يضيق عند الخصر وبأكمام واسعة للغاية كلما رفعت يدها ينزاح الكم الى الأعلى كاشفا عن بشرة ذهبية, بينما خصلات شعرها مغطاة بوشاح من نفس لون الثوب من أعلى رأسها لتنفلت باقي الخصلات حرة طليقة ظاهرة من أسفل الوشاح القصير لتغطي كامل ظهرها حتى نهايته, وأما عينيها فتلك قصة أخرى, لم يستطع الإشاحة عنهما جانبا بينما يراها تتقدم من أمه بوجه خضبته دماء الخجل حتى شكّ في سلامة عيناه بل وآذانه وهو يسمعها ترد تحية والدته بذلك الصوت الأبح المثير الذي تكسوه رنة الخجل!!…
عانقت سلسبيل حماتها وهي ترى وجه ليث الممتقع الواقف خلف والدتها, لا تنكر أنه استحضر شيطانها بقوله أنه هو من يرفضها ولا يريدها, وفي نفس الوقت تريد أن تثبت لعائلته أنها عروسا لم تبخس حق زوجها فهي تتزين له كما العروس تماما حتى اذا ما شكى منها كانوا هم من يقفون له ويكذبونه!!.
ابتعدت سلسبيل عن حضن حماتها التي ملّست خصلاتها الظاهرة من أسفل الوشاح قائلة بابتسامة واسعة ودموع تترقرق في عينيها:
– بسم الله ما شاء الهم عليكي يا بنيتي, جومر أربعتاش, ربنا يهنيكو ويسعدكو وأفرح بخلفتكو عن جريب ان شاء اهلي..
لم تعي والدته ما تركته عبارتها من تأثير عليهما ما أن ألقتها إليهما, فقد وجم الاثنان أحدهما لعلمه بصعوبة حدوث هذا وان كان يكاد يتحرق شوقا لحصوله والأخرى لإيمانها أنه من سابع المستحيلات أن تسمح لغير حبيبها بالاقتراب منها حتى وان كان حبيبها ذاك قد رحل الى عالم آخر غير عالمها!.
انصرفت والدته تاركة إياهما لتناول طعام الفطور وشددت على سلسبيل ألا تترك زوجها بمفرده مطمئنة إياها على صغارها فهما منشغلان باللعب في الحديقة…
ما ان أغلق الباب خلف والدته حتى رآها تتجه الى غرفة النوم فأوقفها آمرا وهو يقول:
– على وين ان شاء الله إكده؟, مش تستني لمن أفطُر..
كتمت زفرة ضيق , وعادت أدراجها حتى الطاولة التي وضعت عليها الخادمة صينية الطعام, رصت الأطباق فوقها, واتجهت حيث البراد الموضوع في زاوية من الصالة الخارجية وتناولت منه قارورة من الماء المثلج, وبعد أن أعدت الطاولة وكان يقف يطالعها من تحت جفونه المسدلة, أشارت الى الطاولة قائلة ببرود:
– أهاه, حاجة تانية؟
تقدم ليجلس على الأريكة والتي اتخذها فراشا له ليلة أمس, وجذب الطاولة القصيرة اليه, ثم أشار الى الطعام قائلا:
– اجعدي عشان تاكلي امعايْ, ما بعرفش آكل إلوحدي..
لم تأبه لقوله وقالت فيما تستدير لتغادره وهي تمر به لتصل حيث غرفتها ملاذها الآمن:
– ماعاوزاشي آكل, لمن أجوع هبجى أتصرف..
لتقبض يده على معصمها بقوة وبغتة جعلتها تشهق دهشة, وسحبها دون أن يلتفت اليها ليجلسها بجواره على الأريكة بقوة وهو يقول:
– لمن أجول كلمة ما تنيهاشي مفهوم؟, ودلوك هتاكلي يعني هتاكلي, انا متوكّد انك على لحم بطنك من انبارحة..
ترك يدها مشيرا للطعام أمامه ففركت معصمها بيدها الأخرى وهتفت بنزق:
– بس أني ما عاوزاشي آكل, مش غصبانية يعني!.
نظر اليها بحدته التي دائما ما كانت تسبب لها الرجفة فيرتعش داخلها بينما تحاول جهدها إخفاء ذعرها الذي دأبت على الشعور به منه, تحدث بصوت خفيض ولكن يخفي أعتا الرجال:
– أني لمن أجول حاجة تنفذيها وفي ثانيتها, أظن واضح؟!
وتابع تناول طعامه وهو يراقبها من طرف خفي, ليشرد في أصابعها الرقيقة التي تأكل بها لقيمات صغيرة لا تطعم عصفور صغير, بينما تخونه عيناه وترتفع حيث فمها الذي يلوك الطعام ببطء ومن غير شهية حقيقية, ليزدرد بريقه في صعوبة وهو يراقب تلك الشفاه وهي تتحرك يمينا ويسارا أثناء مضغها الطعام, يكاد يقوم هو بالتهام شفتيها بدلا من الطعام, كان شاردا فيها ولم يعي لنفسه وهو يقضم اصبعه مع كسرة الخبز ليصيح متأوها وقد فوجئ بأصبعه تحت ضرسه, نظرت اليه سلسبيل بقلق وهتفت بتلقائية:
– خير يا ولد عمي, فيه حاجة؟!..
نظر اليها بحنق وهو يفرك اصبعه في ثوبه ويصيح:
– لاه ما فيش حاجة, كملي وكْلِكْ…
قطبت مستهجنة ثم لاحت منها نظرة الى اصبعه الذي لا يزال يفركه بين طيات ثيابه لترى احمراره الواضح فكتمت ضحكتها وقالت وهي تشير الى سبابته المتألمة:
– أني هجول لمرات عمي ما عادتش تعِمل وكل حلو إكده لحسن انت بالطريجة ديْ هتاكل صوابع يدينك التنيين ورا وكلها..
نظر الى إصبعه حيث تشير ثم نظر اليها ثانية بنصف عين ليلاحظ نظرتها الماكرة فقال بصوت مهدد:
– بتتمسخري علي يا سلسبيل؟, على آخرة الزمن حرمتك يا ليث الخولي ابتتمسخر عليك!
وسكت قاضما كلامه بينما لم تنتبه لما انتابه من تغيير عندما وعى لما قاله من وصفه لها بـ.. حرمته!, أي زوجته هو, إمرأته اسمها مقترنا باسمه هو!, أجابت وقد فلتت ضحكتها عاليا:
– وأني يعني بتبلّا عليكْ ولّا إييه؟, كاهو صوبعك أهو كيف راس البصلة الصغيّرة..
لفت انتباهها سكونه المفاجئ فرفعت عيناها اليه لتشعر بالاضطراب من نظراته المتفحصة لها, وتصيب القشعريرة سائر بدنها فهبت واقفة في محاولة منها للهروب من عيناه المراقبتان لها كما الصقر:
– أني شبعت الحمد لله, كمّل وكلك انت بالهنا على ما أصب الشاي..
همت بالذهاب عندما قبض على معصمها جاذبا اياها بشدة فتسقط في أحضانه لتشهق من المفاجأة ولكن لا يدع لها الفرصة فما ان فتحت فمها شاهقة حتى ابتلع باقي شهقتها بين شفتيه اللتان اعتصرتا شفتيها ممتصا رحيق ثغرها الشهي ليشعر بطعم حلو كالعسل لاذعا كمذاقه فيحتويها بين ذراعيه غافلا عن مقاومتها له وضربات قبضتيها الصغيرتين اللتان كالتا اللكمات الضعيفة لصدره العريض القوي!!..
بعد وقت طويل وحين كادت تختنق طلبا للهواء أفلتها ليث ولكن ليحكم قبضته حولها ساندا جبهته الى جبهتها محاولا التقاط أنفاسه الثائرة, بينما بعد أن هدأت أنفاسها حاولت الابتعاد عنه وهي تطالعه بنظرات غضب سوداء هاتفة بشراسة:
– بعّد عنّي, جولتلك جبل سابج أني ما عاوزاكش, أني مش مرتك.. أني…
ليسارع بكتم صوتها براحته الخشنة العريضة ضاغطا على فمها بشدة حتى كادت تختنق وتحدث من بين هسيس أنفاسه الغاضبة وهو ينظر الى عينيها اللتان ترميانه بلهيب أسود:
– أنتي مرتي أني دلوك, أسمعك بس تجوليها انك مش مرتي تاني وجتها هثبت لك انك مرتي صوح, وبحج وحجيج, ما فيش راجل له الحج فيكي غيري, اوعاكي تكوني فاهمه اني لمن فوتك البارحة كان عشان الكلمتين الخايبين اللي جولتيهم كيف دلوك, لاه!, أني لمن همّلتك كان عشان أني مش عاوزك وجتها, لكن وجت لمن أريدك مش هتجدري تجولي لاه, اللي عاوزك تفهميه وتحطي في عجلك زين انه مش ليث الخولي اللي تستعصي عليه حرمة.. أي حرمة, ما بالك لمن تكون الحرمة ديْ مرَتُه؟, حلاله؟!, حطي عجلك ابراسك يا بت الناس وبلاش الحديت اللي ما انتيش جدِّيه ديه, وعشان تكوني عارفة أني اللي نفسي عافتك, واللي مش هتدهولي برضاكي معخدوشي غصب عنيكي, أني ليث الخولي يا… بت عمي!..
وأزاح يده دافعا اياها جانبا لتقفز واقفة وتتجه من فورها الى غرفتها مغلقة الباب خلفها بدون أي تعليق منها على كلامه وكأنها تفر من المحتوم بينما طالع ليث حيث توارت خلف الباب وهو يهتف في ضميره:
– ما كونيش ليث اما خليتك اتدوجي العذاب اللي اني فيه يا سلسبيل, جبل ما أدوج جُربك كنت أجدر أصبر على ابعادك لكن دلوك لمن جربت منيك وشوفت الجنة بين درعاتك صبري نفد مني, وهتاجي لحدي يا سلسبيل وبرضاكي يا بت عمي..
وبرقت عيناه بعزيمة واصرار, بينما لا تزال شفتيه تحمل طعم شهد شفتيها اللاذع!!..
**************************
صوت طرقات على غرفة رؤوف الذي كان يطالع الجريدة اليومية فسمح للطارق بالدخول ليطالعه وجه سلافة ابنته من وراء الباب, فأزاح الجريدة جانبا وأشار اليها قائلا:
– سلافة حبيبتي صباح الخير, تعالي يا حبيبة بابا..
لتدلف الى الداخل مغلقة الباب خلفها وتتقدم اليه لتلقي بنفسها بين ذراعيه المفتوحتين لها وتجلس على ركبتيه وكأنها عادت صغيرة وهي تقول بصوت ضعيف:
– أنا تعبانه أوي أوي يا بابا..
أبعدها والدها عن صدره ونظر اليها بقلق مقطبا وسأل:
– مالك يا بنتي؟, حاسة بإيه بعد الشر؟!
لتقضم شفتها السفلى بينةأسنانها اللؤلؤية وتعتدل في جلستها ناظرة اليه وهي تجيب محاولة محاربة دموعها:
– مريم يا بابا, مريم…
تساءل بوجل:
– عرفت حاجة, حصلها حاجة؟
أجابت وقد بدأت شفتيها بالارتعاش:
– بئالي يومين أكملها مش بترد وانهرده مامتها قالت لي لما اتصلت بيها على الأرضي بتاع بيتها انها مختفية من يومين وموبايلها مقفول على طول, طنط هتموت من قلقها عليها يا بابا, وانا جربت تاني بعد ما كان محدش بيرد دلوقتي مقفول على طول!..
قال رؤوف وهو يمسك بذراعيها ناظرا الى عينيها بقوة:
– سلافة اسمعيني حبيبتي, الموضوع واضح انه أكبر منك من مريم ومن سامح خطيبها ومني انا شخصيا, أنتي كنت قولتيلي انها المفروض هتقابل النائب العام ومقابلتها اتأجلت كونها اختفت في التوقيت دا يبقى دا مالوش معنى غير حاجة واحده بس…
نظرت اليه برعب وتحدثت بصوت متقطع مذهول:
– انهم يكونوا… وصولوا لها؟, معقولة يا بابا؟, تفتكر حضرتك انهم يكونوا عملوا فيها حاجة؟, بس المحامي بتاع سامح أكد لها انه لسه محدش يعرف الادلة اللي معاها؟
أبوها بتنهيدة عميقة:
– يا بنتي دول ناس مش ساهلين, يعني تفتكري انهم مش حاطينها تحت عينيهم خصوصا وان سامح خطيبها اللي هما رموه في السجن بإيديهم وبقضية متلفقة عارف كل جرايمهم؟, انا متأكد انهم قدروا يوصلوا لها قبل ما توصل الدليل اللي معاها للنائب العام….
ليقطع حديثهم صوت هاتفها المحمول فتنهض واقفة وتخرجه من جيبها ليطالعها رقما غريبا فتستقبل المكالمة بريبة وما ان سمعت صوت محدثها حتى لانت أساريرها وهتفت:
– أهلا يا طنط, طمنيني عرفتوا حاجة عن مريم؟.
لتسكت متصنتة قليلا بصعوبة للكلمات التي تصلها وسط هستيرية صوت محدثها قبل أن تفتح عيناها هلعا وهي تردد بينما تنظر الى والدها الواقف أمامها يطالعها بتوجس وريبة :
– مر.. مريم لاقوها مقـ.. مقتولة في منطقة مهجورة بعد.. بعد ما اغتصبوها!..
وتقع يدها بجانبها وهي تنظر في صمت الى والدها قبل أن تبدأ بإسدال جفنيها لتسقط مغمى عليها, في حين ركض اليها والدها في هلع مناديا باسمها….
أزاحت سلمى سماعة الفحص جانبا من أذنيها, ثم أمسكت برسغ شقيقتها لتطمئن على معدل النبض, ثم وضعت يدها جانبا قبل أن تنظر الى والديها الواقفين يراقبانها في قلق وتقول بابتسامة شاحبة:
– الحمد لله, الضغط اتظبط, بس انا مش عارفة ايه اللي خلاها يجي لها هبوط مفاجئ في الضغط بالشكل دا, سلافة عمرها ما اشتكت من حاجة زي كدا؟!..
نظرت ألفت الى رؤوف الواقف ينظر الى ابنته الراقدة فوق فراشها بينما نافس شحوبها شحوب الموتى وتقدمت منه قائلة بلوعة بينما قلقها على ابنتها يكاد يفتك بها:
– هي كانت معاك في اودة المكتب يا رؤوف, ايه اللي حصل خلّا بنتي تنهار بالشكل دا؟.
سكت رؤوف قليلا ثم أجاب قائلا نصف الحقيقة وبصوت حاول أن يكون متماسكا فخرج متحشرجا من فرط قلقه على صغيرته:
– معرفش.. جالها تليفون تقريبا واحده زميلتها في الشغل عملت حادثة واتوفت وكانوا بيبلغوها عشان لو عاوزة تروح مع زمايلها تعزي أهلها..
شهقت ألفت ملتاعة وهتفت وهي تضع يدها على قلبها:
– يا حبيبتي, يا قلب مامتها, أكيد شابة صغيرة في السن طالما زميلتها زي ما بتقول, ربنا يصبر أهلها, اذا كانت سلافة اللي هي يدوب زميلتها ما استحملتش الخبر يا ترى أهلها وخصوصا مامتها عاملين ايه دلوقتي؟, انما ما قالتش مين يا رؤوف؟
هز برأسه نفيا وأجاب وهو يشيح بعينيه جانبا:
– ما لحقتش أسألها..
أشارت سلمى لهما بالخروج ووقفت معهما خارج الغرفة قائلة بجدية:
– طالما الموضوع كدا يا بابا يبقى سلافة أكيد هتصمم تروح تعزي وانا لا يمكن أسيبها تروح لوحدها..
قاطعتها أمها بلهفة:
– ولا أنا, رجلي على رجلها, وبعدين العزا واجب, هروح معها أعمل الواجب ونعزي في صاحبتها الله يرحمها..
قاطعهما رؤوف قائلا:
– يا جماعة سلافة مش هتتحرك خطوة واحدة من هنا الا لما أطمن عليها الأول..
ثم نظر الى ابنته متابعا:
– سلمى عشان خاطري لو قالت لك انها عاوزة تروح بأي طريقة اقنعيها انها تأجل المشوار دا قوليلها صحتها لسه تعبانه أي حاجة..
قطبت سلمى متسائلة:
– ليه يا بابا؟
روؤف بحنق غريب عليه:
– يووه يا سلمى, اعملي اللي بقولك عليه….
وتركتهما منصرفا يتبادلان نظرات الدهشة والقلق من حالته التي تشاهدانها عليه لأول مرة!!..
************************** ************************
أصاب الجد القلق عندما وصل اليه تعب سلافة المفاجئ ولكن رؤوف طمأنه أنها إصابة برد خفيفة بينما تظاره الجد بتصديقه ولكنه أضمر في نفسه أمرا هاما….
– خير يا جدي أؤمرني شهاب خوي جالي انك عاوزني..
نظر الجد الى غيث الواقف أمام باب غرفة نومه وأشار اليه بعصاه قائلا بهدوء:
– أجفل الباب وتعال عاوزك..
قطب غيث واستجاب لأمره ثم اتجه اليه وبعد جلوسه بجواره على الأريكة الخشبية المشغولة على هيئة أرابيسك مال اتجاهه الجد وتساءل وهو يستند بيديه واضعا ذقنه المكسوة بلحية مستوية بيضاء عليهما:
– انت اعرفت ان بتعب بت عمك؟
قطب غيث وأجاب بتلقائية:
– لاه, شهاب ما جاليش, أكيد لجطت دور برد من العيانين اللي عم بيجوها العيادة, ربنا يكون في عونها..
نظر الجد اليه بتركيز وقال:
– بس مش سلمى اللي تعبانه..
زادت تقطيبة غيث حدة وتساءل بقلق ينضح من نبرات صوته الخشنة:
– أومال …
ليقاطعه الجد مجيببا بجدية:
– سلافة…
هتف غيث:
– إيييه؟, سلافة!, مين ميتة الحديت ديه يا جدي, وكيف مدراش بيه.’ مش المفروض سلافة ديه تبجى خطيبتي؟.
الجد بهدوء:
– اهدى يا غيث يا ولدي, هي دلوك اكويسة, جدتك كات عنديها, وهي منيحة الحمد لله, بس مش ديه المشكلة!.
تساؤل غيث بريبة عاقدا جبينه:
– وهي فين المشكلة يا جدي؟
الجد بحزم:
– فيه حاجة عمك رؤوف امخبيه, والحاجة ديه تخص سلافة بالذات وأنا متوكّد انها السبب في الوعكة اللي صابتها ديْ لانه من وجتها ورؤوف ولدي مش على طبيعته وكل ما عسأله يجولي ما فيشي يا حاج, شطارتك تعرف فيه ايه بالظبط!..
نهض غيث واقفا وأجاب وعيناه تبرقان باصرار وعزم:
– اطمن يا جدي, اعتبرني اعرفته, اني هتصرف..
وانطلق من فوره الى عمه ولكن قبلا لا بد له من الاطمئنان على السبب الرئيسي لفقدانه طعم النوم والراحة والتي يكاد يجزم انها ستكون السبب الرئيسي أيضا لإصابته بأزمة قلبية مفاجئة من فرط قلقه عليها!..
————————– ————————– —
كانت سلافة مع والدها في غرفتها تجادله بشأن سفرها الى القاهرة, صرف والدها ألفت وسلمى قائلا أنه يريد الانفراد بها بعد سماعها ترفض طلب سلمى منها بالتزام الراحة وعدم اجهاد نفسها فأخبرهما انه سيعمل على اقناعها, وقفت سلافة أمام والدها تهتف وعيناها تغشاهما الدموع بينما ترفل في ثوب أسود مقفول من الأمام بأزرار سوداء حتى منتصف الخصر, ونص كم, وجمعت شعرها على هيئة ذيل الفرس, أعرب وجهها عما تعانيه من قلق واضطراب بوجنتيها الغائرتين والهالات السوداء المحيطة بعينيها, هتفت سلافة لوالدها برجاء ودموعها تسيل في صمت مغرقة وجنتيها الشاحبتين:
– يا بابا أرجوك افهمني, أنا لازم أسافر, أنا معايا أمانة لازم أسلمها..
رؤوف بهدوء محاولا اقناعها:
– وانا ما قولتش ما تسافريش, بالعكس أنا هسافر معاكي بس الأول عاوز ناخد رأي محامي في الموضوع دا, يدلنا نروح فين بالظبط, المحامي بتاع سامح أنا بصراحه قلقان منه يمكن أكون ظالمه بس من الآخر كدا أي حد له علاقة بالموضوع دا محل شك بالنسبة لي دلوقتي…
سلافة بعناد وتشبث بالرأي وخوفها على والدها أن يصيبه مكروه من وراء هذا الأمر الخطير يجعلها أكثر تشبثا بمحاولة اقناعه تركها تسافر بمفردها:
– طيب سيبني أسافر أعزي مامتها, وبعدين نبقى نشوف موضوع المحامي دا, أرجوك يا بابا..
– ما انتيشي مسافرة ولا رايحة في مكان يا سلافة..
التفتت باندفاع لترى محدثها يقف بباب الغرفة لفقطبت هاتفة بغيظ:
– غيث!..
تقدم غيث الى الداخل يلقي اليها بنظرات ملتهبة ثم تحدث الى عمه قائلا:
– سامحني يا عمي لو دخلت اكده بس اني خبطت مَتير وما سمعتونيش, وبعدين غصب عني سمعت حديتكم فدخلت ما جدرتش أسكت..
تقدم اليه عمه وقال وهو يربت على كتفه:
– جيت في وقتك يا غيث, أنا هسيبك معاها يمكن تحاول تعقلها..
وخرج تاركا الباب خلفه موارباً..
وقفت سلافة عاقدة ذراعهيا أمامها تطالعه بتحد وقالت بحدة:
– نعم؟, أفندم.. اتفضل قول اللي انت عاوزه, بس قبل أي حاجة أنا هسافر يعني هسافر وما فيش حاجة هتخليني أرجع في كلامي…
تقدم غيث منها بضع خطوات, كان لا يزال يرتدي ثياب الفروسية السوداء بينما خصلات شعره مشعثة بفعل الهواء وتستكين خصلة على جبهته العريضة, مال ناحيتها قائلا بحزم:
– أنتي معتروحيشي في مُكان يا سلافة, أظن واضح؟
نظرت اليه بغيظ وهتفت :
– وانت مالك؟.
هم بالرد لتقاطعه بحدة :
– هتقولي ابن عمك وخطيبك هقولك بردو دا ما يداكش الحق انك تدخل بالصورة دي, انا حرة, وطالما بابا موافق يبقى خلاص, وعشان بس تطمن بابا هييجي معايا..
نظر اليها غيث بغموض الى ان سكتت وهي تلهث تلتقط أنفاسها المتعثرة وتحدث بكل برود:
– خلصتي حكيك الماسخ ديه؟, شوفي يا بت عمي… انتي مش هتتنجلي غير لمن رجلي تبجى على رجلك, أصلا انتي كيف ما تجوليليش؟, دي لومن عمي رؤوف جلجان واني ضغطت عليه عشان اعرف اللي بيه ما كنتش اعرفت!
نظرت اليه بتحد رافضة الاجابة فتابع بينما يميل بوجهه على وجهها حتى اختلطت أنفاسهما الثائرة هي بتحد وهو بتأثر ورغبة ضارية في اخفاء هذه المشاكسة بين جنبات صدره خوفا وهلعا عليها, لن ينسى الصدمة التي شعر بها ما ان صارحه والدها بسر شرودها الدائم ووعكتها الصحية المفاجئة:
– أني المفروض أكون أجربلك من اي حد تاني…..
ازدرت ريقها بتوتر وقالت بسخرية زائفة في محاولة منها عدم الانصات لقلبها الذي يؤمرها بعدم السخرية مما تراه يشع بصدق من بين رمادي عينيه:
– يا سلام ليه بقه ان شاء الله؟
وبدون وعي منه امتدت يداه تقبضان على ذراعيها وهمس بصوته الخشن:
– لأنك انتي أجرب حد ليا في الدنيا ديه كلاتها, انتي لساكي مش عارفة انتي ايه بالنسبة لي يا سلافة؟
هتفت سلافة بحدة بينما تحاول الهروب من نظراتها التي تحاصرها وتهدد بدك حصون قلبها والاستيلاء عليه لاعلانه فارسه ومالكه الأوحد, فيما تحاول إزاحة ذراعيها من قبضته مشيحة بنظراتها:
– سيبني يا غيث, أنا مش عارفة ومش عاوزة اعرف..
ليهتف بحرقة:
– كدابة!
فرفعت عينيها تنظر اليه بذهول فتابع بحدة ونيران عميقة تندلع في عمق عينيه:
– ايوة كدابة, انتي عارفة ومتوكدة بس خايفة, انما أني بجه مش خايف, اني كنت مأجلها ومش رايد أجولها لغاية ما تبجي مرَتي حلالي, عشان خايف عليكي منِّيها, لكن خلاص.. ماجدرش أصبر أكتر من اكده!
وكأنها شعرت بما يوشك على الاعتراف به فهتفت بتوسل محاولة ايقافه عن متابعة حديثه:
– غيث ارجوك سيبني دلوقتي أنا…
ليقاطعها بلهفة ونظرات عينيه تكادان تلتهمان تفاصيل وجهها:
– بحبك.. بحبك يا بت عمي, بحبك ولا عمري حبيت جبلك ولا هحب بعدك, بحبك يا سلافة بحبك!,و…
وسكت بارتا عبارته بينما تابعت عيناه إلقاء قصيدة عشق إلى ليل عينيها البهيم, ليقربها اليه بدون وعي منه بينما تاهت هي في سماء عينيه ليتابع بشغف وبدون إدراك ليديه اللتان وكأنهما يمتلكان إرادة خاصة بهما حيث امتدا ليحتضنا خصرها:
– عارفة ما كونتش عاوز اجولك ليه؟, لأن الكلمة ديْ كانت كيف السد اللي مانع طوفان حبي انه يغرّجك, حبي ليكي كيف الطوفان يا سلافة, كنت مانع نفسي بالعافية اني اجولهالك لأني متى ما جولتها يبجى خلاص, صبري نفد, وإسمعي آخر كلام يا بت عمي.. احنا التنيين هننزلوا مصر سوا.. بس وانتي مرتي وشايله اسمي!.
وينتهز فرصة ذهولها ليميل عليها غير قادرا على منع نفسه من وضع قبلة عميقة فوق جبهتها وكأنه يضع صك ملكيته لها, ويبتعد بعدها بصعوبة ناظرا اليها وأنفاسه متهدجة متابعا:
– أني هكلم عمي الليلة بعد العِشا ان شاء الله, كتب الكتاب هيكون في أجرب وجت…
وسكت ناظرا اليها بعمق بينما سكنت سلافة غير مصدقة لما آلت اليه الأمور, فمن الواضح أن غيث قد عقد العزم على الزواج بها ولن يدع أي شيء يقف في سبيل تحقيق ذلك, حتى وان كانت هي نفسها!, بينما تعالت ضربات قلبها عاليا تكاد تصرخ بها أن غيث قد أعلن انتصاره وفوزه الساحق بقلعة قلبها بعد اقتحامه لمشاعرها وتحطيمه حصونا قلبها واحدا وراء الآخر!!……..
– يتبع –
الفصل السابع عشر….
بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
**************************
صوت طرقات على الباب أيقظته من نومه المتململ ليفتح عيناه ويطالع للحظات في سقف الغرفة ثم يعي لصوت الضربات المتتالية, فرك وجهه براحته الخشنة واعتدل من نومته الغير مريحة فوق الأريكة العريضة بالصالة الخارجية لجناحه هو وسلسبيل, وعى لصوت والدته وكأنها تحدث أحدا معها فقفز ناهضا من فوره وأخذ يلملم حاجياته المبعثرة يمينا ويسارا حيث قضى ليلته بعد أن هربت عروسه في الليلة السابقة الى غرفتهما وأغلقت الباب عليها, صاح قائلا وهو يرتدي ثوبه الكتاني:
– دجيجة يا أم ليث…
واتجه من فوره الى الغرفة وطرق الباب عدة مرات ولكن ما من مجيب فهمهم بحنق:
– نومة أهل الكهف ولّا إييه؟.
ثم نادى بصوت منخفض كي لا يصل الى أسماع والدته:
– سلسبيل, جومي كفاياكي نوم.. أمي إهنه..
ولكن ما من مجيب بينما الطرقات تتعالى خارج الغرفة فلم يجد بدًّا من فتح الباب ودخل سريعا وهو يقول بلهفة:
– سلسبيل, جومي, سلسبـ…
لتقف باقي الكلمات في حلقه عندما تفاجأ بما يراه أمام عينيه!, كانت سلسبيل والتي جافاها النوم حتى ساعات الصباح الأولى تنام مفترشة السرير الواسع, كانت ترقد على جانبها الأيمن مولية ظهرها للباب بينما افترشت خصلات شعرها السوداء الوسادة جانبها وانسدلت اسفل ظهرها حتى وصلت الى الأرض!بينما كان الغطاء محسوراً عنها ليبرز ساقيها السمراوين بشكلهما الأنثوي الجذاب, وكأن لقدميه إرادة خاصة بهما فسارت به بدون إدراك منه حتى وقف بجانب الفراش تماما بينما تعتلي وجهه نظرات الذهول في حين قد اشتدت ضربات خافقه حتى شك أنه قد يقف في أي لحظة!, تحدث بصوت خرج مرتعشا رغما عنه وهو يدعو في سرّه أن تنتبه سريعا وإلا فهو غير مسؤول عما سيحدث ان استمرت في نومتها هذه وكأنه تدعوه لينضم اليها:
– سلسبيل, جومي…
لتصدر منها همهمة خفيفة ثم وكأنها لم تكتف ببعثرة حالته التي هو عليها, اذا بها تنقلب على ظهرها ليظهر وجهها أمامه مغطى ببعض الخصلات الطويلة, ليمد يدا ترتعش ويزيحها جانبا ليطالعه وجهها الفاتن, رباه.. كم تمنى أن يكون وجهها هو أول شيء يراه ما إن يصحو من نومه وآخر شيئا يراه قبل أن ينام, وبأصابع ترتعش إثارة وشوقاً لم يستطع ردع نفسه وهو يستكشف حنايا وجهها بتوق شديد, ليلامس جبينها نزولا الى رموش عينيها الغزيرة ثم أنفها الصغير الدقيق ثم ثغرها الوردي, و آآآآآآه من هذا الثغر!, كم يتوق لتذوق رحيق هاتين الشفتين, يقسم أنه لن يتمنى شيئا بعد ذلك, فيكفيه الشعور بعسلهما بين شفتيه ليقسم أنه قد نال كل ما يصبو إليه, لا.. بل الشعور بكليتها بين يديه, ولا يريد أي شيئا آخر, فهي سلسبيل, حلم المراهقة والصبا والذي أصبح محرما عليه ما ان تزوجت من أخيه, ولكن الآن أصبح الحلم واقعاً وأصبحت هي حلالاً له, ملكاً خالصا له , شفتيها وعينيها وكل ما فيه ملكه هو دون سواه, كتم آهة كادت تخرج من شفتيه وهو يتلمس بإبهامه الخشن حدود شفتيها المكتنزتين, لينتبه لتململها فيبعد يده على غير رغبة منه ويعتدل مبتعدا عنها في نفس اللحظة التي فتحت فيها عيناها لتصرعه للمرة التي لا يعلم عددها بنظرة عينيها الناعسة والتي اختفت ليحل بدلا منها نظرة ذعر وهي تنتفض جالسة فوق الفراش وتجذب الغطاء فوقها حتى ذقنها بينما خصلات شعرها الثائرة متشابكة حولها وهي تهتف بصوت قلق فيما تطالعه نظرات مرتابة:
– فيه ايه؟, ايه اللي حوصل؟, وكيف تدخل إهنه وأني نايمة اكده؟.
عاود اقترابه منها حتى وصل بمحاذاتها تماما ونظر اليها بتركيز قبل أن يجيبها بهدوء ينافي العواصف الثائرة التي تجيش في صدره:
– أوعاكي تنسي أنك بجيتي مرتي, يعني حجي أني أدخل وأخرج في أي وجت, واللي حوصل البارحة ديه معيتكررش تاني, وانتي خابرة زعلي شين كيف, أني لمن هعوزك ولا باب حديد هيجدر يبعدك عني!, لكن أنا اللي عايفك, ودلوك من غير حديت كَتير جومي وضْبِي حالك أمي جات وجايبة الفطور امعاها….
ورماها بنظرة قوية واتجه مغادرا بعد ذلك وقبل أن ينصرف لم يستطع منع نفسه من الالتفات اليه والمتابعة بسخرية:
– فطور العرايس يا…. عروسة..
وخرج صافقا الباب خلفه ليستند عليه مغمضا عينيه وهو يهمس في نفسه:
– وبعدهالك يا سلسبيل, بعدت عنيكي لكن انتي اللي ما عاوزاشي تخرجي من نافوخي ليه؟..
ثم فتح عيناه هامسا بعزيمة بينه وبين نفسه:
– لكن لاه, مش ليث الخولي اللي تعصى عليه حرمة, حتى لو كانت روحه فيها, انتي بديتي يا سلسبيل, وربنا يشهد اني كنت ناوي أعاملك بما يرضي الهة وأصبر عليكي لكن لمن توصل انك ترفضيني يبجى أنى اللي عايفك يا بت الناس وهخليكي تتندمي جد شعر راسك, والايام بيناتنا يا بت عمي!..
وانصرف من فوره ليفتح الباب لوالدته التي ما ان شاهدته أمامها حتى تلقفته بين أحضانها كيف لا وهو من أثلج صدرها بزواجه من سلسبيل فضمنت ألا تحرم من صغار ابنها المرحوم..
أمرت والدته الخادمة بوضع صينية الفطور جانبا والانصراف, وما ان همت بسؤاله عن سلسبيل حتى فُتح الباب لتطل من ورائه سلسبيل والتي ما ان وقع نظر ليث عليها حتى تطاير غضبه منها أدراج الرياح, ليطالعها محاولا التغلب على دهشته من مظهرها الجديد عليه بثوبها المشمشي الذي يصل الى الكاحل ولكنه يضيق عند الخصر وبأكمام واسعة للغاية كلما رفعت يدها ينزاح الكم الى الأعلى كاشفا عن بشرة ذهبية, بينما خصلات شعرها مغطاة بوشاح من نفس لون الثوب من أعلى رأسها لتنفلت باقي الخصلات حرة طليقة ظاهرة من أسفل الوشاح القصير لتغطي كامل ظهرها حتى نهايته, وأما عينيها فتلك قصة أخرى, لم يستطع الإشاحة عنهما جانبا بينما يراها تتقدم من أمه بوجه خضبته دماء الخجل حتى شكّ في سلامة عيناه بل وآذانه وهو يسمعها ترد تحية والدته بذلك الصوت الأبح المثير الذي تكسوه رنة الخجل!!…
عانقت سلسبيل حماتها وهي ترى وجه ليث الممتقع الواقف خلف والدتها, لا تنكر أنه استحضر شيطانها بقوله أنه هو من يرفضها ولا يريدها, وفي نفس الوقت تريد أن تثبت لعائلته أنها عروسا لم تبخس حق زوجها فهي تتزين له كما العروس تماما حتى اذا ما شكى منها كانوا هم من يقفون له ويكذبونه!!.
ابتعدت سلسبيل عن حضن حماتها التي ملّست خصلاتها الظاهرة من أسفل الوشاح قائلة بابتسامة واسعة ودموع تترقرق في عينيها:
– بسم الله ما شاء الهم عليكي يا بنيتي, جومر أربعتاش, ربنا يهنيكو ويسعدكو وأفرح بخلفتكو عن جريب ان شاء اهلي..
لم تعي والدته ما تركته عبارتها من تأثير عليهما ما أن ألقتها إليهما, فقد وجم الاثنان أحدهما لعلمه بصعوبة حدوث هذا وان كان يكاد يتحرق شوقا لحصوله والأخرى لإيمانها أنه من سابع المستحيلات أن تسمح لغير حبيبها بالاقتراب منها حتى وان كان حبيبها ذاك قد رحل الى عالم آخر غير عالمها!.
انصرفت والدته تاركة إياهما لتناول طعام الفطور وشددت على سلسبيل ألا تترك زوجها بمفرده مطمئنة إياها على صغارها فهما منشغلان باللعب في الحديقة…
ما ان أغلق الباب خلف والدته حتى رآها تتجه الى غرفة النوم فأوقفها آمرا وهو يقول:
– على وين ان شاء الله إكده؟, مش تستني لمن أفطُر..
كتمت زفرة ضيق , وعادت أدراجها حتى الطاولة التي وضعت عليها الخادمة صينية الطعام, رصت الأطباق فوقها, واتجهت حيث البراد الموضوع في زاوية من الصالة الخارجية وتناولت منه قارورة من الماء المثلج, وبعد أن أعدت الطاولة وكان يقف يطالعها من تحت جفونه المسدلة, أشارت الى الطاولة قائلة ببرود:
– أهاه, حاجة تانية؟
تقدم ليجلس على الأريكة والتي اتخذها فراشا له ليلة أمس, وجذب الطاولة القصيرة اليه, ثم أشار الى الطعام قائلا:
– اجعدي عشان تاكلي امعايْ, ما بعرفش آكل إلوحدي..
لم تأبه لقوله وقالت فيما تستدير لتغادره وهي تمر به لتصل حيث غرفتها ملاذها الآمن:
– ماعاوزاشي آكل, لمن أجوع هبجى أتصرف..
لتقبض يده على معصمها بقوة وبغتة جعلتها تشهق دهشة, وسحبها دون أن يلتفت اليها ليجلسها بجواره على الأريكة بقوة وهو يقول:
– لمن أجول كلمة ما تنيهاشي مفهوم؟, ودلوك هتاكلي يعني هتاكلي, انا متوكّد انك على لحم بطنك من انبارحة..
ترك يدها مشيرا للطعام أمامه ففركت معصمها بيدها الأخرى وهتفت بنزق:
– بس أني ما عاوزاشي آكل, مش غصبانية يعني!.
نظر اليها بحدته التي دائما ما كانت تسبب لها الرجفة فيرتعش داخلها بينما تحاول جهدها إخفاء ذعرها الذي دأبت على الشعور به منه, تحدث بصوت خفيض ولكن يخفي أعتا الرجال:
– أني لمن أجول حاجة تنفذيها وفي ثانيتها, أظن واضح؟!
وتابع تناول طعامه وهو يراقبها من طرف خفي, ليشرد في أصابعها الرقيقة التي تأكل بها لقيمات صغيرة لا تطعم عصفور صغير, بينما تخونه عيناه وترتفع حيث فمها الذي يلوك الطعام ببطء ومن غير شهية حقيقية, ليزدرد بريقه في صعوبة وهو يراقب تلك الشفاه وهي تتحرك يمينا ويسارا أثناء مضغها الطعام, يكاد يقوم هو بالتهام شفتيها بدلا من الطعام, كان شاردا فيها ولم يعي لنفسه وهو يقضم اصبعه مع كسرة الخبز ليصيح متأوها وقد فوجئ بأصبعه تحت ضرسه, نظرت اليه سلسبيل بقلق وهتفت بتلقائية:
– خير يا ولد عمي, فيه حاجة؟!..
نظر اليها بحنق وهو يفرك اصبعه في ثوبه ويصيح:
– لاه ما فيش حاجة, كملي وكْلِكْ…
قطبت مستهجنة ثم لاحت منها نظرة الى اصبعه الذي لا يزال يفركه بين طيات ثيابه لترى احمراره الواضح فكتمت ضحكتها وقالت وهي تشير الى سبابته المتألمة:
– أني هجول لمرات عمي ما عادتش تعِمل وكل حلو إكده لحسن انت بالطريجة ديْ هتاكل صوابع يدينك التنيين ورا وكلها..
نظر الى إصبعه حيث تشير ثم نظر اليها ثانية بنصف عين ليلاحظ نظرتها الماكرة فقال بصوت مهدد:
– بتتمسخري علي يا سلسبيل؟, على آخرة الزمن حرمتك يا ليث الخولي ابتتمسخر عليك!
وسكت قاضما كلامه بينما لم تنتبه لما انتابه من تغيير عندما وعى لما قاله من وصفه لها بـ.. حرمته!, أي زوجته هو, إمرأته اسمها مقترنا باسمه هو!, أجابت وقد فلتت ضحكتها عاليا:
– وأني يعني بتبلّا عليكْ ولّا إييه؟, كاهو صوبعك أهو كيف راس البصلة الصغيّرة..
لفت انتباهها سكونه المفاجئ فرفعت عيناها اليه لتشعر بالاضطراب من نظراته المتفحصة لها, وتصيب القشعريرة سائر بدنها فهبت واقفة في محاولة منها للهروب من عيناه المراقبتان لها كما الصقر:
– أني شبعت الحمد لله, كمّل وكلك انت بالهنا على ما أصب الشاي..
همت بالذهاب عندما قبض على معصمها جاذبا اياها بشدة فتسقط في أحضانه لتشهق من المفاجأة ولكن لا يدع لها الفرصة فما ان فتحت فمها شاهقة حتى ابتلع باقي شهقتها بين شفتيه اللتان اعتصرتا شفتيها ممتصا رحيق ثغرها الشهي ليشعر بطعم حلو كالعسل لاذعا كمذاقه فيحتويها بين ذراعيه غافلا عن مقاومتها له وضربات قبضتيها الصغيرتين اللتان كالتا اللكمات الضعيفة لصدره العريض القوي!!..
بعد وقت طويل وحين كادت تختنق طلبا للهواء أفلتها ليث ولكن ليحكم قبضته حولها ساندا جبهته الى جبهتها محاولا التقاط أنفاسه الثائرة, بينما بعد أن هدأت أنفاسها حاولت الابتعاد عنه وهي تطالعه بنظرات غضب سوداء هاتفة بشراسة:
– بعّد عنّي, جولتلك جبل سابج أني ما عاوزاكش, أني مش مرتك.. أني…
ليسارع بكتم صوتها براحته الخشنة العريضة ضاغطا على فمها بشدة حتى كادت تختنق وتحدث من بين هسيس أنفاسه الغاضبة وهو ينظر الى عينيها اللتان ترميانه بلهيب أسود:
– أنتي مرتي أني دلوك, أسمعك بس تجوليها انك مش مرتي تاني وجتها هثبت لك انك مرتي صوح, وبحج وحجيج, ما فيش راجل له الحج فيكي غيري, اوعاكي تكوني فاهمه اني لمن فوتك البارحة كان عشان الكلمتين الخايبين اللي جولتيهم كيف دلوك, لاه!, أني لمن همّلتك كان عشان أني مش عاوزك وجتها, لكن وجت لمن أريدك مش هتجدري تجولي لاه, اللي عاوزك تفهميه وتحطي في عجلك زين انه مش ليث الخولي اللي تستعصي عليه حرمة.. أي حرمة, ما بالك لمن تكون الحرمة ديْ مرَتُه؟, حلاله؟!, حطي عجلك ابراسك يا بت الناس وبلاش الحديت اللي ما انتيش جدِّيه ديه, وعشان تكوني عارفة أني اللي نفسي عافتك, واللي مش هتدهولي برضاكي معخدوشي غصب عنيكي, أني ليث الخولي يا… بت عمي!..
وأزاح يده دافعا اياها جانبا لتقفز واقفة وتتجه من فورها الى غرفتها مغلقة الباب خلفها بدون أي تعليق منها على كلامه وكأنها تفر من المحتوم بينما طالع ليث حيث توارت خلف الباب وهو يهتف في ضميره:
– ما كونيش ليث اما خليتك اتدوجي العذاب اللي اني فيه يا سلسبيل, جبل ما أدوج جُربك كنت أجدر أصبر على ابعادك لكن دلوك لمن جربت منيك وشوفت الجنة بين درعاتك صبري نفد مني, وهتاجي لحدي يا سلسبيل وبرضاكي يا بت عمي..
وبرقت عيناه بعزيمة واصرار, بينما لا تزال شفتيه تحمل طعم شهد شفتيها اللاذع!!..
**************************
صوت طرقات على غرفة رؤوف الذي كان يطالع الجريدة اليومية فسمح للطارق بالدخول ليطالعه وجه سلافة ابنته من وراء الباب, فأزاح الجريدة جانبا وأشار اليها قائلا:
– سلافة حبيبتي صباح الخير, تعالي يا حبيبة بابا..
لتدلف الى الداخل مغلقة الباب خلفها وتتقدم اليه لتلقي بنفسها بين ذراعيه المفتوحتين لها وتجلس على ركبتيه وكأنها عادت صغيرة وهي تقول بصوت ضعيف:
– أنا تعبانه أوي أوي يا بابا..
أبعدها والدها عن صدره ونظر اليها بقلق مقطبا وسأل:
– مالك يا بنتي؟, حاسة بإيه بعد الشر؟!
لتقضم شفتها السفلى بينةأسنانها اللؤلؤية وتعتدل في جلستها ناظرة اليه وهي تجيب محاولة محاربة دموعها:
– مريم يا بابا, مريم…
تساءل بوجل:
– عرفت حاجة, حصلها حاجة؟
أجابت وقد بدأت شفتيها بالارتعاش:
– بئالي يومين أكملها مش بترد وانهرده مامتها قالت لي لما اتصلت بيها على الأرضي بتاع بيتها انها مختفية من يومين وموبايلها مقفول على طول, طنط هتموت من قلقها عليها يا بابا, وانا جربت تاني بعد ما كان محدش بيرد دلوقتي مقفول على طول!..
قال رؤوف وهو يمسك بذراعيها ناظرا الى عينيها بقوة:
– سلافة اسمعيني حبيبتي, الموضوع واضح انه أكبر منك من مريم ومن سامح خطيبها ومني انا شخصيا, أنتي كنت قولتيلي انها المفروض هتقابل النائب العام ومقابلتها اتأجلت كونها اختفت في التوقيت دا يبقى دا مالوش معنى غير حاجة واحده بس…
نظرت اليه برعب وتحدثت بصوت متقطع مذهول:
– انهم يكونوا… وصولوا لها؟, معقولة يا بابا؟, تفتكر حضرتك انهم يكونوا عملوا فيها حاجة؟, بس المحامي بتاع سامح أكد لها انه لسه محدش يعرف الادلة اللي معاها؟
أبوها بتنهيدة عميقة:
– يا بنتي دول ناس مش ساهلين, يعني تفتكري انهم مش حاطينها تحت عينيهم خصوصا وان سامح خطيبها اللي هما رموه في السجن بإيديهم وبقضية متلفقة عارف كل جرايمهم؟, انا متأكد انهم قدروا يوصلوا لها قبل ما توصل الدليل اللي معاها للنائب العام….
ليقطع حديثهم صوت هاتفها المحمول فتنهض واقفة وتخرجه من جيبها ليطالعها رقما غريبا فتستقبل المكالمة بريبة وما ان سمعت صوت محدثها حتى لانت أساريرها وهتفت:
– أهلا يا طنط, طمنيني عرفتوا حاجة عن مريم؟.
لتسكت متصنتة قليلا بصعوبة للكلمات التي تصلها وسط هستيرية صوت محدثها قبل أن تفتح عيناها هلعا وهي تردد بينما تنظر الى والدها الواقف أمامها يطالعها بتوجس وريبة :
– مر.. مريم لاقوها مقـ.. مقتولة في منطقة مهجورة بعد.. بعد ما اغتصبوها!..
وتقع يدها بجانبها وهي تنظر في صمت الى والدها قبل أن تبدأ بإسدال جفنيها لتسقط مغمى عليها, في حين ركض اليها والدها في هلع مناديا باسمها….
أزاحت سلمى سماعة الفحص جانبا من أذنيها, ثم أمسكت برسغ شقيقتها لتطمئن على معدل النبض, ثم وضعت يدها جانبا قبل أن تنظر الى والديها الواقفين يراقبانها في قلق وتقول بابتسامة شاحبة:
– الحمد لله, الضغط اتظبط, بس انا مش عارفة ايه اللي خلاها يجي لها هبوط مفاجئ في الضغط بالشكل دا, سلافة عمرها ما اشتكت من حاجة زي كدا؟!..
نظرت ألفت الى رؤوف الواقف ينظر الى ابنته الراقدة فوق فراشها بينما نافس شحوبها شحوب الموتى وتقدمت منه قائلة بلوعة بينما قلقها على ابنتها يكاد يفتك بها:
– هي كانت معاك في اودة المكتب يا رؤوف, ايه اللي حصل خلّا بنتي تنهار بالشكل دا؟.
سكت رؤوف قليلا ثم أجاب قائلا نصف الحقيقة وبصوت حاول أن يكون متماسكا فخرج متحشرجا من فرط قلقه على صغيرته:
– معرفش.. جالها تليفون تقريبا واحده زميلتها في الشغل عملت حادثة واتوفت وكانوا بيبلغوها عشان لو عاوزة تروح مع زمايلها تعزي أهلها..
شهقت ألفت ملتاعة وهتفت وهي تضع يدها على قلبها:
– يا حبيبتي, يا قلب مامتها, أكيد شابة صغيرة في السن طالما زميلتها زي ما بتقول, ربنا يصبر أهلها, اذا كانت سلافة اللي هي يدوب زميلتها ما استحملتش الخبر يا ترى أهلها وخصوصا مامتها عاملين ايه دلوقتي؟, انما ما قالتش مين يا رؤوف؟
هز برأسه نفيا وأجاب وهو يشيح بعينيه جانبا:
– ما لحقتش أسألها..
أشارت سلمى لهما بالخروج ووقفت معهما خارج الغرفة قائلة بجدية:
– طالما الموضوع كدا يا بابا يبقى سلافة أكيد هتصمم تروح تعزي وانا لا يمكن أسيبها تروح لوحدها..
قاطعتها أمها بلهفة:
– ولا أنا, رجلي على رجلها, وبعدين العزا واجب, هروح معها أعمل الواجب ونعزي في صاحبتها الله يرحمها..
قاطعهما رؤوف قائلا:
– يا جماعة سلافة مش هتتحرك خطوة واحدة من هنا الا لما أطمن عليها الأول..
ثم نظر الى ابنته متابعا:
– سلمى عشان خاطري لو قالت لك انها عاوزة تروح بأي طريقة اقنعيها انها تأجل المشوار دا قوليلها صحتها لسه تعبانه أي حاجة..
قطبت سلمى متسائلة:
– ليه يا بابا؟
روؤف بحنق غريب عليه:
– يووه يا سلمى, اعملي اللي بقولك عليه….
وتركتهما منصرفا يتبادلان نظرات الدهشة والقلق من حالته التي تشاهدانها عليه لأول مرة!!..
**************************
أصاب الجد القلق عندما وصل اليه تعب سلافة المفاجئ ولكن رؤوف طمأنه أنها إصابة برد خفيفة بينما تظاره الجد بتصديقه ولكنه أضمر في نفسه أمرا هاما….
– خير يا جدي أؤمرني شهاب خوي جالي انك عاوزني..
نظر الجد الى غيث الواقف أمام باب غرفة نومه وأشار اليه بعصاه قائلا بهدوء:
– أجفل الباب وتعال عاوزك..
قطب غيث واستجاب لأمره ثم اتجه اليه وبعد جلوسه بجواره على الأريكة الخشبية المشغولة على هيئة أرابيسك مال اتجاهه الجد وتساءل وهو يستند بيديه واضعا ذقنه المكسوة بلحية مستوية بيضاء عليهما:
– انت اعرفت ان بتعب بت عمك؟
قطب غيث وأجاب بتلقائية:
– لاه, شهاب ما جاليش, أكيد لجطت دور برد من العيانين اللي عم بيجوها العيادة, ربنا يكون في عونها..
نظر الجد اليه بتركيز وقال:
– بس مش سلمى اللي تعبانه..
زادت تقطيبة غيث حدة وتساءل بقلق ينضح من نبرات صوته الخشنة:
– أومال …
ليقاطعه الجد مجيببا بجدية:
– سلافة…
هتف غيث:
– إيييه؟, سلافة!, مين ميتة الحديت ديه يا جدي, وكيف مدراش بيه.’ مش المفروض سلافة ديه تبجى خطيبتي؟.
الجد بهدوء:
– اهدى يا غيث يا ولدي, هي دلوك اكويسة, جدتك كات عنديها, وهي منيحة الحمد لله, بس مش ديه المشكلة!.
تساؤل غيث بريبة عاقدا جبينه:
– وهي فين المشكلة يا جدي؟
الجد بحزم:
– فيه حاجة عمك رؤوف امخبيه, والحاجة ديه تخص سلافة بالذات وأنا متوكّد انها السبب في الوعكة اللي صابتها ديْ لانه من وجتها ورؤوف ولدي مش على طبيعته وكل ما عسأله يجولي ما فيشي يا حاج, شطارتك تعرف فيه ايه بالظبط!..
نهض غيث واقفا وأجاب وعيناه تبرقان باصرار وعزم:
– اطمن يا جدي, اعتبرني اعرفته, اني هتصرف..
وانطلق من فوره الى عمه ولكن قبلا لا بد له من الاطمئنان على السبب الرئيسي لفقدانه طعم النوم والراحة والتي يكاد يجزم انها ستكون السبب الرئيسي أيضا لإصابته بأزمة قلبية مفاجئة من فرط قلقه عليها!..
————————–
كانت سلافة مع والدها في غرفتها تجادله بشأن سفرها الى القاهرة, صرف والدها ألفت وسلمى قائلا أنه يريد الانفراد بها بعد سماعها ترفض طلب سلمى منها بالتزام الراحة وعدم اجهاد نفسها فأخبرهما انه سيعمل على اقناعها, وقفت سلافة أمام والدها تهتف وعيناها تغشاهما الدموع بينما ترفل في ثوب أسود مقفول من الأمام بأزرار سوداء حتى منتصف الخصر, ونص كم, وجمعت شعرها على هيئة ذيل الفرس, أعرب وجهها عما تعانيه من قلق واضطراب بوجنتيها الغائرتين والهالات السوداء المحيطة بعينيها, هتفت سلافة لوالدها برجاء ودموعها تسيل في صمت مغرقة وجنتيها الشاحبتين:
– يا بابا أرجوك افهمني, أنا لازم أسافر, أنا معايا أمانة لازم أسلمها..
رؤوف بهدوء محاولا اقناعها:
– وانا ما قولتش ما تسافريش, بالعكس أنا هسافر معاكي بس الأول عاوز ناخد رأي محامي في الموضوع دا, يدلنا نروح فين بالظبط, المحامي بتاع سامح أنا بصراحه قلقان منه يمكن أكون ظالمه بس من الآخر كدا أي حد له علاقة بالموضوع دا محل شك بالنسبة لي دلوقتي…
سلافة بعناد وتشبث بالرأي وخوفها على والدها أن يصيبه مكروه من وراء هذا الأمر الخطير يجعلها أكثر تشبثا بمحاولة اقناعه تركها تسافر بمفردها:
– طيب سيبني أسافر أعزي مامتها, وبعدين نبقى نشوف موضوع المحامي دا, أرجوك يا بابا..
– ما انتيشي مسافرة ولا رايحة في مكان يا سلافة..
التفتت باندفاع لترى محدثها يقف بباب الغرفة لفقطبت هاتفة بغيظ:
– غيث!..
تقدم غيث الى الداخل يلقي اليها بنظرات ملتهبة ثم تحدث الى عمه قائلا:
– سامحني يا عمي لو دخلت اكده بس اني خبطت مَتير وما سمعتونيش, وبعدين غصب عني سمعت حديتكم فدخلت ما جدرتش أسكت..
تقدم اليه عمه وقال وهو يربت على كتفه:
– جيت في وقتك يا غيث, أنا هسيبك معاها يمكن تحاول تعقلها..
وخرج تاركا الباب خلفه موارباً..
وقفت سلافة عاقدة ذراعهيا أمامها تطالعه بتحد وقالت بحدة:
– نعم؟, أفندم.. اتفضل قول اللي انت عاوزه, بس قبل أي حاجة أنا هسافر يعني هسافر وما فيش حاجة هتخليني أرجع في كلامي…
تقدم غيث منها بضع خطوات, كان لا يزال يرتدي ثياب الفروسية السوداء بينما خصلات شعره مشعثة بفعل الهواء وتستكين خصلة على جبهته العريضة, مال ناحيتها قائلا بحزم:
– أنتي معتروحيشي في مُكان يا سلافة, أظن واضح؟
نظرت اليه بغيظ وهتفت :
– وانت مالك؟.
هم بالرد لتقاطعه بحدة :
– هتقولي ابن عمك وخطيبك هقولك بردو دا ما يداكش الحق انك تدخل بالصورة دي, انا حرة, وطالما بابا موافق يبقى خلاص, وعشان بس تطمن بابا هييجي معايا..
نظر اليها غيث بغموض الى ان سكتت وهي تلهث تلتقط أنفاسها المتعثرة وتحدث بكل برود:
– خلصتي حكيك الماسخ ديه؟, شوفي يا بت عمي… انتي مش هتتنجلي غير لمن رجلي تبجى على رجلك, أصلا انتي كيف ما تجوليليش؟, دي لومن عمي رؤوف جلجان واني ضغطت عليه عشان اعرف اللي بيه ما كنتش اعرفت!
نظرت اليه بتحد رافضة الاجابة فتابع بينما يميل بوجهه على وجهها حتى اختلطت أنفاسهما الثائرة هي بتحد وهو بتأثر ورغبة ضارية في اخفاء هذه المشاكسة بين جنبات صدره خوفا وهلعا عليها, لن ينسى الصدمة التي شعر بها ما ان صارحه والدها بسر شرودها الدائم ووعكتها الصحية المفاجئة:
– أني المفروض أكون أجربلك من اي حد تاني…..
ازدرت ريقها بتوتر وقالت بسخرية زائفة في محاولة منها عدم الانصات لقلبها الذي يؤمرها بعدم السخرية مما تراه يشع بصدق من بين رمادي عينيه:
– يا سلام ليه بقه ان شاء الله؟
وبدون وعي منه امتدت يداه تقبضان على ذراعيها وهمس بصوته الخشن:
– لأنك انتي أجرب حد ليا في الدنيا ديه كلاتها, انتي لساكي مش عارفة انتي ايه بالنسبة لي يا سلافة؟
هتفت سلافة بحدة بينما تحاول الهروب من نظراتها التي تحاصرها وتهدد بدك حصون قلبها والاستيلاء عليه لاعلانه فارسه ومالكه الأوحد, فيما تحاول إزاحة ذراعيها من قبضته مشيحة بنظراتها:
– سيبني يا غيث, أنا مش عارفة ومش عاوزة اعرف..
ليهتف بحرقة:
– كدابة!
فرفعت عينيها تنظر اليه بذهول فتابع بحدة ونيران عميقة تندلع في عمق عينيه:
– ايوة كدابة, انتي عارفة ومتوكدة بس خايفة, انما أني بجه مش خايف, اني كنت مأجلها ومش رايد أجولها لغاية ما تبجي مرَتي حلالي, عشان خايف عليكي منِّيها, لكن خلاص.. ماجدرش أصبر أكتر من اكده!
وكأنها شعرت بما يوشك على الاعتراف به فهتفت بتوسل محاولة ايقافه عن متابعة حديثه:
– غيث ارجوك سيبني دلوقتي أنا…
ليقاطعها بلهفة ونظرات عينيه تكادان تلتهمان تفاصيل وجهها:
– بحبك.. بحبك يا بت عمي, بحبك ولا عمري حبيت جبلك ولا هحب بعدك, بحبك يا سلافة بحبك!,و…
وسكت بارتا عبارته بينما تابعت عيناه إلقاء قصيدة عشق إلى ليل عينيها البهيم, ليقربها اليه بدون وعي منه بينما تاهت هي في سماء عينيه ليتابع بشغف وبدون إدراك ليديه اللتان وكأنهما يمتلكان إرادة خاصة بهما حيث امتدا ليحتضنا خصرها:
– عارفة ما كونتش عاوز اجولك ليه؟, لأن الكلمة ديْ كانت كيف السد اللي مانع طوفان حبي انه يغرّجك, حبي ليكي كيف الطوفان يا سلافة, كنت مانع نفسي بالعافية اني اجولهالك لأني متى ما جولتها يبجى خلاص, صبري نفد, وإسمعي آخر كلام يا بت عمي.. احنا التنيين هننزلوا مصر سوا.. بس وانتي مرتي وشايله اسمي!.
وينتهز فرصة ذهولها ليميل عليها غير قادرا على منع نفسه من وضع قبلة عميقة فوق جبهتها وكأنه يضع صك ملكيته لها, ويبتعد بعدها بصعوبة ناظرا اليها وأنفاسه متهدجة متابعا:
– أني هكلم عمي الليلة بعد العِشا ان شاء الله, كتب الكتاب هيكون في أجرب وجت…
وسكت ناظرا اليها بعمق بينما سكنت سلافة غير مصدقة لما آلت اليه الأمور, فمن الواضح أن غيث قد عقد العزم على الزواج بها ولن يدع أي شيء يقف في سبيل تحقيق ذلك, حتى وان كانت هي نفسها!, بينما تعالت ضربات قلبها عاليا تكاد تصرخ بها أن غيث قد أعلن انتصاره وفوزه الساحق بقلعة قلبها بعد اقتحامه لمشاعرها وتحطيمه حصونا قلبها واحدا وراء الآخر!!……..
– يتبع –