كبير العيلة
الحلقة الثامنة
بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
صوت آيات الذكر الحكيم بصوت الشيخ المنشاوي يصدح من المذياع, بينما يجلس الجد وابنيه عثمان ورؤوف مع عدنان وولده ليث في الاستراحة التابعة لمنزل عدنان, مع باقي رجال عائلة الخولي فقط, فلم يأت أحد من أهل البلد لتقديم واجب العزاء, فقد أقسم ليث أنه لن يتقبل أي عزاء في وفاة شقيقه الأصغر إلا بعد أن يأخذ بثأره ممن قتله!..
تحدث الجد والذي قصم موْت راضي ظهره, وقد كَبِر عشر سنوات فوق سنون عمره وقال بصوت خافت ولكنه متمالك لنفسه:
– عرفتو مين وِلْد الحرام اللي اعْمِلْها؟.
عدنان بنظرات حزينة وصوت مشروخ وقد شعر أن بموْت ابنه قد مات جزء من قلبه وروحه:
– ليث مش ساكت يا عمِّي, هنجيبوه فين ما يروح, هيروح منينّا فين؟
ليث بنظرات سوداء مرعبة وصوت غليظ:
– ولمّن نجيبه هخليه يتمنى الموت ما يطولوشيْ!
غيث وهو يربت على كتف ليث:
– وأني معاك يا ولد عمي في أي حاجة تريدها, جولي بس أعمل ايه وأني اعمله..
ليث بهدوء:
– تسلم يا ولد عمي, انما دِهْ طاري أني, وأني اللي هاخده بيديْ.
ثم صمت قليلا قبل أن يتابع بصوت قد اهتز بشكل طفيف:
– راضي ما كانِش خويْ وبس!, لاه.. دِه كان ابني كُمان!
تعالى صوت من بين الرجال الجالسين يقول صاحبه:
– احنا كلاتنا تحت امرك يا شيخنا, ابو عدنان ما كانيش ولد لوحديك ولا خوك لوحديك يا ليث, دِه كان ولدنا كلاتنا وابننا واخونا كًمان, واحنا رجابينا فداكم كلاتكم, اؤمروا واحنا علينا التنفيذ..
رؤوف بهدوء:
– دا العشم بردو يا رجالة…
ثم مال الى شهاب الجالس بجواره قائلا:
– طمني يا بني, اختك عاملة ايه؟
زفر شهاب بحزن وأسى وقال:
– 3 ايام لغاية دلوقتي وهي تايهة خالص, ساكتة, تصدق يا عمي انها من ساعة ما وقعت من طولها بعد ما سمعت الخبر وبعد ما فاقت ما عيطتش؟!, انا قلقان عليها اوي يا عمي, سلمى وسلافة معاها من وقتها وكل ما أجي ادخلها علشان أشوفها يقولوا لي انها رافضة خالص تشوف حد, حتى أمي ومرات عمي لما بيدخلوا عندها ولا كأنها حاسة بيهم, أنا بجد قلقان, بفكر فعلا أجيب دكتور يطمنا عليها…
وفجأة على صوت جلبة وضوضاء ثم ركض الغفير صابر الى الداخل بوجهه الملهوف واقترب من عدنان ليُسرّ اليه ببضعة كلمات أنتفض واقفا على أثرها ثم التفت الى رؤوف الذي وقف بدوره ليميل عدنان اليه هامسا:
– رؤوف يا ولد عمي خلِّك مع جدِّي والرجالة اهنه, أني هروح عند الحريم دجايج وجايْ!
انتبه ليث الى وجه والده الذي يعتريه القلق الشديد, تقدم منه وقال مقطبا جبينه يعترض طريق والده أثناء خروجه من الاستراحة:
– فيه ايه يا بويْ؟, رايح فين دلوك؟, الواد صابر جالك ايه خلّاك تنتفض اكده؟
عدنان بقلق وأسى:
– الله يرضى عنِّيك يا ليث يا وَلدي, خليك مع عمك رؤوف وجدك, اني رايح اشوف الحريم ضروري…
ليث وقد تعمقت عقدة جبينه وبدأ القلق يغزوه:
– ليه يا بويْ, أمي جرالها حاجة بعيد الشر؟!
عدنان وهو يحرك رأسه يمينا ويسارا مجيبا بأسى وحزن:
– أستغفر الله العظيم, لاه مش أمك يا ولدي, دِه.. سلسبيل!
ازدرد ليث ريقه وتساءل بتردد طفيف:
– مالها.. مالها أم عدنان؟
عدنان وهو يهم بالسير:
– معرفش يا ليث يا ولدي, صابر بيجول انه أمك شيّعت له ياجي ينادم عليّ ضروري لانها تعبانة جوي…
ليث وهو يمسك بمرفقه ويهم بالسير معه بخطوات واسعة:
– أني جاي معاك يا بويْ..
عدنان وهو يحاول ملاحقة خطوات ليث:
– بالراحة يا ولدي, ما جدرش ألحج عليك..
ليتمهل ليث بالسير بينما اعتلت عيناه نظرة غامضة لا تفصح عما يجيش بداخله…
وقف عدنان أمام غرفة سلسبيل وهو يسأل زوجته وبجانبها والدة سلسبيل التي تبكي بصمت وهي تمسح دموعها بطرف وشاحها الأسود, هتف عدنان بقلق وتساؤل:
– خبر ايه يا أم ليث؟, سلسبيل مالها؟
أجابت أم ليث ودموعها تغسل وجهها:
– معرفاشي يا حاج, حالتها وعرة جويْ…
ثوان وفُتح باب الغرفة لتقبل عليهم سلسبيل والتي ما ان رآها عمها حتى حدق فيها بعينين واسعتين لا يصدقان ما يرتسم أمامهما, فقد كانت سلسبيل ترتدي احدى عباءتها الملونة المزركشة, بل وتتزين كعروس في انتظار عريسها, وهي تضع وشاح باللون الابيض مزين بوردات باللون الزهري, قالت بابتسامة ناعمة وهي تطالع عمها ومن معه بدهشة:
– عمي.. ايه اللي موجفكم اهنه؟, فيه حاجة؟؟
ابتلع عدنان ريقه بصعوبة وقال بصوت متحشرج:
– سلـ.. سلسبيل يا بتي؟
ردت سلسبيل بابتسامة واسعة:
– اؤمرني يا عمي..
عدنان وهو يزدرد بريقه بصعوبة:
– ايه.. ايه اللي انتي لابساه دِه وعاملاه في نفسك دِه؟
سلسبيل بخجل وقد تلونت وجنتيها بحمرة الحياء:
– ابدا يا عمي, أصل راضي بيحب يشوفني بالعباية ديْ, جولت ألبسها عشان لمّن ياجي ينبسط..
أُسقط في يد عدنان وردد بذهول حزين:
– را.. راضيّ!
أومأت سلسبيل برأسها وهي تجيب بابتسامة فرح كبيرة:
– إيوة يا بويْ, راضي, حدتني من شوي وجالي انه جرّب يوصل..
لمح عدنان سلمى وسلافة تقفان خلف سلسبيل, أشارت له سلمى برأسها ألا يتحدث بما يخالف قولها, سارت سلسبيل ونزلت الدرج يتبعها عدنان والباقين, ما ان أكملت نزولها والتفتت حتى وقع نظرها على ليث الذي ما ان رآها حتى انتفض واقفا كمن لسعته أفعى وهو يردد في دهشة وعدم تصديق:
– سلسبيل!
سارت سلسبيل حتى وصلت اليه وهي ترميه بنظرات مشككة قلقة, وصلت اليها والدتها ومدت يدها تتناولها بين أحضانها وتقول بصوت باكي وهي تربت على كتفها:
– اهدي يا سلسبيل, اذكري الله يا بتّيْ..
قطبت سلسبيل وأجابت باندهاش وحيرة:
– ليه بتجولي اكده يا مّايْ؟
الأم بنواح:
– حرام اللي بتعمليه ديْ يا نضري!
هزت سلسبيل برفض يمينا ويسارا وتعبير استهجان تام يعتلي سيمات وجهها الخمري واستنكرت هاتفة:
– هو ايه ديه اللي بعمله؟ ايه.. بلبس لجوزي… حرام ألبس له وأتغندر له؟, مش فاكرة حديتك ليِّ انه لازمن جوزي ما يشوفش مني الا اللي يعجبه!, جوزي وعلى وصول, واني مستنياه, انما انتو اهنه ليه؟, فيه حاجة؟
اقتربت منها سلافة وربتت على كتفها وهي تقول:
– جايين نقعد معاكي يا ستي.. ايه بلاش؟
سلسبيل بارتباك واعتذار:
– لاه ما جصديشي يا بت عمي, أني بس مستغربة ان كلاتكم اهنه؟..
ثم ضحكت متابعة:
– لا يكون بوي وخواتي هما كمان اهنه واني معرِفش؟!
ليصدح صوت قويا من خلفها يقول بنبرات ثابتة:
– مش هما لوحديهم, عمك رؤوف وبوكي واخواتك وجدي وجدتي كمان, بس جدتي بعافية شوية دخلت تريّح شوي!
قطبت سلسبيل وتساءلت وهي تنظر الى غيث بريبة:
– وليه؟, فيه حاجة ولا ايه؟
تقدم منها ليث ليسلط نظراته على عينيها العسليتين وهو يجيب بتأن:
– جايين يجفوا جنبينا, لغاية ما ناخد بحجنا!
ابتلعت سلسبيل ريقها بصعوبة, وحاولت متابعة سيرها بعيدا عنه وهي تقول بابتسامة مهزوزة رافضة الاسترسال في هذا الحديث الذي بدأ يثير سخطها ولكن هذا هو ليث لا يصدر عنه الا كل ما هو مستفز ومغيظ سواء قول او فعل:
– عموما بيتهم ومُطرحهم, عن اذنكم اني هروح اشوف الوكل, راضي على وصول..
ما ان ابتعدت عنه خطوتين حتى سمعت صوته يعلو من ورائها متسائلا بقوة:
– ما عاوزاشي تعرفي حجنا ايه؟
اضطربت انفاس سلسبيل وسريعا اقتربت منها سلمى وسلافة في حين وقفت ألفت وراوية وأمها يتابعان ما يجري ودموعهن تجري بلا انقطاع, هتفت سلسبيل وهي تعود الى الخلف بينما يتقدم منها ليث بثبات:
– اني ما عاوزاشي اعرف حاجه؟
كادت أن تتعثر في المقعد خلفها عندما امتدت يد ليث سريعا تسندها وأجاب بقوة:
– حجنا في دم خويْ وجوزك.. راضي يا سلسبيل!
صرخت سلسبيل وهي تصيح بعنف:
– انت اتجنيت؟, حج ايه؟, راضي ما جرالوشي حاجة, راضي هياجي, هو جالي انه مش هيتأخر عليّ, هياجي وهنجيب البت اللي بيحلم بيها, بعّد عني, فوتني يا ليث!
حاولت دفعه بعيدا عنها ولكن كانت قبضتيه على كتفيها كالكماشة, بينما كانت في حالة من الهذيان, فلأول مرة تلفظ باسم مخيفها, ووحشها الذي يرعبها بصوته.. لأول مرة تلفظ باسم.. ليث!
هتف ليث بقوة وهو يقرص على كتفيها:
– راضي مات يا سلبيل, مااااااااااات!.
أخذت تحرك برأسها يسارا ويمينا عدة مرات وهي تضع يديها فوق أذنيها رافضة الاستماع بينما اهتزت تعابير وجهها, لتقول بصوت بدأ منخفض ليعلو تدريجيا منتهيا بصرخة عالية:
– لا.. راضي.. راضي.. راضي ما ماتِش..راضي.. تعالى يا خويْ… راضي.. راااااااااااااضي….
لتسقط مغشيا ليها ولكن هذه المرة كانت ذراعي شهاب شقيقها من أنقذتها من الارتطام بالأرض!.
*******************
خرجت سلمى من غرفة سلسبيل بعد أن حقنتها بحقنة مهدئة, كان الجميع بانتظارها وما ان رأوها حتى اندفعوا اليها, سأل شهاب وليث في نفس واحد:
– كيفها دلوك/ عاملة ايه دلوقتي؟
أشارت سلمى بيدها لهما بالتزام الهدوء, ثم دعتهما باللحاق بالباقيين في الاسفل حتى لا يصدروا أصواتا تُقلق سلسبيل.
ما ان نزلوا الى الاسفل حتى التفت شهاب الى ليث هاتفا بحنق:
– لو سلسبيل جرالها حاجة يبقى انت السبب!, انت ازاي تعمل كدا؟, ازاي قدرت تخليها تنهار بالشكل دا, مش كفاية اللي هيا فيه؟
ليث بهدوء ينافي النار التي تستعر في داخله:
– اللي اعملته دِه هو الصوح, وكان لازمن يتعمل من زمان, اختك ما انهارتش زي ما انت فاهم, اختك فاجت دلوك!
قطب شهاب صائحا باستهجان:
– يا سلام, عيّل صغير انا بقه وهتضحك عليه بكلمتين؟!, انا ما صدقتش نفسي وانا داخل وانا بسمعك بتصرخ فيها بالكلام دا, يعني لو ما كانش جدي بعتني أشوف فيه ايه.. كنت ناوي تعمل فيها ايه تاني؟
وقفت سلمى واتجهت اليهما وقالت مقاطعة شجارهما الكلامي:
– معلهش يا شهاب.. بس ليث بيتكلم صح!, اللي عمله دا هو اللي أنقذ سلسبيل من اكتئاب حاد كانت رايحاله برجليها وبسرعة كمان, انفجاره فيها هو اللي خلاها تفوق وتوعى للي حصل, يعني هو فعلا أنقذها من انهيار عصبي واكتئاب حاد.. الله اعلم كان ممكن نهايته توصل معاها لإيه؟!
لفّ شهاب رأسه ناظرا اليها بذهول وهتف:
– انت بتخرفي تقولي ايه؟
سلمى ببرود ولم يعجبها طريقته في الحديث اليها وأمام الجميع لذا أجابت ببرود:
– اظن اني الدكتورة هنا, واعتقد اني أفهم أحسن منك في الموضوع دا, سلسبيل زي أي حد داخل في هستريا, أول حاجة بتعملها لشخصي هستيري انك تحاول تفوقه حتى لو اضطريت تضربه بالقلم, سلسبيل كانت داخله في هستيرية اكتئاب حاد ممكن توصلها انها تفكر في الانتحار, كلام ليث ليها هو القلم اللي فوّقها من اللي كانت فيه, عموما انا اديتها حقنة مهدئة, على الصبح ان شاء الله هتكون كويسة!
ثم التفتت الى الحاضرين متابعة:
– بعد اذنك يا ماما أنا وسلافة هنفضل هنا معاها مش هنعرف نسيبها خصوصا في الفترة دي, يار يت تبلغي بابا, وحضرتك يا طنط – موجهة كلامها الى راوية التي كانت تضع يدها فوق رأسها بينما تمسح دموعها التي تهطل بصورة مستمرة براحتيها – حضرتك يا طنط يا ريت تدخلي تنامي, انتي تعبت اوي انهرده.
ثم نظرت الى تلك السيدة التي فقدت ابنها ولكنها تحاول التجلد والصبر واتجهت اليها بخطوات هادئة وقالت وهي تمسك بكتفيها:
– أنا مش عارفة أقولك ايه ولا أواسيكي ازاي, بس علشان خاطري حضرتك ضغطك كان عالي اوي انهرده, يا ريت تحاولي ترتاحي شوية..
ردت ام ليث من وسط بكائها:
– وهتاجي من فين الراحة يا بنيتي؟, هتاجي من فين؟
اومأت سلمى برأسها ثم ابتعدت وهى تشير لسلافة للحاق بها قبل أن تقف وتوجه حديثها الى ليث متجاهلة تماما ذلك الشهاب الذي يتابعها بنظرات ساخطة غاضبة مذهولة:
– البقاء لله يا ليث, ربنا يجعلها آخر الاحزان..
ثم اتجهت الى الدرج للصعود الى الاعلى مع سلافة لقضاء الليلة مع سلسبيل في غرفتها..
شعر شهاب ان أعصابه على وشك الافلات منه وقال وهو يستدير متجها للخارج:
– أنا ماشي..
أوقفته يد ليث التي وضعها على كتفه وقال بتنهيدة عميقة:
– شهاب, ما تزعلشي منِّي, لكن اللي انى اعملته دِه كان في موصلحتها تمام كيف ما الدكتورة سلمى جالت..
أومأ شهاب برأسه وأجاب وهو يربت بدوره على كتفه:
– أنا مش زعلان يا ليث, ربنا يكون في عوننا كلنا…
**************
جلس شهاب فوق فراشه وهو يقبض يده اليمنى ليضرب بها راحة كفه الأيسر بينما ينفخ بضيق, ثم نهض من مكانه وأخذ يسير جيئة وذهابا في المكان حتى كاد يحفر الأرض من قوة خطواته, هتف بحنق وغضب:
– بقى أنا ما بفهمش حاجة وعامله عليا دكتورة؟..
سكت قليلا قبل أن يتابع وهو يقلّد طريقتها في الكلام:
– ليث صح, ليث عمل المفروض يتعمل, القاء لله يا ليث, ما تقلقش يا ليث.., ليث.. ليث.. ليث.. , اللي يسمعها يقول ليث دا عارفاه عمرها كله, دا أنا اللي اسمي ابن عمها وأقرب لها منه ما بتنطقش اسمي خالص الا نادر جدا, ايه دا؟, وبعدين ازاي عمي يوافق انها تقعد هناك؟, سلسبيل علشان العدة مش هينفع تخرج, لكن الواجب أمي هي اللي تقعد وهي.. قصدي هما.. هي وسلافة يرجعوا بقه!..
ثم ضرب بقبضته حافة النافذة التي يقف أمامها وهو ينفخ بضيق وتأفف بالغين!
************************** *
بعد شهر
********
– بابا بعد اذن حضرتك, انا عاوزة أنزل مصر أجدد اجازتي وبالمرة أشوف الدكتور المشرف على الرسالة بتاعتي..
نظر رؤوف الى سلمى ابنته الجالسة فوق المقعد الخيزران في الحديقة الى يساره بينما تجاوره من الجهة اليمنى ابنته سلافة, قال رؤوف:
– انا عارف ان الفترة اللي فاتت دي كانت صعبة عليكم اوي, خصوصا ان ولاد عمكم انشغلوا في موضوع ليث والشغل تقريبا بقه على اكتفاكم انتم..
لا يستطيع رؤوف الانكار أنه يشعر بالفخر ببناته, فقد انشغل غيث وشهاب مع ابن عمهم ليث في البحث عن قاتل راضي, فأخذت بناته على عاتقهن أمر الاهتمام بالمزرعة والديوان في غيابهما, تحت اشرافه هو وأخيه عثمان, بينما التزم الجد الهدوء, وقد أنحنت كتفاه بعد مقتل راضي حفيده, والذي كان أقرب أحفاده إليه, وانشغلت الجدة بالاهتمام بصحة الجد بينما دخلت راوية في حالة من الحزن العميق على ابنتها, لتتولى زوجته ألفت شؤون المنزل لتثبت للجميع حُسن اختيار رؤوف لها, وتثبت لهم يوما بعد يوم أنها بالفعل واحدة منهم….
قالت سلافة بهدوء:
– أنا كلمت زمايلي في الشغل, وبعت ايميل للشركة ببلغهم فيها بمد أجازتي, وانا الحمد لله عندي رصيد كبير من الاجازات..
هز رؤوف رأسه وقال موافقا:
– تمام, يبقى سلافة توصلك الصبح لمحطة القطر تخلصي اللي وراكي وترجعي في نفس اليوم, وتبقي تكلمينا علشان نستناكي في المحطة..
– محطة ايه يا عمي ومين اللي هيسافر؟
قاطع صوت شهاب رؤوف, الذي التفت اليه ليبتسم مجيبا بينما جذب شهاب كرسيّا ليجلس في مواجهة عمه والى يسار سلمى:
– ابدا يا بني, دي سلمى عاوزة تسافر تجدد أجازتها وتشوف الدكتور المشرف على الرسالة..
ألقى شهاب بنظرة سريعة عليها بينما تجاهلته كلية فمنذ صدامهما ذاك اليوم ببيت عمه عدنان وهي تتحاشاه, مع انها تتولى مهام المزرعة بشكل مثير للاعجاب فهي تتحكم بالأمور هناك جيدا وتتعامل مع عمال المزرعة بطريقة حازمة وهادئة, قال شهاب ببرود بينما يحاول ان يسترق النظر اليها بين كل كلمة وأخرى:
– تمام يا عمي, تشوف هي عاوزة تسافر امتى وانا هوصلها!
حدقت فيه سلمى بدهشة ولكنها حاولت اخفائها, تحدثت ببرود نسبي:
– لا مالوش لزوم, سلافة هتوصلني المحطة وهاخد القطر وهرد في نفس اليوم, مالوش لزوم تتعب نفسك!
نظر اليها مجيبا بسخرية هي وحدها اشتمت رائحتها من بين أحرف كلماته:
– تعبك راحة يا بنت عمي, بس ما ينفعش يكون ابن عمك موجود وأختك توصلك المحطة وتاخدي قطر, انا هوصلك وأرجعك..
حاولت سلمى كتم زفرة ضيق كادت تفلت منها وقالت محاولة الهروب من مرافقته:
– لا ما فيهاش حاجة, انا بحب السفر بالقطر..
كانت سلافة تتابع بدهشة طفيفة وريبة ما يدور بين أختها وشهاب في الخفاء, لا تعلم لما تشعر وكأن هناك نظرات سخط متبادلة بينهما, ولكن مؤكد أنه يريد فرض سطوته عليها تماما كأخيه غيث, قد يكونان توائم غير متشابهة شكلا ولكنهما متطابقان تماما في صفاتهما, أرادت انقاذ أختها من إصراره الغريب على مرافقتها وهى تعلم أن أبيها قد بدأ يميل لحل شهاب ليطمئن عليها خاصة أنها لا هي أو أمها تستطيعان مرافقتها, فهتفت بأول شيء طرأ على بالها:
– خلاص.. بسيطة.. نكلم كريم يستناكي في محطة مصر, وأنا متأكده انه هيجيبك زي ما عمل معانا المرة اللي فاتت..
ما ان انتهت من عبارتها حتى رسمت بسمة واسعة فرحة بنفسها أنها قد اهتدت للحل الصحيح, ولكنها فوجئت بشرارات تنطلق من مقلتي شهاب, بينما نظرات أختها الباردة لا تفصح عما إذا كانت قد لاقت الفكرة قبول لديها, ولكن لم تنتظر طويلا لتسمع سلمى وهى تقول بإيجاب:
– فكرة بردو, أساسا عمو وطنط وحشونى أوي, وممكن أروح أسلم عليهم بالمرة..
هتف شهاب بحدة رغما عنه مقاطعا لها:
– لا!, أنا اللي هوديكي..
اندهش رؤوف وقال:
– ليه يا شهاب؟, البنات مش عاوزين يتعبوك, وانا شايف انه حل كريم دا حلو, بس بدل ما يرجعها بنفسه ممكن يوصلها المحطة وترجع بالقطر…
التفت شهاب الى عمه وحاول تمالك أعصابه وهو يجيب:
– معلهش يا عمي, بعد اذن حضرتك.. أنا ما فيش مشكلة انى أوصل سلمى وأستناها ونرجع سوا, وبعدين الحركة هتبقى أسهل بالنسبة لها معانا العربية وأنا اللي سايق يعني مش هتسوق في الزحمة ولا هتلف على ركنة ولا مخالفة ولا حاجة أبدا, وبدل ما نزعج الناس, ويضطر يسيب شغله, ايه رأي حضرتك؟
رؤوف باستحسان:
– والله فكرة مش بطالة..
لترتاح أسارير شهاب ولكن يتابع رؤوف:
– لكن مش تعب عليك يا بني تروح وترجع في نفس اليوم؟
نفى شهاب بقوة بهزة رأس منه:
– لا لا لا أبدا يا عمي…
كانت سلمى تنظر اليه وهى تتحرق غيظا, تكلم والدها قائلا:
– جهزى نفسك يا سلمى الصبح هتروحي مع ابن عمك..
ثم التفت الى شهاب متابعا:
– شكرا يا شهاب, هنتعبك معانا..
أجاب شهاب وعيناه تلمعان من الغبطة لقبول عمه رأيه وأنه اخيرا سيجعل تلك المتحذلقة المغرورة تبتلع لسانها ذاك والذي كال له الكلمات النابية ذلك اليوم بعد انهيار سلسبيل..
***********************
– انت بتجول ايه يا حاج عبد الحميد؟
زفر عبد الحميد ورجع الى الخلف ليستند الى ظهر الفراش وأجاب:
– اللي انت سمعته يا ولديْ..
عثمان بغير تصديق:
– غيث اللي جالك إكده؟, وميتى؟
أجاب الجد بصوت هاديء يحمل رنة شجن واضحة:
– جبل ما يجيلنا خبر المرحوم راضي, في نفس اليوم, بس اللي حوصل خلّا الموضوع يوجف, اني عارف وهو عارف انه مش وجته دلوك لكن هو عاوزنا نفاتحو عمّه في الموضوع علشان يكون عنده علم باللي رايده غيث..
قطب عثمان وقال:
– وليه ما جاشي يتحدت معايا أني؟
ابتسم الجد ابتسامة صغيرة وقال:
– عادي يا ولدي, هو جالي انه هيفاتحك في الموضوع, هو اساسا يومها ما كانِش هيجول لي حاجة لوما أني شوفت حالته كيف وضيّجت عليه في الحديت لوما جال لي….
قال عثمان:
– وانت رأيك ايه يا حاج؟, الوجت فعلا كيف ما انت خابر مش الوجت المناسب, واني أخجل اكلم خوي في حاجة زي ديْ خصوصي في الظروف اللي بتمر بيها بتّي, كلّمه انت يا حاج الله يخليك..
هز الجد رأسه موافقا على كلام ابنه الاكبر وقال:
– ماشي يا أبو غيث, أني هفاتحه في الموضوع وهبلغك باللي هيوحصل…
*****************
– ليث بيه, يا ليث بيه…
صاح الغفير صابر مناديا لسيده ليث الجالس تحت سقيفة العنب الخشبية في حديقة المنزل, نهض ليث واقفا مكشّرا في وجه الغفير وصاح به معنفا إياه:
– فيه ايه؟, عم بتنادم بصوت عالي كيف التور اكده ليه؟
كان صابر يلهث محاولا التقاط أنفاسه بشق الأنفس, تكلم من بين أنفاسه المتقطعة وهو ينحني ساندا راحتيه على ركبتيه:
– لا.. لاجيـ.. لاجيناه يا كبير!
لمعت عينا ليث وتقدم من صابر ببطء حتى وقف بجواره وهو يسأل بهدوء مخيف:
– لاجيتو مين؟
رفع صابر رأسه ثم اعتدل في وقفته وأجاب باحترام لسيّده:
– ولد الحرام اللي جتل راضي بيه!
تساءل ليث بينما عيناه تلمعان لمعة عيني الأسد الذي أوشك على اقتناص فريسته:
– مين يا صابر؟
قال صابر وهو يتنفس بعمق:
– عسران أبو الليل, جاطع طريج, مايعرفناشي وما يعرفش راضي بيه, طلع هو ورجالته على راضي بيه وهو راجع, جطعوا الطريج عليه هو والسواج, هددوهم وضربوا السواج, لكن سي راضي ما وافجش يسيب لهم المال والحلال فجتلوه واخدوا كل حاجة…..
ليث بغضب مكتوم يعتمل في أحشائه كبركان يثور بالتدريج قبل أن تندلع حممه عاليا فيحرق الأخضر واليابس:
– عرفت طريجه؟
هتف صابر:
– ايوة عرفت, اللي دلّنا عليه واحد من رجالته كان سهران عند البت بدوية وهلفط بالكلام على كبيرهم واخر عمليه عِملوها, وحضرتك خابر احنا لينا رجالة في كل مُطرح, والليلة يكون راسه عندك..
ليث سريعا وبحدة وعيناه تلمعان بنشوة الانتقام:
– لع, اني عاوزه صاحي…. جيبهولي متكتف من يديه ورجليه كيف الدبيحة!..
صابر بطاعة:
– تمام يا ليث بيه..
وانصرف ليسارع بتنفيذ ما طلبه سيده بينما قبض ليث على أصابع يده اليمنى وهتف بوعيد:
– أنى بجه هعرفك مين هما الخولي؟, إمّا كُتْ أخرّج جلبك ابيدي من صدرك ما كونِش أني ليث الخولي!!
وضغط على يده بشدة حتى ابيضت سلاميات أصابعه بينما يعد الدقائق والثوان التي بدأت عدّها التنازلي ليأخذ بثأر أخيه.. راضي!!
– يتبع –
الحلقة الثامنة
بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
صوت آيات الذكر الحكيم بصوت الشيخ المنشاوي يصدح من المذياع, بينما يجلس الجد وابنيه عثمان ورؤوف مع عدنان وولده ليث في الاستراحة التابعة لمنزل عدنان, مع باقي رجال عائلة الخولي فقط, فلم يأت أحد من أهل البلد لتقديم واجب العزاء, فقد أقسم ليث أنه لن يتقبل أي عزاء في وفاة شقيقه الأصغر إلا بعد أن يأخذ بثأره ممن قتله!..
تحدث الجد والذي قصم موْت راضي ظهره, وقد كَبِر عشر سنوات فوق سنون عمره وقال بصوت خافت ولكنه متمالك لنفسه:
– عرفتو مين وِلْد الحرام اللي اعْمِلْها؟.
عدنان بنظرات حزينة وصوت مشروخ وقد شعر أن بموْت ابنه قد مات جزء من قلبه وروحه:
– ليث مش ساكت يا عمِّي, هنجيبوه فين ما يروح, هيروح منينّا فين؟
ليث بنظرات سوداء مرعبة وصوت غليظ:
– ولمّن نجيبه هخليه يتمنى الموت ما يطولوشيْ!
غيث وهو يربت على كتف ليث:
– وأني معاك يا ولد عمي في أي حاجة تريدها, جولي بس أعمل ايه وأني اعمله..
ليث بهدوء:
– تسلم يا ولد عمي, انما دِهْ طاري أني, وأني اللي هاخده بيديْ.
ثم صمت قليلا قبل أن يتابع بصوت قد اهتز بشكل طفيف:
– راضي ما كانِش خويْ وبس!, لاه.. دِه كان ابني كُمان!
تعالى صوت من بين الرجال الجالسين يقول صاحبه:
– احنا كلاتنا تحت امرك يا شيخنا, ابو عدنان ما كانيش ولد لوحديك ولا خوك لوحديك يا ليث, دِه كان ولدنا كلاتنا وابننا واخونا كًمان, واحنا رجابينا فداكم كلاتكم, اؤمروا واحنا علينا التنفيذ..
رؤوف بهدوء:
– دا العشم بردو يا رجالة…
ثم مال الى شهاب الجالس بجواره قائلا:
– طمني يا بني, اختك عاملة ايه؟
زفر شهاب بحزن وأسى وقال:
– 3 ايام لغاية دلوقتي وهي تايهة خالص, ساكتة, تصدق يا عمي انها من ساعة ما وقعت من طولها بعد ما سمعت الخبر وبعد ما فاقت ما عيطتش؟!, انا قلقان عليها اوي يا عمي, سلمى وسلافة معاها من وقتها وكل ما أجي ادخلها علشان أشوفها يقولوا لي انها رافضة خالص تشوف حد, حتى أمي ومرات عمي لما بيدخلوا عندها ولا كأنها حاسة بيهم, أنا بجد قلقان, بفكر فعلا أجيب دكتور يطمنا عليها…
وفجأة على صوت جلبة وضوضاء ثم ركض الغفير صابر الى الداخل بوجهه الملهوف واقترب من عدنان ليُسرّ اليه ببضعة كلمات أنتفض واقفا على أثرها ثم التفت الى رؤوف الذي وقف بدوره ليميل عدنان اليه هامسا:
– رؤوف يا ولد عمي خلِّك مع جدِّي والرجالة اهنه, أني هروح عند الحريم دجايج وجايْ!
انتبه ليث الى وجه والده الذي يعتريه القلق الشديد, تقدم منه وقال مقطبا جبينه يعترض طريق والده أثناء خروجه من الاستراحة:
– فيه ايه يا بويْ؟, رايح فين دلوك؟, الواد صابر جالك ايه خلّاك تنتفض اكده؟
عدنان بقلق وأسى:
– الله يرضى عنِّيك يا ليث يا وَلدي, خليك مع عمك رؤوف وجدك, اني رايح اشوف الحريم ضروري…
ليث وقد تعمقت عقدة جبينه وبدأ القلق يغزوه:
– ليه يا بويْ, أمي جرالها حاجة بعيد الشر؟!
عدنان وهو يحرك رأسه يمينا ويسارا مجيبا بأسى وحزن:
– أستغفر الله العظيم, لاه مش أمك يا ولدي, دِه.. سلسبيل!
ازدرد ليث ريقه وتساءل بتردد طفيف:
– مالها.. مالها أم عدنان؟
عدنان وهو يهم بالسير:
– معرفش يا ليث يا ولدي, صابر بيجول انه أمك شيّعت له ياجي ينادم عليّ ضروري لانها تعبانة جوي…
ليث وهو يمسك بمرفقه ويهم بالسير معه بخطوات واسعة:
– أني جاي معاك يا بويْ..
عدنان وهو يحاول ملاحقة خطوات ليث:
– بالراحة يا ولدي, ما جدرش ألحج عليك..
ليتمهل ليث بالسير بينما اعتلت عيناه نظرة غامضة لا تفصح عما يجيش بداخله…
وقف عدنان أمام غرفة سلسبيل وهو يسأل زوجته وبجانبها والدة سلسبيل التي تبكي بصمت وهي تمسح دموعها بطرف وشاحها الأسود, هتف عدنان بقلق وتساؤل:
– خبر ايه يا أم ليث؟, سلسبيل مالها؟
أجابت أم ليث ودموعها تغسل وجهها:
– معرفاشي يا حاج, حالتها وعرة جويْ…
ثوان وفُتح باب الغرفة لتقبل عليهم سلسبيل والتي ما ان رآها عمها حتى حدق فيها بعينين واسعتين لا يصدقان ما يرتسم أمامهما, فقد كانت سلسبيل ترتدي احدى عباءتها الملونة المزركشة, بل وتتزين كعروس في انتظار عريسها, وهي تضع وشاح باللون الابيض مزين بوردات باللون الزهري, قالت بابتسامة ناعمة وهي تطالع عمها ومن معه بدهشة:
– عمي.. ايه اللي موجفكم اهنه؟, فيه حاجة؟؟
ابتلع عدنان ريقه بصعوبة وقال بصوت متحشرج:
– سلـ.. سلسبيل يا بتي؟
ردت سلسبيل بابتسامة واسعة:
– اؤمرني يا عمي..
عدنان وهو يزدرد بريقه بصعوبة:
– ايه.. ايه اللي انتي لابساه دِه وعاملاه في نفسك دِه؟
سلسبيل بخجل وقد تلونت وجنتيها بحمرة الحياء:
– ابدا يا عمي, أصل راضي بيحب يشوفني بالعباية ديْ, جولت ألبسها عشان لمّن ياجي ينبسط..
أُسقط في يد عدنان وردد بذهول حزين:
– را.. راضيّ!
أومأت سلسبيل برأسها وهي تجيب بابتسامة فرح كبيرة:
– إيوة يا بويْ, راضي, حدتني من شوي وجالي انه جرّب يوصل..
لمح عدنان سلمى وسلافة تقفان خلف سلسبيل, أشارت له سلمى برأسها ألا يتحدث بما يخالف قولها, سارت سلسبيل ونزلت الدرج يتبعها عدنان والباقين, ما ان أكملت نزولها والتفتت حتى وقع نظرها على ليث الذي ما ان رآها حتى انتفض واقفا كمن لسعته أفعى وهو يردد في دهشة وعدم تصديق:
– سلسبيل!
سارت سلسبيل حتى وصلت اليه وهي ترميه بنظرات مشككة قلقة, وصلت اليها والدتها ومدت يدها تتناولها بين أحضانها وتقول بصوت باكي وهي تربت على كتفها:
– اهدي يا سلسبيل, اذكري الله يا بتّيْ..
قطبت سلسبيل وأجابت باندهاش وحيرة:
– ليه بتجولي اكده يا مّايْ؟
الأم بنواح:
– حرام اللي بتعمليه ديْ يا نضري!
هزت سلسبيل برفض يمينا ويسارا وتعبير استهجان تام يعتلي سيمات وجهها الخمري واستنكرت هاتفة:
– هو ايه ديه اللي بعمله؟ ايه.. بلبس لجوزي… حرام ألبس له وأتغندر له؟, مش فاكرة حديتك ليِّ انه لازمن جوزي ما يشوفش مني الا اللي يعجبه!, جوزي وعلى وصول, واني مستنياه, انما انتو اهنه ليه؟, فيه حاجة؟
اقتربت منها سلافة وربتت على كتفها وهي تقول:
– جايين نقعد معاكي يا ستي.. ايه بلاش؟
سلسبيل بارتباك واعتذار:
– لاه ما جصديشي يا بت عمي, أني بس مستغربة ان كلاتكم اهنه؟..
ثم ضحكت متابعة:
– لا يكون بوي وخواتي هما كمان اهنه واني معرِفش؟!
ليصدح صوت قويا من خلفها يقول بنبرات ثابتة:
– مش هما لوحديهم, عمك رؤوف وبوكي واخواتك وجدي وجدتي كمان, بس جدتي بعافية شوية دخلت تريّح شوي!
قطبت سلسبيل وتساءلت وهي تنظر الى غيث بريبة:
– وليه؟, فيه حاجة ولا ايه؟
تقدم منها ليث ليسلط نظراته على عينيها العسليتين وهو يجيب بتأن:
– جايين يجفوا جنبينا, لغاية ما ناخد بحجنا!
ابتلعت سلسبيل ريقها بصعوبة, وحاولت متابعة سيرها بعيدا عنه وهي تقول بابتسامة مهزوزة رافضة الاسترسال في هذا الحديث الذي بدأ يثير سخطها ولكن هذا هو ليث لا يصدر عنه الا كل ما هو مستفز ومغيظ سواء قول او فعل:
– عموما بيتهم ومُطرحهم, عن اذنكم اني هروح اشوف الوكل, راضي على وصول..
ما ان ابتعدت عنه خطوتين حتى سمعت صوته يعلو من ورائها متسائلا بقوة:
– ما عاوزاشي تعرفي حجنا ايه؟
اضطربت انفاس سلسبيل وسريعا اقتربت منها سلمى وسلافة في حين وقفت ألفت وراوية وأمها يتابعان ما يجري ودموعهن تجري بلا انقطاع, هتفت سلسبيل وهي تعود الى الخلف بينما يتقدم منها ليث بثبات:
– اني ما عاوزاشي اعرف حاجه؟
كادت أن تتعثر في المقعد خلفها عندما امتدت يد ليث سريعا تسندها وأجاب بقوة:
– حجنا في دم خويْ وجوزك.. راضي يا سلسبيل!
صرخت سلسبيل وهي تصيح بعنف:
– انت اتجنيت؟, حج ايه؟, راضي ما جرالوشي حاجة, راضي هياجي, هو جالي انه مش هيتأخر عليّ, هياجي وهنجيب البت اللي بيحلم بيها, بعّد عني, فوتني يا ليث!
حاولت دفعه بعيدا عنها ولكن كانت قبضتيه على كتفيها كالكماشة, بينما كانت في حالة من الهذيان, فلأول مرة تلفظ باسم مخيفها, ووحشها الذي يرعبها بصوته.. لأول مرة تلفظ باسم.. ليث!
هتف ليث بقوة وهو يقرص على كتفيها:
– راضي مات يا سلبيل, مااااااااااات!.
أخذت تحرك برأسها يسارا ويمينا عدة مرات وهي تضع يديها فوق أذنيها رافضة الاستماع بينما اهتزت تعابير وجهها, لتقول بصوت بدأ منخفض ليعلو تدريجيا منتهيا بصرخة عالية:
– لا.. راضي.. راضي.. راضي ما ماتِش..راضي.. تعالى يا خويْ… راضي.. راااااااااااااضي….
لتسقط مغشيا ليها ولكن هذه المرة كانت ذراعي شهاب شقيقها من أنقذتها من الارتطام بالأرض!.
*******************
خرجت سلمى من غرفة سلسبيل بعد أن حقنتها بحقنة مهدئة, كان الجميع بانتظارها وما ان رأوها حتى اندفعوا اليها, سأل شهاب وليث في نفس واحد:
– كيفها دلوك/ عاملة ايه دلوقتي؟
أشارت سلمى بيدها لهما بالتزام الهدوء, ثم دعتهما باللحاق بالباقيين في الاسفل حتى لا يصدروا أصواتا تُقلق سلسبيل.
ما ان نزلوا الى الاسفل حتى التفت شهاب الى ليث هاتفا بحنق:
– لو سلسبيل جرالها حاجة يبقى انت السبب!, انت ازاي تعمل كدا؟, ازاي قدرت تخليها تنهار بالشكل دا, مش كفاية اللي هيا فيه؟
ليث بهدوء ينافي النار التي تستعر في داخله:
– اللي اعملته دِه هو الصوح, وكان لازمن يتعمل من زمان, اختك ما انهارتش زي ما انت فاهم, اختك فاجت دلوك!
قطب شهاب صائحا باستهجان:
– يا سلام, عيّل صغير انا بقه وهتضحك عليه بكلمتين؟!, انا ما صدقتش نفسي وانا داخل وانا بسمعك بتصرخ فيها بالكلام دا, يعني لو ما كانش جدي بعتني أشوف فيه ايه.. كنت ناوي تعمل فيها ايه تاني؟
وقفت سلمى واتجهت اليهما وقالت مقاطعة شجارهما الكلامي:
– معلهش يا شهاب.. بس ليث بيتكلم صح!, اللي عمله دا هو اللي أنقذ سلسبيل من اكتئاب حاد كانت رايحاله برجليها وبسرعة كمان, انفجاره فيها هو اللي خلاها تفوق وتوعى للي حصل, يعني هو فعلا أنقذها من انهيار عصبي واكتئاب حاد.. الله اعلم كان ممكن نهايته توصل معاها لإيه؟!
لفّ شهاب رأسه ناظرا اليها بذهول وهتف:
– انت بتخرفي تقولي ايه؟
سلمى ببرود ولم يعجبها طريقته في الحديث اليها وأمام الجميع لذا أجابت ببرود:
– اظن اني الدكتورة هنا, واعتقد اني أفهم أحسن منك في الموضوع دا, سلسبيل زي أي حد داخل في هستريا, أول حاجة بتعملها لشخصي هستيري انك تحاول تفوقه حتى لو اضطريت تضربه بالقلم, سلسبيل كانت داخله في هستيرية اكتئاب حاد ممكن توصلها انها تفكر في الانتحار, كلام ليث ليها هو القلم اللي فوّقها من اللي كانت فيه, عموما انا اديتها حقنة مهدئة, على الصبح ان شاء الله هتكون كويسة!
ثم التفتت الى الحاضرين متابعة:
– بعد اذنك يا ماما أنا وسلافة هنفضل هنا معاها مش هنعرف نسيبها خصوصا في الفترة دي, يار يت تبلغي بابا, وحضرتك يا طنط – موجهة كلامها الى راوية التي كانت تضع يدها فوق رأسها بينما تمسح دموعها التي تهطل بصورة مستمرة براحتيها – حضرتك يا طنط يا ريت تدخلي تنامي, انتي تعبت اوي انهرده.
ثم نظرت الى تلك السيدة التي فقدت ابنها ولكنها تحاول التجلد والصبر واتجهت اليها بخطوات هادئة وقالت وهي تمسك بكتفيها:
– أنا مش عارفة أقولك ايه ولا أواسيكي ازاي, بس علشان خاطري حضرتك ضغطك كان عالي اوي انهرده, يا ريت تحاولي ترتاحي شوية..
ردت ام ليث من وسط بكائها:
– وهتاجي من فين الراحة يا بنيتي؟, هتاجي من فين؟
اومأت سلمى برأسها ثم ابتعدت وهى تشير لسلافة للحاق بها قبل أن تقف وتوجه حديثها الى ليث متجاهلة تماما ذلك الشهاب الذي يتابعها بنظرات ساخطة غاضبة مذهولة:
– البقاء لله يا ليث, ربنا يجعلها آخر الاحزان..
ثم اتجهت الى الدرج للصعود الى الاعلى مع سلافة لقضاء الليلة مع سلسبيل في غرفتها..
شعر شهاب ان أعصابه على وشك الافلات منه وقال وهو يستدير متجها للخارج:
– أنا ماشي..
أوقفته يد ليث التي وضعها على كتفه وقال بتنهيدة عميقة:
– شهاب, ما تزعلشي منِّي, لكن اللي انى اعملته دِه كان في موصلحتها تمام كيف ما الدكتورة سلمى جالت..
أومأ شهاب برأسه وأجاب وهو يربت بدوره على كتفه:
– أنا مش زعلان يا ليث, ربنا يكون في عوننا كلنا…
**************
جلس شهاب فوق فراشه وهو يقبض يده اليمنى ليضرب بها راحة كفه الأيسر بينما ينفخ بضيق, ثم نهض من مكانه وأخذ يسير جيئة وذهابا في المكان حتى كاد يحفر الأرض من قوة خطواته, هتف بحنق وغضب:
– بقى أنا ما بفهمش حاجة وعامله عليا دكتورة؟..
سكت قليلا قبل أن يتابع وهو يقلّد طريقتها في الكلام:
– ليث صح, ليث عمل المفروض يتعمل, القاء لله يا ليث, ما تقلقش يا ليث.., ليث.. ليث.. ليث.. , اللي يسمعها يقول ليث دا عارفاه عمرها كله, دا أنا اللي اسمي ابن عمها وأقرب لها منه ما بتنطقش اسمي خالص الا نادر جدا, ايه دا؟, وبعدين ازاي عمي يوافق انها تقعد هناك؟, سلسبيل علشان العدة مش هينفع تخرج, لكن الواجب أمي هي اللي تقعد وهي.. قصدي هما.. هي وسلافة يرجعوا بقه!..
ثم ضرب بقبضته حافة النافذة التي يقف أمامها وهو ينفخ بضيق وتأفف بالغين!
**************************
بعد شهر
********
– بابا بعد اذن حضرتك, انا عاوزة أنزل مصر أجدد اجازتي وبالمرة أشوف الدكتور المشرف على الرسالة بتاعتي..
نظر رؤوف الى سلمى ابنته الجالسة فوق المقعد الخيزران في الحديقة الى يساره بينما تجاوره من الجهة اليمنى ابنته سلافة, قال رؤوف:
– انا عارف ان الفترة اللي فاتت دي كانت صعبة عليكم اوي, خصوصا ان ولاد عمكم انشغلوا في موضوع ليث والشغل تقريبا بقه على اكتفاكم انتم..
لا يستطيع رؤوف الانكار أنه يشعر بالفخر ببناته, فقد انشغل غيث وشهاب مع ابن عمهم ليث في البحث عن قاتل راضي, فأخذت بناته على عاتقهن أمر الاهتمام بالمزرعة والديوان في غيابهما, تحت اشرافه هو وأخيه عثمان, بينما التزم الجد الهدوء, وقد أنحنت كتفاه بعد مقتل راضي حفيده, والذي كان أقرب أحفاده إليه, وانشغلت الجدة بالاهتمام بصحة الجد بينما دخلت راوية في حالة من الحزن العميق على ابنتها, لتتولى زوجته ألفت شؤون المنزل لتثبت للجميع حُسن اختيار رؤوف لها, وتثبت لهم يوما بعد يوم أنها بالفعل واحدة منهم….
قالت سلافة بهدوء:
– أنا كلمت زمايلي في الشغل, وبعت ايميل للشركة ببلغهم فيها بمد أجازتي, وانا الحمد لله عندي رصيد كبير من الاجازات..
هز رؤوف رأسه وقال موافقا:
– تمام, يبقى سلافة توصلك الصبح لمحطة القطر تخلصي اللي وراكي وترجعي في نفس اليوم, وتبقي تكلمينا علشان نستناكي في المحطة..
– محطة ايه يا عمي ومين اللي هيسافر؟
قاطع صوت شهاب رؤوف, الذي التفت اليه ليبتسم مجيبا بينما جذب شهاب كرسيّا ليجلس في مواجهة عمه والى يسار سلمى:
– ابدا يا بني, دي سلمى عاوزة تسافر تجدد أجازتها وتشوف الدكتور المشرف على الرسالة..
ألقى شهاب بنظرة سريعة عليها بينما تجاهلته كلية فمنذ صدامهما ذاك اليوم ببيت عمه عدنان وهي تتحاشاه, مع انها تتولى مهام المزرعة بشكل مثير للاعجاب فهي تتحكم بالأمور هناك جيدا وتتعامل مع عمال المزرعة بطريقة حازمة وهادئة, قال شهاب ببرود بينما يحاول ان يسترق النظر اليها بين كل كلمة وأخرى:
– تمام يا عمي, تشوف هي عاوزة تسافر امتى وانا هوصلها!
حدقت فيه سلمى بدهشة ولكنها حاولت اخفائها, تحدثت ببرود نسبي:
– لا مالوش لزوم, سلافة هتوصلني المحطة وهاخد القطر وهرد في نفس اليوم, مالوش لزوم تتعب نفسك!
نظر اليها مجيبا بسخرية هي وحدها اشتمت رائحتها من بين أحرف كلماته:
– تعبك راحة يا بنت عمي, بس ما ينفعش يكون ابن عمك موجود وأختك توصلك المحطة وتاخدي قطر, انا هوصلك وأرجعك..
حاولت سلمى كتم زفرة ضيق كادت تفلت منها وقالت محاولة الهروب من مرافقته:
– لا ما فيهاش حاجة, انا بحب السفر بالقطر..
كانت سلافة تتابع بدهشة طفيفة وريبة ما يدور بين أختها وشهاب في الخفاء, لا تعلم لما تشعر وكأن هناك نظرات سخط متبادلة بينهما, ولكن مؤكد أنه يريد فرض سطوته عليها تماما كأخيه غيث, قد يكونان توائم غير متشابهة شكلا ولكنهما متطابقان تماما في صفاتهما, أرادت انقاذ أختها من إصراره الغريب على مرافقتها وهى تعلم أن أبيها قد بدأ يميل لحل شهاب ليطمئن عليها خاصة أنها لا هي أو أمها تستطيعان مرافقتها, فهتفت بأول شيء طرأ على بالها:
– خلاص.. بسيطة.. نكلم كريم يستناكي في محطة مصر, وأنا متأكده انه هيجيبك زي ما عمل معانا المرة اللي فاتت..
ما ان انتهت من عبارتها حتى رسمت بسمة واسعة فرحة بنفسها أنها قد اهتدت للحل الصحيح, ولكنها فوجئت بشرارات تنطلق من مقلتي شهاب, بينما نظرات أختها الباردة لا تفصح عما إذا كانت قد لاقت الفكرة قبول لديها, ولكن لم تنتظر طويلا لتسمع سلمى وهى تقول بإيجاب:
– فكرة بردو, أساسا عمو وطنط وحشونى أوي, وممكن أروح أسلم عليهم بالمرة..
هتف شهاب بحدة رغما عنه مقاطعا لها:
– لا!, أنا اللي هوديكي..
اندهش رؤوف وقال:
– ليه يا شهاب؟, البنات مش عاوزين يتعبوك, وانا شايف انه حل كريم دا حلو, بس بدل ما يرجعها بنفسه ممكن يوصلها المحطة وترجع بالقطر…
التفت شهاب الى عمه وحاول تمالك أعصابه وهو يجيب:
– معلهش يا عمي, بعد اذن حضرتك.. أنا ما فيش مشكلة انى أوصل سلمى وأستناها ونرجع سوا, وبعدين الحركة هتبقى أسهل بالنسبة لها معانا العربية وأنا اللي سايق يعني مش هتسوق في الزحمة ولا هتلف على ركنة ولا مخالفة ولا حاجة أبدا, وبدل ما نزعج الناس, ويضطر يسيب شغله, ايه رأي حضرتك؟
رؤوف باستحسان:
– والله فكرة مش بطالة..
لترتاح أسارير شهاب ولكن يتابع رؤوف:
– لكن مش تعب عليك يا بني تروح وترجع في نفس اليوم؟
نفى شهاب بقوة بهزة رأس منه:
– لا لا لا أبدا يا عمي…
كانت سلمى تنظر اليه وهى تتحرق غيظا, تكلم والدها قائلا:
– جهزى نفسك يا سلمى الصبح هتروحي مع ابن عمك..
ثم التفت الى شهاب متابعا:
– شكرا يا شهاب, هنتعبك معانا..
أجاب شهاب وعيناه تلمعان من الغبطة لقبول عمه رأيه وأنه اخيرا سيجعل تلك المتحذلقة المغرورة تبتلع لسانها ذاك والذي كال له الكلمات النابية ذلك اليوم بعد انهيار سلسبيل..
***********************
– انت بتجول ايه يا حاج عبد الحميد؟
زفر عبد الحميد ورجع الى الخلف ليستند الى ظهر الفراش وأجاب:
– اللي انت سمعته يا ولديْ..
عثمان بغير تصديق:
– غيث اللي جالك إكده؟, وميتى؟
أجاب الجد بصوت هاديء يحمل رنة شجن واضحة:
– جبل ما يجيلنا خبر المرحوم راضي, في نفس اليوم, بس اللي حوصل خلّا الموضوع يوجف, اني عارف وهو عارف انه مش وجته دلوك لكن هو عاوزنا نفاتحو عمّه في الموضوع علشان يكون عنده علم باللي رايده غيث..
قطب عثمان وقال:
– وليه ما جاشي يتحدت معايا أني؟
ابتسم الجد ابتسامة صغيرة وقال:
– عادي يا ولدي, هو جالي انه هيفاتحك في الموضوع, هو اساسا يومها ما كانِش هيجول لي حاجة لوما أني شوفت حالته كيف وضيّجت عليه في الحديت لوما جال لي….
قال عثمان:
– وانت رأيك ايه يا حاج؟, الوجت فعلا كيف ما انت خابر مش الوجت المناسب, واني أخجل اكلم خوي في حاجة زي ديْ خصوصي في الظروف اللي بتمر بيها بتّي, كلّمه انت يا حاج الله يخليك..
هز الجد رأسه موافقا على كلام ابنه الاكبر وقال:
– ماشي يا أبو غيث, أني هفاتحه في الموضوع وهبلغك باللي هيوحصل…
*****************
– ليث بيه, يا ليث بيه…
صاح الغفير صابر مناديا لسيده ليث الجالس تحت سقيفة العنب الخشبية في حديقة المنزل, نهض ليث واقفا مكشّرا في وجه الغفير وصاح به معنفا إياه:
– فيه ايه؟, عم بتنادم بصوت عالي كيف التور اكده ليه؟
كان صابر يلهث محاولا التقاط أنفاسه بشق الأنفس, تكلم من بين أنفاسه المتقطعة وهو ينحني ساندا راحتيه على ركبتيه:
– لا.. لاجيـ.. لاجيناه يا كبير!
لمعت عينا ليث وتقدم من صابر ببطء حتى وقف بجواره وهو يسأل بهدوء مخيف:
– لاجيتو مين؟
رفع صابر رأسه ثم اعتدل في وقفته وأجاب باحترام لسيّده:
– ولد الحرام اللي جتل راضي بيه!
تساءل ليث بينما عيناه تلمعان لمعة عيني الأسد الذي أوشك على اقتناص فريسته:
– مين يا صابر؟
قال صابر وهو يتنفس بعمق:
– عسران أبو الليل, جاطع طريج, مايعرفناشي وما يعرفش راضي بيه, طلع هو ورجالته على راضي بيه وهو راجع, جطعوا الطريج عليه هو والسواج, هددوهم وضربوا السواج, لكن سي راضي ما وافجش يسيب لهم المال والحلال فجتلوه واخدوا كل حاجة…..
ليث بغضب مكتوم يعتمل في أحشائه كبركان يثور بالتدريج قبل أن تندلع حممه عاليا فيحرق الأخضر واليابس:
– عرفت طريجه؟
هتف صابر:
– ايوة عرفت, اللي دلّنا عليه واحد من رجالته كان سهران عند البت بدوية وهلفط بالكلام على كبيرهم واخر عمليه عِملوها, وحضرتك خابر احنا لينا رجالة في كل مُطرح, والليلة يكون راسه عندك..
ليث سريعا وبحدة وعيناه تلمعان بنشوة الانتقام:
– لع, اني عاوزه صاحي…. جيبهولي متكتف من يديه ورجليه كيف الدبيحة!..
صابر بطاعة:
– تمام يا ليث بيه..
وانصرف ليسارع بتنفيذ ما طلبه سيده بينما قبض ليث على أصابع يده اليمنى وهتف بوعيد:
– أنى بجه هعرفك مين هما الخولي؟, إمّا كُتْ أخرّج جلبك ابيدي من صدرك ما كونِش أني ليث الخولي!!
وضغط على يده بشدة حتى ابيضت سلاميات أصابعه بينما يعد الدقائق والثوان التي بدأت عدّها التنازلي ليأخذ بثأر أخيه.. راضي!!
– يتبع –