وانحنت لأجلها الذئاب
الفصل الخامس والعشرون ( الجزء الأول ) :
خــــارج قصر عائلة الجندي ،،،
راقبت تهاني بوابة القصر بنظرات مضطربة للغاية .. وأسندت كفها المقبوض على صدرها وتمتمت بتوتر :
-ربنا يسترها عليكي يا بنتي ويحفظك من شره !
تنهدت بصوت مسموع وهي تشرأب بعنقها محاولة رؤيتها .. وعاتبت نفسها بقسوة :
-يا ريتني ما وافقت من الأول إنك تروحي ، مش هسامح نفسي لو جرالك حاجة ، استرها يا رب !
شهقت بفرحة جلية حينما رأت ابنتها تركض للخــارج ، فتهللت أساريرها المتشنجة ، وركضت نحوها لتحتضنها ..
أدمعت عيني تهاني بشدة وهي تلف ذراعيها حول ليان ، وبكت وهي تقبلها من وجنتيها :
-الحمدلله انك كويسة
ضمت وجهها بكفيها ، وسألتها بتلهف :
-عملك حاجة ؟ أذاكي ولا آآآ…
قاطعتها ليان بصوت لاهث :
-لأ ملحقش ، بس يالا من هنا قبل ما يكتشف اللي حصل
هزت رأسها عدة مرات وهي تردد بصوت شبه مختنق :
-أيوه ، عندك حق
ثم مسحت عبراتها بكفها وهي تركب في السيارة إلى جوار ابنتها …
……………………..
في المستوصف الطبي ،،،
عاونت الممرضة السمراء الطبيب شامل في الإمســـاك بتقى وتقييد حركتها حتى لا تفلت منه ..
بينما لم تكف تقى عن المقاومة ، وإستبسلت بشراسة في الذود عن جنينها وحمايته من بطش ذلك الرجل الذي إستشعرت فيه الوجـــه الأخـــر الشيطاني لمهاب ..
أشـــار شامل بعينيه لها قائلاً بصرامة :
-جهزيلي بسرعة حقنة (( … ))
اعترضت الممرضة قائلة بإنزعاج :
-بس لو سبتها آآ….
قاطعها بجدية وهو يحكم قبضته على تقى التي كانت تنتفض بجسدها بشراســـة لتتحرر منه :
-أنا ماسكها كويس ، روحي هاتيها
تركتها الممرضة ، وأسرعت نحو خزانة زجاجية ، ثم فتحتها وبحثت بعينيها عن الدواء المطلوب ، وأخرجته من الرف السفلي ، ثم أخذت منه البعض في إبرة طبية ، وعــادت إلى شامل الذي قبض بشدة على ذراع تقى ، وأمرها بصوت حــاد :
-اديها الحقنة دي في دراعها بسرعة
اتسعت حدقتي تقى بهلع جلي بعد كلماته المفزعة ، وتلوت بجسدها لتتفادها ، ولكن أمسكت الممرضة بذراعها ، وثبتته جيداً وهي تغرز الإبرة الطبية فيه ..
ثم نظرت لها شزراً وهي تغمغم بخفوت :
-أعوذو بالله منك ، هديتي حيلي على الفاضي
تسربت المادة الطبية عبر عروق تقى وانتشرت في جسدها ، فأشعرتها بحالة من الإرتخــاء الإجباري .. وبدت الرؤية مذبذبة بالنسبة لها
ثم تحرك شامل بها نحو المقعد المقابل لمكتبه ، وأجلسها عليه بحذر ، ثم نفخ بإرهــاق ، وسلط أنظاره على ممرضته المقيتة وهو يردد بجدية :
-شوفيلي فين مدبولي ، وابعتيه
تسائلت تقى بصوت متثاقل وهي تتمايل برأسها للجانبين :
-انتو .. انتو عاوزين مني ايه ، حــرام عليكم .. أنا .. أنا معملتش حاجة !
ردت عليها الممرضة بتهكم واضح :
-انتي اللي عاوزانا يا إدلعدي مش احنا ، وجاية هنا بخطرك ، ولا ساعة الـ آآ…
قاطعها شامل بحدة وهو يشير بإصبعه :
-روحي اعملي اللي قولتلك عليه !!
-حاضر يا ضاكتور
قالتها الممرضة بإمتعاض وهي تتجه إلى خـــارج الغرفة …
أدمعت عيني تقى بشدة ، وشعرت بذلك الثقل الرهيب في جفنيها ، وهمست متسائلة بصوت مختنق :
-انتو .. انتو هتعملوا فيا إيه ؟
إلتفت شـــامل نحوها ، ودنا منها أكثر .. ثم مــد أنامله ليتلمس وجنتها ، وأجابها بهدوء مخيف وهو يرمقها بنظرات شهوانية :
-مش معقول واحدة زيك مش فاهمة هي هنا ليه !
جاهدت لتفتح عينيها وهي تســأله بوهن :
-انت.. انت عملت فيا ايه ؟
مـــال عليها برأســـه ، فشعرت بأنفاسه البغيضة تلفح وجهها ، فزاد شعورها بالغثيان ، وأجابها بخبث :
-ولا حاجة لســه ، وبعدين أنا مش عاوزك تقلقي معايا .. ده أنا آآ…
صمت للحظة ليتفحصها بنظرات أكثر وقاحة ، وســال لعابه وهو يتابع بدناءة :
-هاريحك على الأخـــر ، ومش هاتحسي بحاجة معايا ! ثواني وراجعلك !!
ثم اعتدل في وقفته وحدجها بنظرات أكثر مكراً ، وبرزت إبتسامته الوضيعة وهو يفرك عنقه ، ثم أولاها ظهره ، وأخــذ نفساً عميقاً وهو يتحسس صدره وتحرك نحو باب الغرفة متمتماً بإنزعـــاج :
-ايه اللي أخرك يا زفت ! هتضيع عليا الحتة الجامدة دي أونطة !
راقبته تقى بهلع كبير حتى خرج من الغرفة ، وغريزياً حركت يدها المرتخية نحو بطنها لتتحسسه ، وبَح صوتها الهامس وهي تجاهد للصراخ :
-حــ.. حد يلحقني ! سـ.. ساعدوني !
……………………..
في الحارة الشعبية ،،،،
وصـــل أوس قائداً سيارته الخاصة إلى مدخل الحـــارة ومن خلفه عدي وسيارة الحراسة الخاصة .. ثم ترجل منها ، وركض ناحية مدخل البناية …
انتبه الحارسين إليه ، وهتف أحدهما بجدية :
-مساء الخير يا باشا
لكزه أوس في كتفه وهو يندفع للمدخل قائلاً بغلظة :
-وســـع من سكتي !
ثم انطلق ناحية الدرج وأســرع بالصعود عليه ..
لم ينطق أي أحد بكلمة ، بل مضوا في طريقهم خلفه صامتين ..
وصــل أوس للطابق المتواجد به منزل تقى ، وطرق الباب عدة مرات بعنف وهو يهتف بصوت هــــادر :
-تـ.. تقى ! افتحي ، تقـــى !!
لكن لم يأتيه أي رد من الداخل ، فإنقبض قلبه أكثر .. واستمر في الطرق بعنف أشـــد ..
وقف عدي خلفه ، وأردف قائلاً بحذر :
-بالراحة يا أوس ، مش كده !
لم ينظر إليه الأخير ، بل صــاح بإنفعال وهو مستمر في الطرق بعصبية :
-تقى مش بترد !
رد عليه عدي بحرص وهو يحاول إبعاده للخلف :
-يمكن مش سامعة وآآآ…
قاطعه أوس بصوت هادر يحمل الغضب :
-كل ده ومحدش سامع ، أنا هاكسر الباب !
جحظ عدي مصدوماً ، وردد بإندهاش جلي :
-اييييه !!
لم يمهل أوس نفسه فرصة للتفكير ، بل إندفع بجسده بكل غضب نحو باب المنزل ليحطمه ، فصاح به عدي بقلق :
-استنى يا أوس !!!!!
-متقوليش استنى
قالها أوس بإهتياج وهو يدفع الباب بكتفه بقوة رهيبة لينفتح على مصرعيه ..
ثم خطى مسرعاً نحو الداخل ، وزاد خفقان قلبه برعب حينما وجد المنزل هادئاً للغاية ، وخالياً من قاطنيه ..
وبلا وعــي بحث بعينيه المحتقنتين عن تقى في الصالة فلم يجدها ، فأســرع نحو غرفتها ، واقتحمها بلا تردد .. فكانت خاوية هي الأخــرى ، فركض كالمجنون مفتشاً عنها في كل أرجـــاء المنزل وهو يصرخ بإسمها ..
توجس عدي هو الأخـــر خيفة على ليان ، وتسائل بنبرة شبه مذعورة :
-هما راحوا فين ؟ ده محدش هنا ! ولا حتى مـ.. مدام تهاني !
ثم أخــــرج هاتفه المحمول ، وبحث عن رقم تهاني ليهاتفها .. ووضع الهاتف على أذنه ، وانتظر بنفاذ صبر إجابتها عليه ..
استمع هو إلى صوتها الهاديء وهي تجيبه قائلة :
-أيوه يا عدي بيه ، أنا آآ…
قاطعها متسائلاً بصوت متلهف :
-انتو فين يا مدام تهاني ؟
ردت عليه بنبرة شبه متعجبة :
-أنا مع ليان برا البيت ، وفي الطريق أهوو
سألها بجدية مبالغة :
-طب هي تقى معاكو ؟
أجابته بإستغراب :
-لأ .. احنا سايبنها مع أمها !
صمتت لثانية قبل أن تســأله بتوجس بعد أن استشعر قلبها وجود خطب ما :
-هو .. هو حصل حاجة ؟
رد عليها بيأس :
-تقى مش موجودة في البيت ، وأوس قابل عليها الدنيا !
شهقت بصوت مسموع وهي تسأله بقلق :
-ايييييه ، راحت فين دي ؟ وفين فردوس ؟!!!
أجابها على مضض وهو يفرك رأسه :
-مافيش حد هنا خالص
هتفت بتوتر بالغ :
-طب إزاي !!
……………………..
في المستوصف الشعبي ،،،،
بداخل غرفة الطبيب ،،،،
شعرت تقى بتنميل رهيب في أطرافها بعد أن أصبحت بمفردها في الغرفة .. وبثقل كبير يجتاح جسدها .. وأنها أصبحت كالمشلولة ، غير قـــادرة على الحركة أو الفرار ..
مالت برأسها للجانب بوهن ، فلمحت بعينيها هاتفها المحمول الذي أسندته على سطح المكتب وتركته على وضعيته الصامتة ..
رأت بجفنيها – واللذين تحاول إبقائهما مفتوحين – اسم أوس يظهر على شاشته ، فكافحت لرفع ذراعها للضغط على زر الإيجاب ..
وبالفعل نجحت في هذا بعد محاولة أخيرة استجمعت فيها كل قوتها الواهنة ..
لم تتمكن من الإجابة عليه ، ولكنها سمعت صوته يصرخ بإسمها قائلاً بفزع :
-تقى .. انتي فين ؟ ردي عليا ! تقى !
حاولت أن تجيبه ، لكن خرج صوتها ضعيفاً مبحوحاً ، وغير مسموع بالدرجة الكافية ..
-ردي عليا يا تقى ، قوليلي سبتيني وروحتي فين ؟
قالها أوس بصوت منفعل للغاية ..
اختنق صــوتها ، وبكت بتحسر بعد أن أدركت صعوبة الرد عليه …
فُتح باب الغرفة ، ودلف شـــامل إلى الداخل ومعه مدبولي ، ورمقها الاثنين بنظرات متفحصة ، فتسائل مدبولي بصوت آجش وهو يقترب منها :
-هي دي الحالة يا ضاكتور ؟
إنتبه أوس إلى ذلك الصوت الرجولي الذي سمعه تواً عبر الهاتف ، وأصغى بإنتباه تـــام له …
رد شامل بفتور وهو يدعي البراءة :
-ايوه يا مدبولي
أمسك مدبولي برسغ تقى ، ولفه حول عنقه ، ثم مرر ذراعه خلف ظهرها ، واحنى نفسه للأسفل ليمرر الذراع الأخــر أسفل ركبتيها ، وهتف بنزق وهو يرفعها عن المقعد ليحملها :
-باين عليها مسلمة نمر على الأخــر
إلتوى ثغر شامل إلتواءة خفيفة ، ورد عليه بهدوء مصطنع :
-زي ما إنت شايف ، جيالي خلصانة خالص !
ثم تحرك خلفه وربت على ظهره ، وحدق في تقى بنظرات طامعة ، وبرزت ابتسامة خبيثة من بين أسنانه وهو يتابع بمكر :
-خدها انت بس على العمليات خليني أنجز معاها ، وأسقطها قبل ما آآآ… ما أفنش شغلي ، وأحط لمستي الأخيرة !!
نزلت كلمات ذلك الطبيب المقيت على سمع أوس كالصاعقة المهلكة ، فشهق بصوت هـــــادر :
-تقـــــــــــــــى !!!
……………………..
بحثت فردوس عن مقعد شــاغر لتجلس عليه بين المتواجدين في الإستقبال الخـــارجي بعد أن تخلت عن ابنتها ، وأسلمتها لذلك الطبيب لينفذ رغبتها ..
فركت أصابع كفيها بتوتر وهي تطالع أوجــه الجالسين ، فرأت فيهم نظرات ابنتها المتوسلة لإنقاذها ، فشعرت بغصة في حلقها ، وبتأنيب الضمير ، ولكنها حاولت إقناع نفسها أن ما فعلته هو الصواب ، وأنه كان من أجل حمايتها وإنتشــال عائلتها من بؤرة البؤس والشقاء ..
في نفس التوقيت ، ولجت المــرأة التي تم إنتهاك براءة أختها الصغرى إلى الإستقبال ومعها عدة رجـــال أشداء يحملون في أيديهم عصي غليظة وأسلحة بيضاء …
رمقت تلك المرأة الحاضرين بنظرات متجهمة للغاية ، وصاحت متسائلة بتشنج :
-فين الضاكتور النجس اللي اسمه شامل ؟!
انتبهت فردوس إلى صوت المرأة الغاضب ، وحدقت فيها بقلق وهي تحاول فهم ما يدور ..
رأتها الممرضة السمراء ، فخطت نحوها وهي عابسة الوجه ، ولكنها لمحت الرجــال المصاحبين لها ، فإزدردت ريقها بتوتر ، ثم أجابتها بحذر :
-إنتي .. انتي عاوزاه ليه ؟
ردت عليها بإنفعال وهي تحدجها بنظرات مميتة :
-جاية أخد حق اختي منه
أضـــاف رجل ما واقفاً بجوارها بنبرة عدائية :
-مش هانسيب تار بنتنا ! وهندبحه !
شهقت فردوس مصدومة على إثر تلك العبارات المخيفة ، ورمشت بعينيها بخوف ..
تباينت ردود أفعال المتواجدين ما بين هلع واضطراب كبير .. وســادت حالة من الهرج والمرج
صرخت المرأة بإهتياج وهي تشير بكف يدها :
-طربقوا المكان على اللي فيه لحد ما تجيبوا أم الضاكتور ده هنا !
هربت الممرضة السمراء من أمامها لتطلب المعاونة من زملائها في العمل ..
هبت فردوس من مكانها مذعـــورة ، وأسرعت نحو تلك المرأة وسألتها بهلع :
-هو .. هو في ايه ؟
حدجتها المرأة بنظرات إحتقارية ، ولوت ثغرها وهي تجيبها بإزدراء :
-في إن المستوصف ده بيشغل كلاب سعرانة مش دكاترة فيه بينهشوا لحم بناتنا واحنا مش دريانين
إتسعت حدقتي فردوس مصدومة ، وسألتها برهبة :
-آآ.. قصدك ايه ؟
لكزتها المرأة في كتفها ، ودفعتها بقوة للخلف مجيبة إياها بنفاذ صبر :
-هو أنا هارغي معاكي كتير ، وسعي من سكتي خليني أشوف أمـــه ابن الـ **** ده !!!
كذلك ركض بعض الممرضين وهم يحملون في أيديهم أدوات حـــادة نحو هؤلاء الرجــال لمنعهم من إقتحام المستوصف ، فنشبت بينهم مشاجرة عنيفة تحطم على إثرها الأثاث الموجود بالإستقبال …
حاولت فردوس الإختباء منهم والنجاة ببدنها من بطشهم ، وفي نفس الوقت الوصـــول إلى ابنتها ، والهروب من هذا المكان قبل تطور الوضــع للأسوأ ، ولكن كان الرواق المؤدي لغرفة الطبيب يعج بالرجال المتلاحمين ..
فإنقبض قلبها ، وزاد هلعها ، و…………………….